أقباط مصر ومعركة التغيير السياسي
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
بغض النظر عن مواقفه السياسية سواء الداعمة للحكم العسكري أو التطبيع مع العدو الصهيوني، إلا أن الناشط والباحث السياسي المصري عماد جاد، المتحدث باسم التيار الليبرالي الحر، أثار الجدل مجددا عبر بيانه يوم الخميس الماضي الذي دعا فيه لترشيح رئيس الأركان المصري الأسبق الفريق محمود حجازي لرئاسة الدولة؛ بديلا للسيسي الذي لم يعد صالحا لفترة حكم جديدة بنظره.
ورغم أن كثيرين طرحوا اسم حجازي مؤخرا مثل رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات أو غيره، ورغم أن كثيرا من النخب التي دعمت انقلاب السيسي وتحركت شرقا وغربا لتسويقه؛ كسرت أسوار الخوف ودعت صراحة لعدم ترشح السيسي مجددا، ورغم أن الحركة المدنية التي تمثل عدة أحزاب من معسكر 30 يونيو أعلنت صراحة أن مصر لا تحتمل فترة ثالثة للسيسي، إلا أن بيان عماد جاد الذي حرص على توقيعه بصفته الشخصية يحمل دلالات أكبر مما سبق، فهو معروف بعلاقات مع الأجهزة الأمنية وخاصة المخابرات، وبالتالي قد يفهم البعض أن بيانه ربما كان تعبيرا عن أصوات من قلب الدولة العميقة.
لكن الأهم بالنسبة لي في هذا المقال هو الرمزية الدينية في صاحب المقال، فهو ينتمي للكنيسة الأرثوذكسية، ومقرب بشدة من رأسها الأنبا تواضروس، وهذه أول مرة يخرج صوت مسيحي حتى لو تدثر برداء مدني منقلبا على السيسي بهذه الفجاجة، حتى إن أبواق السيسي اعتبرت دعوته انقلابا بالفعل على السيسي ومحاولة لإحداث وقيعة داخل الجيش؛ بين معسكر داعم للسيسي وآخر داعم لحجازي.
لا يمكن وصف عماد جاد بالانتماء للإخوان أو مساندتهم كما يحدث عادة مع كل معارض حقيقي للنظام، فالرجل لم يقصر في دعم الانقلاب، وسافر إلى واشنطن وعواصم أخرى ترويجا له، ودافع عن الدعم الصهيوني له أيضا في مقال شهير له بجريدة الوطن في أيلول/ سبتمبر 2017، مشيرا إلى الضغوط الكبيرة التي مارستها الوفود التي أرسلها بنيامين نتنياهو على أعضاء الكونجرس من أجل دعم أحداث 30 يونيو وعدم وصفها بالانقلاب.
الطريف أن الأذرع الإعلامية الداعمة للسيسي حين أرادت تشويه صورة عماد جاد فإنها استدعت هذا الأرشيف الداعم للكيان الصهيوني، واتهمته بالخيانة والتطبيع، مستشهدة بالعديد من المواقف السابقة له منذ عهد الرئيس مبارك، رغم أن هذه الأذرع نفسها تدافع عن التطبيع في مواطن أخرى لكنها تدرك حساسية الشعب المصري تجاه هذه القضية.
استمر تعاظم دور الكنيسة في عهد السيسي وفقا للميثاق غير المكتوب بينهما، حيث كانت الكنيسة الداعم الأكبر لمظاهرات 30 يونيو ضد حكم الرئيس محمد مرسي الذي عين أول مساعد رئيس جمهورية قبطي (سمير مرقص)، وأصبحت الكنيسة وحشودها في الولايات المتحدة والغرب عموما هي الحاضنة الرئيسية للسيسي خلال زياراته الخارجية
كان الموقف الأخير لعماد جاد مفاجئا للكثيرين بحكم علاقاته ومواقفه السابقة، ولكنه جاء في سياق حالة تململ النخبة الداعمة للسيسي بعد دورتين من حكمه الذي لم يستطع تحقيق نجاحات تذكر رغم امتلاكه كل الأدوات. والجديد هنا أيضا أن النخبة المسيحية أصابها هذا التململ رغم أنها كانت الأكثر دعما وارتباطا بالسيسي تقديرا لدوره في تخليصهم من الإخوان، أيضا خشية من عودة الإخوان مجددا في حال غيابه من المشهد، لكن هذه النخبة تدرك الآن أن العقد غير المكتوب بينها وبين السيسي تم تنفيذه من طرف واحد (أي الجانب المسيحي)، بينما لم يحقق لهم السيسي الحماية المطلوبة مقابل الدعم الوفير الذي قدموه له، إذ لم يستطع وقف الاعتداءات التي يتعرضون لها سواء كأفراد أو منشآت، رغم أنه بنى لهم أكبر كاتدرائية في عاصمته الإدارية الجديدة كما بنى العديد من الكنائس الأخرى، ومنح الصفة القانونية لمئات الكنائس التي بُنيت في أوقات سابقة بدون تراخيص رسمية.
