قطر والأمم المتحدة مسيرة ممتدة من التعاون والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
انطلاقا من إيمانها الراسخ بأهمية العمل الدولي متعدد الأطراف، لم تتوان دولة قطر منذ انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة في عام 1971 في الاضطلاع بدورها كشريك فاعل في الأسرة الدولية، من أجل إنجاح أهداف المنظمة الدولية، إذ بذلت جهودا مكثفة، مستفيدة من دبلوماسيتها النشطة على الصعيدين الإقليمي والدولي، لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية حول العالم ومواجهة التحديات العالمية ولتخفيف حدة التوتر في العلاقات الدولية.
وفي سبيل ذلك، حرصت دولة قطر على الانضمام إلى العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية في إطار التزامها الكامل بتفعيل وتكريس مبدأ سيادة القانون لتحقيق العدالة الدولية والمساهمة في تعزيز الأمن والسلم الدوليين وتحقيق الاستقرار بالمنطقة والعالم، فضلا عن دعم جهود تحقيق أهداف ومقاصد الأمم المتحدة، من خلال عضويتها الفاعلة بالمنظمة الدولية والهيئات التابعة لها والجهود المتواصلة لدعم المبادرات الدولية لتلك الهيئات.
وتأكيدا على احترام دولة قطر للمواثيق والاتفاقيات الدولية، نص الدستور الدائم لدولة قطر في المادة (6) على أن الدولة تحترم المواثيق والعهود الدولية وتعمل على تنفيذ كافة الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية التي تكون طرفا فيها، كما أن المادة (68) من الدستور أضفت على المعاهدة أو الاتفاقية قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.
وإدراكا منها للأهمية الكبيرة لمكافحة الفساد، واستكمالا لجهودها الإقليمية والدولية في القضاء على تلك الآفة من أجل مجتمعات سليمة قائمة على مبادئ النزاهة والشفافية، صادقت دولة قطر عام 2007 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد باعتبارها الصك العالمي الوحيد الملزم قانونا لمكافحة الفساد وتعزيز جهود الوقاية والرقابة والمساءلة.
وبالتوازي مع جهودها لمكافحة الفساد إقليميا ودوليا، حرصت دولة قطر على محاربة هذه الآفة الفتاكة بالمجتمعات وإعلاء قيم النزاهة والشفافية على الصعيد الوطني أيضا وجعلت تلك القيم من أهم مرتكزات وأهداف رؤية قطر الوطنية 2030، حيث أقرت الدولة تشريعات تجرم هذه الظاهرة وتمنع وقوعها بشكل استباقي، كما خطت خطوات واثقة وسريعة في منع ومحاربة الفساد من خلال الآليات المختلفة، تنفيذا لتوجيهات القيادة الرشيدة بضرورة مكافحة الفساد بشتى الطرق والوسائل ومعاونة الدول الأخرى في تعزيز ودعم برامجها الطموحة في مكافحته، ما جعل قطر تحتل مركزا متقدما بين دول العالم في مجال مكافحة الفساد.
واستكمالا لدورها التنويري والتوعوي في مكافحة الفساد حول العالم، وفي إطار دعم دولة قطر للجهود الدولية والأممية الرامية لمكافحة تلك الآفة، تأتي "جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد"، التي تم إطلاقها في عام 2016 وتمنح هذه الجائزة سنويا للأفراد والمؤسسات من مختلف أنحاء العالم احتفاء باليوم العالمي لمكافحة الفساد، ما مثل إضافة كبيرة للكثير من المبادرات ذات الصلة التي أطلقتها قطر على المستويين الإقليمي والدولي، بهدف دعم الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد.
