صيانة سد الموصل لتلافي كارثة قد تحدث حال انهياره
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
الاقتصاد نيوز-بغداد
تناولت مجلة ناشنال جيوغرافيك، الاميركية موضوع سد الموصل والاجراءات المبذولة لصيانته عقب تحذيرات سابقة، مؤكدة بان مخاوف ما تزال قائمة حول متانة السد. وكانت السفارة الاميركية في بغداد قد اصدرت في شباط 2016 رسالة تحذيرية من احتمالية حدوث انهيار لسد الموصل الذي يقع على بعد 35 ميلاً من المدينة.
وارفق مع الرسالة تقرير يبين بان السد الاكبر في البلاد “يواجه خطرا جديا وغير مسبوق بفشل كارثي بانهياره من دون تحذير” والذي قد تنجم عنه موجة مد مائي تمتد لمسافة 175 ميل جنوبا على امتداد نهر دجلة الى مدينة سامراء، المدرجة ضمن لائحة التراث الدولي لمنظمة اليونسكو. وسيتعرض ما يقارب من 500 ألف شخص الى اكثر من مليون لخطر الغرق ما لم يتم اخلاء المنطقة بالوقت المناسب.
وتذكر المجلة الاميركية في تقريرها انه في السنوات اللاحقة عقب ذلك التحذير قدمت الحكومة الايطالية المساعدة في اصلاح وترميم سد الموصل وما تزال مستمرة بتوفيرها المساعدة للحكومة العراقية للحفاظ على بنية السد وحماية ملايين الناس القاطنين بمحاذاة السد وعلى امتداده، ولكن مع ذلك فان هناك الكثيرين ممن يقولون بان تهديدا كبيرا ما يزال قائما.
ويشير التقرير الى انه في الوقت الذي ستكون فيه هناك كارثة انسانية، فان انهيار السد سيؤدي بالنتيجة الى محو آلاف من المواقع الآثارية والتراثية على امتداد نهر دجلة، بضمنها كثير من المواقع التي واجهت اصلا اضرارا او دمارا على يد تنظيم داعش.
رصانة ومتانة البنية الهيكلية لسد الموصل كانت وما تزال تشكل قلقا منذ بداية افتتاح السد قبل 35 عاما. وتشير التقارير الى ان سد توليد الطاقة الكهربائية المائية قد بني على أسس “ضعيفة جدا” من مواد معدنية قابلة للذوبان والتي تتطلب عملية حقن مستمرة لدعم هيكل بنياني يبلغ طوله 2,8 ميل وارتفاع 375 قدم والذي يضم حوالي 2,7 ميل مكعب من المياه.
في عام 2006 أسماه فيلق الجيش الاميركي الهندسي على انه “اكثر السدود خطورة في العالم” وتوقع انه في حال انهيار السد فانه قد يغمر الموصل بمياه خلال ثلاث او اربع ساعات بارتفاع 70 قدما.وتشير مجلة ناشنال جيوغرافيك في تقريرها الى ان مواقع نمرود ونينوى الآثارية الاشورية، التي تمثل اقدم حضارات العالم في الالفية الاولى قبل الميلاد ستكون عرضة للفيضان والاندثار حال انهيار السد. كل هذه المواقع وكذلك متحف الموصل واعداد لا تحصى من المواقع الدينية، كانت جميعها اهدافا للتخريب والتدمير من قبل تنظيم داعش بعد اجتياحه للموصل عام 2014.
وفي الوقت الذي حظي فيه الدمار الذي تعرضت له المواقع الاثرية في العراق وسوريا على يد تنظيم داعش باهتمام عالمي، فان الباحثين يحاولون تقدير الضرر والدمار الذي سينجم عن فشل واخفاق سد الموصل.
ميشيل دانتي، بروفيسور علم الآثار من جامعة بوستن، ومدير المعهد الاميركي لتوثيق الاضرار الملحقة بالتراث الحضاري في العراق وسوريا، يقول “من الصعب بالنسبة لي أن اقدر حجم الضرر، سوى ان آلاف المواقع التاريخية سيتم محوها، وستكون خسارة غير مسبوقة”.
جيسون أور، بروفيسور علوم اجناس من جامعة هارفارد، يرى ان تركيزا على المدن الاشورية الكبرى يعني بان هناك مواقع ضخمة اخرى على امتداد نهر دجلة لم يتم التنقيب عنها بشكل اصولي”. مشيرا بقوله “لا نعرف بالضبط ما الذي سنفقده”.
ويذكر البروفيسور، أور، ايضا بان علماء الاثار في المنطقة غالبا ما يعتمدون على القطع الاثرية البارزة على السطح لتحديد عمرها وحجم الموقع بدون اجراء عمليات حفر وتنقيب. وقال ان حدوث فيضان سيمحو ما تم تسجيله من معلومات على السطح، وهي المعلومات المهمة للتحقيقات التاريخية والتي ستجعل من الصعب جدا اجراء اي تنقيب مستقبلي حال اختفائها.
