البابا تواضروس يكشف أسس تكوين الأسرة المسيحية الصالحة
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
يتبع المسيحيون فى نهج حياتهم تعاليم ومبادئ وضعها الكتاب المقدس تمهيدًا لطرقهم فى شىء سُبل الحياة، وجعل تكون الأسرة رباطاً عتيداً يزداد تمسكًا فى الأزمات ويقف معالجًا لكل الأزمات.
وترى المسيحية الأسرة هى نواة المجتمع بل ترسخ الكنيسة لدى أبنائها ضرورة وقوة هذا التكوين منذ نعومة أظفارهم وتخصص دورات ودروسا للمقبلين على الزواج والتأهيل فى الحياة حتى تتمكن من تأسيس أسرة قوية تساهم فى خدمة المجتمع وتكوين أجيال مؤثرة تساهم فى تعمير الأرض كما أمر الله بالكتب المقدسة.
عادةً ما تأخذ «الأسرة» مرافًا لها لدى الأقباط وهو «الثبات»، بمعنى أن الأسرة المسيحية تكون كالإنسان الثابت ولابد من تقويمها حتى تثمر أجيال ثابتة وصالحة، ويذكرى مزمور (مز 3:127) «البنون ميراث من عند الرب»، وهناك مواضع كثيرة تشير إلى أهمية الأسرة وتكوينها داخل مزامير الكتاب المقدس.
ويكشف قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، فى عظته الروحية التى أقيمت خلال الاجتماع العام الأسبوع الماضى بكنيسة الشهيد مار جرجس بالمكس، بالإسكندرية، أسس تكوين الإسر الصالحة استكمالًا لسلسلة «صلوات قصيرة قوية من القداس»، والتى يتناول فيها إصحاحًا خاصًا كل أسبوع يروى خلاله طِلبة جديدة.
وخلال هذا اللقاء الذى استهله بتقديم الصلاة من أجل دولتى المغرب وليبيا لما شهدتها من عواقب الظواهر الطبيعية المؤثرة والتى تسببت فى سقوط ضحايا وأعداد كبيرة من المصابين، قائلًا «نصلى لأسر الضحايا ومن أجل شفاء المصابين، إنها كوارث طبيعية لكنها فى غاية الخطورة. الله يحفظهم من أى ارتدادات لهذه الكوارث، ويحفظ بلادنا من كل شر».
كما أشاد بالحكومة المصرية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى والتى جاءت بقرار إرسال حاملة طائرات ميسترال إلى ليبيا للعمل كمستشفى ميداني.
جاءت هذه الكلمات المؤثرة، قبل بدء العظة التى تناول خلالها جزءًا بالإصحاح الخامس الواردة فى رسالة المعلم بولس الرسول وكانت مرسلة إلى أهل أفسس وتأتى فى الأرقام التالية «٢٢ – 33»، وتخللت طِلبة قصيرة من الطِلبات التى ترفعها الكنيسة بعد صلوات التقديس فى القداس المعرفو بـ«الغريغوري»، بعنوان «حياة صالحة للذين فى الزيجة»، وتؤكد هذه الطِلبة على أهمية تكوين الأسرة وضرورة توفير شرط الصلاح فى تأسيسها.
إن مفهوم الصلاح يرد فى كثير من المواضع المسيحية والتى تضعه أمام أعينها فى كثير الأحداث والمواقف الحياتية يعتبر هو ثمار وناتج من الروح القدس، وكشف البابا خمس أساسيات تكوين الأسرة والقيم التى يجب توافرها لدى أطراف الزيجة الصحيحة.
ذكر البابا تواضروس فى مستهل تفسيره قائلًا: «الزواج هو قمة العلاقات الإنسانية والرسمية» كاشفًا السبب فى ذلك أن جميع الزيجات تكون موثقة بعقد ويترتب عليها مسئوليات خاصة بناء على موافقة الأطراف لذا تحمل مسئولية كبيرة.
كما تناول مفهوم السر الكنسى فى الزيجة أى «أن الزواج هو رابطة ثلاثية من خلال سر كنسى مقدس»، ويوضح هذا من خلال مزمور (جا ٤: ١٢) «الْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا» ويعنى هذا وجود عون الله داخل التكوين الأسرى ليجعله كيانا واحدا قويا، وينبثق من الأساس الثانى والأساس الثالث وهو اعتبار كيان الأسرة داخل الكنيسة «أيقونة تحمل معانى جمالية وروحية كثيرة».
وكثيرًا ما تردد الكنيسة «حياة صالحة للذين فى الزيجة» وهى تحمل عدة جوانب روحية تعكس معانى كثيرة ويفسر قداسة البابا المعنى الأول يكمن فى دور «السيد المسيح» فى الأسرة وحفاظ المحبة بين جميع أطرافها لأن المسيح هو صاحب المحبة فى المنازل وصمام الأمان لدى الأقباط، ذلك بالإضافة إلى نظرة كل طرف للآخر داخل الأسرة الواحدة أنه هدية من الله، لذا يشعر ويقدر قيمتها كما هو وارد فى «لِكَى يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أو شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أف ٥: ٢٧).
