قالت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية إن أحزاب اليمين المتطرف في معظم أنحاء أوروبا تكتسب زخما، وتقترب أكثر من الوصول إلى السلطة في بلدانها. ومع ذلك فهي "ليست بحاجة إلى الانضمام إلى الحكومات للتأثير على صنع السياسات".

وترى المجلة في تقريرها أن تمدد تلك الأحزاب نمط شائع في القارة، فحزب "فلامس بيلانغ"، ومعناه "المصلحة الفلمنكية "، في بلجيكا يسير من قوة إلى قوة بعد أن كان قد تراجع إلى الهامش.

ففي المجر وإيطاليا وبولندا تتولى الأحزاب اليمينية المتطرفة الحكم، وفي فنلندا والسويد وسويسرا تشارك بحصة في السلطة، وفي ألمانيا، أظهرت استطلاعات الرأي حصول حزب "البديل من أجل ألمانيا" على 22% في استطلاعات الرأي، ارتفاعا من 10% في انتخابات 2021.

وفي فرنسا، حصل حزب التجمع الوطني، وهو أكبر حزب يميني متشدد، على دعم 24% من الجمهور، وتطالب فئة قليلة من الشعبويين اليمينيين بربع الأصوات أو أكثر.


وحتى الديمقراطيات الحديثة التي كانت تفتقر منذ عقود إلى أحزاب قومية كبيرة -مثل البرتغال ورومانيا وإسبانيا- أصبحت لديها الآن مثل هذه الأحزاب.

وتعتقد الإيكونوميست أن تقدم اليمين المتطرف ليس على شاكلة واحدة، ولا تسلك طريقا واحدا. وقد تراجع الدعم للقوميين الشعبويين مؤخرا في الدانمارك وإسبانيا. وبعض تلك الأحزاب من المتحمسين لحلفائهم "الأطلسيين"، وبعضها موال لروسيا، وبعضها ليبرالية، بينما تريد أخرى دولة رفاهية أكثر سخاء لينعم بها سكانها الأصليون وحدهم.

وعلاوة على ذلك، تميل الجماعات اليمينية المتشددة إلى اللين كلما اقتربت من السلطة، أو الانقسام، أو كليهما. فقد أثبتت الحكومة الإيطالية -على سبيل المثال- أنها "أكثر اعتدالا" مما كان يخشاه الكثيرون، رغم أنها تحت قيادة حزب "إخوان إيطاليا"، الذي له ارتباط بالفاشية.

3 أسباب

وتعزو المجلة هذا الاتجاه -الذي تراه مثيرا للقلق- إلى 3 أسباب، أولها أن 4 من الدول الخمس الأكثر اكتظاظا بالسكان في الاتحاد الأوروبي لديها أحزاب يمينية متشددة، إما في الحكومة أو أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيتها تجاوزت 20%.

والسبب الثاني أن الظروف الحالية مواتية بشكل خاص للأحزاب الشعبوية، مع ارتفاع الهجرة بعد توقف أثناء الوباء، وارتفاع التضخم والتكلفة المتزايدة لسياسة المناخ، مما يخلق ذريعة جديدة قوية للغضب الشعبي.

وثالث الأسباب -وهو الأهم- أن اليمين المتطرف لا يحتاج إلى الظفر بالسلطة حتى يتمكن من إحداث تأثير مدمر على سياسات دولها. ذلك أنها ما إن تجتذب شريحة كبيرة من الناخبين حتى تعمل على تحريف المناظرات عن مسارها، ومن ثم تجعل من الصعب على الحكومات الأوروبية أن تتبنى سياسات معقولة في التعامل مع المشاكل الملحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والهجرة، وتغير المناخ.

وتتوقع المجلة البريطانية أن تحقق الأحزاب اليمينية المتشددة نتائج جيدة في الانتخابات الأوروبية العام المقبل.

وتمضي إلى القول إن هناك جملة من العوامل الخارجية تساعد في استثارة الدعم لليمين المتطرف، مثل الهجرة غير الشرعية، التي حفزت تأييد الجماهير للأحزاب الشعبوية عندما ارتفعت معدلات المهاجرين إلى أوروبا في عام 2015.

