تحليل: أربعة تحديات كبرى أمام مفاوضات الرياض مع الحوثيين
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
بعد ما يقارب خمسة أشهر من زيارة وفد سعودي إلى صنعاء برئاسة السفير محمد آل جابر، دعت المملكة العربية السعودية وفدًا من جماعة الحوثيين -ذراع إيران في اليمن- لزيارة الرياض من أجل استئناف المفاوضات المتعثرة منذ أبريل الماضي.
بحسب ما أعلنه قياديون في سلطة الجماعة في صنعاء يفترض أن هذه الزيارة مدتها خمسة أيام ابتداءً منذ مساء الخميس الماضي، ورغم أنه من السابق لأوانه استشراف نتائج الزيارة إلا أن هناك عدداً من المعطيات تفصح عن صعوبات جمّة تكتنف سير المفاوضات في هذه الجولة، وهو ما يضع مجموعة من التحديات أمام المفاوضات.
موافقة الحكومة والأطراف الممثلة بمجلس القيادة
أولى هذه التحديات، أن الحكومة الشرعية وجميع القوى المناهضة لجماعة الحوثي لا تبدو راضية عن سير هذه المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي منذ البداية. وفيما رحبت الحكومة بهذه الدعوة لاستئناف المفاوضات في الرياض، وجددت استمرار انفتاحها على كل المبادرات الرامية إلى إحلال السلام العادل والشامل، فقد تضمن بيان الحكومة أن ترحيبها وانفتاحها على هذه المبادرات مشروط بأن يكون "وفقًا للمرجعيات الثلاث، وبما يضمن إنهاء الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية في اليمن"، بحسب البيان الذي أصدرته الحكومة بالتزامن مع زيارة الوفد الحوثي إلى الرياض.
المجلس الانتقالي الجنوبي بدوره ذكر في بيانه الصادر السبت بالتزامن مع زيارة الوفد الحوثي للرياض، أن ترحيبه بالمبادرة السعودية مشروط "بتحقيق عملية سياسية شاملة ومستدامة تؤسس لحوار غير مشروط لضمان معالجة جميع القضايا، وفي طليعة ذلك الإقرار بقضية شعب الجنوب ووضع إطار تفاوضي خاص لحلها كأساس لبدء جهود السلام". وشدد المجلس في بيانه على ضرورة الالتزام بمضامين "اتفاق الرياض" الذي رعته السعودية والإمارات وكان المجلس الانتقالي طرفاً فيه مع الحكومة، إضافة إلى الالتزام بمضامين مشاورات مجلس التعاون الخليجي التي أسفر عنها تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل 2022.
يضاف إلى الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، قوات المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق صالح في الساحل الغربي، وهي قوة ذات ثقل عسكري على الأرض ولديها مكتب سياسي يدير شؤون انخراط المقاومة الوطنية في العملية السياسية، علاوة على أن قائدها عضو في مجلس القيادة الرئاسي. هذا الثقل السياسي والعسكري للمقاومة الوطنية يحتم استيعابها في الإطار التفاوضي لأي مفاوضات مع جماعة الحوثي وفي أي جهود إقليمية ودولية وأممية لإيجاد صيغة التسوية السياسية المنشودة لإنهاء الحرب وإحلال السلام.
الملف الإنساني وإعادة الإعمار
في مقدمة الملفات المدرجة في جدول أعمال هذه المفاوضات ملف المرتبات الذي تطالب جماعة الحوثي بصرفها من عائدات النفط والغاز، إضافة لمطالبتها بتقاسم هذه العائدات مع الحكومة الشرعية. وهناك أيضا ملف الطرقات المغلقة وأبرزها منافذ مدينة تعز، وملف فتح وجهات جديدة أمام الرحلات من وإلى مطار صنعاء، وكذلك ملف إعادة الإعمار.
لا يبدو أن هذه هي كل الملفات التي يمكن أن يؤدي حلها إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد، فما زالت القضية الجنوبية خارج الإطار التفاوضي، والجماعة الحوثية مستمرة في ممارسة النهج الإمامي المتعارض مع أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962، وزعيم الجماعة يدعو لنفسه بالولاية كنهج بديل في الحكم عن الانتخابات وإعطاء الشعب حقه في اختيار من يحكمه... والكثير من القضايا التي تشكل تحديات أكبر من التحديات التي تكتنف تنفيذ بند صرف المرتبات وفتح الطرقات المغلقة، وتوسيع وجهات المجال الجوي لمطار صنعاء والبحري لميناء الحديدة.
