وفدا الحوثي وعمان في الرياض.. هل بات الطريق سالكا للسلام في اليمن؟
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
باستئناف مفاوضات الرياض بين الحوثيين والسعودية يتجدد الأمل لدى البعض، بإمكانية تحقيق السلام في اليمن، لكن هناك مَن يرى أنها أشبه بالمناورة كسبا للوقت واستغلالا لمزيد من الخيارات، في سبيل تحديد أفضل للأهداف. لكن يبقى من المهم طرح سؤال اللحظة اليمنية في محاولة الإجابة عليه: هل بات الطريق سالكا للسلام في اليمن؟ وفي حال كان كذلك؛ ماذا يحتاج اليمن للمضي نحو السلام؟ وهل ثمة مؤشرات يمكن البناء عليها، والقول إن السلام بات قريبًا من هذا البلد الذي يعيش نزاعا دمويًا على السلطة منذ تسع سنوات؟
يبقى سؤال السلام هو السؤال الصعب الذي يمكن التوقف عنده كثيرًا في قراءة الأزمة اليمنية، وما آلت إليه الأوضاع بعد تسع سنوات من الحرب بموازاة لقاءات ومؤتمرات جمعت الأطراف في جنيف ومسقط والكويت وستوكهولم وغيرها، لكنها لم تفض إلى نتائج؛ فهل يمكن أن تكون مفاوضات الرياض منعطفًا هامًا في مسار السلام في اليمن؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القليلة المقبلة.
ويقول الباحث والكاتب اليمني أحمد الفلاحي لـ«القدس العربي»: «من الصعب تحديد مدى سالكية الطريق نحو السلام في اليمن بشكل قاطع، إذ يتأثر الوضع بعوامل متعددة ومعقدة من بينها: التدخلات الإقليمية والدولية، التوترات القبلية والمناطقية والشطرية، الانقسامات السياسية، الأزمة الإنسانية والاقتصادية، التحديات العسكرية، وأخيرا نقص الثقة بين الأطراف المتحاربة. ويعكف المجتمع الدولي والأطراف الرئيسية – والتي لا تحمل نية صادقة- على تحقيق تقدم في جهود إحلال السلام. وإعلان مجلس الأمن الأخير يشير إلى الضغوط المتزايدة لتحقيق تسوية سلمية في اليمن، إلا أن هناك تحديات رئيسية تواجه عملية السلام في اليمن. أحد هذه التحديات التدخل الإقليمي والدولي. فعلى الرغم من التزام المجتمع الدولي بدعم جهود السلام، لا تزال هناك تدخلات تعرقل التقدم. دور دول الجوار، وخاصة الدور السعودي والعماني، يظل حاسما في تحقيق التوافق إذا كان هناك توجه حقيقي وصادق».
ويعتقد الفلاحي أن «مفاوضات الرياض أيضًا مثلت خطوة مهمة نحو تحقيق السلام. وتمكنت الأطراف المختلفة من التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات مهمة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتعلق بتنفيذ تلك الاتفاقيات على الأرض. المرحلة المقبلة تتطلب أيضًا تركيزا على تحقيق الاستقرار السياسي وأن تتجه الجهود نحو تعزيز الحوار بين الأطراف المتورطة، إذ من المهم أن يتمثل الحل في إرادة سياسية حقيقية لتحقيق السلام الشامل. في النهاية، لا بد من أن يكون تحقيق السلام في اليمن ناتجا عن مجهودات مشتركة من الأطراف المعنية والمجتمع الدولي، والتوجه نحو السلام يتطلب إرادة صادقة ومواصلة الجهود لتجاوز التحديات وتحقيق التوافق الوطني».