وتهدف "جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد" إلى تسليط الضوء على الإجراءات المثالية والجديرة بالاهتمام والممارسات الجيدة على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى تقدير النماذج المكافحة للفساد من جميع أنحاء العالم وتعزيزها وجمعها ونشرها، فضلا عن زيادة الوعي والدعم والتضامن بهدف مكافحة الفساد، بالإضافة إلى التشجيع على مبادرات مشابهة وجديدة واستثارتها نحو إقامة مجتمع خال من الفساد، حيث تعمل الجائزة على الاحتفاء بمن يحاربون الفساد حول العالم وتكريمهم وليس تعزيز صورتهم فقط، فضلا عن تحفيز الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والإعلام والمجتمع المدني على تبني مبادئ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وفهمها والتعاون من أجل تنفيذها.
وانطلاقا من حرص دولة قطر على تعزيز وتقوية البنية التشريعية لحقوق الإنسان، انضمت إلى عدد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان المعززة لمبدأ عدم التمييز، مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في عام 1976، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها في نفس العام، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 2009، ما يعكس اهتمام القيادة الرشيدة بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها على الصعيدين الوطني والإقليمي.
كما ركزت الدولة على أهمية غرس مبدأ عدم التمييز والمساواة بين الناس في عقول أبنائها اليافعين، وذلك بدمج مفاهيم حقوق الإنسان المتفق عليها دوليا في المناهج الدراسية، بما فيها مكافحة التمييز العنصري، حيث تضمنت تلك المناهج، لا سيما مادتي العلوم الشرعية والتربية الاجتماعية، مفاهيم حقوق المواطنة والانتخابات والترشيح ومكافحة التمييز العنصري وحقوق العمال وغيرها من مبادئ حقوق الإنسان ومكافحة التمييز.
وتأكيدا على النهج الثابت والاهتمام الراسخ بالحقوق والحريات، لا سيما حقوق الطفل والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة، صادقت دولة قطر على اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها وحرصت على وضع المبادئ والأحكام الأساسية التي جاءت بها الاتفاقية وبروتوكولاتها موضع التنفيذ، كما انضمت إلى اتفاقيات أخرى توفر حماية أكبر للأطفال والبيئة التي ينشؤون فيها، منها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بموجب المرسوم رقم (28) لسنة 2008، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 بموجب المرسوم رقم (10) لسنة 2009، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي انضمت إليها الدولة بموجب المرسوم رقم (28) لسنة 2009.
وتولي دولة قطر أهمية كبيرة لضمان التكامل بين القوانين الوطنية والصكوك الدولية، لا سيما في ترسيخ مبدأ سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، ومن هذا المنطلق حرصت على تعزيز جهود المؤسسات الوطنية المعنية بسيادة القانون، بالاستناد إلى المعايير والأعراف الدولية وزيادة الوعي المجتمعي بهذا المبدأ، كونه العامل الأساس لتحقيق المساواة والعدالة بين المواطنين والمقيمين على أرض قطر، وتعزيز الحكم الرشيد.
وفي إطار جهود قطر الدولية لتعزيز الهدف رقم 16 من أهداف التنمية المستدامة، للتشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يهمش فيها أحد وإتاحة إمكانية وصول الجميع للعدالة، كانت شراكتها المتميزة مع مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح بغرض إنشاء مركز التحليل والاتصال التابع للمكتب بالدوحة، لا سيما وأن مبدأ سيادة القانون يمثل الركيزة الأساسية لنجاح الجهود الدولية في تحقيق الأهداف والغايات التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة، وهو المعيار الرئيسي للالتزام بميثاق الأمم المتحدة.
ومن أجل الوصول إلى بناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على كافة المستويات، تساهم دولة قطر، ممثلة في مركز حكم القانون ومكافحة الفساد الذي تم تأسيسه في الدوحة بالتعاون مع الأمم المتحدة عام 2012، في تعزيز مبدأ سيادة القانون ومكافحة الفساد على المستوى الإقليمي، من خلال عقد الندوات وورش العمل والبرامج الأكاديمية للمختصين من دول المنطقة.
