الإقصاء والكراهية والتحاسد لا تبني دولة
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
إن هذه الحرب غير المسبوقة في بشاعتها على وشك أن تضع أوزارها – إن شاء الله- بدحر المليشيا المتمردة. ولا ينبغي أن يكون ما بعد هذه الحرب كما كان قبلها. فلابد بد من أن يسعى الجميع إلى أن تكون هذه آخر الحروب، ومن ثم تأسيس دولة المواطنة والعدالة والحرية.
إن لهذا التأسيس للدولة المنشودة مطلوبات وموجهات:
١/ تكوين مجلس عسكري خالص من خمسة أعضاء يكون رمزا للسيادة، يساعده مجلس وزراء، مختصر (15) عضوا من ذوي الخبرة والدراية بشؤون الحكم والإدارة.
تتلخص مهمة هذا الثنائي في ثلاثة أشياء:
أ/ إعمار ما دمرته الحرب من مرافق الخدمات والصناعات ودور العلم بقدر ما تسمح به الامكانات المتاحة.
ب/ العمل على إنعاش الوضع الاقتصادي وفقا للمتاح.
ج/ الإعداد لإجراء الانتخابات في أقرب أجل يتفق عليه، انتخابات سودانية وليست انتخابات وستمنستر. لن تكون مثالية لأن أوضاع البلد ليست مثالية لذا لا ينبغي الالتفات لاؤلئك الذين لا يريدونها، أو الذين يتحججون بعدم إكمال مطلوباتها لأنها أيا كانت صدقيتها ستكون أقرب طريق لأخراج البلد من حالة التوهان إلى حكومة مفوضة من الشعب، ومن ثم يرجع الجيش الى واجبه الدستوري في الحفاظ على وحدة البلد وكرامة أهله ورعاية مصالحهم.
2/ البعد عن محاولة إقصاء الآخرين دون مسوغ إلا الكراهية. واقصد هنا محاولة الحرية والتغيير التي أضاعت أربعة أعوام في محاولة إقصاء الاسلاميين، فلم تفلح في ذلك ولن تفلح في ذلك. الاسلاميون مواطنون لا يملك أحد سلبهم حقهم في بناء الوطن، من أجرم في حق الوطن والمواطن دونه ساحات العدالة انتقالية وغير انتقالية. ولكم في تجربة مانديلا الناجعة أسوة حسنة. إن كسبهم في معركة البناء أفضل من استعدائهم على طريقة لجنة التمكين سيئة الذكر.
3/ الحركات التي حملت السلاح في وجه الدولة التي تسمى مجازا بحركات الكفاح المسلح، والتي وقعت اتفاقية جوبا أو لم توقع عليها؛ عليها أن تتحول الى أحزاب سياسية، وتترك ممارسة السياسة عن طريق البندقية، فلم يعد هناك هامش ومركز يتهمونه بظلمهم فالبلد كله أصبح هامشا بما فيه العاصمة. ليس معقولا أن نسمع في كل صباح أن حركة ما انسلخت عن أمها، كل هذا بعد اتفاقية السلام التي لم تحقق لأهل الهامش سوى المناصب التى تسنمها قادة هذه الحركات!
4/ البعد عن الشحن القبلي والمناطقي خاصة من أبناء الهامش المزعوم الذين يقطنون في المهاجر في أوروبا ويمارسون هذه اللعبة المدمرة في شحن العامة بأراجيف واكاذيب من مثل ظلم أهل الشريط النيلي والجلابة لأهل الهامش. هذه المقولات التى أفسدت ما بين الناس من علائق اجتماعية.
5/ على قادة الدعم السريع إن ينسحبوا طواعية من حياةالسودانيين، سلما أو حربا فما فعلوه لا يجعل لهم مشروعية أخلاقية ليعودوا إلى ما كانواعليه، فعليهم الرجوع إلى ما كانوا عليه من تجارة أو زراعة أو رعي على الأقل في الوقت المنظور عسى أن يصفح عنهم هذا الشعب الكريم. وعليهم قبل كل هذا الاعتذار لهذا الشعب وإعلان توبتهم عسى الله أن يعفو عنهم.
د. أبو شهاب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: قرار الجنائية الدولية يثبت تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة
تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي "ميرون رابوبورت" إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت.
وأكد أن القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يشكل لحظة فارقة بالنسبة لصورة إسرائيل وشرعيتها الدولية.
وأضاف أن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تثبت أن إسرائيل تتتحول سريعا إلى "دولة منبوذة".
وأوضح أن "رد إسرائيل كان أخرقاً، ولكن الجمهور الذي يظن أن جيشه لا يرتكب الفظاعات بدأ يصحو وإن ببطء".
وفيما يلي نص المقال:
أطلقت المذكرات موجات اهتزازية في أرجاء المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة السياسية.
كان رد فعل السياسيين عدم المبالاة. اتهم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية بمعاداة السامية، وعلى نهجه سار بقية تيار اليمين داخل إسرائيل.
