يُعد جامع سليمان باشا الخادم في قلعة الناصر صلاح الدين الأيوبي، هو أول جامع في مصر يتم بناؤه على الطراز العثماني، وهو من الطرز المختلفة عن الطراز التقليدي للجوامع، والذي يطلق عليه بعض المتخصصين الطراز العربي.

والطراز التقليدي للجوامع والذي انطلق بادئ ذي بدء من شبه الجزيرة العربية، وهو الطراز الذي بنى به الرسول صلى الله عليه وسلم أول جامع في الإسلام وهو جامع المدينة المنورة، حيث يتكون الجامع من صحن أوسط سماوي مكشوف، وفي ناحية القبلة توجد ظُلة كبيرة، يستند سقفها إلى أعمدة، ثم 3 ظلات أخريات أقل عمقًا تحيط بالصحن، فيصبح الجامع مكونًا من صحن وأربع ظلات.

وفي الحقيقة أن هذا الطراز هو الأنسب للمناخ الصحراوي، ويُشعر سكان تلك المناطق بنوع من الراحة النفسية خصيصًا في حالة اتساع مساحة الجامع، حيث يعمل الصحن الأوسط دائمًا على تلطيف حرارة الأجواء، وبما أن البلاد الصحراوية تتميز بقلة تساقط الأمطار في المعتاد، فيكون الصحن المكشوف هنا بمثابة المتنفس للجامع، وانتشر هذا الطراز في مصر، بعد أن بنى عمرو بن العاص جامعه الشهير في الفسطاط أول جامع في مصر وأفريقيا.

وتوالى بناء الجوامع طوال العصور المتتالية، سواء في العصر الطولوني حيث بنى أحمد بن طولون جامعه فوق جبل يشكر وهو المعروف حاليًا بجامع أحمد بن طولون أو بالجامع الطولوني، عام 265 هـ، وهو على ذات التصميم وإن زادت حول الصحن  من الخارج مساحات جديدة تعرف بالزيادات، وهو يماثل في ذلك جامع سامراء وجامع أبي دلف في العراق. 

ثم جاء العصر الفاطمي والجوامع اتخذت من ذات الطراز سبيلًا، وأشهر جامعين فاطميين هما الأزهر والذي أقيمت أول جمعة فيه عام 361 هـ، والحاكم والذي تم البدء في بناءه عام 380 هـ في عصر العزيز بالله وتم اكتمال بناء الجامع في عهد إبنه الحاكم بأمر الله عام 403 هـ، وجاء تصميمهما على ذات الطراز صحن وأربع ظلات.

وهكذا استمر الوضع والحال حتى نهاية العصر المملوكي، وامتد هذا الطراز، «الصحن ويحيط به 4 ظلات»، إلى المدارس والخانقاوات، فنجد أن المدرسة تتكون من صحن يحيط بها 4 إيوانات، وأشهر مثال على ذلك مدرسة السلطان حسن والتي أمر ببناءها عام 757 هـ، والخانقاوات، والتي أيضًا تتكون من 4 إيوانات في وسطهم صحنًا سماويًا مكشوفًا، ومن أشهر الأمثلة على الخانقاوات، خانقاة بيبرس الجاشنكير في شارع الجمالية والتي أمر ببناءها عام 706 هـ، والخانقاة هي مكان إقامة وتعبد الصوفية. 

ومع انتهاء العصر المملوكي، واستيلاء العثمانيين على مصر، انتقل طرازًا جديدًا في بناء الجامع يختلف في الشكل والتصميم، وحتى في المآذن عن الجوامع المصرية، ويُعد جامع سارية الجبل في القلعة أكبر وأدل الأمثلة على تلك النقلة في التصميم والشكل، وكذلك في الفنون.

وهنا نأتي لتصميم جامع سارية الجبل، بالطبع نعرف أن العثمانيين استولوا على مصر بقيادة سليم الأول عام 1517م، وتوالى الولاة عليها، حتى جاء الوالي سليمان باشا الخادم في عهد السلطان سليمان القانوني، وقرر بناء جامعًا آخرًا في القلعة، بعد أن أصبح جامع الناصر محمد بن قلاوون لا يفي بحاجة المصلين.