وحرصا منها على تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الأمم المتحدة ودعم جهودها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، انضمت دولة قطر إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1989، لتجدد بذلك التزامها بالعمل مع المجتمع الدولي من أجل الإزالة الكاملة للأسلحة النووية، وتحقيق السلم والأمن الإقليمي والدولي، مؤكدة أهمية الالتزام الصارم والتام بجميع التعهدات وتنفيذ الالتزامات القانونية المترتبة على الاتفاقيات الدولية في مجال نزع السلاح النووي وعدم انتشاره.
ولطالما شددت دولة قطر في العديد من المحافل الدولية والإقليمية على أهمية أن يكون تطوير برامج الطاقة النووية السلمية بشكل مسؤول، مع الالتزام بتدابير الضمانات الشاملة بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أجل ضمان أعلى معايير السلامة والأمن في عالم يشكل فيه الانتشار النووي مصدر قلق كبير ويهدد مستقبل الأجيال القادمة، كما أكدت مرارا على ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل من أجل تحقيق الاستقرار المنشود إقليميا ودوليا.
وفي إطار دعمها للجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب حول العالم، وقعت دولة قطر على العديد من الاتفاقيات المعنية بمقاومة هذه الآفة التي تفتك بالمجتمعات، كما برزت كعضو دولي فاعل في القضاء على تلك الظاهرة من خلال سن تشريعات لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب وتجفيف سبل تمويله، كما بادرت الدولة بدعم العديد من الآليات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب واستضافت ونظمت العديد من الفعاليات والمؤتمرات الدولية الداعية لمواجهته.
فعلى الصعيد الخليجي والعربي والإقليمي والدولي، صادقت دولة قطر في عام 2012 على الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي عام 2008 صادقت على اتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب، كما صادقت في عام 2014 على الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي، وصادقت كذلك في عام 2006 على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي.
وعلى الصعيد الوطني، تم إصدار القانون رقم 4 لسنة 2010 بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل مكافحة الإرهاب، فضلا عن تشكيل لجنة وطنية تختص بمتابعة تطبيق الاتفاقيات الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل مكافحة الإرهاب.
ولطالما أكدت دولة قطر التزامها بتعزيز التعاون الدولي لمنع الإرهاب ومكافحته من خلال نهج شمولي متكامل، لما يسببه الإرهاب من آلام ومعاناة كبيرة وطويلة الأمد لضحاياه ولأسرهم ومجتمعاتهم، كما طالبت المجتمع الدولي مرارا بتقديم كافة أشكال الدعم لضحايا الإرهاب، وضمان حقوقهم وفقا للالتزامات بموجب القانون الدولي.
وفي إطار العمل المتعدد الأطراف دعما لضحايا الإرهاب، كانت دولة قطر من الدول المؤسسة لمجموعة أصدقاء ضحايا الإرهاب، كما كانت من الدول الأساسية المقدمة لمشروع القرار 73/305 المعنون "تعزيز التعاون الدولي لمساعدة ضحايا الإرهاب"، كما انضمت دولة قطر إلى الدول المقدمة لمشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 72/165 المعنون "اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب".
وتأكيدا لدعم دولة قطر للجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، كان افتتاح المركز الدولي لتطبيق الرؤى السلوكية لمكافحة الإرهاب في الدوحة، وهو المركز الدولي الأول من نوعه على مستوى المنطقة والعالم لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، والذي يعكس التعاون الوثيق بين قطر ومنظمة الأمم المتحدة لتحقيق أهدافها السامية وتعزيز قدرة الهيئات والأجهزة المعنية بالمنظمة لأداء مهامها، والمساهمة الفاعلة في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وتأتي استضافة قطر لهذا المركز انطلاقا من سياستها الراسخة والمستندة إلى قيم وثقافة وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتي ترفض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله ومهما كانت أسبابه أو دوافعه، ومن إيمانها بأن مكافحة هذه الظاهرة المقيتة لا يمكن أن تتم بشكل فردي، ولكنها تتطلب نهجا متكاملا يجمع بين الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، لمعالجة جذور الإرهاب وأسبابه، ومواجهة الإيديولوجيات المتطرفة، التي تحرض على العنف والكراهية، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في العالم.