ويبلي الشعبيون بلاء حسنا في أوقات الاضطرابات الاقتصادية، ويستفيدون أيضا من ارتفاع معدلات التضخم "الذي ابتليت به أوروبا طيلة العامين الماضيين".

ولطالما كان هناك أيضا تراجعا أوسع في الثقة بالحكومات في العديد من الدول الأوروبية، بعد عودة اليمين المتطرف إلى الظهور لفترة وجيزة خلال الوباء. كما أصبحت الحروب الثقافية على الطريقة الأميركية أكثر شراسة، وهو ما يساعد الشعوبيين مرة أخرى، على حد تعبير المجلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الیمین المتطرف

إقرأ أيضاً:

الانتخابات التشريعية الفرنسية: إقبال كبير من الناخبين وسط مخاوف فوز اليمين المتطرف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يواصل الفرنسيون التصويت والإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية والتي وُصفت بالتاريخية، حيث يظل اليمين المتطرف الأوفر حظا بالفوز من أي وقت مضى، الأمر الذي يزيد من قلق الناخبين. 
فقد بدأ قلق الناخبين مع استمرار صعود اليمين المتطرف في استطلاعات الرأي قبل التصويت، لكن ازدادت مخاوفهم وقلقهم العميق تجاه مستقبل البلاد والتوجهات السياسية التي قد تؤثر على حقوقهم وحرياتهم مع احتمالية فوز اليمين المتطرف. 
ومن أمام أحد مراكز الاقتراع التي فتحت أبوابها منذ الساعة الثامنة صباح اليوم الأحد، أعربت "جنيفر" عن قلقها إزاء "كل ما يحدث في البلاد"، وقالت في تصريحات لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس: "يتعين على الجميع التحدث والتعبير عن رأيه تجاه ما يحدث، ويتعين الاستماع إلينا وإلى مخاوفنا"، حيث حضرت "جنيفر" إلى مركز الاقتراع بصحبة طفلها البالغ من العمر 7 سنوات لتعليمه واجبه وحقه الجمهوري للتعبير عن رأيه. 
وقالت "مارتين" إن احتمال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة يثير مخاوفها مضيفة " لا أريد أن يصل اليمين المتطرف إلى السلطة "لهذا السبب جئت للتصويت.. أنا مواطنة فرنسية ومن المهم جدا أن أدلي بصوتي لأنه إذا فاز اليمين المتطرف، لا أعرف ماذا سيحدث في فرنسا". وتابعت: "أجد ما يحدث في بلادنا مقلقا للغاية". 
وأثار الخطاب المناهض للهجرة الذي تتبناه الأحزاب اليمينية المتطرفة، قلقا شديدا لدى بعض المواطنين، مثل "ليا" من أصل كونجولي، وقالت لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس: "مستحيل أن يصل حزب التجمع الوطني إلى الحكم.. أنا قلقة بشأن مسألة الهجرة، هناك من لا يحب المهاجرين، ولكن اليوم في فرنسا هؤلاء المهاجرون هم الذين يعملون"، وأعربت عن حزنها لما آلت إليه الأوضاع في البلاد قائلة "لقد ولدت هنا وعشت هنا وأعيش بشكل قانوني لكني قلقة بشأن بقية المهاجرين".
ومع استمرار التصويت حتى السادسة مساء (بتوقيت باريس) في أغلب البلديات، وحتى الساعة الثامنة مساء في المدن الكبرى، تشهد مراكز الاقتراع إقبالا كبيرا من جانب الناخبين. وقد أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن نسبة المشاركة في الانتخابات حتى ظهر اليوم بلغت 25.90 %، مسجلة ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالجولة الأولى لانتخابات 2022، حيث بلغت وقتها 18.43%. 
وحرص كثير من الناخبين على الحضور والتصويت فقط لعرقلة الطريق أمام حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي يتصدر المشهد السياسي بقوة. 