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، عبد الكريم غانم، في حديث لـ«القدس العربي» أن «ما تضمنه بيان مجلس الأمن الأخير من تأكيد على أهمية تسريع المشاورات بشأن السلام في اليمن، وما سبقه من تحركات أممية وما تبعه من تحركات دبلوماسية أوروبية، وإقليمية في مسقط والرياض، تعني تراجع تأثير العامل الخارجي في استمرار الصراع في اليمن، ليس أكثر، وهو ما رأى فيه الحوثيون فرصة لمقايضة تمديد الهدنة بإحراز المزيد من المكاسب تحت مسمى الملف الإنساني. ففي نظر الفاعلين الإقليميين والدوليين تبدو مساعي الحوثيين لتجديد الهدنة مقدمة لإحلال السلام، وفي الواقع أن طريق السلام مفخخ، ليس فقط بما يضمره الحوثيون من مشروع حكم سلالي يستند إلى مزاعم الحق الإلهي في الحكم ويرفض المشاركة السياسية، بل بما يعلنونه من رهان على القوة العسكرية في إخضاع خصومهم للقبول بمقايضة التحول من حالة اللاسلم واللاحرب السائدة حاليا، إلى تجديد الهدنة مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية تجنيها هذه الجماعة، في إطار سعيها لاستغلال الرغبة الإقليمية والدولية في طي صفحة الحرب في اليمن، بإحراز المزيد من المكاسب، دون الاستعداد لتقديم أي تنازلات تذكر، معتقدة أن مجرد التلويح بالحرب كاف لجلب خصومها لطاولة التفاوض، والحديث عن فاعلية الضغوط الشعبية في مناطق سيطرة الحوثيين للذهاب نحو المفاوضات مبالغ فيه، فقد دأب الحوثيون على توظيف معاناة الأهالي في مناطق سيطرتهم، ولم يكونوا في يوم ما الحامل السياسي لمطالب المواطنين واحتياجاتهم».
سلام مستدام
لكن، ماذا يحتاج اليمن للمضي نحو السلام؟ سؤال يطرح نفسه باحثًا عن إجابة برؤية عقلانية. يرى الفلاحي أن «المضي نحو السلام بشكل مستدام وعملي، ومن خلال رؤيتي ولنجعلها عقلانية وقابلة للتحقق، أزعم أن هناك عدة عوامل وخطوات يجب أن تتخذها الأطراف المعنية في اليمن والمجتمع الدولي. أولا: الحوار الموسع والشامل: الأطراف المختلفة والمتنازعة في اليمن بما في ذلك الحكومة والحوثي يجب أن يتفقوا على بداية عملية بحوار مفتوح وشفاف، ويجب أن يكون هذا الحوار شاملا ويتضمن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية. ثانيا: توحيد الجهود الإقليمية والدولية: يجب أن تدعم الجهات الإقليمية والدولية جهود تحقيق السلام في اليمن بشكل جاد وصادق، وأن تتعاون بشكل فعال لتحقيق الاستقرار في البلاد. ثالثا: تحسين الوضع الإنساني: العمل على توفير المساعدات الإنسانية للمحتاجين وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. رابعًا: إيجاد حل للقضايا العالقة: يجب التعامل مع التوترات القبلية والقضية الجنوبية بشكل منفصل وتحقيق التوافق والمصالح المشتركة ووضع خريطة طريق ونبذ المصالح الضيقة التي تسعى إليها الأطراف في اليمن من دعاة التشطير. ولحل هذه الإشكالية يجب العودة للحوار الوطني والعدالة الانتقالية وقوانينها التي تتفق عليها الأطراف ووضع الدستور الذي ينظم العملية السياسية وفق عقد اجتماعي. خامسًا: المراقبة الدولية وحفظ السلام: يجب توفير آليات لمراقبة وتنفيذ اتفاقات السلام، وقد تكون هناك حاجة إلى بعثات دولية لحفظ السلام ورعاية انتخابات وفق الدستور. سادسا: تشجيع التنمية وإعادة الإعمار: توجيه الجهود نحو إعادة البنية التحتية وتحفيز النمو الاقتصادي لتعزيز استقرار البلاد. سابعًا: بناء الثقة وتحقيق التسويات الفردية: على الأطراف المتحاربة أن تظهر التزاما حقيقيا بتحقيق السلام من خلال التسويات الفردية والتخلي عن العنف. ثامنًا: معالجة الأزمة الإنسانية والمساهمة في الإغاثة: يجب أن تكون المساعدات الإنسانية متاحة ومستمرة للمتضررين والنازحين. هذه هي بعض الجوانب الرئيسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار لتحقيق السلام في اليمن. فتحقيق السلام يتطلب جهوداً مستدامة ومتواصلة من الأطراف المعنية والمجتمع الدولي».