وفيما يتعلق بحرص دولة قطر على حماية حقوق الإنسان، انضمت إلى العهدين الدوليين لحقوق الإنسان (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المرسوم رقم (40) لسنة 2018، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب المرسوم رقم (41) لسنة 2018)، لتصبح دولة قطر بذلك طرفا في سبع معاهدات أساسية لحقوق الإنسان من أصل تسع.
ويأتي انضمام قطر للعهدين الدوليين ثمرة مسيرة حافلة من التطورات واسعة النطاق على المستوى التشريعي والمؤسسي وعلى مستوى السياسات والاستراتيجيات نحو تعزيز وتقوية البنية التحتية لحقوق الإنسان والتي شملت تعزيز الأطر المعيارية والقانونية والسياسية وتعزيز البنية المواتية لحماية حقوق العمالة الوافدة والحفاظ عليها، لينتج عن ذلك تسجيل الدولة معدلات نمو وانتعاش اقتصادي غير مسبوقة.
كما أجرت دولة قطر إصلاحات تشريعية جوهرية، لعل من أهمها ما طرأ على الإطار القانوني المنظم لحقوق العمالة الوافدة، وإصدار قوانين تملك العقارات لغير القطريين، وقانون اللجوء السياسي، وقانون المستخدمين في المنازل، وقانون الإقامة الدائمة، وتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، وإنشاء صندوق دعم وتأمين العمال، بالإضافة إلى إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والتي تهدف إلى تنسيق الجهود الوطنية لمراقبة ومنع ومكافحة أشكال الاتجار بالبشر.
ويشكل تعزيز وحماية حقوق الإنسان إحدى الركائز الأساسية في سياسة دولة قطر، وخيارا استراتيجيا تستند إليه في عملية الإصلاح الشامل التي تنتهجها الدولة، وهو ما تم التأكيد عليه في رؤية قطر الوطنية 2030، التي انطوت على محاور هامة تتطرق للقضايا الرئيسية لحقوق الإنسان في مجالات التعليم والصحة والبيئة وحقوق العمالة وتمكين المرأة وحقوق الطفل، وكذلك في استراتيجية التنمية الوطنية وتعزيز المؤسسات الوطنية ذات الصلة.
وفي إطار جهود دولة قطر لمواجهة التحديات البيئية المختلفة، حرصت منذ عام 1996 على الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لعام 1992 بشأن تغير المناخ، وذلك انطلاقا من إيمانها بالحاجة الملحة لحشد الجهود الدولية واتخاذ إجراءات عاجلة وجادة، وإبداء المزيد من الإرادة السياسية لمواجهة التحديات التي يطرحها تفاقم الظواهر الجوية وتغير المناخ والكوارث الطبيعية، التي تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، كما تقف عائقا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما وقعت دولة قطر مذكرة تفاهم مع المعهد العالمي للنمو الأخضر بشأن التعاون في مجال التكيف مع تغير المناخ والنمو الأخضر، علما بأن قطر عضو مؤسس في هذا المعهد الذي يساعد البلدان النامية على اتباع استراتيجيات تنمية مبنية على أسس الاستدامة، ما يؤكد الاهتمام والدعم المستمر لقضية البيئة وتغير المناخ، والذي وضع دولة قطر في مكانة مميزة كعضو فاعل وحيوي في جميع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالبيئة والمناخ، بفضل مساهماتها الدولية في دعم جهود البلدان النامية لمكافحة التأثيرات المترتبة على تغير المناخ.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر الأمم المتحدة اتفاقیة الأمم المتحدة الاتفاقیة الدولیة الإقلیمی والدولی لمکافحة الإرهاب الدولیة لمکافحة لمکافحة الفساد مکافحة الإرهاب مکافحة الفساد لحقوق الإنسان حقوق الإنسان دولة قطر على دولة قطر فی على الصعید الدولیة فی حول العالم العدید من وفی إطار فی إطار فضلا عن من خلال من أجل فی عام
إقرأ أيضاً:
مكافحة الإرهاب في الساحل.. بين الضرورات الأمنية والتحديات السياسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في خطوة لتعزيز الأمن الحدودي، أطلقت مالي والسنغال عمليات دوريات مشتركة على طول حدودهما المشتركة البالغة ٧٠٠ كيلومتر في ٢٠ فبراير ٢٠٢٥، وذلك لمواجهة تهديدات جماعة نصرة الإسلام المسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة. جاءت هذه المبادرة بعد سلسلة هجمات إرهابية في غرب مالي، بما في ذلك اختطاف وقتل أحد الزعماء الدينيين البارزين في المنطقة.