ورغم ذلك، حتى الملفات المدرجة على جدول الأعمال الراهن لهذه المفاوضات تعتبر شائكة رغم التفاؤل السائد في تصريحات القيادات الحوثيين والدبلوماسيين الإقليميين والدوليين.
ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله وإيران أن هناك ترقباً في صنعاء لإعلان اتفاق "لوقف الحرب وإنهاء الحصار في غضون أيام" كنتيجة متوقعة لزيارة الوفد الحوثي للرياض. ونقلت الصحيفة، الجمعة، عن ما سمتها "مصادر دبلوماسية"، أن توجيه الدعوة للوفد الحوثي سبقته ترتيبات سعودية "لحفل توقيع إنهاء حالة الحرب في اليمن بشكل رسمي"، وأن مراسم هذا التوقيع ستجري في الرياض بحضور ممثلين عن مجلس القيادة الرئاسي ووفد الحوثيين ووفد الوساطة العماني، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومجلس التعاون الخليجي والأمين العام لـلجامعة العربية.
وأضافت، إن الإعلان سيشمل "اتفاقاً لوقف إطلاق النار، والتوقيع على التفاهمات التي كان جرى التوصل إليها بخصوص صرف المرتّبات وفتح الطرقات وتوسيع وجهات الرحلات التجارية من مطار صنعاء إلى خمسة مطارات أخرى، بالإضافة إلى حلّ ملف الأسرى والمعتقلين المتعثّر وفق قاعدة الكل بالكل". لكنّ المصادر الدبلوماسية التي قالت الصحيفة إنها مطّلعة على المباحثات، تحدّثت عن "توجّه سعودي- أميركي- أممي، لترحيل عدد من الخلافات حول آليات التنفيذ إلى جولات قادمة"، وأن ترتيبات التنفيذ سيتولاها مكتب المبعوث الأممي لدى اليمن، هانس جروندبرج.
دور إيران في دفع المفاوضات
توجه الوفد الحوثي إلى الرياض مساء الخميس الماضي برفقة وفد الوساطة العماني الذي كان في زيارة إلى صنعاء هي الثانية خلال أقل من شهر.
بحسب وكالة "أسوشييتد برس"، فإنه لا يزال من غير الواضح ما هي الشروط التي تتم مناقشتها بين الرياض والحوثيين، لكن هذه الزيارة تأتي ضمن الخطوات اللاحقة للاتفاق السعودي الإيراني الذي تم برعاية الصين في مارس الماضي، وفي أعقاب موجة من النشاط الدبلوماسي بين الأطراف المختلفة في الحرب الدائرة في اليمن.
وربطت الوكالة بين دعوة السعودية للحوثيين إلى الرياض وبين الزيارة الأخيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى عمان الاثنين الماضي. وقالت إن الملك سلمان وولي العهد محمد تلقيا الخميس الماضي رسائل من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وأن كلا البلدين لم يعلنا عن مضمون تلك الرسائل، لكنها جاءت أثناء زيارة وفد عماني لمسؤولين حوثيين في صنعاء. وفي نفس اليوم أعلن رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين أن وفداً من الجماعة سيتوجه إلى الرياض "استجابة للوساطة العمانية" من أجل "استكمال المشاورات مع الجانب السعودي".
وأبدى المشاط مرونة في تصريحه على عكس التهديدات التي ظل يطلقها خلال الأشهر الماضية باستئناف الحرب واستهداف المنشآت السعودية والإماراتية بالصواريخ البالستية والمسيّرات. وقال المشاط في سياق إعلانه تلبية الدعوة السعودية: "السلام كان وسيظل خيارنا الأول، والذي يجب أن يعمل عليه الجميع". ورغم الدفع الإيراني الذي يبدو واضحاً بحسب هذه الأنباء، فإن الأيام والأحداث القادمة كفيلة بكشف مدى الدفع الإيراني نحو الحل السلمي أو نحو التصعيد.