حوار يمني-يمني
من جانبه يؤكد عبد الكريم غانم أهمية انطلاق حوار يمني-يمني شامل. ويوضح «يحتاج اليمنيون للمضي نحو السلام إلى حوار يمني-يمني، حتى لا تختزل نتائج الحوار في تحقيق مطامح قوى سياسية محلية دون غيرها، ومن المهم في أي حوار سياسي عدم تجزئة الأزمة اليمنية إلى ملفات تعبر عن مصلحة طرف دون آخر، وتسير وفق توصيف هذا الطرف السياسي دون غيره. كما تحتاج إلى تطبيع الأوضاع عبر توحيد العملة وإزالة كافة العوائق التي نجمت عن قرارات أحادية لأطراف الصراع، وتحتاج لدور القوى الإقليمية في القيام بواجبها بإخماد جذور الصراع والقيام بإعادة الإعمار، والانتقال من دور المتبوع والمهيمن إلى دور الميسر للتفاوض والحوار ليس أكثر».
حمل كاذب
لكن لا يمكن تجاوز السؤال الأهم: ما هي المؤشرات الأولية التي يمكن من خلالها القول إن السلام بات قريبا من البلد؟
يقول عبد الكريم غانم: «حتى الآن لا مؤشرات حقيقية يمكن البناء عليها في توقع سلام دائم، يفضي لحدوث انفراج سياسي، فما يحدث أشبه بحمل كاذب، مصدره حالة المد والجزر التي يبديها الحوثيون عبر التلويح بالحرب وإظهار المرونة في الوقت نفسه، لجذب الاهتمام الإقليمي والدولي، بغية تحقيق مكاسب أحادية، قد يتمكنون من جني بعضها، بما يمثله ذلك من اختلال بميزان القوى الأمر الذي يجعل عملية السلام ومسار الحل السياسي الشامل أكثر تعقيدا».
فيما يقول أحمد الفلاحي إن «هناك عدة مؤشرات يمكن أن تشير إلى أن السلام في اليمن بات قريباً، ولكن يجب أن نتذكر أنه من الصعب تحديد الوقت الدقيق لحدوث ذلك بسبب الخروقات والانتهاكات المتكررة. وهذه بعض المؤشرات الأولية إلى اقتراب السلام: أولا: تحقيق تقدم في المفاوضات: إذا كان هناك تقدم ملموس ومستدام في المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وإذا تم التوصل إلى اتفاقيات هامة بشأن القضايا الرئيسية، فإن هذا يعد مؤشراً إيجابياً. ثانيا: تثبيت وقف إطلاق النار: إذا تمكنت الأطراف المتحاربة من الالتزام بوقف إطلاق النار والحفاظ على الهدنة والهدوء لفترات طويلة، فإن هذا يمكن أن يكون إشارة إيجابية إلى استقرار الأوضاع. ثالثا: التقدم في عمليات تبادل الأسرى: عمليات تبادل الأسرى تعد خطوة إيجابية نحو بناء الثقة بين الأطراف وإيجاد بيئة تسهم في تحقيق السلام. رابعا: ضمان وصول المساعدات الإنسانية: إذا تم تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تحتاجها دون عوائق وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، فهذا يمكن أن يكون علامة على التزام الأطراف برعاية الحاجات الإنسانية وتخفيف المعاناة. خامسا: مشاركة المجتمع الدولي والدعم الإقليمي: إذا استمرت الجهود الدولية والإقليمية في دعم عمليات السلام في اليمن وتقديم الدعم السياسي والإنساني، فإن ذلك يعزز فرص النجاح. سادسًا: المشاركة الفعّالة للأطراف المعنية: إذا شملت عملية السلام مجموعة واسعة من الأطراف المعنية وتمثلت مصالحها بشكل كاف، فإن ذلك يمكن أن يسهم في تحقيق تسوية دائمة».