تم إطلاق العمليات المشتركة من منطقة "ديبولي"، وهي نقطة استراتيجية على الحدود بين البلدين. وتشمل هذه الدوريات مشاركة وحدات عسكرية متخصصة من الجانب السنغالي، مثل المنطقة العسكرية رقم ٤ ومجموعة المراقبة والتدخل السريع، إلى جانب القوات المسلحة المالية وأجهزة الأمن الداخلي. وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز المراقبة على المحاور الاستراتيجية وحماية المدنيين من هجمات الجماعات الإرهابية.
وأشاد رئيس الوزراء المالي السابق، موسى مارا، بالمبادرة، مؤكدًا أهمية التعاون العابر للحدود في مواجهة انعدام الأمن. وأكد على ضرورة تعزيز التعاون بين دول المنطقة لمكافحة الإرهاب بشكل فعال. تأتي هذه المبادرة في إطار دبلوماسي أوسع. فخلال زيارته الأخيرة إلى باماكو، أعاد وزير الدفاع السنغالي، بيرام ديوب، ونظيره المالي، الجنرال ساديو كامارا، تأكيد التزامهما المشترك بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، رغم انسحاب مالي من مجموعة "الإيكواس".
وأعربت سلطات البلدين عن نيتها جعل هذه الدوريات دائمة على طول الحدود، بهدف إنشاء آلية مراقبة دائمة لتقليل مخاطر الهجمات والجريمة.
ويستند هذا التعاون إلى تجارب سابقة في التعاون الإقليمي، مثل العمليات المشتركة التي نفذتها مالي والسنغال وموريتانيا في سبتمبر ٢٠٢٤ في مناطقهم الحدودية. كما يتم تعزيز التعاون العسكري بين مالي والسنغال من خلال تبادل المتدربين العسكريين منذ توقيع اتفاقية فنية في مارس ٢٠٢١.
في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها منطقة الساحل، يبرز التعاون بين مالي والسنغال كنموذج للتعامل مع الأزمات عبر الحدود. ومع ذلك، فإن تحقيق النجاح المستدام سيتطلب جهودًا متواصلة لضمان استقرار المنطقة على المدى الطويل.
السياقات والدلالات
يمثل التعاون الأمني بين مالي والسنغال تطورًا لافتًا في خريطة المواجهة الإقليمية للإرهاب، حيث يأتي في وقت تعاني فيه منطقة الساحل من تحولات جيوسياسية وأمنية عميقة. من أبرز هذه التحولات انسحاب مالي من مجموعة الإيكواس، وهو قرار أضعف بشكل ملحوظ التعاون الأمني التقليدي بين دول المنطقة، مما أثار مخاوف بشأن قدرة باماكو على مواجهة التهديدات الإرهابية بمفردها. ورغم هذا الانسحاب، فإن الاتفاق مع السنغال على إطلاق دوريات مشتركة يعكس إدراكًا عمليًا بأن الأمن الإقليمي لا يمكن التعامل معه بمعزل عن الجوار، وأن المصالح الوطنية تتطلب في بعض الأحيان تجاوز الأطر الإقليمية الرسمية لصالح تعاون ثنائي مباشر أكثر مرونة وفاعلية.
