عربي21:
2024-09-17@10:17:29 GMT

الدين والسلطة (الضرورة وقدرها)

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

على الرغم من أن الدولة في التاريخ الإسلامي لم تقم لها قوة إلا بـ"الدين"، كما ولا يُغفل أبدا دورها الواضح والمحدد في القيام بأمور الدين.. إلا أنها لم تكتسب أبدا صفة تتصل بـ"القداسة" وما وراء البشر والطبيعة، كما سيروي لنا تاريخ الحكم والدين والدولة في أوروبا.. وللمفارقة سيكون هو نفس الوقت تقريبا الذي أشرقت فيه شمس الإسلام على الدنيا بهذه الأفكار الكبرى عن الدين والحياة.

.

الراشدان الكبيران أبو بكر وعمر رضى الله عنهما أسسا من أول يوم لهما في الحكم، لعلاقة واضحة بين كل مكونات الكيان الجديد (الدولة) وعلاقة هذا الكيان بجموع الناس؛ مسلمين وغير مسلمين.. منعا لأي انحرافات بالموضوع عن مراده الحقيقي، والذهاب به إلى دنيا الهوى والأهواء. وهي العلاقة التي تقوم على "من رأى مني اعوجاجا فليقوّمه".. لا قداسة هنا ولا عصمة.. هنا بشر يصيبون ويخطئون..

* * *
لم يكن الدفع بالمسألة في المسار الديني إلا لأسباب لا علاقة لها بالدين نفسه، وهو ما سيزيد الحالة تعقيدا على مدار التاريخ كله.. وصدق من قال إن الأمة إلى يومنا هذا تسدد "فاتورة" معركة صفّين الشهيرة (657م) ليس على مستوى الصراع المذهبي فقط (شيعة وسنة)، ولكن على مستوى الكثير من المفاهيم والأفكار
وهذا ما استوقف علامة الفكر السياسي الإسلامي في العصر الحديث د. حامد ربيع رحمه الله (ت: 1989م) فوصف العلاقة بين الحاكم والمحكوم في السياسة الإسلامية بأنها بسيطة، وبلا وسيط.. تنبع من مفهوم تبعية العلاقة الدينية بين المسلم وخالقه، وتتحدد بها علاقة المسلم بالكتاب وتعاليمه التي تحدد خصائص هذه العلاقة.. وتتميز بالبساطة لأنها قائمة على مفهوم "الحرية" ومفهوم "التوحيد" ومفهوم "الكرامة" الإنسانية.

* * *

لكن الأمر تطور على نحو آخر وبشكل سريع بعد أن رفع معاوية رضي الله عنه (ت: 680م) المصاحف في وجه الإمام على كرم الله وجهه في صفّين، وهو ما استغربه الإمام علي، وحذر أصحابه منه والذين كانوا بالفعل قد تم تشتيتهم عن أصل الموضوع بهذا الموقف الأريب..

ولم تكن الآية الكريمة في سورة الحجرات التي تتناول فكرة القتال بين فئتين مؤمنتين حاضرة في المشهد، فنحن هنا أمام خروج عن الدولة الجديدة المعترف بشرعيتها، ببيعة الناس للإمام علي خليفةً بعد سيدنا عثمان رضى الله عنه (ت: 656م)، وإلا كان سيدنا علي سيكون أول المرحبين بفكرة التحكيم.. دائما ستكون المشكلة في العنوان الذي يندرج تحته الموضوع..!

* * *

لم يكن الدفع بالمسألة في المسار الديني إلا لأسباب لا علاقة لها بالدين نفسه، وهو ما سيزيد الحالة تعقيدا على مدار التاريخ كله..

وصدق من قال إن الأمة إلى يومنا هذا تسدد "فاتورة" معركة صفّين الشهيرة (657م) ليس على مستوى الصراع المذهبي فقط (شيعة وسنة)، ولكن على مستوى الكثير من المفاهيم والأفكار، التي طرحت في مساراتها أسئلة كثيرة بلا إجابات حقيقية كافية.

سيستمر الأمر على هذا التداخل الذي سيتجه إلى تحقيق مصالح تتعلق بحيازة الدنيا، لا بإقامة الدين، وان كثر معسول القول وزاد. سيتم تثبيت الحكم الأموي الوراثي بتعميم دعاء "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت" على كل المساجد في كل الأمصار، للإيهام بأن الحاكم قد جاء بإرادة الله لا بإرادة البشر
سيستمر الأمر على هذا التداخل الذي سيتجه إلى تحقيق مصالح تتعلق بحيازة الدنيا، لا بإقامة الدين، وان كثر معسول القول وزاد. سيتم تثبيت الحكم الأموي الوراثي بتعميم دعاء "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت" على كل المساجد في كل الأمصار، للإيهام بأن الحاكم قد جاء بإرادة الله لا بإرادة البشر، فسبحانه وتعالى له الخلق والأمر كله. بالطبع كانت هناك أشياء أخرى، كالمال والأعوان والسياسة.