أما يسار الوسط فلم يتهم المحكمة بمعاداة السامية، ولكنه وافق على أن القرار لم يكن مقبولاً، وكان جائراً، ولم يكن له سند قانوني، لأنه عامل إسرائيل وحماس كمتساويين في ارتكاب الجرائم أثناء الحرب.
جاءت ردود الفعل لتكون استمراراً مباشراً لعدم اعتراف إسرائيل بما يجري في غزة.
حتى لو كان هناك أقلية صغيرة جداً في إسرائيل تقر بأن جرائم قد ارتكبت من قبل جيشها في غزة، إلا أن الجمهور الإسرائيلي العام مازال في حالة من الإنكار التام. يزعمون بأن حماس وحدها هي التي ترتكب جرائم الحرب، وليس إسرائيل، وأن ما تفعله إسرائيل في غزة ما هو إلا دفاع عن النفس.
في عيون معظم الإسرائيليين، إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين الأبرياء بلا سبب، وإذا كان هناك مجاعة في غزة، فإنما هي نتيجة قيام حماس بسرقة المساعدات الإنسانية – وهي مقولة يتكرر ترديدها المرة تلو الأخرى من قبل الجيش الإسرائيلي ومن قبل القنوات الرسمية الأخرى.
كان رد الفعل هذا متوقعاً، وإن كان الوضع في إسرائيل أكثر تعقيداً. لا ريب أن إصدار مذكرات التوقيف ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق حدث بارز ولحظة فارقة في علاقات إسرائيل بالمجتمع الدولي وبالقانون الدولي.
تأسست إسرائيل بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة. جل التطورات في القانون الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل حماية اللاجئين أو تجريم الإبادة الجماعية، كانت رداً على المحرقة، ولقد ساندت إسرائيل تلك التطورات.
إلا أن هجوم إسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية يجعل البلد يبدو عدواً للقانون الدولي، ودولة تسعى إلى تقويض القانون الدولي وجميع مؤسساته. لا شك أن هذا تغير دراماتيكي في السلوك.
ولا ينتهي الأمر عند المحكمة الجنائية الدولية. فمحكمة العدل الدولية تنظر الآن في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمامها متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
لا يوجد صلة مباشرة بين المؤسستين وبين الإجراءين القانونيين. ولكن من المعقول الظن بأن إصدار مذكرات التوقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية سوف يؤثر كذلك على المداولات داخل محكمة العدل العليا حول الإبادة الجماعية.
صدرت المذكرات ضد نتنياهو وغالانت شخصياً، ولكنها وإلى حد بعيد تشير إلى أن إسرائيل، كدولة، ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لم يرتكب نتنياهو وغالانت هذه الجرائم المزعومة بأنفسهما، بل الجيش بأسره وكل أجهزة الدولة كانت ضالعة.
على المدى القصير، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يردع القادة العسكريين من أصحاب الرتب المتوسطة والعليا في إسرائيل، مثل قادة الفرق وقادة الألوية.
على سبيل المثال، قال كبار ضباط الجيش الإسرائيلي علانية إنهم منعوا المساعدات الإنسانية من الوصول إلى شمال غزة بعد بدء عملية الجيش العسكرية هناك في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول). وقالوا أيضاً إن الغاية من هذه العملية كانت تهجير من بقي من السكان جنوباً عبر محور نتساريم.
والآن، أما وقد صدرت الأوامر، سوف يفكر ضباط الجيش الإسرائيلي مرتين قبل أن يطلقوا مثل هذه التصريحات، لأنهم قد يخشون أن يُلقى القبض عليهم خلال رحلتهم القادمة إلى أوروبا. كما قد يمتنع الجندي عن تنفيذ الأوامر التي قد تؤدي إلى التجويع، نظراً لأن ذلك ورد ذكره بوضوح في مذكرات المحكمة الجنائية الدولية كجريمة باعتباره جريمة محتملة ضد الإنسانية.
"الرفض الرمادي"
على المدى القصير أو المتوسط، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يوفر الإجابة لأولئك الإسرائيليين الذين يتساءلون عما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم في غزة.
بغض النظر عن الأقلية الصغيرة من منتسبي تيار اليسار الذين لديهم قناعة بأن إسرائيل ترتكب جرائم، هناك مجموعة أوسع من اليهود في يسار الوسط ممن بدأت تساورهم الشكوك حول أفعال إسرائيل في غزة، رغم أنهم مازالوا حتى الآن يدعمون الحرب.
مؤخراً، دعا كل من تومر بيرسيكو، وهو أستاذ جامعي ليبرالي من يسار الوسط، وإيران إتزيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الاحتياط إلى رفض الخدمة في عملية التطهير العرقي التي تمارس في شمال غزة.
لا ندري كم عدد اليهود الذين يفكرون بهذه الطريقة، فوسائل الإعلام التقليدية لا تمنح هذه الأصوات حيزاً لتعبر عن قناعاتها، ولكن قد تصل نسبتهم إلى 10 أو 15 بالمائة من السكان اليهود.
سوف يمنح قرار المحكمة الجنائية الدولية شرعية لتلك الآراء في إسرائيل. ولسوف يتمكن أصحاب هذه الآراء من القول: "هذا هو ظن العالم بنا."