هذا التعاون يكتسب أهمية إضافية نظرًا لطبيعة التهديد الذي يستهدفه، حيث تتعرض المناطق الغربية من مالي لهجمات متزايدة من قبل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة. خلال الأشهر الأخيرة، صعدت الجماعة من عملياتها الإرهابية، مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية، بالإضافة إلى شخصيات دينية بارزة، كما حدث مع الزعيم الديني الذي تم اختطافه وقتله مؤخرًا.
هذا التصعيد يعكس تحولًا استراتيجيًا في نشاط الجماعة، حيث لا تقتصر عملياتها على المواجهة العسكرية التقليدية مع القوات الحكومية، بل تشمل أيضًا محاولة فرض هيمنتها على البنية الاجتماعية والدينية للمنطقة، من خلال استهداف الرموز الدينية والسيطرة على المؤسسات المحلية.
اختيار هذه الجماعة كهدف رئيسي للدوريات المشتركة ليس مجرد قرار عسكري، بل هو خطوة ذات أبعاد سياسية وأمنية عميقة. فمن جهة، تسعى الحكومتان في مالي والسنغال إلى إرسال رسالة مفادها أن هناك تنسيقًا جادًا لمواجهة هذه التهديدات، في ظل تصاعد الهجمات العابرة للحدود. من جهة أخرى، فإن هذه العمليات تسلط الضوء على أن الخطر الذي تمثله الجماعات الإرهابية في الساحل لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل يمتد إلى المجال الأيديولوجي والاجتماعي، ما يتطلب استراتيجيات مواجهة متعددة المستويات، تشمل العمل الأمني إلى جانب التنمية ومكافحة الفكر المتطرف.
علاوة على ذلك، فإن هذه الخطوة قد تكون مؤشرًا على تحولات أوسع في طبيعة التعاون الأمني في الساحل. ففي ظل التغيرات التي طرأت على التحالفات الإقليمية، وتزايد الدور الذي تلعبه الدول منفردة في مكافحة الإرهاب بعيدًا عن المنظومات الإقليمية التقليدية.
وقد يكون التعاون بين مالي والسنغال نموذجًا لمقاربات أمنية جديدة تعتمد على الاتفاقات الثنائية بدلًا من الاعتماد على الأطر الجماعية التي باتت تواجه تحديات سياسية تعوق فاعليتها. ومع ذلك، فإن مدى نجاح هذا التعاون سيظل مرتبطًا بقدرته على الاستمرارية والتكيف مع التهديدات المتغيرة في المنطقة.
الأثر على مكافحة الإرهاب وتناميه
تمثل الدوريات الأمنية المشتركة بين مالي والسنغال خطوة مهمة في تعزيز الأمن على الحدود المشتركة، خاصة في ظل استغلال الجماعات الإرهابية، مثل "نصرة الإسلام والمسلمين"، للفراغات الحدودية كمعابر آمنة لنقل المقاتلين والأسلحة.
انتشار القوات الأمنية في هذه المناطق يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية السيطرة على هذه المساحات غير المحكومة، التي لطالما شكلت ملاذًا للجماعات المتشددة. ومع ذلك، فإن التجارب السابقة تشير إلى أن الحلول العسكرية، رغم أهميتها، تظل غير كافية ما لم يتم دعمها بمقاربات أكثر شمولًا، تعالج الأسباب الجذرية لتمدد هذه الجماعات.