لعقود طويلة حرص المسيحيون المصريون على الابتعاد عن العمل السياسي، تاركين مهمة التواصل مع الدولة نيابة عنهم للكنيسة التي منحها نظام يوليو 1952 حق ترشيح الوزراء وكبار المسئولين الحكوميين المسيحيين، وقد تضخم دور الكنيسة السياسي، وصارت بمثابة حزب الأقباط، وهو ما دفع السياسي والبرلماني القبطي جمال أسعد عبد الملاك لإصدار كتاب بعنوان "من يمثل الأقباط.. الدولة أم البابا؟"؛ انتصر فيه للأخير، وهو ما أثار عليه غضب الكنيسة لفترة طويلة في عهد البابا الراحل شنودة الثالث.
واستمر تعاظم دور الكنيسة في عهد السيسي وفقا للميثاق غير المكتوب بينهما، حيث كانت الكنيسة الداعم الأكبر لمظاهرات 30 يونيو ضد حكم الرئيس محمد مرسي الذي عين أول مساعد رئيس جمهورية قبطي (سمير مرقص)، وأصبحت الكنيسة وحشودها في الولايات المتحدة والغرب عموما هي الحاضنة الرئيسية للسيسي خلال زياراته الخارجية، ووصل الأمر إلى وصف هذه الفترة بالذهبية بالنسبة للأقباط.
ظهور أصوات قبطية من خلفيات مدنية معارضة للسيسي يكسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى الكثيرين خلال السنوات العشر الماضية عن علاقة الزواج الكاثوليكي بين الأقباط ونظام السيسي، ويفتح الباب لحوار وطني جاد حول دور الأقباط في التغيير السياسي، وعلاقاتهم بكل أطراف المشهد السياسي المصري وفي مقدمته التيارات الإسلامية التي يعتبرها الأقباط عدوا
ولكن رغم ذلك ظهر تململ النخب القبطية الذي عبّر عن جانب منه عماد جاد والمعلقون الأقباط على بيانه المنشور على صفحته، كما عبرت عنه شخصيات سياسية قبطية كبيرة مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسس حزب المصريين الأحرار، والوزير السابق والقيادي الوفدي منير فخري عبد النور، والبرلماني السابق جمال أسعد، والراحلين جورج إسحق وأمين إسكندر ( قبل وفاتهما)، ونشطاء وكتاب مسيحيون، كجزء من حالة غضب شعبي عام بسبب تردي الأوضاع الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي، وبسبب الخوف من ثورة شعبية يمكن أن تعيد الأقباط إلى المربع الأول، وتجعلهم في مرمى هذا الغضب الشعبي بسبب دعمهم للسيسي طيلة عشر سنوات.
ظهور أصوات قبطية من خلفيات مدنية معارضة للسيسي يكسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى الكثيرين خلال السنوات العشر الماضية عن علاقة الزواج الكاثوليكي بين الأقباط ونظام السيسي، ويفتح الباب لحوار وطني جاد حول دور الأقباط في التغيير السياسي، وعلاقاتهم بكل أطراف المشهد السياسي المصري وفي مقدمته التيارات الإسلامية التي يعتبرها الأقباط عدوا. والحقيقة أن هذه العلاقة المتوترة بين الطرفين سببت ضررا لكليهما، وآن للطرفين البحث عن علاقة جديدة في إطار الوطن الذي يضم الجميع وليس بمقدور أحد أن يُقصي الآخر منه.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري السيسي الأقباط مصر السيسي الرئاسة مرشحين الأقباط مقالات مقالات مقالات أفكار سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رغم أن
إقرأ أيضاً:
إمانويل ماكرون: نشكر الرئيس السيسي والشعب المصري على حفاوة الاستقبال
شكر الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الرئيس عبد الفتاح السيسى على حفاوة الاستقبال الذي حظى به أثناء جولته بمنطقة خان الخليلى بالقاهرة.
ونشر الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عبر حسابه الشخصي على موقع أكس شكر خاص الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث عبر عن شكره ونشر مقطع فيديو من جولته بـ خان الخليلي على أنغام حلوة يا بلدي، وكتب قائلآ: “شكراً لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وللشعب المصري على هذا الاستقبال الحار. هذه الحماسة، وهذه الأعلام، وهذه الطاقة التي تليق بخان الخليلي: تحية نابضة للصداقة التي تجمع بين مصر وفرنسا”.
https://x.com/EmmanuelMacron/status/1909015096405487785
وكان قد وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة مساء أمس الأحد، حيث يعقد اجتماعًا مع الرئيس السيسي صباح اليوم الاثنين.
وأعلن قصر الإليزيه أن القمة الثلاثية (مصر وفرنسا والأردن) ستعقد في اليوم نفسه في القاهرة.
ونشر ماكرون على صفحته الرسمية، بموقع إكس" فيديو يظهر طائرات الرافال المصرية تصاحب الطائرة الرئاسية، وكتب: “وصلنا إلى مصر برفقة طائرات رافال المصرية... فخورون بهذا لأنه يعد رمزا قويا للتعاون الاستراتيجي بيننا”.
وتحرص القاهرة وباريس على التشاور المستمر بشأن القضايا الإقليمية والدولية، التي يأتي على رأسها الملف الفلسطيني خاصة بعد التحديات التي يواجهها الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ إذ تتطابق الرؤى المصرية الفرنسية بضرورة وقف الحرب التي راح ضحيتها أكثر من مئتي ألف شهيد ومصاب؛ وبدء العمل على حل الدولتين لإنهاء الصراع المستمر منذ نحو 8 عقود.