سودانايل:
2024-10-07@00:23:51 GMT

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

أن إشكالية السياسة في السودان سادت فيه الرغائبية، و هي فلسفة الحلم و هي تؤسس ليس على معطيات الواقع و لكن على خيال صاحبها، و النخب الرغائبية هي التي تحاول أن تكيف الواقع و أحداثه وفقا لأحلام لا تتحقق، لأنها لا تقوم على الحقائق في الواقع، و هي إشكالية لأنها تحاول خداع النفس قبل الأخرين. و رغم أن الخيال مطلوب في السياسة لكن ليس بهدف تشييد بناءت دون ملامسة للواقع، بل كيف تستطيع توظيف ما هو موجود في الواقع في البناءات التي تريد.

و أيضا الرغائبية تجعل صاحبها لا ينظر للواقع بالصورة التي تجعله من خلال الواقع يحدد أهدافه، بل تجعل لديه فكرة واحدة لا يستطيع التفكير بغيرها، و هي التي تشكل عنده هذه الرغائبية. الفكرة الواحدة تتمحور حول المصلحة الضيقة. و الأحداث مهما صغرت لابد أنها تؤثر في الأجندة المطروحة و تحدث تغييرا في تسلسلها، لكنها لا تؤثر عند الرغائبي لأنه لم يتعود أن يحدث تغييرا في سلم أولوياته يتماشى مع المتغيرات، هذا هو المنهج السائد في السياسة السودانية، مهما حدث من تغييرات و نزاعات و حروب لا تؤثر في طريقة التفكير السائد، ليس عند العامة بل عند النخب السياسية و تطال حتى المثقفين.
الأحزاب التقليدية، يمثلها التقليديون. و في الصالات الأكاديمية يطلق عليهم " المحافظون" هؤلاء الأكثر اعتراضا و تحديا لعملية التغيير في المجتمع. و المحافظون دائما يميلون حماية لمصالحهم، و لذلك لا يرغبون في التغيير. لكن لا يشمل القاعدة الاجتماعية العريضة، فالتغييرات التي تحدث في التعليم و توسعه في المجتمع، و أيضا التطور الاقتصادي، و توسيع مواعين الديمقراطية، و اتساع رقعة الحرية لتنهض فيه الصحافة و الإعلام، و تعدد منظمات المجتمع المدني كلها تدفع القاعدة أن تتمسك بالتغيير، لأنه يحقق أمالها و مصلحها. إلا أن الرغائبية و التقليدية عندما تكون سمات داخل التنظيم السياسي الواحد تقعد به، و تعطل كل أدواته الديمقراطية، و تقلص مساحة الحرية و تصبح هناك فئة ضيقة جدا في التنظيم هي التي متاح لها عملية التفكير بما يرضي تلك القيادات القابضة على مفاصل المؤسسة الحزبية، و لذلك لا تستطيع المؤسسات الحزبية أن تستفيد من التجارب لمحدودية مساحة الحرية التي يوفرها هؤلاء الرغائبيون و التقليديون، و أي تفكير خارج الصندوق يعني الخروج من التنظيم.
الصراع السياسي ليس قاصرا على السلطة فقط، هناك مساحات كبيرة يمكن الاستفادة منها لكي يحدث التغيير، مادامت هناك رغبة واسعة في المجتمع للتغيير. لكن عندما يسجن المثقفون أنفسهم في دائرة انتماءات ضيقة، و لا يريدون التفكير خارجها لا يستطيعون أن يفكروا برؤى جديدة، بل يعيدون ذات التفكير الذي قاد إلي الأزمات السابقة، و مثل هذا التفكير لا يحدث تغييرا لا في الوعي، و لا في الأدوات الصدئة التي يجب اعادة النظر فيها، عندما انفجرت ثورة ديسمبر 2018م، من خارج اسوار الأحزاب كان الأمل أن هذه الثورة تخلق قيادات جديدة تكون قد درست كل التجارب السابقة، و لا تكون مخيلتها مركزة على السلطة، بل على كيفية العمل من أجل بناء دولة على أسس جديدة، و تفجار الثورة خارج دائرة الأحزاب؛ كان يتطلب على القيادات السياسية أن تخضع تجربتها للنقد، لماذا فشلت هي في تعبئة الجماهير طوال هذه السنين، و ما هي العوامل التي جعلت الشباب يواصلون التظاهرات قرابة الست شهور رغم قمع السلطة،؟ و هل هذه الظاهرة سوف تؤثر على مستقبل الأحزاب سلبا أو إيجابا؟، و لكنها لم تفعل بل فكرت في شيء واحد كيف تسطو على الثورة و تقبض على مفاصلها دون أن يكون لها برنامجا واضحا يمكن ان تحاسب عليه. كان لابد أن تنزلق الثورة للفشل. هناك من يقول: أن العسكريين و الكيزان سبب الفشل. و هل الأحزاب لم تتحسب للتحديات التي سوف تواجهها؟ الآ تعلم هذه القيادات أن حكم ثلاث عقود جعل هناك كتلة كبيرة ارتبطت مصالحها بالنظام السابق سوف تشكل لها تحديات؟ و معلوم بعد أي ثورة؛ أن العملية السياسية لا تسير على خط مستقيم، بل تواجهها العديد من العوائق و التحديات، و من المفروض أن تزيدها قوة و صلابة، و تجعلها تغير تكتيكاتها بصورة مستمرة حسب الحاجة لكي تصل لأهدافها، و السياسة لا تقبل الصلابة التي تكسرها بل تحاج أيضا للمرونة دون الانحراف عن الأهداف. لكن ذلك لم يحدث....!
انزلقت البلاد للحرب، و شهدت البلاد أكبر مأساة في تاريخها المعاصر، و ظلت العقول كما هي كأن شيئا لم يكن، لم يحدث أي تغيير في طريقة التفكير، لا تجد هناك فارقا بين العامة و نخبته التي من المفترض أن تقوده لأهداف الثورة فالكل يحاول أن يبحث عن تبرير و لا يواجه المشكل من خلال نقد التجربة لكي تتبين الأسباب الرئيس للفشل. أن الرغائبية في السياسة تهزم الأهداف العظيمة، و التقليديون سيظلوا يشكلون أكبر عائقا للتطور و الديمقراطية لأنهم لا يستطيعون النظر ابعد من موطيء اقدامهم، فالحرب سوف تفرض واقعا جديدا يجب التعامل معه بجدية و بممارسة النقد، أن الأجيال الجديدة مطالبة أن تفكر بعيدا عن طريقة التفكير التقليدية، فالجماهير عندما وقفت بإرادتها مع قواتها المسلحة كانت واعية لموقفها، و غدا ستكون أكثر وعيا عندما تصبح القضية المطروحة التحول الديمقراطي هي تعرف ترتيب أولوياتها تماما. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السیاسة