وبعد
يبقى طريق السلام في اليمن متاحًا متى ما اقتنعت الأطراف المتنازعة بحاجتها لدولة عادلة واكتفائها من الحرب، التي لا يمكن أن تكرس باطلا على حساب وطن يمتلكه الجميع؛ فهذا وحده كفيل بالمضي نحو السلام؛ إذ تبقى الطريق غير سالك نحوه في حال بقي أطراف الصراع يحتكمون للقوة ويحتكرون تمثيل الوطن، ويعتدون بالسلاح والحسم العسكري. صحيح أن المجتمعين الإقليمي والدولي باتا مقتنعين بأن الحل في اليمن هو سياسي؛ لكن في هذه الحال يمكن اعتبار أن مفاوضات الرياض ستكون الاختبار الحقيقي لهذا الاختيار؛ إذ يبقى الإقليم، بموازاته لطرفي الصراع، عاملا قويا في طي صفحة الحرب واستقرار البلاد، على أن يكون السلام المرجو هو الذي يُعيد اليمن إلى نصابه، ويعزز من كيان دولته المدنية القائمة على المواطنة المتساوية، وصون الحقوق والحريات، والإعلاء من شأن الإنسان وقيمة الوطن الكبير، الذي يحتفي ويحمي التنوع والتعايش، ما دون ذلك يكون سلامًا مفخخًا، يجعل اليمن بيئة خصبة لتجدد دورات الصراع؛ باعتبار أن الغلبة ستبقى المتحكمة بالقرار اعتمادًا على قوة السلاح الشارد، بينما يُفترض أن يكون السلاح ملكًا وحكرًا على الدولة وحدها.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن السعودية الحوثي عملية السلام مفاوضات تحقیق السلام فی الیمن المساعدات الإنسانیة الإقلیمیة والدولیة الأطراف المتحاربة الأطراف المعنیة مفاوضات الریاض بین الأطراف نحو السلام فی تحقیق أن یکون یمکن أن یجب أن
إقرأ أيضاً:
اليوم العالمي للتسامح.. قيم إسلامية وإنسانية مُتجذِّرة
د. حامد بن عبدالله البلوشي
shinas2020@yahoo.com
لا شك أن التسامحَ قيمةٌ ساميةٌ تتجاوزُ الحدودَ البشريةَ، وتمدُّ جسورَ المحبةِ والتعايشِ بينَ الأممِ. ففي كل عامٍ؛ يحتفلُ العالمُ في السادس عشر من نوفمبر بـ"اليوم العالمي للتسامح"، وهو دعوةٌ عالميةٌ لتعزيزِ روح التسامحِ والسلامِ بينَ الشعوبِ. وبينما يحتفي العالمُ بهذه الفضيلةِ، ويعلي من قيمتها، ويهتم بأثرها، ويبحث عن كل وسيلة ممكنة لنشرها، نرى الإسلامَ قد سبقَ جميعَ الحضاراتِ في تأصيلِ هذه القيمةِ العظيمةِ، وتفوّق على جميع الأمم في تثبيتِ تلك الفضيلةِ، وتهذيبِ النفوسِ بها، ورفعِ شأنِها بينَ البشر. من خلال تعاليمهِ المقدسة، وسيرةِ نبيِّه العطرة صلى الله عليه وسلم.
والإسلام دينُ التسامحِ والعدلِ، وشريعته شريعة العفو والقسط، وأوامره تدعو إلى الصفح والإنصاف، ودعوتهُ إلى التسامحِ تتجلى في العديدِ من الآياتِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ. فقد أمرَ اللهُ بالعفوِ في قوله: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
وعبر صفحات التاريخ الطويلة، ارتسمت صورة سلطنة عُمان كأرضٍ تزدهر فيها معاني التعايش السلمي والتسامح بين مختلف الشعوب والثقافات. فقد كانت عُمان دائمًا رمزًا للمحبة والاحترام المتبادل، وموطنًا يجمع تحت سمائه الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم، أو معتقداتهم. هذا التميز لم يكن محض صدفة، بل هو ثمرة سياسة حكيمة، ورؤية نيرة، اتبعها جلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله. تلك الرؤية التي جعلت من عُمان ملاذًا لكل من يسعى للسلام والاستقرار. لقد كانت قيادة جلالته -طيب الله ثراه- نموذجًا يحتذى به في نشر قيم التسامح، وبناء جسور التواصل بين الأمم، مما أكسب السلطنة احترامًا عالميًّا كبيرًا، ومكانة دولية مرموقة، ومنزلة بين الدول تستحقها عن جدارة.
