المشهد اليمني:
2024-09-22@23:29:45 GMT

الحروب الأهلية وارتفاع معدلات الجريمة

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

الحروب الأهلية وارتفاع معدلات الجريمة

على مدار السنوات الماضية خرجت جثث كثيرة من سجون الحوثيين في صنعاء بعد تعذيب وحشي، كما خرجت جثث أخرى ومشاهد مروعة مختلفة أنتجتها جماعات مسلحة في مناطق أخرى من البلاد، والشأن ذاته، وربما أكثر ترويعاً في بلدان عربية أخرى، وعلى وجه الخصوص تلك التي مرت بحالات من الصراع والحروب الأهلية، في العراق وسوريا والسودان وليبيا.

وخلال أكثر من عقد من الزمان دمرت الحروب والصراعات القيم المجتمعية: دينية وأخلاقية، حيث ظهرت مع الحروب ـ وبسببها ـ جرائم لم يكن الناس يتصورون وقوعها، وأنتجت جماعات العنف السياسي والأيديولوجي نوعاً من العنف الاجتماعي المنفلت، وحاول الكثير من القتلة الجنائيين محاكاة نظرائهم من القتلة في المليشيات المسلحة التي أفرزتها الظروف التي أفرزت الصراع بين «ثوار الربيع العربي» والأنظمة في عدد من البلدان العربية.
ومع مرّ السنوات رأينا مشاهد لحرق الناس ودفنهم أحياء، وأخرى لثقب رؤوسهم بالمثقاب، ناهيك عن حالات تعذيب وضرب حتى الموت، في سجون أنظمة وميليشيات مختلفة، وغيرها من جرائم العنف السياسي والعسكري والطائفي التي ولدت ـ بدورها ـ جرائم جنائية مروعة من مثل قتل أب لأبنائه، أو قتل زوجة لزوجها، أو أخ لأخيه، وما هو أدهى من ذلك، عندما يقتل الابن أباه أو أمه، في سوابق لم تكن ترد حتى في خيال المنتجين السينمائيين في منطقتنا العربية.
وقد فتحت الجرائم ذات الصبغة السياسية الباب لجرائم أخرى مروعة ليس لها طابع سياسي، بفعل سماع ورؤية الأخبار والمشاهد التي أنتجتها سجون الميليشات والأنظمة والجماعات المتطرفة المختلفة خلال العقد الماضي، الأمر الذي ولد جرائم أخرى بشعة ذات طابع اجتماعي جنائي، كما ذكرنا أعلاه. وقد بدأت القصة في البلدان الموبوءة بتلك الجرائم بصراع سياسي ظل يراكم الاحتقانات إلى أن تحول إلى صراع عسكري مسلح، وعندها خرجت الشيايطن من أقبيتها واندلعت ألسنة اللهب، وبدأت عسكرة المجتمعات، حيث رأينا المعلمين والموظفين والمدنيين يحملون السلاح ويصبحون زعماء حرب، وبدأت تدريجياً عمليات متسقة لتكريس العنف، وإضفاء الطوابع القيمية عليه، إلى أن تحول المجتمع أو شرائح واسعة فيه إلى ميليشيات مقاتلة توظف الأطفال والمراهقين والشباب وتستهدفهم بأسلحتها وأيديولوجياتها العنيفة. وترجع التقارير الدولية أسباب ارتفاع معدلات الجريمة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية وإلى ضعف الوازع الأخلاقي، وإلى سيطرة الميليشيات وتوظيفها للسجناء والمطلوبين أمنياً ضمن عناصرها، وهؤلاء يأتون غالباً بكم هائل من عقد الانتقام والثأر ضد المجتمع والقيم والأخلاق، مع فوضى السلاح المنفلت بفعل توسع الحروب الأهلية التي ضربت بعض الدول العربية، دون أن نغفل عن أثر الأعمال الفنية والأفلام والمسلسلات في انتشار معدلات الجريمة لدى الأطفال والمراهقين تحديداً. فتحت الجرائم ذات الصبغة السياسية الباب لجرائم أخرى مروعة ليس لها طابع سياسي، بفعل سماع ورؤية الأخبار والمشاهد التي أنتجتها سجون الميليشات والأنظمة والجماعات المتطرفة وكما تنوعت وسائل الجريمة ودرجاتها تنوعت ساحاتها، فلم يعد الأمر كما كان في السابق، حيث الشارع والسوق هما الساحة الأولى لحدوث الجرائم، بل توسعت هذه الساحة اليوم، لتشمل المنازل والمدارس وحتى دور العبادة التي كانت مقدسة لا يجوز التعرض فيها لأحد، وهو ما يحيل على ضعف الوازع الديني والروحي، مع غياب سلطة القانون ووسائل إنفاذه.