ومن هؤلاء الناخبين، "موريس" الذي دافع عن حقه في التصويت والتعبير عن آرائه، وقال "بالنسبة لي، الأمر مهم هذه المرة حتى لا أضع حزب التجمع الوطني يصل إلى الحكم.. فأنا خائف على مستقبل طفلي ومستقبل البلاد.. وهذا الخوف أشعر به على المستوى السياسي والاقتصادي وعلى مستوى أوروبا، وفيما يتعلق بعدة قضايا أهمها الهجرة ولهذا السبب فالتصويت اليوم مهم للغاية". "جون" شاركه الرأي وأكد أهمية التصويت هذه المرة لعرقلة الطريق أمام التجمع الوطني وخوفا من تفشي الخطاب العنصري. 
حرص العديد من المواطنين على الذهاب للتصويت، من شباب وكبار السن وذوي الإعاقة.. ولكن كان هناك إقبال كبير من جانب المواطنات الفرنسيات، "نيكول" أكدت حقها في التصويت كونها إمرأة تمارس حقها الدستوري التي طالما ناضلت من أجله، قائلة "هذا حقنا كمواطنين وأنا أدلي بصوتي منذ فترة طويلة وبالنظر إلى الظروف الحالية، هذه المرة مهمة للغاية خاصة ليس فقط فيما يتعلق بما يحدث في بلادنا ولكن أيضا فيما يتعلق بما يحدث حولنا والذي يمكن أن يؤثر علينا" واستشهدت بما يحدث في أوكرانيا على سبيل المثال. 
ودُعي نحو 49 مليون ناخب فرنسي للتصويت لاختيار 577 عضوا في الجمعية الوطنية (مجلس النواب) في انتخابات تُجرى جولتها الثانية في السابع من يوليو المقبل، ووُصفت بالتاريخية حيث يتصدرها اليمين المتطرف، متقدما بفارق كبير على المعسكر الرئاسي. 
ويتنافس في هذه الانتخابات 4 آلاف مرشح من عدة أحزاب سياسية وتحالفات، وعلى رأسهم ثلاث كتل سياسية وهم: حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف وحليفه "إريك سيوتي" رئيس حزب الجمهوريين اليميني المحافظ، وتحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" لأحزاب اليسار (فرنسا الأبية والحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الشيوعي)، والتحالف الرئاسي والذي يضم أحزاب النهضة وآفاق والحركة الديمقراطية "مودم". 
وأظهر آخر استطلاع للرأي، أجراه معهد "إيفوب" وصدرت نتائجه الجمعة الماضية، حصول اليمين المتطرف على 36.5% من نوايا التصويت، أما تحالف الجبهة الشعبية الجديدة الذي يضم أحزاب اليسار فحصل على 29% من نوايا التصويت، متقدما بذلك على معسكر ماكرون الذي حصل على ما بين 20.5% إلى 21% من نوايا التصويت. 
لذلك، ووسط حالة من التخوف والقلق الشديد، يواصل الناخبون الإدلاء بأصواتهم بالانتخابات التشريعية ومن المتوقع في نهاية اليوم، تسجيل نسبة مشاركة عالية في هذه الانتخابات التي قد تحدث فارقا كبيرا يغير المشهد السياسي في فرنسا، حيث يتركز رهانها الأكبر حول ما إذا كانت ستنبثق عنها لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة جمعية وطنية يهيمن عليها اليمين المتطرف. 

مقالات مشابهة

  • التجمع الوطني يقترب من قيادة فرنسا.. أفكار انعزالية وسياسات متطرفة ضد المهاجرين
  • ما الذي ستحمله الانتخابات التشريعية بفرنسا للجزائر؟
  • رئيس وزراء فرنسا محذرا: اليمين المتطرف على أبواب السلطة (فيديو)
  • اليمين المتطرف يتفوق في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية بفرنسا
  • رئيس الوزراء الفرنسي: اليمين المتطرف بات على أبواب السلطة
  • نتائج أولية: اليمين المتطرف في فرنسا يتصدر الأحزاب بحصوله على 33% من أصوات الناخبين
  • فرنسا تخشى المجهول مع بدء انتخابات تاريخية
  • الانتخابات التشريعية الفرنسية: إقبال كبير من الناخبين وسط مخاوف فوز اليمين المتطرف
  • في ندوة الانتخابات الفرنسية وصعود أسهم اليمين المتطرف.. «صالون البوابة» يناقش الوضع السياسي في فرنسا وتأثيره في المشهد الدولي
  • الأحزاب اليسارية الفرنسية تتوحد لمواجهة صعود اليمين المتطرف