فاتخذ قراره ببناء جامعًا في هذا المكان، الذي يقع في القسم الشرقي لقلعة صلاح الدين الأيوبي، وجاء الجامع على طراز مختلف عما اعتاد عليه المصريون، حيث تكون من بيت صلاة مغطى بالكامل وله باب يُغلق عليه، ثم يليه الصحن الذي يعتبر أمام بيت الصلاة، أي أن الصحن أصبح ملحقًا بالجامع، وليس في منتصفه، وسقف بيت الصلاة بكامله عبارة عن قبة مركزية يحيط بها أنصاف قباب، والصحن يحيط به رواق، وسقف الرواق عبار عن قباب متجاورة ولكن أصغر حجمًا، حيث وصل عدد القباب في هذا الجامع إلى 23 قبة.

ثم نأتي للمأذنة والتي نجد أنها على شكل القلم الرصاص، مدببة القمة، وليس لها بلكونات كما هو المعتاد مع المآذن المملوكية ذات الجوسق والقمة البصلية والبلكونات التي يقف فيها المؤذنين، فهذا الطرز غريب على أهل مصر، وغير معتاد في العمارة المصرية.

وسبب ذلك أن البلاد التي جاء منها الأتراك هي بلاد تتميز بالمناخ البارد، والذي يصل إلى تساقط الثلوج، لذلك يكون بيت الصلاة مغلق تمامًا لاتقاء برد وثلوج الشتاء، في حين أن الصحن خارج بيت الصلاة، والذي من الممكن أن يصلي فيه الناس وقت اعتدال الأجواء.

كما أن المئذنة القلمية، صُممت بهذا الشكل لتتغلب على تراكم الثلوج، فهذا هو الغرض المعماري الأول، حتى ألفت أعين العثمانيين ذلك التصميم وصار من علامات عمارتهم في الجوامع، وبسهولة تستطيع أن تفرق ما بين الطراز العثماني والمملوكي عن طريق شكل المآذن.

أما عن الزخارف فحدث ولا حرج، فالزخارف العثمانية تختلف شكلًا وموضوعًا عن الزخارف المملوكية، حيث تتميز الثانية بأنها شرقية الطابع، تميل إلى التجريد، وكثرة فن الأرابيسك وهو الزخارف النباتية المتداخلة التي لا يُعرف لها بداية من نهاية يغلب عليها، أما الزخارف العثمانية، فتتميز أنها أميل إلى التجسيد، فنجد أن أشكال الورقات النباتية تماثل شكلها في الطبيعة، وتتميز الزخارف النباتية العثمانية بوجود أزهار شهيرة مثل زهرة اللالا، والقرنفل والورقات المسننة وغيرها من سمات ميزت هذه الفنون. 

كما يتميز الفن العثماني بظهور التأثيرات الأوروبية عليه جلية واضحة عليه تمثلت في زخارف الباروك والركوكو، والتي انتشرت أكثر وأكثر خلال أسرة محمد علي باشا، وكذلك تتميز العمائر العثمانية بانتشار التكسيات الخزفية أو القشاني، ولا نجد جامعًا يخلو منها، ولعل أكبر الجوامع التي تحوي كمًا كبيرًا من بلاطات القاشاني، هو الجامع الأزرق.

لذا يُعد جامع سارية الجبل والذي أنشأه الوالي العثماني سليمان باشا الخادم عام 1528م، من أهم الجوامع الأثرية لأن حلقة الربط أو مرحلة الانتقال من نوعية عمارة وفنون تميزت بها العمارة المملوكية والتي اصطلح على تسميتها بالطراز المصري، إلى نوع جيد من العمارة والفنون أُطلق عليها مصطلح جديد وهو الفنون العثمانية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: جامع عثماني مصر سارية الجبل عمارة ساریة الجبل جامع فی فی مصر جامع ا

إقرأ أيضاً:

إمارة الشعر.. إلى أين ؟ وكيف ؟

ماذا لو نظرنا اليوم بين أحمد شوقي، حمزة شحاتة، بدوي الجبل، ووليد الصرَّاف لأمارة الشعر؟
إن إمارة الشعر ليست مجرد لقب، بل هي تكريم يُمنح للشاعر الذي يترك أثرًا عميقًا في الأدب العربي، ويجمع بين الموهبة والقدرة على التجديد والإبداع. عبر العصور، لمع العديد من الشعراء الذين استحقوا هذا اللقب بجدارة، ومن بينهم أحمد شوقي، وحمزة شحاتة، وبدوي الجبل، ووليد الصرَّاف، حيث اجتمعوا على امتلاك أدوات الشعر من فصاحة وجزالة وأصالة، لكن لكل منهم أسلوبه ورؤيته الخاصة.
أحمد شوقي.. أمير الشعراء الكلاسيكي
يعدّ أحمد شوقي (1868-1932) من أعظم شعراء العصر الحديث، وقد حصل على لقب “أمير الشعراء” في زمنه بسبب قدرته الفائقة على إحياء الشعر العربي الكلاسيكي، مع إضافة لمسات التجديد. كتب في مختلف الأغراض الشعرية، مثل المدح، والرثاء، والغزل، والسياسة، ولم يقتصر على القصيدة التقليدية، بل أدخل الشعر المسرحي إلى الأدب العربي، ممّا جعله رائدًا في هذا المجال. ومن أشهر أعماله مسرحياته الشعرية: مجنون ليلى وعنترة.
حمزة شحاتة.. الفيلسوف الشاعر
يعدّ حمزة شحاتة (1908-1972) أحد أعمدة الشعر السعودي، وتميز بأسلوبه العميق الذي جمع بين الفلسفة والحداثة، وكان من أكثر الشعراء تأملًا في قضايا الإنسان والمجتمع. لم يكن مجرد شاعر فحسب، بل كان ناقدًا ومفكرًا، ممّا جعل شعره مليئًا بالرؤى العميقة التي تخاطب العقل والوجدان.
بدوي الجبل.. صوت القومية والوطنية
بدوي الجبل (1903-1981) هو أحد أبرز شعراء سوريا في القرن العشرين، وقد عُرف بتمسكه بالأسلوب الكلاسيكي، حيث كانت قصائده غنية بالصور البيانية والموسيقى الشعرية. كان صوته الشعري يعبر عن القومية العربية والوطنية، وقد تأثر بالتراث العربي الأصيل، ممّا جعل شعره قريبًا من روح المتنبي وأبي تمام.
وليد الصرّاف.. شاعر العصر الحديث
أما وليد الصرّاف، فهو أحد الشعراء المعاصرين الذين أثبتوا وجودهم في الساحة الشعرية من خلال امتلاك أدوات الشعر التقليدي مع قدرة على التجديد. استطاع أن يقدم نصوصًا تجمع بين العمق الفني والبساطة، مما جعله شاعرًا قادرًا على التأثير في المتلقي بأسلوبه المميز.
خاتمة
إمارة الشعر ليست مجرد لقب يُمنح، بل هي مسؤولية أدبية تتطلب قدرة على الإبداع والتجديد والتأثير في المجتمع. هؤلاء الشعراء الأربعة استطاعوا أن يتركوا بصمة في تاريخ الشعر العربي، كلٌ بطريقته، ممّا جعلهم رموزًا للأدب والشعر في أزمنتهم المختلفة.

sal1h@

مقالات مشابهة

  • جامع بهلا التاريخي .. إرث عماني يـعــود إلى الحياة
  • حمص حيث الحجارة السوداء تحكي قصصا لا تُنسى
  • وكيل تعليم دمياط يرصد صفحة تنتحل شخصيته على الفيسبوك
  • الاتحاد يرفض «الفارق 8» مع الهلال!
  • إمارة الشعر.. إلى أين ؟ وكيف ؟
  • إعادة الأصالة العمرانية لسقف مسجد الرويبة بالقصيم
  • 35000 صائم يفطرون يومياً في جامع الشيخ زايد الكبير
  • بتصميم جديد ومواصفات احترافية .. موعد إطلاق سلسلة هواتف Nothing Phone 3a
  • في بلدة عراقية.. النفط ينبع من الجبل ويصب في النهر
  • هدم فيلا تاريخية في جنح الظلام لبناء عمارة زجاجية بمراكش