* * *

وقبل كل ذلك "اللغة" التي استخدمها سيدنا معاوية رضى الله عنه كثيرا في إدارته للشأن السياسي.. لغة القول وسلطته، وما يجعلك دائما على صواب.. لغة الإيهام وفن القول..

الفيلسوف الألماني شوبنهور (ت: 1860م) له كتاب اسمه "فن أن تكون دائما على صواب"، ترجمة د. رضوان العصبة، قال فيه: إننا نميل إلى دحض حجة الخصوم حتى لو كنا مخطئين وهم على حق..

وسبب ذلك الدونية الطبيعية في البشر..!! النزاهة تتطلب البحث عن الحقيقة، لكن الكبر عند معظم الناس مصاحب دائما بالجدل وعدم النزاهة..

* * *

يحكون أن معاوية رضي الله عنه قال ذات مره في إحدى خطبه: إن الله تعالى يقول "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم"، وأضاف: فعلامَ تلوموني إذا قصّرت في عطاياكم؟

فقال له أحدهم: وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله الله لنا من خزائنه، فجعلته أنت في خزائنك، وحُلت بيننا وبينه.

وكل كلام وله كلام، وحين تفتح الكلام على هذا النحو فلن تنتهي الحكايات.

* * *

إن يكن من أمر فقد أثبتت لنا تجارب التاريخ الإنساني الطويل، أن حضور الدين في السلطة يجب أن يكون بمقتضى الضرورة، كما يقولون، ووفق ضوابط وأحكام لا خلاف عليها البتة، والإفراط في الحديث باسم الدين حول السلطة لا يفيد الدين أبدا، ومفسد للسلطة فسادا كريها.

كل ما تنطق به السلطة هو اجتهاد بشرى لا قداسة فيه، قابل للمعارضة والرفض والتصويب والمحاسبة، ويجب أن يظل دائما كذلك.. والدين متمم المكارم يراقب المسألة "من بعيد لبعيد" ويقول رأيه ناصحا ومرشدا وهاديا ودليلا
فكل ما تنطق به السلطة هو اجتهاد بشرى لا قداسة فيه، قابل للمعارضة والرفض والتصويب والمحاسبة، ويجب أن يظل دائما كذلك.. والدين متمم المكارم يراقب المسألة "من بعيد لبعيد" ويقول رأيه ناصحا ومرشدا وهاديا ودليلا.

وحكى لنا أ. فريد عبد الخالق رحمه الله (ت: 2013م) عن أن الأستاذ حسن البنا (ت: 1948م) كان دائم الإشارة إلى "التجربة الفابية" في إنجلترا التي تأسست عام 1884م.. وكانت جماعة إصلاحية تعتمد على نشر الأفكار والأخلاق والتعليم والتواصل مع النخب والعوام وتقليل الفجوات الطبقية..

ولكن هذه الأفكار للأسف الشديد ضاعت في زحمة التاريخ الصاخب للأحداث، عبر الانقلابات والصراعات النفسية العليلة..

* * *

وكان من الممكن أن تتحول الحركة الإصلاحية كذلك.. وتكون الطليعة التي تراقب "من بعيد لبعيد" محتفظة لنفسها بعلاقة جيده مع السلطة، بما يمكنها من قول النصيحة الخالصة، المصفّاة من كل شوائب الغرض والمنافسة على السلطة.. أيضا تحتفظ بعلاقة متينة مع المجتمع، بما يمكّنها من الحركة الهادفة إلى تعميم مكارم الأخلاق (التي بُعث الرسول الكريم لتتميمها).. وهو الجهد الذي ينتج "رجال المكارم" الذين ينطلقون في رحاب المجتمع والدولة، يمارسون الأعمال التنفيذية في السياسة والحكم والإدارة، وهم محصنون بالفهم الإسلامي الشامل وبأخلاق الإسلام الصلبة، متوجين بالنزاهة والترفّع عن الدنيا وأغراضها.

twitter.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدين السلطة السلطة المسلمين الدين سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على مستوى الله عنه

إقرأ أيضاً:

على أنغام «في حضرة المحبوب».. تكريم علماء الدين في احتفالية المولد النبوي 

أجواء دينية وروحانية مميزة شهدها مركز المنارة للمؤتمرات، اليوم الاثنين، خلال تنظيم احتفالية ذكرى المولد النبوي الشريف، التي تضمنت العديد من الفعاليات، كان من بينها تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي لعدد من علماء الدين، منهم سامي الشعراوي، نجل الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، كما جرى خلال التكريم  الاستماع إلى أغنية «في حضرة المحبوب»، للفنان وائل جسار.

