نقلنا لكم – بتجــرد: ثمة في فيلمها الأول “جزايرهم” طفلة ما بين الثالثة والرابعة من العمر، مُجعّدة الشعر حمراء الوجنتين كتفاحتين توردتا بسبب الحيوية الزائدة، تتراكض ما بين كراسي حفل زفاف عمّتها، بينما جدّتها (أم زين الدين) تتحرك ما بين الموائد وحلبة الرقص، تُرحب بالضيوف وتدعوهم الرقص والفرح وإلى تذوق ما أعدته أناملها من لذيذ الطعام احتفاءً بزواج ابنتها.

تلك الطفلة هي لينا سوالم، ابنة الفنانة الفلسطينية هيام عباس، والمسرحي الجزائري زين الدين سوالم.

وهي ذات الطفلة، لينا سوالم، على بُعد آلاف الكيلومترات من مكان الحفل الأول، فنراها في بلدة دير حنّا عند بحيرة طبريّة بفلسطين، برفقة والدتها تتراقص وتُغني وتستجوب أمها وجدّتها وكبار العائلة.

عادت لينا سوالم إلى المكانين، بعدما كبرت لما يربو على عقدين، إلى العوامر في الجزائر وإلى دير حنّا في فلسطين، في الرحلة الأولى عادت برفقة والدها زين الدين، وفي الثانية برفقة هيام عباس.

تلك الطفلة التي كبرت، لم تعد ترضى بالأجوبة السريعة التي أعطاها إياها الكبار، وترغب الآن معرفة الأشياء، بكاملها، لأن تلك المعرفة “هي الوسيلة الوحيدة لأعرف موقعي في العائلة كابنة وكامرأة”، كما تقول في حوارها لـ”الشرق” بعد عرض فيلمها “وداعاً طبريّة” في الدورة الثمانين من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.

ذلك الفيلم الذي لم أتمكّن إلاّ من تسميته Amarcod Lina Sawalma 2  نسبةً وتحية لعمل فيديريكو فيلليني الشهير المُنجز في عام 1973 Amarcord الذي عاد به إلى مسقط رأسه ليفكّ عُقد كرة الصوف، وليتعرف على نفسه أكثر، و Amarcod  تعني (إنّي أتذكّر)، وإذا كان فيلم “جزايرهم” هو Amarcod Lina Sawalma 1 ، فـ”وداعاً طبريّة” هو بالتأكيد Amarcod Lina Sawalma 2.

ولادة الفكرة

وتحدثت لينا عن ميلاد فكرة الفيلمين قائلة: “عندما انتهيت من “جزايرهم” وكنت أتجول به في المهرجانات، لم يخطر ببالي أنّني سأُنجز فيلماً ثانياً عن العائلة، لكنّ أناساً كُثُراً كانوا يسألونني متى سأُصوّر العائلة في فلسطين، وصرتُ أُفكر بأنّه من الطبيعي أنْ أُنجز الفيلم الثاني  لأنّني سأواصل ذات الحديث، وهو كيف تُمرّر النساء في العالم حكاياهنّ من جيل إلى جيل رغم المنفى ورغم الحرب، وكان من المهم لي أن تكون الشخصيات نساء، وربّما ذلك لأنّني صرت أشعر أنّني ما عُدتُ صبيّة صغيرة، بل كالنساء القادرات على تصوير  المرأة في عائلتهنّ بطريقة جدية”.

وحول ظروف قبول والدتها الفنانة هيام عباس المشاركة في العمل وصعوبة التعامل معها أثناء التصوير، قالت لينا: “لم  يكن الأمر في البدء سهلاً على كلينا، فقد بدأت بتجربة تصويرها، كنت أرغب في أن تروي لي عن تجربتها الشخصية، عن ماضيها، واكتشفتُ بأنّها تواجه صعوبة ما لأنّني كنت أحملها إلى منطقة لم تعدْ راغبةً في التفكير فيها، وحاولت إقناعها بأهمية أن فهم قصّتها كي أتمكّن من استكمال الطريق كامرأة، ولأشعرَ بكوني جزءٌ من العائلة وجزءٌ من أجيال النساء في العائلة، ثم عثرتُ على صور وأوراق احتوت بعض ما كتبته في شبابها، ومن أسلوبها في كتابة الشعر توصّلت معها إلى مسارٍ مشترك للنظر إلى الأشياء، لكنّ الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق”.