من أبرز التحديات التي تواجه مثل هذه العمليات مسألة استدامتها على المدى الطويل. فمن المعروف أن الحملات الأمنية غالبًا ما تبدأ بزخم كبير، لكنها سرعان ما تصطدم بعقبات لوجستية ومالية تعوق استمرارها. فالعمليات الحدودية تتطلب موارد ضخمة، تشمل التجهيزات العسكرية، والقدرة على تأمين الإمدادات، وتوفير المعلومات الاستخباراتية المحدثة. وفي حال لم تحصل مالي والسنغال على دعم مستمر، سواء من الداخل أو من الشركاء الدوليين، فقد تتحول هذه الحملة إلى مجرد إجراء مؤقت لا يُحدث تغييرًا جذريًا في المعادلة الأمنية.
إلى جانب البعد اللوجستي، هناك تحدٍ سياسي يتعلق بالتنسيق بين البلدين، خاصة أن لكل منهما أولوياته الأمنية الخاصة. مالي، على سبيل المثال، تواجه ضغوطًا متعددة بسبب نشاط الجماعات الإرهابية في عدة مناطق، مما قد يجعلها تعطي الأولوية لمناطق أخرى على حساب الحدود السنغالية. من جهتها، السنغال، التي تُعتبر من أكثر دول غرب إفريقيا استقرارًا، قد تجد نفسها مضطرة إلى مراجعة انخراطها في العمليات المشتركة إذا ما أدى ذلك إلى استنزاف مواردها أو إلى تصاعد التهديدات داخل أراضيها.
التحدي الآخر الذي لا يقل أهمية هو موقف السكان المحليين من هذه العمليات. إذ إن المجتمعات الحدودية في الساحل تعاني من غياب الدولة وضعف الخدمات الأساسية، ما يجعل بعضها أكثر تقبلًا لوجود الجماعات المسلحة، خاصة عندما توفر هذه الجماعات بدائل اقتصادية أو تطرح نفسها كحامٍ في ظل غياب الأمن الرسمي.
في هذا السياق، أي حملة أمنية لا تراعي البعد الاجتماعي قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد يدفع القمع العشوائي أو الاستهداف الخاطئ بعض السكان إلى التعاطف مع المسلحين بدلًا من التعاون مع الدولة. إضافةً إلى ذلك، فإن الجماعات الإرهابية نفسها أثبتت قدرة عالية على التكيف مع الضغوط الأمنية، سواء من خلال إعادة الانتشار إلى مناطق جديدة، أو عبر تغيير تكتيكاتها القتالية.
وفي حال لم يتم تعزيز العمليات العسكرية بجهود استخباراتية فعالة، فقد تجد هذه الجماعات طرقًا بديلة لمواصلة نشاطها، مما يقلل من تأثير الدوريات المشتركة على المدى الطويل.
بناءً على ما سبق، فإن نجاح هذه المبادرة مرهون بمدى قدرتها على دمج الحلول الأمنية مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فإذا تمكنت الحكومتان من تقديم مشاريع تنموية تعزز ثقة السكان بالدولة، بالتوازي مع العمليات العسكرية، فقد يشكل ذلك ضربة استراتيجية للجماعات المسلحة.
أما إذا اقتصر الأمر على العمل العسكري فقط، فمن المرجح أن يكون التأثير محدودًا، ما يسمح للإرهاب بإعادة إنتاج نفسه بطرق مختلفة.
نحو مقاربة شاملة؟
يمثل التعاون بين مالي والسنغال خطوة إيجابية نحو تعزيز الأمن الإقليمي، لكنه لن يكون كافيًا ما لم يُدمج في استراتيجية أوسع تشمل جوانب تنموية واجتماعية. فمكافحة الإرهاب لا يمكن أن تقتصر على العمل العسكري وحده، بل يجب أن تستهدف معالجة الأسباب العميقة التي تغذي العنف المسلح، مثل الفقر، البطالة، والتهميش الاجتماعي.
فالمناطق الحدودية التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية غالبًا ما تعاني من ضعف الخدمات الأساسية وغياب الدولة، مما يجعل السكان أكثر عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة التي تقدم لهم إغراءات مادية أو حماية بديلة. لذلك، فإن نجاح أي جهود أمنية يتطلب استثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية، الصحة، والتعليم، لضمان خلق بيئة لا تشجع على انتشار التطرف.
