تعد تركيا من أكثر بلدان المنطقة عرضةً للزلازل بسبب موقعها الجغرافي، وهو ما يتم ترجمته إلى المصطلح الشهير “قدر الجغرافيا”، والذي تم تداوله على نطاق واسع بعد الزلزال المدمر الذي شهدته تركيا وشمال سوريا في فبراير/شباط 2023.وإذا كان هذا المصطلح، يصف وقوع تركيا في منطقة تكتونية معقدة، حيث يحدث التفاعل بين الصفائح العربية والإفريقية والأورآسيوية، فإن السؤال الذي أثير على استحياء بعد الزلزالين الذين ضربا المغرب والعراق في سبتمبر/أيلول الجاري هو: هل امتد تأثير هذا “القدر الجغرافي” إلى مناطق شرق أوسطية جديدة؟

“الجزيرة نت” طرحت هذا السؤال على مجموعة من علماء الزلازل حول العالم؛ فمنهم من وجد فيه ما يستدعي التوقف والتفكير، ومنهم من أطلق إجابة سريعة تنفي وجود أي علاقة، بينما رأى آخرون، أن التأثير يتوقف على عاملي القرب الجغرافي والزمن.



وكان مارك ألين، رئيس قسم علوم الأرض بجامعة “دورهام” البريطانية، والألماني مارتن ماي رئيس تحرير نشرة جمعية رصد الزلازل الأميركية، وسيغورغون جونسون، رئيس الفريق المعني بدراسة الزلزال بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا “كاوست”، وإيكو توهاتا أستاذ الهندسة الجيو-تقنية في جامعة طوكيو اليابانية، ممن اكتفوا بإجابات مقتضبة تنفي وجود أي علاقة بين زلزالي المغرب وتركيا، فاتفقوا جميعا على أن “هذه الزلازل لا علاقة لها ببعضها البعض، ولا يوجد أي اتصال جيولوجي أو مادي بينها”.

لكن العالمة الأميركية سوزان هوغ، من برنامج مخاطر الزلازل بهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أجابت بمزيد من التفصيل، وبعد أن وصفت السؤال بأنه “شيق”، قالت “من الصعب جدا معرفة ما إذا كانت الزلازل مرتبطة أم لا، والأرجح أنه لا توجد علاقة بين زلزال تركيا والمغرب، حيث إن الزلزال الذي وقع في المغرب بعيد تماما عن شرق تركيا بآلاف الكيلومترات.
لكنها عادت وأمسكت العصا من المنتصف وأضافت، “مع ذلك فإن زلزالا بحجم الذي وقع في تركيا يمكن أن يهز الكوكب بأكمله، حيث تنتقل الأمواج الزلزالية حول العالم لساعات، وكل مكان على القشرة الأرضية يكون مضطربا بدرجة كافية، بحيث يمكن قياس الموجات الزلزالية بواسطة أجهزة قياس الزلازل، لذا فمن الممكن أن يكون الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا قد أحدث خللا في الصدوع في المغرب، وجعل من المرجح حدوث زلزال، ولكن هناك صعوبة في إثبات ذلك”.

البعد المكاني بين زلزال المغرب وتركيا يصعّب فرضية الربط بينهما (غيتي)
من جانبه، شدد كوينتين بلتيري الباحث في علم الجيوديسيا بجامعة كوت دازور الفرنسية، على أهمية التفرقة بين احتمالية تأثير زلزال تركيا على زلزال المغرب، واحتمالية تأثيره على زلزال العراق متوسط الشدة، “فالبعد المكاني بين زلزال المغرب وتركيا، يجعل هناك صعوبة في الربط بينهما، ولكن القرب المكاني بين تركيا والعراق، يجعلنا نعتقد أن زلزال العراق، ليس من المستبعد أن يكون هزه ارتدادية لزلزال تركيا”.واتفق أنيس أحمد بنجش، من قسم علوم الأرض بجامعة القائد الأعظم في باكستان، مع ما ذهب إليه بلتيري في احتمالية وجود هزات ارتدادية في العراق لزلزال يحدث في تركيا، لكنه قال إن ذلك يحدث في وقت متزامن أو خلال بضعة أيام، لذلك فإنه وفقا لرأيه، فإن زلزال العراق لا ينطبق على هذه الحالة.