ويأتى معنى آخر لهذه الطِلبة ومفهوم الأسرة وهو «كنيسة» ويفسر المعنى بهذا الأمر فى وجود هيكل ومذبح داخل البيت يعنى أهمية الصلوات المرفوعة الدائمة، لأن روح الصلاة تلد صالحين، وذلك وفق ما ورد فى (لو ١: ٦)، ولأن الصلاة تحقق الستر والرضا لأفراد البيت، وأيضاً تمنح روح السلام الداخلى فى كل إنسان.
وهناك معنى آخر يكمن فى هذه الطِلبة وهو «كتاب مقدس» أن الأسرة هى بمثابة كتاب مقدس يحوى مفاهيم الصلاح، يتجسد من خلالها الإنجيل ويصبح مقروءا أمام الناس، كما ورد فى مزمور (يو ٦: ٦٣) وتساهم فى إنشاء أبناء على معرفة بالوصايا الصحيحة لتحقيق الصلاح وفى مسامعهم كلمة الله دائًما.
والمعنى الآخر الذى يكمن فى هذه الطِلبة هو «المنارة» تعنى فى الأسرة المسيحية الاستقامة فى حياة الصلاح، على الرغم من تنوع الطرق التى يذهب فيها أطراف الأسرة إلى أنهم جميعًا يسلكون تحت ضوء ومنارة الإصلاح والخير، فالاستقامة تشمل فى داخلها حياة الطهارة والنقاوة.
وفى هذه الطِلبة يقول البابا هناك معنى خامس لها وهو «الأسرار» وتعنى أن كل أسرة هى موضع للأسرار والخصوصية، لأن السر هو نعمة غير منظورة نحصل عليها من خلال طقس منظور بفعل الروح القدس، وأن أكثر الأشياء التى تحفظ الخصوصية هى حياة تحت نسيج واحد فى الرضا وإيمان وأن يكون الله أمام كل فعل يقوم الإنسان بفعله وهو شعور يخلق لدى الطفل وينمو برعاية الأسرة، لهذا تكمن أهمية الكيان الصحيح فى تكوين إنسان صالح ومجتمع يسوده الصلاح والخير والمحبة الصحيحة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الكتاب المقدس الأقباط البابا تواضروس الثانى بابا الاسكندرية كنيسة الشهيد مار جرجس المغرب ليبيا الحكومة المصرية الرئيس عبدالفتاح السيسي من خلال
إقرأ أيضاً:
البابا تواضروس الثاني يصلي قداس وتجنيز الأنبا باخوميوس بالبحيرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صلى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، اليوم قداس يوم الاثنين من الأسبوع السادس من الصوم الأربعيني المقدس في كنيسة القديس مار مرقس الرسول بدمنهور، بحضور جثمان الأنبا باخوميوس مطران إيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية ورئيس دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، وشيخ مطارنة الكنيسة القبطية، الذي رحل أمس.
شارك قداسة البابا في القداس إلى جانب الأنبا بولا مطران طنطا، والنائب البابوي لإيبارشية البحيرة، عدد من الآباء المطارنة والأساقفة ومجمعي كهنة الإيبارشية ورهبان الدير.
وألقى الأنبا بولا كلمة في القداس قدم خلالها التعزية لقداسة البابا ولمجمع كهنة وشمامسة وخدام وشعب الإيبارشية في نياحة نيافة الأنبا باخوميوس، واصفًا المطران الراحل بأنه كان مدرسة في الخدمة تتلمذ فيها كثيرون. واستعرض الأنبا بولا رحلة خدمة الأنبا باخوميوس خلال مراحل حياته الممتدة والبلاد التي خدم فيها شماسًا وراهبًا وأسقفًا. وكشف الأنبا بولا عن تفاصيل هامة خلال إدارة الأنبا باخوميوس لعملية انتخاب البطريرك عام ٢٠١٢، لافتًا بصفته شاهد عيان على تلك الفترة، إلى حسن التدبير والرؤية الحكيمة والتدقيق في كافة التفاصيل والشفافية الكاملة والأمانة التي جرت بها الانتخابات انتهاءً بالقرعة الهيكلية.
وقال الأنبا بولا موجهًا كلامه لقداسة البابا: "بالأمس ودعته بكل اتضاع كابن، وبالأمس القريب تتذكر كيف أنه في تجليسكم انحنى أمامكم كابن مطيع، لقد قدمتم قداستكم والراحل صورة أكثر من رائعة لعظمة الكنيسة القبطية من خلال هذه العلاقة السامية، نشارككم مشاعركم النبيلة في توديع هذا الحبر العظيم".
وعقب انتهاء القداس بدأت صلوات التجنيز التي انضم إليها عدد آخر من الآباء المطارنة والأساقفة ووفود من كهنة ورهبان بعض الإيبارشيات والأديرة.
