مشهد داخل ذاكرة تتلاشى
قصة قصيرة /أغسطس 1995م
من مجموعتي القصصية " إليكم أعود وفي كفي القمر" دار عزة للنشر .

حمدان الجنيدابي.. يتذكَّر:

أنه.. في تلك، الليلة الليل
حيث الزمان.. كان هو، غير الزمان.
حيث المكان.. كان هو، غير المكان.
حيث الناس.. كانوا هم، غير الناس.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. في تلك الليلة، بعينها.

. لا غيرها، أرعدت السماء، دونما سحب.. واهتزّت بفعلها.. الأرض، والجدران، والبشر.. وانشقّ الفضاء، عن دويٍّ هائل.. لا مثيل له، إلا في أساطير.. الآتين، وليس الأولين!!.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. فقط، وفي لحظته: تلك الأولى. أو تحديداً أكثر دقة. ما قبل الأولى. انقلب على جنبه الأيمن، ولكن حين اصطدم، ذلك الدويّ، بجدار الحلم، الذي كان يناوشه. انقلب، على جنبه، الأيسر.. ولكن حين صحبت ذلك الدويّ الهائل، تلك الهزة القوية، التي ارتعش لها ذلك الجسد، الموبوء قبلاً، بالسهر والحمى. حتى انتفض مذعوراً، مفزوعاً.
أول.. ما فكر فيه: أن حدثاً، جللاً قد وقع.. رغم أنه لم يتبيّنه بعد، إلا أنه قفز، هذه المرة بجنبيه: الأيمن، والأيسر -معاً هكذا- وفي وقتٍ واحد !!

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. وكخطوة أولى - وإن لم تكن إرادية- بحث عن سكّينه، التي عادة لا يخلعها من ذراعه إلا كي تعمل: عند الضرورة، أو عند اللزوم.. وهذا ما يحدث بوتيرة متصلة.. يومياً.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. ترك أمرَ تحسُّسه، لموقع السكين. وتلفت يبحث عن نعاله، حين وجد نفسه -كيف لا يدري- وهو في قلب الفضاء الشاسع.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه، لم يكمل البحث عن نعاله. تناسى أمر النعال، حين أحس، أن شوكة لعينة، انغرزت في باطن قدمه.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى أمر تلك الشوكة اللعينة، حين رأى، الآخرين وقد سبقوه، واحتلوا قبله، قلب الفضاء الشاسع.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه، تناسى أمر الآخرين، الذين احتلوا قبله، قلب الفضاء الشاسع، حين رأى، على مدى السراب، تلك الشجرة الضخمة، التي هي بحجم الفضاء الشاسع.. المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى، وبتصميم هذه المرة، أمر تلك الشجرة الضخمة، والتي هي بحجم الفضاء الشاسع.. المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد. حين رأى.. لدهشته، الآخرين.. الذين احتلوا قبله، قلب الفضاء الشاسع.. يتحركون، ولكن بأكفان: بعضهم، بلا أجساد، داخل أكفانهم، وبعضهم بلا رؤوس على أكتافهم.

حمدان الجيندابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى أمر الآخرين، الذين يتحركون.. ولكن بأكفان: بعضهم، بلا أجساد داخل أكفانهم، وبعضهم بلا رؤوس على أكتفاهم. حين تذكر، أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يولدون.. بغير ما ترغب!!.
يقول لهم، حمدان الجنيدابي:

أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم!!.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى أمر أولئك الذين يأتون إليه، حين رأى بأم عينيه، ذلك الجسد، المصلوب بامتداد تلك الشجرة، الضخمة، بحجم الفضاء الشاسع، المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها، بعد.

حمدان الجيندابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى أمر ذلك الجسد، حين تذكّر أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يعيشون حياتهم.. بغير ما ترغب!!.

يقول لهم.. حمدان الجيندابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم!!.

حمدان الجيندابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى أمر أولئك الذين يأتون إليه، حين لمح لبرهة قصيرة وعابرة، وإن لم تكن عامدة.. أن ذلك الجسد المصلوب، بامتداد الشجرة الضخمة، المتدلية من الأعالي، بحجم الفضاء الشاسع، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد، يشبهه إلا قليلاً، بمقدار لم يتبيّنه بعد.

حمدان الجنيدابي.. يتذكَر:

أنه.. تناسى أمر ذلك الجسد، الذي يشبهه، إلا قليلاً بمقدار لم يتبينه بعد، حين تذكر أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يفرحون، ويحزنون.. بغير ما ترغب!!.

يقول لهم.. حمدان الجنيدابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم!!.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. لم يتناس هذه المرة، وإنما عادت إليه ذاكرته، وامضة براقة.. وليس كعادتها، حين تأكد له، بعد برهة لاحقة، لم تكن أبداً، غير أنها متعمدة. أن هذا الجسد، المصلوب بامتداد الشجرة الضخمة، بحجم الفضاء الشاسع، المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد. لم يكن إلا هو بعينه، حمدان الجنيدابي، بسكّينه.. التي لا يخلعها إلا لكي تعمل.. بنعاله التي تناسَى أن ينتعلها.. وحتى بتلك الشوكة اللعينة التي انغرزت في باطن قدمه.

حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى كل هذا، حين رأى تلك الشجرة الضخمة، تعلو.. وتعلو، وما عاد مصلوباً عليها ذلك الجسد، الذي هو بعينه، حمدان الجيندابي، حين تذكر أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يموتون.. بغير ما ترغب!!.

يقول لهم.. حمدان الجيندابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم!!.

حمدان الجيندابي.. يتذكّر:

أنه.. تناسى أمر أولئك الذين يأتون إليه، حين رأى تلك الشجرة الضخمة، وقد عادت وغرزت جذورها في باطن الأرض، ولم يعد مصلوباً عليها ذلك الجسد، الذي هو بعينه حمدان الجيندابي.

حمدان الجنيدابي.. يتذكَر:

أنه.. تناسى أمر تلك الشجرة الضخمة والتي غرزت جذورها في باطن الأرض، ولم يعد مصلوباً عليها ذلك الجسد، والذي هو بعينه حمدان الحنيدابي، حين وجد نفسه، يجري.. ويجري، يلهث ويلهث، بحثاً عن حمدان الجنيدابي، الذي لم يعد مصلوباً على تلك الشجرة الضخمة، بحجم الفضاء الشاسع، والتي انغرزت جذورها في باطن الأرض.
وإن لم يجده.. يجري ويلهث.. وإن لم يجده، يجري ويلهث.. وإن لم.. .

حمدان الجنيدابي.. يتذكَر:

أنه.. لم يعد يتذكَر، فقد بدأت ذاكرته، تتلاشى.. تتلاشى.. تتلاشى !!!

omeralhiwaig441@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هؤلاء الناس فی باطن لم یعد وإن لم

إقرأ أيضاً:

أحمد العميد: الصحفيون يواجهون تحديات جسيمة في تغطية النزاعات والحروب

قال الصحفي والمراسل الحربي أحمد العميد، إن الصحفيين الذين يعملون في بيئات الحروب يعانون من تهديدات مستمرة على حياتهم؛ حيث يتعرضون للهجمات المباشرة من الأطراف المتنازعة، بالإضافة إلى القصف العشوائي الذي يطال الصحفيين أثناء تغطيتهم للمواجهات جاء ذلك خلال الندوة النقاشية التي نظمتها لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين.

وأضاف في ندوة نظمتها على هامش الحوار المفتوح الذي نظمته لجنة الشؤون الخارجية بنقابة الصحفيين حول "تحديات صحفيي الحروب فى مناطق النزاعات.. وسُبل المواجهة"، أن خطر الوقوع في الأسر أو التصفية من قبل الجماعات المسلحة يمثل تهديدًا دائمًا في مناطق النزاع.

وأشار "العميد" إلى التحديات المهنية، حيث يواجه الصحفيون صعوبة في الحصول على المعلومات الدقيقة وسط ظروف غير مستقرة، مما يعرضهم لخطر نشر أخبار غير صحيحة أو مغلوطة. كما تطرق إلى تأثير القوانين والضغوط السياسية التي تحد من حرية الصحافة، ما يجعل الصحفيين في كثير من الأحيان عرضة للرقابة والتضييق على عملهم.

وفي ختام حديثه، أكد أحمد العميد على ضرورة دعم الصحفيين الميدانيين وحمايتهم أثناء أداء عملهم، مشيرًا إلى أن حرية الصحافة تعتبر من أهم حقوق الإنسان، ويجب العمل على تأمين بيئة عمل آمنة للصحفيين في جميع أنحاء العالم.

مقالات مشابهة

  • الحويج يزور معهد الدراسات الدبلوماسية ببنغازي استعدادًا لانطلاق الدراسة
  • «الحويج» يدعو لدعم الاقتصاد الأخضر وتعزيز التنمية المستدامة
  • 27 كتابا تتصدر مبيعات جناح الأزهر في معرض الكتاب.. منها «الأطفال يسألون الإمام»
  • 27 كتابًا تتصدر مبيعات جناح الأزهر بمعرض الكتاب
  • المشاط يعزي في وفاة العميد الركن بحري عبدالواحد القهالي
  • أحمد العميد: الصحفيون يواجهون تحديات جسيمة في تغطية النزاعات والحروب
  • حمدان بن محمد يشهد اتفاقية لبناء «محطة الفضاء القمرية»
  • بحضور محمد بن راشد ومنصور بن زايد ..حمدان بن محمد يشهد توقيع اتفاقية لبناء «محطة الفضاء القمرية»
  • حمدان بن محمد يشهد اتفاقية مع «تاليس ألينيا» الإيطالية لبناء «محطة الفضاء القمرية»
  • حمدان بن محمد: سنرسل أول رائد فضاء إماراتي عربي إلى مدار القمر بعد اكتمال المحطة