تعنّت الحوثيين في المفاوضات
لا يقتصر تعنت الحوثيين في المفاوضات مع المملكة العربية السعودية على وضع شروط تعجيزية على أجندة التفاوض، بل أيضاً في رفض التفاوض مع الحكومة الشرعية والأطراف اليمنية المناوئة لها. وبالتزامن مع توجه الوفد الحوثي إلى الرياض، قال القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي إن مفاوضاتهم تستمر مع السعودية "كقائد للتحالف" وبوساطة عمانية، وأن جماعته لن تحاور إلا التحالف باعتبار أن قرار الحرب ووقفها بيده، وأن أي حوار يمني-يمني هو "شأن داخلي".
وتشير تصريحات القيادات الحوثية إلى أنهم لا يرغبون في التفاوض مع الحكومة الشرعية والأطراف المناوئة لهم، مع استمرارهم في التلويح باستئناف الحرب ضد الأطراف المحلية والسعودية والإمارات في حال فشلت المفاوضات.
غالبية مطالب الحوثيين متعلقة بالأموال: مرتبات، إعادة إعمار، جبر ضرر، فتح وجهات جديدة لمطار صنعاء، رفع كافة القيود عن ميناء الحديدة... إلخ، وما داموا يتعاملون مع التحالف العربي باعتباره خزينة بنكية تضخ النقود، ويتعاملون مع الأطراف اليمنية المناهضة لهم باعتبارهم رعايا يفترض بهم تقديم الولاء للحاكم الإلهي، فإن أي مفاوضات لن توصل اليمن إلى تسوية سياسية، وسوف يظل فتيل الثورة مشتعلًا ضد هذه الجماعة التي قفزت إلى واجهة حكم البلاد في أسوأ لحظة تاريخية مرت بها.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: الحکومة الشرعیة الوفد الحوثی إلى الریاض مع الحکومة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
معهد واشنطن يدعو لدعم عملية برية ضد مليشيا الحوثي في اليمن والتنسيق مع الرياض وأبوظبي ..ودعم مجلس القيادة الرئاسي
حذّر تقرير صدر عن معهد واشنطن من أن حملات ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران لتعطيل حركة الشحن البحري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تمثل تهديداً مباشراً لقدرة الولايات المتحدة على نشر قواتها بسرعة وتأمين إمداداتها في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
ويطرح التقرير، الذي أعدّه العقيد جيمس إي. شيبرد، زميل معهد واشنطن للعام 2024-2025، حزمة من الحلول المتكاملة اللوجستية والعسكرية والدبلوماسية لمعالجة هذا الخطر.
وقال الكاتب، إنه "يجب جعل الحوثيين غير قادرين أو غير راغبين في تهديد الملاحة. ويستلزم ذلك تصعيد الحملة الحالية بما يتجاوز الضربات الجوية الأمريكية"، مشددا على أنه من الضروري وجود تهديد موثوق من قبل القوات البرية اليمنية، بالتنسيق مع شركاء موثوقين مثل السعوديين أو الإماراتيين.
كما شدد على أنه وينبغي دعم مجلس القيادة الرئاسي، وهو كيان حكومي معترف به دولياً من قبل الأمم المتحدة، لاستغلال الفرصة التي أوجدتها الضربات الجوية الأمريكية.
خلفية
منذ مارس 2023 تصاعدت هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية والعسكرية، مستفيدين من دعم إيران وتدريباتها، عبر إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيّرة باتجاه الممر البحري الحيوي، والذي يمر عبره سنوياً نحو تريليون دولار من البضائع و30% من الحاويات العالمية.
ومن ابرز التوصيات السياسية التي دعا لها معهد واشنطن من أجل الحفاظ على الوصول اللوجستي إلى المنطقة، يجب على واشنطن وشركائها العسكريين اتباع نهج مزدوج يركز على أولاً، تلبية الاحتياجات الفورية من خلال الحلول العاجلة والضغط على الحوثيين، وثانياً، البحث عن حلول طويلة الأمد عبر استراتيجية قابلة للتطبيق لتحييد التهديد. وفيما يلي التوصيات التي تلبي كلا الاحتياجين:
مواصلة الضغط : يجب جعل الحوثيين غير قادرين أو غير راغبين في تهديد الملاحة. ويستلزم ذلك تصعيد الحملة الحالية بما يتجاوز الضربات الجوية الأمريكية. ومن الضروري وجود تهديد موثوق من قبل القوات البرية اليمنية، بالتنسيق مع شركاء موثوقين مثل السعوديين أو الإماراتيين. وينبغي دعم مجلس القيادة الرئاسي، وهو كيان حكومي معترف به دولياً من قبل الأمم المتحدة، لاستغلال الفرصة التي أوجدتها الضربات الجوية الأمريكية.