إلى جانب التنمية، فإن تعزيز الحوكمة الرشيدة يمثل عنصرًا حاسمًا في أي مقاربة شاملة. فكثير من التوترات في منطقة الساحل تعود إلى مشكلات الحكم وسوء إدارة الموارد، ما يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في الدولة.
لذا، فإن تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية، وضمان الشفافية، ومحاربة الفساد، يمكن أن يسهم في تقليص قدرة الجماعات الإرهابية على استغلال المظالم المحلية لصالح أجنداتها.
كما أن تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة شئونها، عبر الحكم اللامركزي، يمكن أن يخلق نوعًا من الشراكة بين الدولة والمجتمع، مما يسهم في بناء مناعة أقوى ضد التطرف.
على المستوى الإقليمي، فإن توسيع نطاق التعاون ليشمل دولًا أخرى مثل موريتانيا والنيجر يمكن أن يخلق بيئة أمنية أكثر تكاملًا، خاصة مع تصاعد التهديدات العابرة للحدود. فالحدود بين دول الساحل تظل مناطق رخوة يسهل استغلالها من قبل الجماعات الإرهابية، ما يجعل من الضروري تبني آليات تنسيق أمني أكثر شمولًا، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وإجراء عمليات مشتركة على نطاق أوسع، وتعزيز التعاون في مجال مراقبة الحدود. وقد أثبتت تجارب سابقة، مثل "مجموعة دول الساحل الخمس"، أن التعاون متعدد الأطراف يمكن أن يكون أكثر فاعلية من الجهود الفردية للدول.
ومع ذلك، فإن أي مقاربة إقليمية ناجحة يجب أن تراعي التغيرات الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة، خاصة مع تراجع الدور التقليدي للقوى الغربية مثل فرنسا، وبروز لاعبين جدد مثل روسيا وتركيا. كما أن الانقسامات بين دول المنطقة، كما هو الحال بين مالي والإيكواس، قد تعرقل فرص التعاون الفعّال. لذلك، فإن إيجاد آليات جديدة للتنسيق، سواء عبر اتفاقيات ثنائية أو مبادرات إقليمية مرنة، قد يكون أكثر واقعية من الاعتماد على الأطر التقليدية التي تواجه تحديات سياسية تعوق فعاليتها.
في النهاية، يعتمد نجاح التعاون الأمني بين مالي والسنغال على قدرته على التطور من مجرد استجابة عسكرية مؤقتة إلى نهج شامل يعالج العوامل العميقة التي تغذي الإرهاب.
فالمواجهات العسكرية وحدها، رغم أهميتها، لن تكون كافية ما لم تُرافق بإصلاحات سياسية وتنموية تعزز ثقة السكان بالدولة وتحدّ من قدرة الجماعات المتطرفة على استقطاب الأفراد.
لذلك، فإن تحويل هذه المبادرة إلى نموذج مستدام يتطلب رؤية طويلة الأمد تشمل تحسين الحوكمة، الاستثمار في البنية التحتية، وتوفير الفرص الاقتصادية للشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر استهدافًا من قبل التنظيمات الإرهابية.
وعلاوة على ذلك، فإن مأسسة هذا التعاون وجعله جزءًا من استراتيجية إقليمية أوسع سيكون عاملًا حاسمًا في نجاحه. فإذا لم تتمكن مالي والسنغال من ضمان استمرارية هذا النهج وتعزيزه عبر اتفاقيات دائمة وآليات تنسيق فعالة، فسيظل خطر عودة الجماعات المسلحة إلى التمدد قائمًا، مما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمة الأمنية من جديد.
وبذلك، يصبح التحدي الحقيقي ليس فقط في التصدي الفوري للتهديدات الإرهابية، بل في خلق بيئة أمنية مستقرة تمنع تكرارها وتضمن مستقبلًا أكثر أمنًا لمنطقة الساحل بأكملها.