وبينما يشعر كثير من الباحثين بعدم الارتياح من مناقشة اي ضرر محتمل قد تتعرض له مواقع تاريخية في وقت تكون فيه ارواح ملايين الناس معرضة للخطر، فانهم يركزون على اهمية المعرفة التاريخية التي ستلعب دورا في بلورة مستقبل اجيال من العراقيين.
يقول البروفيسور أور “الناس سيسألون كيف كان شكل ماضينا التاريخي، التاريخ يمثل هوية الناس الوطنية وستشكل الآثار جزءا من ذلك”.
بالنسبة للبروفيسور دانتي الذي يتابع حالات الضرر التي لحقت بالمواقع التاريخية على يد داعش، فان الضرر على المواقع التاريخية العراقية ستيكون اكبر في حال حدوث فشل واخفاق لسد الموصل.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار سد الموصل
إقرأ أيضاً:
الثقافة والسياسة
حينما بدأ العمل في مشروع السد العالي (١٩٦٠)، بعد أن تجاوز العديد من العقبات المالية والسياسية، إذا بسفير الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة ومعه مدير متحف المتروبوليتان (روريمر) يطلبان لقاء وزير الثقافة المصري ثروت عكاشة ويعرضان عليه شراء قطعة أو اثنتين من معابد النوبة المقدر لهما الغرق خلف السد العالي، بحجة أن مصر لن تتمكن من حماية هذا التراث الإنساني، كان وزير الثقافة المصري رجلاً سياسيا، مثقفا ورقيقا ومهذبا، وقد أجابهما معاتباً: (عليكما أن تبادرا بالعون العلمي لإنقاذ هذا التراث بدلاً من التفكير في شرائه والاستحواذ عليه)، في اليوم التالي لهذا اللقاء كان وزير الثقافة المصري قد بدأ رحلته بصحبة نخبة من علماء الآثار المصريين إلى جنوب مصر حتى خزان أسوان، متفقدا أعمال التنقيب الجارية في المنطقة، وقد تبين له أن ما يتم بشأن الآثار الغارقة خلف السد هو مجرد تسجيل وتوثيق وحصر بحكم أن هذا هو كل ما تسمح به إمكانات الدولة المصرية وقتئذ.
لقد أدرك جمال عبد الناصر حجم المخاطر الجانبية الناجمة عن مشروع السد العالي، فكيف وهو يقيم هذا الصرح الكبير، بينما الحضارة المصرية بتراثها غارقة في المياه، وهو ما يهدد جزءا مهما من الذاكرة المصرية والإنسانية، وقد راح كثير من المثقفين والأثريين المصريين والأجانب يتناولون هذه القضية في كتاباتهم، وبدأ الموقف ينذر بمخاطر كبيرة، بينما مشروع السد العالي يمضي بخطى واثقة وسريعة، لكن لم يدرك القائمون عليه المخاطر الجانبية الناجمة عن هذا العمل الكبير، لذا وجد جمال عبد الناصر نفسه أمام مشكلة، فخلف السد تتكون بحيرة صناعية كبيرة بامتداد ثلاثمائة كيلو متر في الأراضي المصرية، ومائة وسبعة وثلاثين كيلومتراً في الأراضي السودانية، لكي يرتفع منسوب المياه إلى مائة وثمانين متراً فوق مستوى سطح البحر، وهو ما يؤدي إلى إغراق جميع آثار النوبة المصرية والسودانية، بما في ذلك معبد (أبو سنبل)، وعلى ما يبدو فان جمال عبد الناصر والخبراء الروس قد أدركوا هذه الحقيقة متأخراً، ولم يكن في قدرة مصر مالياً وفنياً أن تنقذ هذا التراث العريق الغارق في أعماق المياه، لذا رأت مصر مخاطبة العالم من خلال منظمة اليونسكو، وبدأت رحلة شاقة حينما درست اليونسكو المشروع.
شعر مدير منظمة اليونسكو (السينيور بيتو رينون) بأهمية المشروع والمكانة الكبيرة التي يمكن أن تحظى بها اليونسكو في عمل كبير هو الأول من نوعه في مجال نشاطها، من هنا ظهرت فكرة دعوة العالم للمشاركة في إنقاذ هذا التراث باعتباره تراثاً إنسانيا كبيرا، وقد تبنت المنظمة هذا العمل عندما بدأ الإعلان عنه في يناير ١٩٥٩م، من خلال ثلاث مراحل، أولهما: التنقيب والكشف عن كل المناطق الأثرية في النوبة، وثانيهما: نقل المعابد والآثار الغارقة إلى مناطق مرتفعة على اليابسة بعيدا عن غمر المياه، وثالثهما: تسجيل آثار النوبة تسجيلا علميا دقيقا، وفي ٨ مارس ١٩٦٠، أصدرت اليونسكو نداء إلى كل دول العالم تدعوها إلى المشاركة في هذا المشروع الحضاري والإنساني، وتم تشكيل لجنة برئاسة ملك السويد (چوستاف الثالث)، وأخرى استشارية من اثني عشر عضواً، ثمانية من الخبراء الأجانب وأربعة من المصريين.