حضر التجنيز محافظ البحيرة الدكتورة چاكلين عازر ومدير أمن البحيرة وقيادات المحافظة الأمنية والتنفيذية ونواب البرلمان، وممثلو الأزهر والأوقاف وعدد من الطوائف المسيحية، وشكرهم الأنبا بولا مثمنًا حرصهم على المشاركة وتقديم العزاء رغم ارتباطهم بعيد الفطر المبارك الذي يحل اليوم.
وألقى قداسة البابا العظة، وقال في بدايتها: "نجتمع اليوم لنودع ليس مجرد شخص وإنما قامة روحية وكنسية ووطنية تُكتَب أعمالها في تاريخ الكنيسة وتاريخ الوطن" مشيرًا إلى أن نيافته على مدار أكثر من نصف قرن جاء لتأسيس إيبارشية البحيرة التي لم يكن لها وجود، ولكنه بدأ في العمل فيها بقوة وإيمان واجتهاد وأمانة، عمل فيها بوصفها جزء من الوطن.
ولفت قداسة البابا إلى أن الأنبا باخوميوس أحب شعبه، وشعبه أحبه كذلك، وأن الحب كان العلامة المميزة لكل ما صنعه في الإيبارشية، وأنه خلال عمله فيها خدم في مناطق حضرية وريفية وصحراوية وساحلية وعمالية ومع كل هذا التنوع في البيئات نجح فيها كلها وعمل عملاً جادًا.
وحدد قداسته ثلاثة مقومات عبر من خلالها الأنبا باخوميوس بشكل عملي عن محبته لكل من في البحيرة سواء مسلمين أو مسيحيين، وهي:
١- الأبوة: كان يتسم بالحب منذ مطلع شبابه، وهي سمة لازمته طوال حياته وفي كل الأماكن التي خدم فيها، لقد كانت الأبوة هي المفتاح، فهي التي جذبتنا إلى شخصيته المباركة، كان أبًا للكبير والصغير، وكنا نراه في محبته للأطفال وجعل من أحد الشعانين عيدًا للطفولة، وقدم أبوة للشباب والخدام والخادمات والأسر والشمامسة والرهبان. وهكذا كانت علاقته أيضًا مع الآباء المطارنة والأساقفة.
٢- التعليم: فهو عمل وعلم كثيرًا وكان التعليم جزءًا أسياسيًّا من خدمته، فأسس الكلية الإكليريكية وفروعها، ومعاهد للكتاب المقدس والألحان والموسيقى. وروى قداسته أنه منذ أربعين حينما كان قداسته خادمًا في كنيسة الملاك بدمنهور اقترح على الأنبا باخوميوس عمل معرض للكتاب المسيحي، فشجع الفكرة، وجاء خصيصًا وافتتح المعرض واشترى كتابًا وقدم تبرعًا لدعم المعرض.
وروى قداسة البابا موقفًا آخرًا، حدث في بداية خدمة الأنبا باخوميوس في الإيبارشية حينما زار إحدى القرى فوجد مجموعة من أطفال القرية لا يرتدون أحذية، فانزعج واشترى على الفور مجموعة كبيرة من الأحذية، وأعطى اهتمامًا كبيرًا لتعليم أهل القرية كيفية السلوك بشكل صحيح، فهو كانت لديه قناعة أن التعليم من أجل تغيير السلوك، من منطلق أن الكنيسة تبني المجتمع وتعد المواطن الصالح وهذا دور أساسي لها. وكذلك كنا نراه يلقي كلمات قوية في المناسبات الوطنية، تكشف عن محبته للوطن وحرصه الدائم على سلام المجتمع.
٣- الخدمة:
لقد وضع الأنبا باخوميوس عشرة مبادئ لخدمة التنمية، قامت عليها الخدمة في هذا المجال، وكانت له العديد من الأعمال والخدمات في الخفاء داخل مصر وخارجها، وخدم الوطن بكل إخلاص، حتى أن بعض المسؤولين وصفوه بأنه رجل دولة نظرًا لحرصه الدائم على حفظ سلام المجتمع والوطن.
واختتم قداسته قائلاً: " الأنبا باخوميوس سطر بحياته صفحة ناصعة البياض في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وإن كنا نودعه، فإننا نثق أنه لن يفارقنا، فالذين نحبهم لا يموتون إذ يعيشون فينا بما تعلمناه منهم".
وقدم قداسة البابا التهنئة بعيد الفطر المبارك للأخوة المسلمين الحاضرين متمنيًا لهم السلام والخير.
ثم حمل جثمان الراحل المطران الأنبا باخوميوس إلى دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، حيث تم وضعه في المقبرة التي أعدها لنفسه هناك إلى جوار مقبرة الأنبا إيساك الأسقف العام. وتقدم قداسة البابا موكب الجثمان إلى الدير، حتى إتمام عملية وضع جثمان الأب والمعلم في المقبرة.
IMG_2193 IMG_2192 IMG_2191 IMG_2190 IMG_2189