البحث عن الذات

تحاول لينا في الفيلم البحث عن ذاتها عبر 3 أجيال من النساء في العائلة، “لا زلت أبحث عن موقعي في العائلة وأُحاول فهم ما الذي حملته أمي معها إلى فرنسا عندما تركت بلدتها “دير حنا”، وما الذي منحتني من كلّ ذلك؟، كنت أرغب في معرفة ما الذي أعطته إليها جدّتي وجدّةُ أمي، وما الذي انساب إلى داخلي أنا من كل ذلك، وبطبيعة الحال هي تُمازحني وتقول لي ساخرةً أنه لا شيء لدي من كلّ ذلك”.

وتابعت: “لكنّ هذا السؤال كان مهمّاً بالنسبة لي، وكلّما نظرت إلى أرشيف الصور الضخم الذي تحتفظ به، وأُشاهد وجه جدّتي وجدّة أمّي ووجهها هي قبل 30 سنةً، أُحاول أن أتخيّل ما الذي كنت سأحصل عليه، إذا ما  وُلدتُ هناك وعشتُ في ذات الظروف، ربّما كانت حياتي ستأخذ منحىً آخر لذا كان مهمّاً للغاية أن أترابط مع قصّة حياتها”.

وحول الصيغة التي اتبعتها لينا في التصوير مع والدتها هيام عباس، خاصة أنها أتاحت لها الفرصة لأن تؤدي بحريتها وطبيعتها المطلقة أمام الكاميرا، دون أن تتدخل بالحديث إلا بطرح بعض الأسئلة، “لم نتّفق على صيعة محددة، لكنّني اشتغلت كثيراً مع نادين نعّوس التي كتبت معي النص، وهي مخرجة لبنانية فلسطينيّة، ومع مديرة التصوير جلاديس جوجو، في البدء قمت بتصوير أمي وحدي، وقد أُتيحت لي فرصة رؤيتها والتدقيق في سلوكها وملامحها، وكنت أُمعن التفكير في كلّ ذلك”.

وأضافت: “بعد مشاهدة ما تم تصويره اقتنعنا نحن الثلاثة بأن أمي، ربّما كانت، كممثلة، تُحب أن يكون لها دور واضح المعالم، فاقتنعت بأنّ بإمكاني أن أكتب لها دوراً هو حياتها، وتقوم هي بتمثيله، وكانت هذه الطريقة أجمل، لأنّها مكنتنا من جعلها تحتل مكانها برفقة أخواتها، وجرّبت أن أجعلها تمثّل معهن كجزء من القصّة، فقد نكون القصص، في بعض الأحيان ثقيلة وحزينة وبها أحاسيس صعبة، لكن إذا ما تمكّنا أن نمثّل معاً وأن نلعب و نلهو ونضحك معاً، فإنّ ذلك يولّد جواً من المرح ونحن نروي قصّتنا التي لا تحتوي بأكملها على الحزن فقط، بل أنّ فيها الكثير من الحب والمرح والضحك”.

علاقة قاسية

وحول رؤيتها لعلاقة أمها بكل من جدها وجدتها، وما شابها من قسوة وصرامة إلى حد ما، قبل أن تصير بينهم حالة من السلام قالت لينا: “لم أتحدث مع جدي أبداً، لم يكن ممّن يتكلّمون كثيراً، كان يجلس دائماً لوحده، لا يقول شيئاً، وكنت غالباً ما أسعى لأعرف بماذا يُفكر، لكن دون جدوى؛ علاقته مع جدّتي كانت جميلة، فقد كانا يُحبّان بعضهما كثيراً، ووجدته دائماً موضع محبّة وتقدير سكان البلدة، وقد شعرتُ على الدوام بأن أمي تحب أباها كثيراً، وبأنّه هو كان نموذجاً يحتذي به الآخرون في البلد، لكنّي كنت أُدرك صعوبة شخصيّته؛ كان دائم الحضور إذا ما حدثت مشاكل ما بين العائلات في البلدة، كان هناك الكثير من الحب بين أمي ووالدها، لكن كانت هناك أيضاً صعوبات كثيرة في العلاقة ما بينهما، وأذكر، عندما تُوفّي، أخبرتني أُمي بأنّها كانت ممتنّة له لكل التحديات والصراعات التي كانت بينهما، لأنها كانت سبباً في تحقيق ما كانت ترغب فيه”.