من شأن التغير في الرأي داخل معسكر اليسار الصهيوني أن يفضي إلى زيادة في رفض الخدمة في الحرب. منذ بداية الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت هناك حالات قليلة جداً من رفض الخدمة، بينما في حرب لبنان الأولى وفي الانتفاضة الثانية كانت هناك مئات الحالات.
إننا نرى الآن في إسرائيل ظاهرة "الرفض الرمادي" – والمتمثلة في استنكاف الإسرائيليين عن الحضور عندما تتم دعوة الاحتياط.
في بداية الحرب، كل الذين تمت دعوتهم لبوا النداء، أم اليوم فقد تراجع المعدل إلى 65 بالمائة. هذا "الرفض الرمادي" لا يكون في العادة لأسباب أخلاقية، بل يتعلق بشكل رئيسي بمشاكل اقتصادية أو عائلية. ومع ذلك، من الوارد أن يزداد مثل هذا الرفض بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن من الوارد أن يميز بعض ضباط وجنود الاحتياط بين غزة ولبنان.
لم تعد للحرب في غزة شعبية لدى الجمهور الإسرائيلي، مقارنة بالحرب في لبنان، التي مازالت تتمتع بإجماع واسع. ونظراً لأن حكومة نتنياهو تبدو قد تخلت عن الرهائن المائة وواحد في غزة، فقد يصب ذلك في صالح المعارضة.
دولة منبوذة
على المدى البعيد، وبطريقة ذات دلالة أكبر، تقطع مذكرات المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل عن المجتمع الدولي بطريقة حادة جداً.
فهذه لم تعد مجرد مظاهرات حاشدة ضد الحرب تنظم في لندن أو داخل الجامعات عبر الولايات المتحدة. بل هذا قرار صادر عن محكمة يقبل بها معظم العالم الغربي. بفضل مذكرات التوقيف هذه، تنتقل إسرائيل أكثر فأكثر إلى هوامش المجتمع الدولي.
من المحتمل أن تكون إدارة ترامب الجديدة في الولايات المتحدة أكثر عدوانية تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وأن تحاول إخراج إسرائيل من هذه العزلة، ومعها دول مثل المجر، وجمهورية التشيك، والأرجنتين، وأعضاء آخرون في ائتلاف اليمين المتطرف حول العالم.
ولكن هذا الرد الأمريكي، والذي لا يمكن ضمان أثره (فقد فرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في فترة رئاسته الأولى ولم يكن لذلك كبير أثر على المحكمة)، لا يمكنه تغيير الحقيقة الأساسية، ألا وهي أن إسرائيل تتحول سريعاً إلى دولة منبوذة.
ما تتعرض له إسرائيل من عزلة ونزع للشرعية قد يكون له آثار عملية ومباشرة، مثل تشجيع فرض العقوبات العسكرية وغيرها على إسرائيل.
لا يقتصر الأمر على أن نتنياهو سيجد صعوبة في السفر إلى الخارج، بل سوف يجد الزعماء الأجانب صعوبة كذلك في السفر إلى إسرائيل للاجتماع برجل "مطلوب للعدالة". بل يمكن أن تتلقى كل علاقات إسرائيل الدبلوماسية ضربة كبيرة.
يمكن القول إن إسرائيل تمر بعملية بطيئة كتلك التي شهدتها جنوب أفريقيا قبل إلغاء نظام الأبارتايد (الفصل العنصري).
يمكن لأنصار الحقوق الفلسطينية حول العالم القول إن إسرائيل ارتكبت جرائم أخطر بكثير في غزة مما هي متهمة به، وأنها لم تتعرض بعد لنفس العقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا وإيران. ثمة عدالة في هذا الزعم.
ولكن يجب أن يؤخذ بالحسبان أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الغرب، وهي الحليف الأقرب إلى الولايات المتحدة. كثيرون في أوروبا يرون أن دعم إسرائيل هو نوع من التعويض عن المحرقة. وفي أعين الغربيين، لم تقف إسرائيل أبداً حيث وقفت بلدان مثل إيران وسوريا أو روسيا.
ولذلك فإن تهميش إسرائيل حدث كبير نسبياً بالمقارنة مع كان عليه وضعها يوم السادس من أكتوبر 2023.
من المبكر جداً القول ما إذا كان إصدار مذكرات التوقيف ضد نتنياهو وغالانت سوف يؤدي إلى إضعاف حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. بل قد ينجم عن ذلك زيادة الدعم الذي تحظى بها، كما يزعم نتنياهو وشركاه من أن "العالم بأسره يقف ضدنا."
ولكن يمكن القول إن شيئاً عميقاً قد تصدع في شرعية إسرائيل كدولة ضمن المجتمع الدولي، وأن إسرائيل سوف تجد صعوبة في إصلاح ذلك دون إحداث تغيير كامل في الطريقة التي تعامل بها الفلسطينيين. وهذا ما يجعل قرار المحكمة الجنائية الدولية حدثاً ذا دلالات هائلة.