تحويل التركيز نحو المنبع: يجب على إدارة ترامب السعي لردع إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، من خلال عرض تعزيز قدرات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة مؤخراً. ويمثل النشر الأمامي لقاذفات "بي- 2" ودخول حاملة طائرات أخرى تهديداً كبيراً لكلا الخصمين - وهو تهديد يجب تسليط الضوء عليه في المفاوضات النووية الحالية مع طهران. فعلى سبيل المثال، يمكن للمسؤولين الأمريكيين مطالبة إيران بوقف جميع أشكال الدعم العسكري للحوثيين كأحد الشروط المسبقة للحصول على تخفيف العقوبات.
توسيع التعاون الأمني: يجب على واشنطن تسريع الجهود الدبلوماسية لحشد تحالف من الدول المستعدة للاستفادة من تأمين البحر الأحمر، بما في ذلك الشركاء الإقليميين مثل مصر، وإسرائيل، والأردن، والسعودية. وتُعد قوة "أسبيدس" البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي -على الرغم من نقص الموارد - نقطة انطلاق جيدة لتمكين تقاسم الأعباء الدفاعية مع القوات الأمريكية.
استكشاف طرق بديلة: في حين أن تأمين البحر الأحمر وباب المندب يجب أن يبقى الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، يجب على الإدارة الأمريكية أيضاً تسريع الجهود الرامية إلى تعزيز المرونة في الخدمات اللوجستية في ساحة العمليات وتطوير بدائل برية سريعة وفعالة من حيث التكلفة مثل "خط إمداد إقليمي" و/أو الممر البري بين الإمارات وإسرائيل.
ومن خلال هذه التدابير وغيرها، يمكن للولايات المتحدة وضع استراتيجية شاملة ضرورية للمهمة طويلة الأمد المتمثلة في التصدي للتهديدات الحوثية والإيرانية للخدمات اللوجستية العسكرية والتجارة العالمية بشكل نهائي.
وفي الخامس عشر من آذار/مارس، أطلق الرئيس ترامب حملة عسكرية متواصلة ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، مستهدفاً كبار المسؤولين ومراكز القيادة ومستودعات الأسلحة والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد.
"يتمثل هدف الإدارة الأمريكية في استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث نفذ الحوثيون المدعومون من قبل إيران هجمات متفرقة على مدار سنوات قبل أن يصعدوا من استهدافهم للسفن التجارية والعسكرية مع بدء الحرب على غزة في عام 2023".
إن الدور الحاسم لهذا الممر المائي في التجارة العالمية معروف جيداً - فهو يسهل نقل بضائع بقيمة تريليون دولارسنوياً، إلى جانب 30% من حركة الحاويات في العالم.
ومع ذلك، يعمل هذا الممر أيضا بوصفه طريق عبور رئيسي للخدمات اللوجستية العسكرية المشحونة تجارياً، مما يتيح النشر السريع والفعال للقوات والموارد الأمريكية عبر مسارح عمليات متعددة.
ومن خلال تعطيل كل من هذين الدورين، تمثل هجمات الحوثيين تحدياً مباشراً لما وصفته الولايات المتحدة بأنه "مصلحة وطنية أساسية".
تحدي استراتيجي
ينبع بروز هذا التهديد من الاستراتيجية الأوسع نطاقاً التي تنتهجها إيران، والمتمثلة في تمكين وكلائها من حرمان خصومها من حرية المناورة في المنطقة. فقد تضمنت التعزيزات الضخمة التي قامت بها الولايات المتحدة وقوات التحالف في حملتي 1991 و2003 في العراق استخدام الموانئ في جميع أنحاء الخليج العربي.
ورداً على ذلك، طورت إيران استراتيجية متعددة الطبقات (A2AD)، اعتمدت فيها على الميليشيات الوكيلة، وأنظمة الضربات بعيدة المدى، والصواريخ أرض - جو، والقوات غير التقليدية، بهدف تقييد حرية الوصول إلى الخليج.
