هربا من الحرب.. طوابير في السودان للحصول على جواز سفر
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
سعيا منهم للفرار من الحرب أو تلقي عناية طبية غير متوفرة في السودان أو مواصلة الدراسة في الخارج بعد تعطلها في البلد بسبب المعارك، ينتظر مئات السودانيين أياما طويلة أحيانا أمام مكتب جوازات السفر الذي أعيد فتحه أخيرا في بورتسودان.
وبعد قرابة 5 شهور من التوقف، عاود المكتب العمل فبدأ الرجال والنساء والأطفال يتجمعون أمامه منذ الفجر في المدينة المطلة على البحر الأحمر بشرق السودان الذي لم تمتد اليه حرب أدت منذ اندلاعها في 15 أبريل/نيسان، إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح ولجوء الملايين.
وتقول مروة عمر التي هربت من الخرطوم تحت القصف، وتسعى الآن للحصول على جوازات سفر لأبنائها الأربعة: "نريد السفر إلي أي مكان، فهنا ليس لنا أي حق، ليس لدينا ما يكفي للأكل ولا لتعليم أولادنا".
ومنذ اندلاع الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اللذين يتنازعان على السلطة، توقف عملت كل الادارات الحكومية في الخرطوم حيث تدور معارك طاحنة.
وفي أواخر أغسطس/آب، افتتح الرجل الثاني في السلطات العسكرية مالك عقار، وسط ضجة إعلامية كبيرة، مصنعا جديد لطباعة جوازات السفر.
ومنذ ذلك الحين، يتهافت العديدون، على غرار مروة، إلى المدينة التي يوجد فيها المطار الدولي الوحيد الذي ما زال يعمل في البلاد، والتي اتخذ منها مسؤولو الحكومة والأمم المتحدة مقرا رئيسيا لعملهم.
اقرأ أيضاً
اشتباكات السودان تتسبب في نزوح 3 ملايين شخص
ويوضح فراس محمد، الذي جاء لطلب جواز سفر لطفله المولود حديثا، أن موظفي الجوازات يخضعون لضغط شديد بسبب الطلب الكبير الذي لا يستطيعون تلبيته دفعة واحدة.
وقال: "بعض الناس ينتظرون هنا منذ الخميس ولم يتمكنوا بعد من تسجيل طلباتهم"، مضيفا "التنظيم سيء للغاية".
وتبدي مروة أسفها لآنه "بدون واسطة.. لا يمكن إنجاز أي شيء".
وفي داخل المبنى، يخيم حرّ شديد رغم أجهزة التكييف والمراوح التي تعمل بكامل طاقتها محدثة.
يقول محمد إن "الأعداد كبيرة جدا لدرجة أننا لا نستطيع التنفس".
من جانبه، يقول شهاب محمد: "القاعة ضيقة وليس فيها مقاعد، كبار السن يجلسون على الأرض".
غير أن كلّ ذلك لا يثني طالبي جوازات السفر الساعين بأي ثمن لمغادرة البلاد هربا من القصف الذي يستهدف أحياءها السكنية والرصاص العشوائي وانقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة.
وهم مستعدون لسداد مبلغ 120 الف جنيه سوداني (قرابة 190 يورو) للحصول على جواز السفر، وهو مبلغ يعادل متوسط الراتب في السودان، الدولة التي كانت قبل الحرب من أفقر دول العالم، وتواجه الآن كارثة حقيقة بحسب الأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً
بعد مقتل 21 في اشتباكات قبلية.. موجة نزوح واسعة في السودان
وحذرت المنظمات الإنسانية بأن أكثر من نصف السودانيين بحاجة إلى مساعدة إنسانية للبقاء على قيد الحياة، وبأن 6 ملايين سوداني على حافة المجاعة.
وجاءت نور حسن من الخرطوم، لإصدار جواز سفر لها ولزوجها ولطفليهما.
ووصلت حسن صباح الأحد إلى بورتسودان، وهي تأتي كل يوم إلى إدارة الجوازات، حيث تنتظر حتى 9:30 مساء، ولكنها تقول: "لم نتمكن من عمل أي شيء لأن الأمور غير منظمة إطلاقا".
وهي تعتزم الرحيل مع أسرتها إلى القاهرة موضحة "لديّ أقارب يعيشون هناك".
ويوسع هؤلاء الأقارب على حد قولها مساعدتهم في الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، التي لم تكن قبل الحرب تفرض ذلك على النساء والأطفال السودانيين، ولكنها تطلب الآن من الجميع الحصول على تأشيرات مسبقة.