«السيسي» يكرم بعض علماء الدين في احتفالية المولج النبوي

وكرَّم الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال احتفالية ذكرى المولد النبوي الشريف، عددًا من علماء الدين من داخل مصر وخارجها؛ تقديرًا لدورهم وجهودهم الكبيرة في نشر الإسلام الوسطي والتعاليم السمحة، وكان العلماء الذين تم تكريمهم من داخل مصر، هم:

المكرمون من داخل مصر

- الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم علّام، مفتي جمهورية مصر العربية السابق.

- الشيخ سامي محمد متولي عبد الحافظ الشعراوي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية الأسبق، ونجل الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي.

- الشيخ منصور الرفاعي محمد عبيد، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق.

- الدكتور هشام عبد العزيز علي عبد الرحمن، رئيس مجموعة الاتصال السياسي والتواصل المجتمعي بوزارة الأوقاف.

- المهندس مجدي عبد الله محمد أبو عيد، مدير عام الإدارة العامة للشئون الهندسية بوزارة الأوقاف سابقًا.

- الدكتورة فاطمة عنتر محمد بدري، واعظة معتمدة بوزارة الأوقاف.

المكرمون من خارج مصر

ومن خارج جمهورية مصر العربية، كرّم «السيسي» كلًا من: 

- الدكتور زاميير راكييف، رئيس مجلس العلماء بجمهورية قرغيزستان.

- الشيخ عبد القادر شيخ علي إبراهيم، وزير الأوقاف والشئون الدينية سابقًا بجمهورية الصومال.

أغنية «في حضرة المحبوب»

وخلال احتفالية ذكرى المولد النبوي الشريف، استمع الحضور إلى أغنية «في حضرة المحبوب»، من غناء الفنان وائل جسار، وتأليف نبيل خلف، وألحان وليد سعد، وتوزيع عادل عايش، وجاءت كلمات الأغنية، كالتالي:

«ينطق باسمه الحجر ومفيش نبي زيه

الشمس ويّا القمر اتخلقوا من ضَيه

آه يا آمنة لما اتولد جبريل نزل سَماه

الله واحد أحد صلى عليه في سماه

في حضرة المحبوب أحمد رسول الله

الروح في نور بتدوب وعليه سلام الله

رب الحرم والبيت أنا تبت مش ندمان

عشمان في أهل البيت في المصطفى العدنان

في الحلم لما بكيت طبطب على كتفي

بتوضى لما صحيت بدموعوا في كفي

في كل جرح دواء وربنا الشافي

ومافيش ضمير لرضاه لو قلبي مش صافي 

عشمي في نظرة رضا والنور عليا يبان

نور النبي اللي اهدتى بالرحمة من الحنان

باب الشفاعة اتفتح وبإذن من الرحمن

وأنا حالي لما اتصلح جالي الرسول فرحان».

 

مقالات مشابهة

  • تطورات جديدة ومفاجئة… قوات الاحتلال تحاصر شوارع بمحيط مقر السلطة في رام الله
  • قوات الاحتلال تحاصر شوارع بمحيط مقر السلطة في رام الله.. وتعتقل زوجة الأسير أحمد سعدات
  • قوات الاحتلال تحاصر شوارع بمحيط مقر السلطة في رام الله.. ويعتقل زوجة الأسير أحمد سعدات
  • على أنغام «في حضرة المحبوب».. تكريم علماء الدين في احتفالية المولد النبوي 
  • قبلان: الضرورة الوطنية العليا تفترض تسوية رئاسية تعكس ميثاقية البلد والعيش المشترك
  • في ذكرى مولده.. هل قصة المولد النبوي لها أصل في الدين؟
  • انطلاق عمليات محمد رسول الله في صحراء نينوى والأنبار وصلاح الدين
  • الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أصل الدين ومنارة الإسلام
  • صدور قرار بتعيين الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين وعلوي عقيل في السلطة القضائية
  • السلطة المحلية بصنعاء تنظم فعالية مركزية احتفاءً بذكرى المولد النبوي الشريف