وفي اليمن، أتاح دعم طهران وتوجيهها للحوثيين إمكانية تهديد حركة المرور في البحر الأحمر والموانئ السعودية الرئيسية مثل جدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، مما يعزز الهدف الإيراني المتمثل في عرقلة الطرق اللوجستية البديلة ويخدم مصالح الحوثيين أيضاً.
وتُعزى تكتيكات الجماعة - التي تشمل الضربات الدقيقة بالمسيرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية - إلى التدريب الإيراني والمعدات وغيرها من أشكال الدعم.
ورداً على هذا التهديد، واصلت السفن العسكرية المتحالفة عبور مضيق باب المندب، غير أن العديد من شركات الشحن التجارية اضطرت إلى سلوك مسار أكثر تكلفة من الناحية المالية والبيئية حول رأس الرجاء الصالح.
وبذلك، فإن قدرات الحوثيين تبطئ وتيرة الدعم اللوجيستي العسكري، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت الجماعة قد نجحت فعليًّا في "تحييد" واشنطن وشركائها في البحر الأحمر بشكل فعال.
ومن أجل الحفاظ على العمليات القتالية المشتركة في زمن الحرب، تعتمد الولايات المتحدة على الشحن التجاري لنقل ما يصل إلى 80% من العتاد الدفاعي.
وإضافة إلى قدرات النقل البحري الخاصة بالجيش، يمكن لوزارة الدفاع الوصول إلى السفن المملوكة للقطاع الخاص أثناء الأزمات من خلال اتفاقية النقل البحري الطوعي متعدد الوسائط، مما يعزز مرونتها ويخفض التكاليف ويضمن الانتشار السريع في مسارح العمليات البعيدة.
ويتطلب هذا الاعتماد الكبير على النقل البحري التجاري خطوط إمداد آمنة لنقل الخدمات اللوجستية العسكرية دون عوائق خلال عمليات الطوارئ. غير أنه نظراً للموارد المحدودة للبحرية الأمريكية والتزاماتها الواسعة النطاق، لا يمكن حماية كل شحنة غير مسلحة بمرافقة عسكرية.
فضلاً عن ذلك، حتى السفن المرافقة تعرضت للهجوم من حين لآخر في البحر الأحمر، وإن كان ذلك دون جدوى. لذا، فإن التهديد البحري المستمر للحوثيين سيكون له تداعيات خطيرة على أي عمليات طوارئ تكون فيها الخدمات اللوجستية ذات أهمية قصوى.
وللإيضاح: إذا سلكت شحنة نفط من بحر العرب إلى روتردام، الطريق البديل حول رأس الرجاء الصالح، فستحتاج إلى ما يقدر بخمسة عشر يوماً إضافياً وما يصل إلى مليون دولار من الوقود الإضافي، وبالتالي، من المرجح أن تواجهه الشحنات اللوجستية في الاتجاه المعاكس تأخيرات مماثلة (انظر الرسم البياني).
وحتى إذا كانت شركات النقل التجاري مستعدة للمخاطرة لتفادي هذا التأخير بعبور البحر الأحمر، فإن التأمين ضد مخاطر الحرب قد يرفع التكاليف بنسبة تقارب 1 % من قيمة تأمين السفينة.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، فإن زيادة وقت العبور حول أفريقيا ستجعل هذا الخيار غير عملي بالنسبة للسيناريوهات التي تتطلب حركة سريعة وآمنة للموارد العسكرية عبر مسارح عمليات واسعة.
أذ تتطلب الطبيعة العالمية للمنافسة بين القوى العظمى من البنتاغون نقل الأصول بين المناطق الأوروبية، والوسطى، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وحتى في الظروف الاعتيادية، سيكون استخدام باب المندب إلزامياً كلما أصبحت هذه التحولات ملحة.
ومن الجدير بالذكر أن النقل البحري هو وسيلة النقل الأكثر فعالية من حيث التكلفة المتاحة للخدمات اللوجستية العسكرية. أما النقل الجوي فهو أكثر تكلفة وأكثر طلباً، لكن البنتاغون سيستمر في استخدامه لإعادة التموضع الاستراتيجي الفوري للقدرات ذات القيمة العالية.