وتفضل عائلات أخرى كثيرة الذهاب من بورتسودان جوا الى دول الخليج حيث يعمل آلاف السودانيين منذ فترة طويلة وخصوصا الى الإمارات التي تمنح الآن تأشيرات لمدة سنة للاجئين السودانيين.
تقول حسن "نغادر لأنه لم يعد ممكنا العيش في الخرطوم" وتضيف "إنه حل مؤقت، سنعود عندما تتحسن الأوضاع".
اقرأ أيضاً
مسؤول سوداني: نزوح نحو 140 ألف شخص بولاية النيل الأزرق
المصدر | فرانس برسالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان اشتباكات السودان حرب جواز سفر هروب فی السودان
إقرأ أيضاً:
من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى
في مدينة بيالي الأوغندية، بعيدًا عن ضجيج الحرب وضياع الأحلام في السودان، يروي آلاف اللاجئين السودانيين قصصهم التي تتأرجح بين المعاناة والنجاح في المنافي القسرية. من بين هؤلاء، تبرز حكاية الموسيقار سعود، الذي كان يسكن منطقة الخوجلاب بمدينة بحري قبل أن تدفعه الحرب إلى مغادرة وطنه، تاركًا خلفه ذكريات عمر كامل، ليبدأ رحلة جديدة في معسكرات اللجوء.
كمبالا: التغيير
الحرب التي تجاوزت عامًا ونصف أجبرت آلاف الأسر السودانية على النزوح القسري، حيث بحثوا عن الأمان داخل البلاد وخارجها. يعيش معظمهم في ظروف إنسانية صعبة، تعكس حجم المعاناة التي فرضها النزاع على حياتهم اليومية.
سعود، المتخصص في العزف على البيانو والجيتار والكمنجة، يصف مسيرته الفنية بأنها رحلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، بدأت منذ طفولته في الحفلات المدرسية، واستمرت بالدراسة في معهد الموسيقى والمسرح، الذي أصبح لاحقًا كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان.
لحظة قاسيةيقول سعود: “الموسيقى كانت جزءًا من حياتي حتى قبل الحرب، لكن النزوح أضاف لها أبعادًا جديدة. رغم أصوات الرصاص التي أحاطت بنا، كانت الموسيقى دائمًا بداخلي؛ المعاناة كانت مصدر إلهام، وبدل أن تقيدني، فتحت لي آفاقًا للإبداع”.
عبر سعود مع أسرته الحدود إلى أوغندا، متجهًا إلى معسكر نيومانزي عبر منطقة اليقوا بجنوب السودان. يصف لحظة وصوله بأنها كانت قاسية: “كنا في حالة مزرية، وكانت ذكريات الوطن تطاردني. تركنا خلفنا كل شيء، ووجدنا أنفسنا أمام واقع جديد تمامًا”.
وسط هذه الظروف، كانت الموسيقى طوق النجاة. أطلق سعود مبادرة لدعم اللاجئين نفسيًا عبر الموسيقى، حيث شكّل فرقًا صغيرة من الأطفال والشباب لتقديم جلسات غنائية ودعم نفسي. يروي سعود: “في أول حفل نظمته، رأيت الدموع في عيون الناس، خاصة النساء. قالوا لي إن الأغاني أعادتهم إلى السودان، فبكيت معهم”.
تدريب الأطفالرغم التحديات، استمر سعود في تقديم تدريبات موسيقية للأطفال والشباب، على الرغم من انعدام الكهرباء وضيق المساحات في المعسكر. أنتج ست مقطوعات موسيقية خلال إقامته، لكنه لم يتمكن من تدوينها لعدم توفر النوتات الموسيقية.
يعاني اللاجئون السودانيون من أوضاع نفسية صعبة، حيث تلاحقهم ذكريات الفقد والنزوح القسري. ورغم ذلك، يواصل الكثيرون، مثل سعود، صناعة الأمل وسط الألم.
يقول سعود: “الموسيقى ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي رسالة أمل وسلام. سأستمر في استخدامها لتوحيد السودانيين وإعادة بناء الوطن”. في معسكرات اللجوء، تبقى أصوات الفنانين السودانيين شاهدًا على قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى إبداع، وعلى قوة الموسيقى في خلق حياة جديدة حتى وسط أقسى الظروف.
الوسومآثار الحرب في السودان اللاجئين السودانيين في يوغندا معسكر بيالي للأجئين يوغندا