ويضيف شريف الهادي رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، إلى البعد الزمني الذي أشار له الباحث الباكستاني، البعد المكاني، قائلا في تصريحات هاتفية للجزيرة نت إن “منطقة جبال زاغروس التي كانت مصدرا لزلزال العراق، هي منطقة نشطة زلزاليا بطبيعة الحال، ومنطقة زلزال تركيا تبعد عنها حوالي 765 كيلومترا، لذلك لا أميل إلى وجود علاقة بينهما”.إلا أن الجميع اتفقوا بنسبة كبيرة على نفي وجود علاقة بين زلزال تركيا وزلزال المغرب، وإن كانت سوزان هوغ، هي الوحيدة التي لم تعبر عن رأي جازم في هذا الاتجاه، تاركة باب الاجتهاد مفتوحا أمام الأبحاث، أما فيما يتعلق بالعلاقة بين زلزال تركيا وزلزال العراق، فهناك شروط وضعها الخبراء لحدوث التأثير.

منطقة عالية النشاط الزلزالي
ورغم أن السؤال عن العلاقة بين هذه الزلازل يبدو “شيقا”، كما وصفته “هوغ”، فإنه بعيد عن محاولة إثبات تلك العلاقة، فمن الثابت وفق جوديث هوبارد، الباحثة المتخصصة في علوم الأرض بجامعة هارفارد الأميركية، أن قدر الجغرافيا لا يخص تركيا وحدها، بل إن إقليم “الشرق الأوسط” بأكمله، منطقة عالية النشاط الزلزالي، لذلك ليس من المستغرب أن تشهد هذا التواتر للأحداث الزلزالية الكبيرة والمتوسطة في عام واحد.واستهل التقرير شرحه للوضع الجيولوجي بالإشارة إلى أنه “قبالة الساحل الجنوبي لباكستان والساحل الجنوبي الشرقي لإيران، يحدث الاندساس النشط للصفيحة العربية أسفل صفيحة أوراسيا القارية، والتي تتقارب بمعدل حوالي 20 مليمترا في السنة، وهذا من شأنه أن ينتج زلازل مدمرة كبيرة وأمواج تسونامي، فعلى سبيل المثال، أدى الزلزال القوي بقوة 8 درجة الذي وقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1945 إلى حدوث تسونامي داخل خليج عمان وبحر العرب، مما أسفر عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص”.

ويوضح التقرير أن “شمال غرب هذه المنطقة النشطة، يدفع اصطدام الصفائح العربية وأوراسيا وجبال زاغروس الذي يبلغ طولها حوالي 1500 كيلومتر، وتعبر هذه السلاسل غرب إيران بالكامل وتمتد إلى شمال شرق العراق، وهو ما يؤدي لزلازل في العراق، كالتي حدثت في 11 سبتمبر/أيلول الجاري”.ينتهي صدع البحر الأحمر عند الحدود الجنوبية لصدع البحر الميت التحويلي، وهو صدع انزلاقي (مرصد الأرض- ناسا)