. ومع خروج المظاهرات في بعض البلدان العربية في 2011، ومع سقوط بعض الأنظمة السياسية سقطت بعض المنظومات القيمية والروحية، وشهدنا تصاعد موجات ما يمكن أن يطلق عليه «الإلحاد العاطفي» الذي يعد ردة فعل عاطفية لانهيار أحلام التغيير الذي رفعته ثورات «الربيع العربي» شعاراً لها، وبما أن «الإسلاميين» كانوا في مقدمة من أشعل تلك الثورات، وبما أن تلك الثورات قد فشلت ـ ولو إلى حين ـ فإن انهيارها مثّل لدى الكثير من الشباب المندفع صدمة شعورية قوية، ربط بسببها بين انهيار الأحلام والمنظومة الدينية برمتها، وهو ما جعل الكثير من الشباب يجنح إلى التمرد على القيم الدينية السائدة. وفوق ذلك، وبفعل ارتخاء القبضة الأمنية في عدد من الدول التي تشهد صراعات مسلحة ساعد انتشار تجارة وإدمان المخدرات على تزايد معدلات الجريمة، ضمن سلسلة من العوامل يعضد بعضها بعضاً، الأمر الذي أدى لضعف الوازع الأخلاق والديني، والجرأة في تحطيم الضوابط أياً كانت، وهذا بدوره ساعد على تنامي معدلات الجريمة.
ومع تعقيدات ملحوظة في الأوضاع الاقتصادية، وتردي مستويات الدخل وانتشار البطالة، ومع غياب الوعي والرقابة الاجتماعية، وتراجع التعليم والقيم التربوية، ومع غياب كلي أو جزئي للأجهزة الأمنية، وغياب المحاسبة، وانهيار المنظومات العدلية، وتحكم الميليشيات في مناحي الحياة المختلفة في بلدان بعينها، مع كل ذلك ارتفعت معدلات الجريمة، وتنوعت أشكالها وأساليبها والفئات العمرية التي تنفذها. كما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات التكنولوجية الحديثة طرقاً جديدة لتوسيع نطاق الجريمة، ويسّرت سبلاً جديدة وجديّة لتنفيذها، عن طريق الإيقاع بالضحايا ضمن ما بات يعرف بـ«الجريمة الإلكترونية» في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والجنائية.
ولوحظ في الجرائم التي ارتكبت خلال فترات الصراع أن المجرم لا يكتفي بالجريمة، ولكنه يلجأ للتمثيل بالجثة على مستوى جرائم القتل، وهو ما يوحي بنوع من الحقد والغضب الإجرامي الذي لم تخفف منه الجريمة في حد ذاتها، ولكن منفذها يلجأ لأساليب مختلفة في التمثيل بالجثة في تصرفات محكومة بسلوك غرائزي إجرامي يستهدف الانتقام من الضحية وأذيتها حتى بعد الموت. يقول علماء النفس إن المجرم عندما يمارس جريمته ضد الضحية فإنه لا يمارسها ـ وفق تصوره ـ ضد إنسان مثله، ولكنه يرى في الضحية صورة غير إنسانية، أو صورة حيوانية شريرة لا تستحق الحياة، وبالتالي فإن هذه العملية النفسية اللاشعورية تساعد المجرمين على تنفيذ جرائمهم بضمير مرتاح.
وفوق ذلك، وعندما يتعلق الأمر بأعمال العنف الديني والطائفي والأيديولوجي فإن الكثير من المجرمين المهووسين أيديولوجياً ينطلقون من منطلقات «تطهرية» في اقتراف جرائمهم، على أساس أن الضحايا يستحقون الموت، وأن المجرمين يستحقون تكريم السماء والأرض، إثر قيامهم بأعمال «ترضي الله» حسب تصورات الكثير ممن تغسل الجماعات الدينية المتطرفة أدمغتهم بعباراتها الدينية والأيديولوجية القائمة على أساس وجود عالمين لا ثالث لهما: عالم الخير المحض الذي تمثله هذه الجماعات، وعالم الشر المحض الذي يمثله الضحايا.
وقد دخلت مؤخراً ـ وللأسف الشديد ـ عدد من الدول العربية ضمن «المؤشرات العالمية» لانتشار الجريمة، واحتلت بعض الدول مراتب متقدمة ضمن التصنيفات العالمية للدول الأقل أمناً والأكثر انتشاراً للجريمة، وهو ما يقرع الأجراس بضرورة استنفار الجهود السياسة والاجتماعية والثقافية والأمنية لمواجهة هذه الظواهر المتزايدة، مع انتشار معدلات الإحباط واليأس والجنوح للجريمة، ومع اهتزاز القيم الأخلاقية والوازع الديني، وما يُحتمه على المؤسسات المعنية من جهود مضاعفة لمواجهة تلك الظواهر المتزايدة يوماً بعد آخر.

⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار الحروب الأهلية وارتفاع معدلات الجريمة حملة اختطافات مسعورة واقتحام منازل وإطلاق الرصاص الحي... درجات الحرارة في مختلف المحافظات اليمنية أول شركة اتصالات تتراجع عن رفع أسعار باقات... مقالات الحروب الأهلية وارتفاع معدلات الجريمة التسوية في اليمن بعيدة المنال! أهم مكاسب ذهاب وفد عبدالملك الحوثي إلى الرياض ممر السعودية إلى المستقبل اخترنا لك لواء سعودي يلمّح إلى طلب أعضاء من وفد... الحوثيون يحاولون الوصول إلى ”أي اتفاق” مع السعودية... إيران تشتعل.. ثورة شعبية تهز 14 مدينة والمتظاهرون... آل الشيخ يطلق فيديو ”هوية موسم الرياض” ويكشف... الأكثر قراءةً لواء سعودي يلمّح إلى طلب أعضاء من وفد... الحوثيون يحاولون الوصول إلى ”أي اتفاق” مع السعودية... إيران تشتعل.. ثورة شعبية تهز 14 مدينة والمتظاهرون... آل الشيخ يطلق فيديو ”هوية موسم الرياض” ويكشف... مسؤول بمكتب طارق صالح يقترح على السعوديين تقديم... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni elzmannews الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023
⇡ ×Header×Footer

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: معدلات الجریمة الحروب الأهلیة الکثیر من وهو ما

إقرأ أيضاً:

منظمة انتصاف تُدين استمرار مجازر العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني

يمانيون|

أدانت منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل ، استمرار سلسلة جرائم العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والتي كان آخرها (3) مجازر خلال الـ 24 ساعة الماضية والتي رفعت حصيلة شهداء العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى (41.431) شهيد و(95.818) جريح منذ 7 أكتوبر 2023م.
واستنكر بيان صادر عن المنظمة ، استمرار فرض الحصار الخانق على قطاع غزة ومنع دخول الوقود والأدوية وقطع الكهرباء مما ضاعف المعاناة وشكل أزمة إنسانية حادة.
مشيراً إلى أن التصعيد الصهيوني في عدة مناطق بقطاع غزة يهدف لإبادة الشعب الفلسطيني ، الأمر الذي يستوجب العقاب وكشف السلوك الوحشي لكيان العدو ولجيشه المجرم الذي يرتكب مجازر ضد الإنسانية، وخاصة بحق الأطفال والنساء في مختلف المدن الفلسطينية ، الأمر الذي يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني والذي يجرم استهداف المدنيين الأبرياء بأي شكل من الأشكال.
وحملت منظمة انتصاف قوات العدو الإسرائيلي ، المسؤولية عن كل الجرائم التي تستهدف المدنيين والمرافق الطبية ، كما تحمل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول العربية والإسلامية مسؤولية صمتها المخزي وتنصلها عن واجباتها مما شجع العدو الإسرائيلي على التمادي في ارتكاب المزيد من جرائم الحرب بحق المدنيين في الأراضي الفلسطينية.
وجددت مُطالبتها للمجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص محكمة العدل الدولية لفتح التحقيق والمُساءلة الجنائية ومعاقبة جميع المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم.
كما دعت المنظمات الحقوقية والإنسانية وجميع الدول المسلمة والعربية وشرفاء وأحرار العالم إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية في مناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم وإدانة الجرائم المروعة المرتكبة من قبل العدو الإسرائيلي والضغط على منظمة الأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن للقيام بواجبهم القانوني والأخلاقي في حماية المدنيين وإيقاف هذا العدوان الوحشي.

مقالات مشابهة

  • منظمة انتصاف تُدين استمرار مجازر العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني
  • المجرم المحمي دولياً
  • الاحتلال يرتكب 3 مجازر وارتفاع حصيلة الشهداء
  • الكشف عن أسباب الانتشار الأمني الواسع في ديالى
  • طقس العراق.. أمطار وارتفاع طفيف بدرجات الحرارة
  • الإمارات و«يوروجست» تبحثان مكافحة الجريمة العابرة للحدود
  • محمود الجارحى يكتب: مضيفة الطيران.. الجريمة بأعصاب «باردة»
  • حميه تفقد أعمال الإنقاذ في الجاموس: أين القانون الدولي والانساني والعالم من هذه الجريمة؟
  • 12 مجزرة في 72 ساعة.. وارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 41391
  • خيط الجريمة.. قطعة قماش تكشف لغز العثور على جثة طفل فى أوسيم