محادثات الرياض الثلاثية التي تغيب عنها الدولة اليمنية
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
منذ يومين يتواجد في الرياض الوفد المفاوض لجماعة الحوثي برئاسة محمد عبد السلام فليتة، وهو الناطق باسم الجماعة أيضاً، وقد وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان هذا الوفد بـ"الرفيع" في سياق ترحيبه وإشادته بهذه الزيارة، وليؤكد مدى اهتمام الإدارة الأمريكية في أعلى مستوياتها بهذه المحادثات، وهو أمر يدعو إلى الحذر الشديد بشأن مآلات الاستمرار في هذا الخط الثنائي عملياً والذي بات ينحصر في طرفين هما السعودية والحوثي؛ يتقاسمان هدفاً مشتركاً في تقويض بنية الدولة اليمنية والمس بهويتها الجمهورية الديمقراطية.
لم يعد الأمر يتعلق في تقديري بمسألة ترسيخ الهدنة، كأولوية أمريكية مبالغ فيها خصوصاً من جانب الرئيس جو بايدن، بل الأمر أصبح يجر اليمن إلى تسوية تنتزع من اليمنيين إرادتهم وتمس كرامتهم وتفسح المجال أمام الأطراف المستحدثة في خضم التحولات التي أنجزتها ثورة 11شباط/ فبراير 2011، من حوثيين وانفصاليين وغيرهم، لتنهض بالدور الحاسم في تقرير مستقبل اليمن المفتوح على احتمالات في غاية السوء؛ أدناها تحييد الشعب اليمني ودولته، وتعطيل قدرتهما الحصرية في تقرير مستقبل اليمن، وهو ما سيقود إلى أخطر هذه الاحتمالات وهو تفكيك الدولة.
لم يعد الأمر يتعلق في تقديري بمسألة ترسيخ الهدنة، كأولوية أمريكية مبالغ فيها خصوصاً من جانب الرئيس جو بايدن، بل الأمر أصبح يجر اليمن إلى تسوية تنتزع من اليمنيين إرادتهم وتمس كرامتهم وتفسح المجال أمام الأطراف المستحدثة في خضم التحولات التي أنجزتها ثورة 11شباط/ فبراير 2011، من حوثيين وانفصاليين وغيرهم، لتنهض بالدور الحاسم في تقرير مستقبل اليمن المفتوح على احتمالات في غاية السوء
تكمن أهمية زيارة وفد الحوثيين إلى الرياض في أنها تأتي بعد الزيارة الخاصة القصيرة واللافتة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مسقط الاثنين الماضي، برفقة شقيقه الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع الذي يشرف على ملف اليمن، وهي زيارة أتت في سياق إقليمي مشوش للغاية بعد الإعلان عن الخط الاقتصادي الذي يربط الهند بأوروبا مروراً بالشرق الأوسط، ويعطي الإمارات دوراً رائداً ومحفزاً للمشروع، ويجر السعودية إلى دائرة التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ تماماً كما يريد رئيس الإمارات محمد بن زايد الحريص على أن يكون على رأس هذه القاطرة دون غيره، في حين يهمش هذا المشروع دولاً أساسية في مجلس التعاون الخليجي نفسه مثل سلطنة عمان وقطر والكويت، وخصوصاً سلطنة عمان التي تحتفظ بعلاقات تقليدية راسخة مع بلاد البهارات (الهند) منذ قرون.
ولن يكون بوسع السعودية أن تفرض طوقاً حديدياً على المحادثات وصعوباتها وأهدافها، لأن الحوثيين سيجدون ألف وسيلة ووسيلة لتسريب ما سيرون ضرورةً في تسريبه، لخلق مبرر للتملص من إملاءات محتملة. وهذا أصعب شيء يمكن أن تواجهه السعودية إذا ما كان هدفها في الأساس هو إعادة ترتيب مستوى تدخلها في اليمن بقبول جميع أطرافه، وهو ما قد يحد من طموحات جماعة الحوثي التي ذهب ممثلوها إلى الرياض، ليمارسوا علناً دور "المرتزق" الأحدث في مسار الهرولة نحو المملكة ولكن بحمولات ثقيلة ومطالب قد تستغرق المساحة الأكبر من زمن المحادثات.
