أبت العاصفة المدمرة الذي ضربت درنة وبعض مدن وقرى الجبل الأخضر شرق ليبيا، أن تغادر المدينة دون أن تأخذ كل شيء، حتى الأموات لم يكونوا بمأمن من غدرها المفاجئ، فبجانب الدمار الذي جعل من درنة مدينة منكوبة، جرفت المياة مع السكان والمنازل "مقبرة الصحابة" الذين جاءوا إلى المنطقة لنشر الدعوة الإسلامية في الثلث الأخير من القرن الهجري الأول.

تصريحات نارية من "المسماري" بشأن العاصفة دانيال في ليبيا نشرة أخبار التوك شو.. ليبيا تضمد جراحها وتشكر مصر

 

وتضم مقبرة الصحابة التاريخية رفات سبعين صحابيّا وصلوا إلى ليبيا مع طلائع الجيش الإسلامي الذي قاده عمرو بن العاص، وقد دمرت السيول المقبرة الخاصة بهم والملاصقة لمسجد الصحابة الكبير في شرق درنة والذي سمي بهذا الإسم نسبة إلى الصحابة الذين جاءوا فاتحين، وقد تركت العاصفة المسجد وحيداً دون أصحابة، ومن أبرز هؤلاء الصحابة قادة الجيش الإسلامي في المغرب، زهير بن قيس البلوي، الملقّب بأمير برقة الشجاع، ومساعداه أبو منصور الفارسي وعبد الله بن بر القيسي.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن سفن الروم قد أغارت على شاطئ درنة وعاثت في المدينة قتلاً ونهباً وسبياً، وتلقى الصحابي الجليل زهير بن قيس البلوي وأصحابه نبأ هذه الغارة وهم يسلكون طريق الصحراء الشرقية من برقة فلووا أعنة خيولهم نحو الساحل، ولما دنوا من المراكب المغيرة رآهم الأسرى الذين وقعوا في قبضة المغيرين، وهم يقادون إلى المراكب مكرهين فاستغاثوا بهم، فثارت حمية زهير ونادى أصحابه، فنزلوا عليهم وهم العدد القليل، واشتبكوا مع الروم المغيرين واستبسل زهير ورفاقه، ولكن جموع الروم أحاطوا بهم من كل جانب فاستشهد زهير ورفاقه في ساحة المعركة الغير متكافئة، وتمكن الروم من النجاة واقلعوا بمراكبهم يحملون الأسرى والغنائم، ودفن زهير وصحبه في البقعة التي عرفت باسم "مقبرة الصحابة" بمدينة درنة.

وهذا وقد شرفت البقعة التي ضمت رفات زهير بن قيس ورفاقه بمدينة درنة فكانت مقصداً للزوار من سكان المدينة والقادمين إليها يتبركون بهؤلاء الشهداء الأبرار ولاسيما إنهم من صحابة رسول الله ﷺ ومن التابعين له، وقد برز من بين رفاق زهير الذين استشهدوا معه مجاهدان كبيران هما : "عبد الله بن بر القيسي وأبو منصور الفارسي"

وفي القرن السابع عشر بنى العثمانيون "مقبرة الصحابة" وفي 1970 قام الأهالي مدينة درنة بتشييد أعظم وأكبر المساجد في ليبيا وسمي بمسجد الصحابة تكريما لهؤلاء الفاتحين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي العام 2011 في أعقاب سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي، قاومت المدينة مجموعات مسلحة تسببت في حالة من الفوضى والانفلات الأمني، واستطاع مقاتلون ينتمون لتنظيم الدولة "داعش" السيطرة على أجزاء كبيرة من المدينة في شهر أكتوبر من عام 2014، ثم سيطرة ميليشيات مجلس شورى مجاهدي على درنة بعد هزيمة داعش في يونيو 2015، حتى نجح الجيش الوطني الليبي في 2016 في تحرير المدينة بالكامل من قبضة الإرهاب وعودة أهلها إلى منازلهم وممتلكاتهم.

وتفاوتت الآراء حول سبب تسمية المدينة بهذا الأسم، لكن الواقع يشير بأن السبب الحقيقي وراء هذه التسمية هو موقع المدينة الجبلي، فكلمة "درنة" مأخوذة عن مصطلح درن، والذي يعني الجبل في اللغة القديمة، وهذا يعني أن أصل الاسم الذي أطلق على هذه المدينة هو ليبي وليس يوناني.

وتعد مدينة درنة الواقعة على ساحل البحر المتوسط في شمال شرق ليبيا ثاني أكبر مدن الجبل الأخضر بعد مدينة البيضاء يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ويشطر المدينة مجرى الوادي إلى شطرين وهذا الوادي يسمى وادي درنة وهو أحد الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا.

تقدر المسافة بين درنة وبنغازي بنحو 300 كلم إلى جهة الغرب، وبينها وبين مدينة البيضاء مسافة 100 كلم، وتبعد نحو 1300 كلم شرق العاصمة طرابلس، وقد بلغ عدد سكان مدينة درنة نحو 200 ألف نسمة قبل كارثة 11 سبتمبر

وتشتهر المدينة بموقعها وبأحراشها الجبلية حيث تسقى بمياه عذبة تتدفق إليها عبر قنوات الساقية من نبعين غزيرين أحدهما يعرف باسم عين البلاد، والثاني باسم عين أبومنصور وهذا تنحدر مياهه من ربوة عالية إلى مسيل الوادي يسمى الشلال أو شلال بومنصور الذي دمرهما الفيضان وتسببوا في اجتياح المياه للمدينة.