main 2023-09-17 Bitajarod

المصدر: بتجرد

كلمات دلالية: فی العائلة ما الذی ما بین

إقرأ أيضاً:

فاينانشيال تايمز": رسوم ترامب الجمركية "تدمير ذاتي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

طرحت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، سؤالا مهما في ظل زلزال رسوم ترامب الجمركية التي هزت العالم، حول كيفية صناعة القرار لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟. مشيرة إلى أن هذا السؤال هو الأبرز في تلك اللحظات الفارقة، في وقت ترزح فيه الأسواق تحت وطأة الارتباك والخسائر والترقب لما هو آت، بعد إعلان “الأربعاء” للرئيس ترامب، الذي فاق مستويات الحمائية التي شهدها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي.

وفي مقال رأي للكاتبة جيليان تيت، تحت عنوان “كيفية الاستفادة من رسوم دونالد ترامب”، قالت إنه “يمكننا النظر إلى مثل هذه الرسوم الجمركية على أنها “تدمير ذاتي” على نحو غريب ولا يصدق.. فحقيقة الأمر، إن ما يُطلق عليه “يوم الاستقلال” من ترامب لا يمثل سوى “صفعات” لمثل هذا الجنون الاقتصادي.

وأضافت: الرسوم الجمركية لترامب، في الأساس هي محاولة لتحدي هيمنة قوة أخرى (الصين)، لكن تلك السياسات التي تتمحور حول التمويل تمثل جهدًا للدفاع عن الهيمنة الموجودة حاليًا.. (وأستطيع القول إن الهيمنة في القوة التكنوللوجية، لا زالت قيد التنافس والتجربة)، وهذه الأمور المختلفة مهمة للدول الأخرى الساعية إلى إيجاد رد فعل.

وتابعت بالقول إن نفوذ الهيمنة لا ينجح بصورة منهجية. فإذا افترضنا أن هناك من لديه لديه 80 في المائة من حصة السوق، لكن إذا هبطت حصة السوق إلى 70 في المائة، فإن قوة النفوذ والهيمنة سرعان ما تنهار، ما دامت الأطراف الضعيفة تسارع إلى البحث عن بدائل.

وأردفت: هذا يفسر لماذا أخفقت الولايات المتحدة في السيطرة على روسيا عبر العقوبات المالية. وهذا النمط من الممكن أن يعمل على نطاق أكثر اتساعًا إذا ردت بلدان أخرى على الرسوم العدائية لترامب من خلال تصور وتطوير بدائل للمنظومة المالية التي تستند إلى الدولار. فالمتنمرون “يبدون” أكثر منعة وتحصنًا إلى أن تراهم منهارين فعلًا.
 

مقالات مشابهة

  • ما الذي تخشاه واشنطن من “العين الصينية” في “البحر الأحمر”..!
  • قصة أيوب لحميدي لاعب “منتخب جبل طارق” الذي هزم الرجاء في كأس العرش
  • “آسر”.. باسل خياط في رحلة انتقام وتصفية حسابات مع أصدقاء الماضي
  • إنقاذ عائلة سعودية فُقدت في صحراء حلبان بالرياض بعد 24 ساعة من اختفائها | شاهد
  • وداعا جواهر الشربيني.. سيدة تركت بصمة في الحياة النيابية المصرية
  • مُسيرة اكتشفت موقعهم.. العثور على عائلة مفقودة في صحراء حلبان
  • فاينانشيال تايمز": رسوم ترامب الجمركية "تدمير ذاتي"
  • ويليام وكيت في “شهر عسل ثانٍ” بعيدًا عن الأضواء
  • جامعة أبوظبي توثق أكثر من 4 آلاف ورقة بحثية في مؤشر “سكوبس” العالمي
  • أحمد مالك يكشف سر “ولاد الشمس” وحلمه الذي تحقق