تنعقد هذه المحادثات في ظل غياب كامل للشرعية مادياً ومعنوياً، وهذا التغييب لا يمكن أن تقلل من وطأته القاسية والمؤلمة التصريحات الرسمية الصادرة عن السعودية، والتي تؤكد أن المحادثات مع جماعة الحوثي بوساطة عمانية تمثل استمراراً لجهود السعودية وسلطنة عمان
ذهب وفد جماعة الحوثي محمولاً بآمال الحصول على فرصة الاستحواذ على الدولة ومقدراتها بموجب تنازلات يعتقد أن السعودية ستفرضها على الشرعية التي تهيمن عليها، لكن ذلك دونه تحديات كبيرة تأتي من إمكانية أن تتشظى الشرعية هذه المرة بين يدي قائدة التحالف وضداً لإرادتها، فتنتج مواقف لا تنسجم مع النمط الاستعلائي للرياض في إدارة الأزمة اليمنية، وهذا الأمر تجلّى في موقف مجلس النواب الذي أعلن رفضه صراحة لأي تسوية تتصادم مع مصالح الشعب اليمني، بالإضافة إلى المواقف التي بدأت تتسرب من مكونات محسوبة على الإمارات والتي تريد أن تضع هدف الانفصال في صلب المباحثات المتصلة بتقرير مصير الحرب والسلام.
يدرك الحوثيون أن ذهابهم إلى الرياض تأتي بعد تفاهمات غير قابلة للنقض، بين هرم السلطتين الحاكمتين في كل من السعودية وسلطنة عمان، البلدين اللذين يحتكرا، تقريباً، الملف اليمني على الرغم من استمرار الدور المثير للشفقة من جانب المبعوث الأممي إلى اليمن يوهانس غروندبيرغ، والمحاولات المستميتة من جانب سفراء الاتحاد الأوروبي لاستعادة الدور الذي كانوا يقومون به، وكان يكرس عبث الدبلوماسية الغربية وخياراتها وانحيازاتها المفضوحة لجماعة الحوثي.
تنعقد هذه المحادثات في ظل غياب كامل للشرعية مادياً ومعنوياً، وهذا التغييب لا يمكن أن تقلل من وطأته القاسية والمؤلمة التصريحات الرسمية الصادرة عن السعودية، والتي تؤكد أن المحادثات مع جماعة الحوثي بوساطة عمانية تمثل "استمراراً لجهود السعودية وسلطنة عمان، للتوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن، وحل سياسي مستدام ومقبول من جميع الأطراف اليمنية".
وعلى الأرجح ستأتي نتائج محادثات الرياض الثلاثية متطابقة مع الأهداف الاستراتيجية لكل من السعودية وعمان، وسيحاول الحوثيون مدفوعين بدعم إيراني مراعاة هذه الألويات، دون ضمانات أكيدة بشأن ذلك على كل حال.
على الأرجح ستأتي نتائج محادثات الرياض الثلاثية متطابقة مع الأهداف الاستراتيجية لكل من السعودية وعمان، وسيحاول الحوثيون مدفوعين بدعم إيراني مراعاة هذه الألويات، دون ضمانات أكيدة بشأن ذلك
لكن إن لم تلبِ نتائج محادثات الرياض الحد المطلوب والآمن من مصالح الشعب اليمني، فسيتحمل البلدان المسؤولية المباشرة عن الانسداد المحتمل للأفق أمام هذا الشعب وتدفعه إلى خيار المواجهة المفتوحة مع أعدائه، وحينها لن يكون هذا الشعب بحاجة إلى التعلق بتلابيب شرعية أسلمت قدره إلى أعدائه.