ويربط مدينة درنة مع بلدة شحات طريقين، الأول هو الطريق الرئيسي الداخلي المار بالقبة وهو جزء من الطريق الساحلي الليبي، والثاني هو الطريق الساحلي المار ببلدة بسوسة، ورأس الهلال.

تعاقبت على مدينة درنة -التي تلقب بعروس ليبيا ودرة البحر المتوسط- حضارات مختلفة من الإغريق والروم ودول إسلامية، فبعد فترة ازدهار في مرحلة التأسيس تعرضت المدينة خلال الحكم الروماني والبيزنطي لحالة من الركود والانحطاط، ثم لعبت دورا حيويا في الحقبة العثمانية ولا سيما في أوائل القرن 17 في فترة حكم الأسرة القرمنلية.

ثم تعاقب عليها أيضا غزاة أميركيون وإيطاليون، فقد احتلت المدينة قوات مشاة البحرية الأميركية عام 1805، لتكون بذلك أول يابسة خارج الولايات المتحدة يرفع فوق قلعتها العلم الأميركي، ثم عانت الويلات خلال الاحتلال الإيطالي (1911-1945).

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: قبور الصحابة درنة مدینة درنة

إقرأ أيضاً:

مسجد القبلتين التاريخي بالمدينة المنورة يشهد مئات الزائرين يومياً للصلاة فيه

تشهد الجوامع التاريخية بالمدينة المنورة، توافد أعدادٍ كبيرة من الحجاج والمعتمرين، للصلاة فيها، والتعرّف على تاريخها، لارتباطها بالعهد النبوي، وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

ويفد إلى مسجد "القبلتين" التاريخي بالمدينة المنورة مئات الزائرين يومياً، للصلاة في المسجد الذي يشهد أعمال تطوير تشرف عليها هيئة تطوير المدينة المنورة، ضمن مراحل "مشروع القبلتين الحضاري"، حيث يعدّ المسجد الذي يقع على بُعد خمسة كيلومترات إلى غرب المسجد النبوي، أحد أبرز الأماكن التاريخية التي يقصدها الزائرون خلال فترة وجودهم في المدينة المنورة، ويرتبط تاريخياً بأحد أبرز أحداث التاريخ الإسلامي، متمثلاً في تغيّر القبلة إلى بيت الله الحرام، حين أدركت النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر في موضع المسجد، فنزل عليه الوحي أثناء صلاته، في قوله تعالى :"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" فاستدار - عليه الصلاة والسلام - باتجاه الكعبة المشرفة بالمسجد الحرام، وكان ذلك في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة.

ورصدت عدسة "واس" اليوم، مشاهد من توافد المصلين والزائرين إلى مسجد القبلتين، وتركيب المظلات في باحاته الخارجية، لحماية المصلين من أشعة الشمس والحرارة، وجوانب من الخدمات الدعوية والإرشادية، والتطوعية التي تبذلها هيئة تطوير المدينة المنورة، وفرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والجمعيات الخيرية، لخدمة المصلين وتهيئة السبل ليؤدوا العبادات بيسر وراحة.

ويشهد مسجد القبلتين أعمال تشييد وبناء، لتوسعته، وتطوير مرافقه، وزيادة طاقته الاستيعابية لتصل إلى 3 آلاف مصلٍ، ويشمل المشروع إضافة العديد من الخدمات، وتشييد مركز ثقافي ملحق بالمسجد، وتهيئة مساحات خارجية للمشاة، وتركيب السلالم كهربائية، ومصاعد لخدمة المصلين، لتسهيل التنقل بين أرجاء المسجد والساحات الخارجية العلوية، ووصول المشاة إلى الطرق المحيطة على جانبي المسجد، لخدمة مرتاديه على مدار العام، ضمن مشروع يهدف إلى تعميق وإثراء تجربة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين.

مقالات مشابهة

  • مسجد القبلتين التاريخي بالمدينة المنورة يشهد مئات الزائرين يومياً للصلاة فيه
  • بناه أحد الصحابة في السنة الـ 16 للهجرة النبوية: جامع حسْلْ .. منارة تاريخية توشك يد الإهمال على هدمها
  • «الإفتاء» توضح حكم زيارة قبور أولياء الله الصالحين
  • «نص سكانها عرب».. قرية عجيبة وراء نهر جليدي يعيش بها 10 آلاف شخص فقط
  • حجاج مدينة درنة يشكرون “بلقاسم حفتر” على جهوده
  • نيللي كريم مرآة لسحر الثمانينيات في عرض زهير مراد بباريس (صور)
  • سفراء ودبلوماسيون عرب وأجانب زاروا طرابلس عاصمة الثقافة
  • وصول الدفعة الثانية من حجاج بيت الله الحرام المتضررين في مدينة درنة
  • المهندس “بالقاسم خليفة” يستقبل حجاج بيت الله الحرام في درنة
  • “بالقاسم حفتر” يجتمع بالشركات العاملة بمشاريع درنة للاطلاع على نسب الإنجاز