أحدث النداء الذي أطلقه مدير منظمة اليونسكو دوياً هائلا في الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية في كل دول العالم، وتوارت كل القضايا السياسية وخصوصاً الموقف الأوروبي والأمريكي من النظام المصرى لكي تتصدر آثار النوبة المشهد الدولي، وفي سياق هذا الحدث الكبير، فقد اقترح ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري على الرئيس جمال عبد الناصر فكرة كانت هي الأولى من نوعها، حيث يتم اختيار نماذج من الآثار المصرية تجوب دول العالم شرقاً وغرباً، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا وصولاً إلى اليابان حتى يعرف العالم هذا التراث، لكي تحظى مصر بدعم دولي لإنقاذه، وعلى مدار ثلاث سنوات طاف المعرض الكثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، حاملاً روح الحضارة المصرية القديمة، وتفاصيل عبقريتها، والذي يعود إلى متابعة الصحف المصرية والعالمية خلال هذه الفترة يمكن أن يلحظ كيف كان الناس يقفون ساعات طوال لكي يشاهدوا هذه الآثار، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في كثير من دول العالم، لدرجة أن المجلس الأوروبي قد تلقى طلباً من حكوماته بدعم المشروع فنياً ومالياً، وأصدرت اللجنة بياناً قالت فيه:(إن آثار النوبة هي إحدى الكنوز الكبرى للتراث الإنساني، وهو ما يضاعف من مسئولية الدول الأوروبية لكي تتحمل مسئولياتها في إنقاذ هذا التراث).
اللافت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الأوروبية، التي كانت تكنّ عداء لمصر ولجمال عبد الناصر كانت في مقدمة الدول التي سعت لدعم المشروع، فضلاً عن الدعم الفني والتقني من المؤسسات المعنية بهذا النوع من التراث، ووصل حجم الدول الداعمة لهذا المشروع إلى خمسين دولة، وقد بادر جمال عبد الناصر بدعم المشروع بمبلغ عشرين مليون دولار، وقد حدد الخبراء فترة العمل بسبع سنوات ١٩٦١ -١٩٦٨، وبمجرد أن افتتح معرض توت عنخ آمون في واشنطن ٣ نوفمبر ١٩٦١، إذا بالثقافة المصرية تحقق انتصاراً على السياسة، فقد افتتح المعرض السيدة چاكلين كيندي قرينة الرئيس الأمريكي، وقد حظي المعرض بحفاوة كبيرة، وكتب عنه المثقفون والسياسيون والأثريون وأشادوا بمقتنياته وعبقرية ما أنجزته الحضارة المصرية من تراث معماري وفني خلَّاق، وحينما وصل المعرض إلى باريس، كان في استقباله الرئيس الفرنسي شارل ديجول (٩مايو ١٩٦٧)، بعد أن أصبحت مصر وحضارتها حديث كل الأوساط الفرنسية، لدرجة أن الإبداع المصري القديم قد أصبح مصدر إلهام لبيوت الأزياء ومصممي رقصات البالية و الرقصات الاستعراضية، وقد أبدى الرئيس الفرنسي رغبته في زيارة مصر ولقاء جمال عبد الناصر.
المتابع للصحافة وكل وسائل الإعلام في كثير من كل دول العالم خلال هذه الفترة التاريخية يلحظ أن مصر قد أصبحت في صدارة المشهد، بعد أن تفوقت الثقافة تفوقاً ملحوظاً على السياسة، وتبوأت مصر مكانتها في الأوساط الدولية، بعد أن راح مشروع السد العالي يمضي قدما على الرغم من المشاكل السياسية التي كانت تواجه مصر في حربها في اليمن أو في صراعها مع إسرائيل، لكن كانت عملية إنقاذ الآثار تمضي قدما، وكان السد العالي يرتفع يوماً بعد يوم، لكن كانت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية تخطط لعدوان على مصر وقع صباح ٥ يونيو ١٩٦٧.
لقد احتفى العالم بالانتهاء من إنقاذ آثار النوبة ٢٢ سبتمبر ١٩٦٨، بعد أن تم إنقاذ أروع ما خلفته الحضارة المصرية القديمة، وتبدو المفارقة العجيبة واللافتة للنظر، فقد دعمت بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العدوان الإسرائيلي على مصر ١٩٦٧، ولعلها مفارقة غريبة ولافتة للنظر، فقد كان الضمير الإنساني أكثر تحضرا وهو يشارك في إنقاذ درة الحضارة الإنسانيةــ ما أحوج العالم المعاصر في ظل هذه الأزمات المتلاحقة أن يعتصم بالثقافة والوعي، وأن يستعيد روحه الإنسانية. بكل تأكيد فإن الثقافة بإنسانيتها المفرطة جديرة بأن تبدد ما أفسدته السياسة في كثير من دول العالم.