في تقديري قد لا تنتج هذه الجولة من المحادثات حلولاً فورية للحرب ومآسيها في اليمن، لكنها تقوّي وترسّخ المسار التفاوضي الثلاثي الراهن، الذي يضم طرفين إقليميين أحدهما (سلطنة عمان) وسيط شبه مهني، والآخر (السعودية) وسيط بنفوذ واسع وتأثير لا حدود له، وستمضي قُدماً في تعطيل قدرة الشعب اليمني على مواجهة ورفض النتائج السيئة المحتملة لهذه المحادثات، مما يفسح المجال لتسوية تقوم على مبدأ التنازلات السهلة والمكافآت السخيّة التي ستخصم حتماً من مكانة ورصيد ونفوذ الدولة اليمنية.
تحاول السعودية أن تنجز مهمتها في اليمن من خلال مقاربة تعيد من خلالها ترسيخ دورها كوسيط مهيمن ومتحكم بالدولة اليمنية المثخنة بالجراح، والأمر لا يستدعي منها أكثر من هذا التمرير الخطير للتنازلات التي بات من السهل عليها جداً فرضها على الطرف المُقصى والمنبوذ (الشرعية)، والتي بدروها تكرس نفوذ جماعة الحوثي المرفوض من الشعب اليمني، ضمن مساحة تتنازعها مشاريع انفصالية تابعة، تعمدت السعودية وبدور موازي من جانب الإمارات، أن تبقى بمستوى كافٍ من القدرة على استنزاف الدولة اليمنية والحيلولة دون استعادة عافيتها.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السعودية اليمنية الحوثيين السعودية اليمن الحوثيين مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الیمنیة محادثات الریاض هذه المحادثات جماعة الحوثی الشعب الیمنی فی الیمن من جانب
إقرأ أيضاً:
أبو حمزة : التحية لأهلنا في اليمن وللقائد الشجاع السيد عبد الملك الحوثي
الثورة نت/
توجه الناطق باسم سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أبو حمزة ، بالتحية للشعب اليمني والقائد الشجاع السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذين حركوا صواريخهم ومسيراتهم لتضرب عمق الكيان الصهيوني وفرضوا حصاراً بحرياً غير مسبوق على الكيان المجرم.
كما توجه أبو حمزة في كلمة مصورة له اليوم الثلاثاء بمناسبة انتصار المقاومة الفلسطينية بالتحية للشعب المقاوم في لبنان ومجاهدي حزب الله الذين صمدوا في الميدان وقاتلوا العدو في كل شبر ونستحضر القائد العزيز سماحة السيد حسن نصر الله وإخوانه الشهداء قادة ومجاهدين ولكل شهداء الشعب اللبناني والفلسطين .
وأرسل التحية كذلك لإيران التي مسحت بكرامة المحتل شوارع “تل أبيب” في عمليات “الوعد الصادق 1 و2” والشكر للشعب العراقي ولمقاومته التي قدمت المستطاع والممكن نصرة للشعب الفلسطيني .
كذلك وجه أبو حمزة التحية الجهادية العطرة في الضفة ونخص بالذكر كتائب سرايا القدس في جنين وطوباس وطولكرم وكل الفصائل التي ألهبت آليات الاحتلال بالعبوات الناسفة، مضيفًا: “تابعنا مشاهد الفرح في المدن الفلسطينية التي استقبلت الدفعة الأولى من أسرانا في مشهد عظيم.”
وأضاف أبو حمزة في كلمته إن معركة طوفان الأقصى بدأت انطلاقاً من القوانين السماوية وكفلتها القوانين الدولية في العبور التاريخي المقدس للمقاومة الفلسطينية إلى أراضينا المحتلة في أكبر وأنجح عملية نوعية معقدة في الصراع العربي مع الاحتلال.
وتابع إن “معركة طوفان الأقصى البطولية التحمنا فيها منذ الساعات الأولى وقد أعلنا حينها عن أسرنا لعدد من الصهاينة والإجهاز على من تجرأ على مواجهة نخبة الباسلة التي أبدت جهوزية عالية النظير من خلال الإغارة السريعة على مواقع العدو تطبيقاً لما تعلموه على مدار سنين الإعداد والتهجيز.”