ويستعرض القسم التالي كيف يمكن للجيش الاستفادة بشكل أكبر من النقل البري كخيار ثالث.
خيار النقل البري؟
بالنظر إلى قدراتهم في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ، يمكن للحوثيين استهداف سفن الشحن في مختلف أنحاء البحر الأحمر وجزء كبير من بحر العرب وشمال المحيط الهندي، وذلك على الرغم من أن إصابة السفن المتحركةمن مسافة بعيدة تُعد مهمة صعبة.
وتكون السفن أكثر عرضةً للخطر أثناء تفريغ حمولتها في الموانئ، إلا أنه بمجرد نقل الشحنة إلى الشاحنات أو الطائرات أو غيرها من وسائل النقل داخل الميناء، تنخفض احتمالات اعتراضها.
وبناءً على ذلك، فإن استخدام مجموعة متنوعة من طرق النقل بالإضافة إلى باب المندب يمكن أن يساعد في التخفيف من التهديد الحوثي.
وتقترح شبكة النقل عبر البحر العربي (TAN)، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية إنشاء 300 مركز لوجستي يشمل المطارات، الموانئ البحرية، والمحاور البرية - في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية بهدف تنويع خيارات الشحن.
فعلى سبيل المثال، يمكن لبعض السفن أن تتجاوز المضيق وترسو في جدة، ثم تنقل حمولتها بعد ذلك جواً أو براً.
وكما ذُكر سابقاً، تقع جدة ضمن نطاق استهداف الحوثيين، غير أن إدخال هذا المسار وغيره من المسارات البديلة من شأنه أن يربك حسابات الجماعة ويوفر قدراً أكبر من المرونة في اتخاذ القرارات الأمريكية الرامية إلى تعزيز السلامة والجاهزية بشكل عام.
وقد تم اختبار نظام (TAN) ، إلا أنه لم يتم تفعيله بشكل كامل بعد. وتشير تجارب القيادة المركزية الأمريكية، التي بدأت عام 2015، إلى التوصل لنتائج واعدة، إلا أن التأخيرات الجمركية لا تزال قائمة بسبب عدم توحيد اللوائح، كما أن الاشتراطات المسبقة للتخليص الجمركي تُعيق الكفاءة.
من الناحية النظرية، يمكن أن يتعامل الممر الجمركي مع آلاف الأطنان يومياً إذا تم تفعيله بالكامل وتطبيق الاتفاقيات الجمركية كافة، مما قد يجعله منافساً لحجم التجارة اليومية عبر مضيق هرمز في الخليج العربي.
غير أن هذا الممر ما يزال مقيداً بمشكلات تتعلق بالمقاولين، وحدود الشحنات العسكرية، وضعف التكامل بين وسائل النقل، فضلاً عن أن جهود تحسين العمليات لم تكتمل.
ومن بين الخيارات المطروحة أيضاً الممر البري بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وهو طريق تجاري يمتد من ميناء حيفا الإسرائيلي، مروراً بالأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين، وصولاً إلى الإمارات، ليربط الخليج العربي مع تجاوز البحر الأحمر بالكامل.
وتنشط شركتا نقل - شركة "تراك نت" الإسرائيلية وشركة "بيور ترانس" الإماراتية - بالفعل على طول هذا الطريق، وقد تكونان من أبرز المرشحين للتعاقد مع الجيش الأمريكي.
وقد جرى تجهيز هذا الممر حالياً لاستقبال ما يصل إلى 350 شاحنة يومياً، وهو ما ينافس أو حتى يتجاوز الممر الذي يعمل بكامل طاقته.
أياً كانت الخيارات التي تعتمدها واشنطن، فإن إيجاد بدائل متعددة ومرنة سيكون ضرورياً طالما ظل الشحن البحري تحت التهديد.
ومع المزيد من الاستثمار في الاستكشاف واتخاذ التدابير الأمنية المناسبة، كتعزيز الدفاعات الجوية في موانئ التفريغ، يمكن لكل من ممر النقل البحري والممر الإماراتي الإسرائيلي تلبية هذه المتطلبات، ودعم عمليات النقل العسكري في مسرح الشرق الأوسط، وربما أيضاً تقليص أوقات التسليم إلى وجهات مثل الأردن، والكويت، والسعودية، والإمارات.
المصدر : معهد واشنطن