منطقة شرق المتوسط
وفي منطقة أخرى، وعلى طول الحافة الشرقية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، يوضح التقرير أن هناك تفاعلا معقدا بين الصفائح الأفريقية والعربية والأورآسيوية، ويعد صدع البحر الأحمر مركز انتشار بين الصفيحة الأفريقية والعربية بمعدل انتشار يبلغ حوالي 10 مليمترات/عام بالقرب من طرفه الشمالي، و16 مليمترا/عام بالقرب من طرفه الجنوب، وكان معدل الزلازل وحجمها صغيرا نسبيا على طول مركز الانتشار، لكن عملية التصدع أنتجت سلسلة من الأنظمة البركانية غرب السعودية.
وإلى الشمال، ينتهي صدع البحر الأحمر عند الحدود الجنوبية لصدع البحر الميت التحويلي، وهو صدع انزلاقي يستوعب الحركة التفاضلية بين صفيحة أفريقيا والجزيرة العربية، ورغم أن كلا من الصفيحة الأفريقية، إلى الغرب، والصفيحة العربية، إلى الشرق، تتحركان في اتجاه شمال شرق، فإن الصفيحة العربية تتحرك بشكل أسرع قليلا، مما يؤدي إلى حركة انزلاقية على الجانب الأيسر على طول هذا الجزء من الصفيحة العربية.وتاريخيا، كان نشاط الزلازل على طول هذا الصدع يشكل خطرا كبيرا في منطقة المشرق العربي ذات الكثافة السكانية العالية (شرق البحر الأبيض المتوسط)، فعلى سبيل المثال، يُعتقد أنه كان سببا في زلزال الشرق الأدنى الذي وقع في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1759، وقد أدى إلى مقتل ما بين ألفين إلى 20 ألف شخص، ويحدث الانتهاء الشمالي لهذا الصدع داخل منطقة تكتونية معقدة في جنوب شرق تركيا، حيث يحدث التفاعل بين الصفائح الأفريقية والعربية والأورآسيوية.

زلزال عام 365 م
ومع هذا الوضع الجيولوجي المعقد، تشهد المنطقة زلازل بشكل دوري، غير أنه لا يتم الإعلان إلا عن “الزلازل متوسطة وكبيرة الحجم”، لذلك فإن “قدر الجغرافيا” لا يخص تركيا وحدها، لكن يخص المنطقة بأكملها، كما يوضح ريتشارد أوت، من “المركز الألماني لبحوث علوم الأرض” في تصريحات هاتفية للجزيرة نت.ويقول أوت “إذا كان زلزال تركيا قد وصف بأنه أقوى الزلازل التي تم تسجيلها على الإطلاق في المنطقة، حيث يضاهي قوة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص في ديسمبر/كانون الأول من عام 1939 في شمال شرق تركيا، فإن منطقة شرق المتوسط بأكملها، كانت على موعد قبل 1658 عاما، وتحديدا في صباح 21 يوليو/تموز من عام 365 م، مع زلزال يفوقه قوة، ويُعتقد أنه (أقوى زلزال مسجل) في المنطقة”.

وقدرت دراسة قادها أوت نشرتها مجلة “إيه جي يو أدفانسيس” في العاشر من مايو/أيار من عام 2021، قوة هذا الزلزال بـ8 درجات على مقياس ريختر.ويضيف أوت “لا يوجد ما يمنع تكرار مثل هذا الحدث عندما تأتي الساعة التي تتحرر فيها قوة الضغط المتراكمة عبر مئات أو آلاف السنين، لذلك فإن دولا أخرى في المنطقة غير تركيا قد تكون على موعد مع زلزال مدمر، لا يعرف متى وأين يحدث”

المصدر: الميدان اليمني

كلمات دلالية: الزلازل في المنطقة زلزال المغرب زلزال تركيا المغرب وترکیا زلزال المغرب زلزال العراق زلزال ترکیا الذی وقع فی علوم الأرض على طول من عام

إقرأ أيضاً:

عواصف في سويسرا وإيطاليا وحرائق في اليونان وتركيا

خلفت الظروف الجوية القاسية في جميع أنحاء أوروبا 4 قتلى على الأقل، هذا الأسبوع، حيث ضربت العواصف جنوبي سويسرا وشمالي إيطاليا، بينما أجبرت حرائق الغابات الناس على الفرار من منازلهم في اليونان وتركيا، حسب ما ذكرت شبكة “سكاي نيوز” البريطانية.
وعثرت السلطات السويسرية على جثث 3 أشخاص بعد انهيار أرضي في منطقة فونتانا بوادي ماجيا في ولاية تيتشينو الناطقة بالإيطالية، على الجانب الجنوبي من جبال الألب.
كما عُثر في وقت مبكر من صباح الأحد، على جثة رجل أبلغ شريكه عن اختفائه في فندق بمنتجع ساس غروند الجبلي، حيث يُعتقد أن مياه الفيضانات داهمته.

وقالت الشرطة إن رجلا آخر فُقد منذ السبت، في منطقة بين في وادي الرون العلوي بالقرب من الحدود الإيطالية.
وتأثر كل من جنوب سويسرا وغربها بأمطار غزيرة، حيث تم إخلاء المخيمات على طول نهر ماجيا، بينما انهار جزء من جسر طريق فيسليتو، كما أدى فيضان نهر الرون إلى إغراق طريقا وسكة حديد.

اقرأ أيضاًتقاريرديمقراطيون بارزون يستبعدون استبدال بايدن

واجتاحت الفيضانات والعواصف الرعدية والانهيارات الأرضية مناطق مختلفة في شمال إيطاليا.

ونقلت “سكاي نيوز”، عن رجال الإطفاء الإيطاليون في منطقة بييمونتي الشمالية، قولهم إنهم قاموا بحوالي 80 عملية إنقاذ، كما أجلوا عشرات الأشخاص.
في الوقت نفسه، أدت درجات الحرارة المرتفعة والرياح القوية إلى اندلاع حرائق غابات بالقرب من أثينا وفي محافظة إزمير التركية، حيث تم إجلاء السكان والسائحين من منازلهم، وفقا للشبكة.
ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بشكل أكبر يومي الإثنين والثلاثاء، مما يزيد من خطر اندلاع حرائق الغابات.
وحسب الشبكة، يكافح رجال الإطفاء في اليونان الحرائق التي اندلعت في جنوب أثينا، منذ الأحد، حيث تصدوا بمساعدة 17 طائرة إطفاء، لألسنة اللهب في منطقة تبعد 35 كم جنوب العاصمة اليونانية.
وأظهرت لقطات تلفزيونية أن 4 منازل على الأقل تعرضت للحريق.
فيما أمرت السلطات بعض السكان بإخلاء منازلهم، بينما طلبت من آخرين البقاء في منازلهم وإغلاق نوافذهم لحماية أنفسهم من الدخان، وفقا للشبكة.
بدورها، طالبت تركيا السياح بمنطقة سلجوق بمحافظة أزمير، بضرورة إخلاء المنطقة بسبب حرائق الغابات.
وتظهر الأبحاث، وفق تقرير سابق لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن القارة يجب أن تستعد لدرجات حرارة أعلى بمقدار 3 درجات مئوية على الأقل من أوقات ما قبل الصناعة، بحلول عام 2050.

مقالات مشابهة

  • نيذرلاند وتركيا تكملان عقد ربع النهائي على حساب رومانيا والنمسا
  • أردوغان يكشف عن فخ خبيث.. وتركيا تعلن غلق حدودها مع سوريا
  • موعد مباراة هولندا وتركيا في ربع نهائي كأس الأمم الأوروبية
  • بهدفي ديميرال .. تركيا تتأهل للدور المقبل
  • ما علاقة الأرق والتعب بأمراض الكلى؟
  • عواصف في سويسرا وإيطاليا وحرائق في اليونان وتركيا
  • علماء في اليابان يمنحون الروبوتات وجوها وابتسامة من جلد بشري (شاهد)
  • علماء في اليابان يمنحون الروبوتات وجوه وابتسامة من جلد بشري (شاهد)
  • مختص في التاريخ يرد على تصريحات الخميس حول وهمية شخصية جابر بن حيان
  • علماء في اليابان يمنحون الروبوتات وجوها بـجلد بشري وابتسامة