وشدد على أن شعار المقاومة “كان منذ بداية المعركة أنه مهما طالت الحرب فنحن أهلها يا نتنياهو لأننا أعددنا لها جيلاً تربويا ومن خلفنا شعبنا البطل الذي صمد معنا صمود عز نظيره في التاريخ وله في أعناقنا التزامات كبيرة.”
وأوضح: “بدأنا معركتنا بالتوكل على الله وتركنا بيوتنا وأهلنا وكل ما نملك وكنا نعلم صعوبة التكليف الذي يقع علينا مع شعبنا وأننا نواجه الاحتلال رفقة ثلة مؤمنة في اليمن ولبنان والعراق وإيران نيابة عن مليار ونصف مليار مسلم والواجب الشرعي والوطني يحتم علينا مواجهة الاحتلال بكل الطرق وكان اليقين بالله بتسديدنا”
وقال إنه مع دخول أول دبابة إلى قطاع غزة كانت سرايا القدس في الميدان وخرج مقاتلونا الرابضين في الأنفاق والعقد القتالية للتصدي بالوسائط القتالية المتوفرة، مشيرًا إلى استمرت عملياتنا الجهادية النورانية حتى الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار وهذه العمليات المباركة ما كانت لولا الإعداد والتجهيز طوال السنوات من مجاهدين تخرجوا من مدرسة عربية وإسلامية أصيلة..
وتابع: رأى الجميع كيف تصدينا لدبابات العدو وجهنا لوجه في مشهد يؤكد على أحقيتنا في الأرض، مضيفًا أن “الاحتلال انتظر منا رفع الرايات البيضاء ولم يجد سوى الرايات السوداء والموت في ميادين غزة.”
ولفت إلى أن عملية “طوفان الأقصى” جاءت نتيجة الاعتداء على المقدسات وشتم النبي الكريم والحصار المستمر على قطاع غزة، وأنه رغم الحصار صنعت غزة ما صنعت بالعدو وهذه حجة على جيوش العرب والمسلمين أمام الله بتقاعسهم عن الجهاد وخذلانهم لمسرى نبيهم.
ووصف أبو حمزة جرائم الاحتلال كدليل على أن جيشه قادم من مستنقعات الصرف الصحي، موضحًا: “أي جيش هذا الذي يدفع بآلاف الجنود إلى مدينة صغيرة ويرمي البيوت والمساجد والكنائس والجامعات بالصواريخ الأمريكية، ومع ذلك لم يقضي على مقاومتنا ولم يستعد أسراه ولم يحقق إنجازاً سوى الدمار والخراب.”
وأعزى الناطق باسم سرايا القدس شرف الإنجاز الكبير والعظيم على طريق التحرير الذي كان من أبرز عناوين المعركة إلى الصمود الأسطوري لشعب غزة وكان مثالاً يحتذى به في النضال والصمود، موجهة رسالة لهم: “فأنتم أوتاد الأرض ومرتكز كل رهان ولولا صمودكم ما كانت المقاومة ولا سجلنا هذا الإنجاز.”
ووجه الناطق باسم سرايا القدس الشكر للوسطاء في قطر ومصر على دورهم في سبيل إنجاح الصفقة، وإلى وسائل الإعلام العربية والأجنبية الحرة التي جعلت من غزة العنوان، لقناة الجزيرة التي لم تغادر الميدان رغم كل الاستهدافات، وللإخوة في الميادين وفلسطين اليوم والقدس اليوم والأقصى والمنار والعربي والمسيرة والغد وكل المنصات والطواقم الصحفية
ودعا كل القوى الفاعلة في العالم لوضع فلسطين على رأس أولوياتها، مؤكدًا أنه لا استقرار ولا سلام ولا أمان في المنطقة إلا باستقرار فلسطين وشعبها وعلى العالم العربي والإسلامي والغربي الوقوف عند مسؤولياتها أمام عنجهية العدو وجنونه.