إقرأ أيضاً:

الأهرام: كلمة الرئيس السيسي في الأكاديمية العسكرية أكدت ضرورة التفكير في التاريخ بمنطق المستقبل

ذكرت صحيفة "الأهرام" في افتتاحية عددها الصادر اليوم /الأحد/ أن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من طلبة الأكاديمية العسكرية المصرية أعادت إلى الأذهان ضرورة التفكير في التاريخ بمنطق المستقبل وليس وفقا لرؤية الماضي بحيث يمكن توظيف لحظات الانتصار في عبور التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع.

وتحت عنوان "روح أكتوبر والجمهورية الجديدة".. رأت "الأهرام" أن حرب أكتوبر جسدت قدرات القيادة وصلابة الإرادة وتحدي الخصم وسلوكيات الجنود، والتي تعد منظومة متكاملة الأركان، في ظل حالة استدعت قوى العصبية للوطن أو «الرجوع إلى وطن» إذ يسعى أبناؤه لاسترداد ترابه ويرغبون في نهضته وتغييره من حال إلى حال آخر، والمهم أنها لا تقتصر على ساحة الحرب بل تمتد إلى أوضاع السلم، وهو مرهون بتحقيق التلاحم بين قوى المجتمع والقيادة السياسية والمؤسسة العسكرية، بما يعكس القدرة على تحقيق المستحيل في أصعب اللحظات.

وتابعت الصحيفة: "ما أحوجنا في مصر في تلك المرحلة إلى استعادة روح المراجعة والمقاومة والمواجهة، مع الذات، من جانب مختلف الشرائح العمرية والفئات النوعية والتخصصات المهنية، أجهزة الحكومة، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، عبر بناء القدرات وإصلاح الاختلالات وتعميق التخصص وتعديل معايير الترقي والاهتمام بمراكز التميز والتحلي بعقلية المنافسة، بحيث يمكن للمكانة المصرية أن تغير من ترتيبها في بعض التقارير الدولية، سواء الخاص بالتنمية البشرية على المستوى العالمي أو التنافسية الاقتصادية العالمية أو مكانة جامعات العالم، وهو ما يقود في نهاية المطاف لتحقيق الفوز التنموي والتقدم العام بما يضع مصر في مكانة لائقة تستحقها بين دول العالم في مختلف المجالات".

واختتمت "الأهرام" افتتاحيتها قائلة: "حينها تطأ أقدام المصريين سلالم المنتصرين ويستعيدون روح أكتوبر الغائبة، خاصة لدى الأجيال الجديدة التي تمثل المستقبل. فثمة ضرورة لاستلهام هذه الروح القائمة على العمل الجماعي والتكاتف الوطني لمواجهة التحديات الراهنة وتحقيق التنمية المستدامة في الجمهورية الجديدة.

اقرأ أيضاًرئيس مجلس الدولة يهنئ الرئيس السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر

الرئيس السيسي يصدّق على ترقية قائد قوات الدفاع الجوي إلى رتبة الفريق

وزير الخارجية يهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى نصر أكتوبر المجيد

مقالات مشابهة

  • التفكير السطحي وأداء سالم مع المنتخب
  • الأهرام: كلمة الرئيس السيسي في الأكاديمية العسكرية أكدت ضرورة التفكير في التاريخ بمنطق المستقبل
  • أحاديث عن السياسة.. الكذب!
  • ماذا يحدث عندما تتلف الألواح الشمسية؟
  • “الشرق الأوسط: رقصة السياسة على حدود الرمال”
  • ‏بايدن يدعو إسرائيل إلى التفكير في بدائل عن استهداف المنشآت النفطية الإيرانية
  • ملامح السياسة الخارجية لرئيس سريلانكا الجديد
  • ماذا يمكن أن يحدث للجسم عندما تكون التمارين الرياضية شديدة للغاية؟
  • المستجدات ومنطق السياسة
  • من هم خبراء ترامب في السياسة الخارجية؟