ومن بين المبادرات الرائدة التي أطلقتها السلطنة لتعزيز هذه القيم؛ كان "مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني"، وهو جهد بارز يعكس التزام السلطنة العميق بنشر ثقافة الحوار والسلام بين الأمم. حيث كان هذا المشروع بمثابة دعوة مفتوحة للتقارب بين الأديان والحضارات، ولم يكن مجرد فكرة، بل كان تطبيقًا عمليًّا لتوجيهات جلالته رحمه الله. من خلاله، فتحت عُمان قنواتٍ للتفاهم والتواصل بين الشعوب، مؤكدة على أهمية الحوار كوسيلة لتعزيز التعاون العالمي والعيش بسلام. وهكذا، استمرت عُمان في أداء دورها كمنارة للتسامح، وأصبحت نموذجًا حيًّا يُستشهد به في كل المحافل التي تدعو إلى التعايش السلمي بين البشر.
واستكمالًا لهذه النجاحات المتوالية، ومع تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم؛ استمرت سلطنة عُمان في تعزيز قيم التسامح والاعتدال، حيث حمل جلالته -أبقاه الله- لواء نشر هذه القيم في الداخل والخارج، مُتبنيًا نهجًا قويمًا يعزز الانفتاح على العالم، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للسلطنة. وقد أكد قائد البلاد المفدى في خطابه الأول على مواصلة السلطنة لدورها الريادي في نشر ثقافة الحوار والسلام، حيث قال:
"لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كيانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، تقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري، وأمانتنا التاريخية".
وهذا الخطاب الذي يعكس بوضوح رؤية جلالته -حفظه الله ورعاه- لسياسة عُمان الخارجية والداخلية المبنية على التسامح والعدالة.
والناظر بعين فاحصة، ونظرة متأملة؛ يجد أن التسامح في سلطنتنا الغالية ليسَ مجردَ شعارٍ، بل هو جزءٌ من نسيجِ المجتمعِ العُمانيِّ الذي تربَّى على قيمِ التعايشِ وحسنِ الجوارِ. فمنذُ القدمِ؛ احتضنتْ عُمان مختلفَ الأعراقِ والأديانِ، وكانَ العُمانيونَ دائمًا مثالًا يُحتذى به في التسامحِ، سواءٌ في تعاملاتِهم اليوميةِ، أو من خلالِ التفاعلِ مع الزوارِ والمقيمينَ. هذا التسامحُ انعكسَ في التلاحمِ الاجتماعيِّ، والتعاونِ بينَ أفرادِ المجتمعِ في جميعِ المناسباتِ.
ولا تقتصرُ أهميةُ التسامحِ على الدينِ أو الثقافةِ فحسب، بل هو مبدأٌ عالميٌّ أكدتْه الأممُ المتحدةُ في ميثاقِها. فقد وردَ في مقدمةِ الميثاقِ: "أن نعيشَ جميعًا معًا في سلامٍ وحسنِ جوارٍ". هذا التوجهُ العالميُّ يعكسُ الالتزامَ الدوليَّ بضرورةِ تعزيزِ التسامحِ كأداةٍ للسلامِ العالميِّ. كما أنَّ القوانينَ الدوليةَ تسعى إلى ضمانِ حقوقِ الإنسانِ، وتعزيزِ المساواةِ والعدلِ بينَ الشعوبِ، مما يُسهمُ في إشاعةِ روحِ التسامحِ بينَ الأممِ.
حفظ الله عُمان وشعبها، وجعلها الله وطنًا آمنًا ومستقرًا، تنعم بالأمن والسلام، وتنشر المحبة والوئام بين أبنائها، وكل من يقطن على أرضها، كما كانت عبر تاريخها العريق دائمًا. وأعاننا جميعًا أن نعلي من شأنها، ونرفع من قدرها، مؤكدين أن عُمان ستظل نموذجًا يُحتذى به في التعايش السلمي، والتسامح الديني، ومثالًا رائعًا على الاحترام المتبادل بين الأديان والمذاهب، لترسخ مكانتها كمنارة للسلام في المنطقة والعالم.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية