كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز
تستشرف الكوارث الطبيعية الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.
الكوارث بلا حدود، لكنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية بامتياز لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة.
للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.
يوم تسونامي دخل احتلال أمريكا للعراق يومه الـ 656، وأنفقت 148 مليار دولار لتغطية الاحتلال، فالمبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي تسونامي يعادل يوماً ونصف يوم من إنفاق أمريكا لنكبة العراق!
* * *
المقاربات الأسهل بصدد الكوارث الطبيعية، الزلازل في المغرب والسيول وإعصار دانيال في ليبيا على سبيل الأمثلة الراهنة، هي تلك التي تبدأ من مشاعر التعاضد الإنساني والتضامن الإغاثي، وتنتقل إلى نمط من التسليم القدري بأنّ الطبيعة غاشمة ولا رادّ لتقلباتها العاتية.
وتمرّ بتلك العوامل التي تستفزّ الطبيعة أو تُفسد موازينها وقوانينها جراء سوء استغلال الموارد الطبيعية ومضاعفة الاحتباس الحراري؛ وقد تنتهي، وإنْ على استحياء غالباً، عند مسؤولية الأنظمة الحاكمة في صيانة البنى التحتية واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستباق وقوع الكوارث.
وأمّا النادر، المطلوب والضروري والأقلّ تكاسلاً، فإنه خيار تصنيف الكوارث الطبيعية ضمن نسق أوسع نطاقاً وأعمق توجهاً نحو الجذور.
تعتبر الحرائق والزلازل والسيول والفيضانات، وكلّ وأيّ «غضبة» للطبيعة، بمثابة جزء لا يتجزأ من فشل سيرورات التنمية على اختلاف ميادينها وجغرافياتها ومستوياتها، وبمثابة تكديس (عن سابق إهمال وتقصير، أو فساد واستبداد) لعوامل الأخطار المحدقة.
وأصحاب هذا الخيار، وهم غالباً منظمات أهلية وغير حكومية، مستقلة بهذه الدرجة أو تلك، يقود أشغالهم مبدأ بسيط ولكنه ثمين المنهج وهائل النتائج: أنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود، من جانب أوّل.
ولكنها، من جانب ثانٍ، لا تُلحق الأذى بالبشر والعمران على نحو متساوٍ متماثل، بل طبقاً لما يتكفل به البشر أنفسهم من طرائق تحسّبٍ واستعداد واستباق، طبقاً لهذا النظام السياسي أو ذاك، في هذه البيئة أو تلك، وعند مستوى الجوع أو التخمة.
في الوسع إذن، ولكن خارج مقاربات الكسل والتكاسل، عقد مقارنة بين المشاهد المريعة في مدينة درنة الليبية مؤخراً، وبين مشاهد تسونامي أندونيسيا سنة 2004؛ والاستنتاج بأنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود من حيث باطن الأرض وأعاصير البحار، ولكن حدودها قائمة وفعلية وقاطعة من حيث طرائق التعامل ومقادير الاهتمام وأشكال التضامن.
في الحالة الأولى ثمة الكثير من التصريحات والوعود، محلية وإقليمية ودولية؛ وفي الحالة الثانية كانت المشاهد أكثر انطواء على الخير والسخاء والتضامن من أنّ يصدّقها ناظر بعين واقعية.
وكان مشروعاً أن يتساءل المرء: أكان العالم إزاء تسونامي هو نفسه الذي شهد كوارث رواندا والكونغو ودارفور؟ فلسطين المحتلّة والعراق المحتلّ وأفغانستان المحتلّة؟ معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب ومجازر الفلوجة؟ ثمّ، مؤخراً، زلازل الشمال السوري، والمغرب، وسيول ليبيا؟
وبعد ثمانية أيام على وقوع كارثة تسونامي ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في البيت الأبيض، محاطاً بأبيه وبسلفه بيل كلينتون، وأعلن أنّ واشنطن سوف ترفع قيمة تبرعاتها من 35 إلى 350 مليون دولار.
أحد الأذكياء، الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، أهدى هواة المقارنات الدراماتيكية هذه الإحصائية، الطريفة والسوداء في آن معاً: نهار الكارثة، كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد دخل يومه الـ 656، وكانت واشنطن قد أنفقت حتى ذلك التاريخ 148 مليار دولار في تغطية الاحتلال، وهذا يعني أنّ المبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي جنوب شرق آسيا يعادل يوماً ونصف يوم من مصروفات أمريكا… على منكوبي العراق!
وإذا صحّ أنّ الكوارث بلا حدود، فإنّ الأصحّ في المقابل هو أنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية، وربما بامتياز أيضاً، لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة، وتستشرف الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.
وبمعزل عن تشخيص عاتق المسؤولية، أو التحلل منه أو حتى خيانته، للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل عموماً على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.
وتلك دروس يندر أن تكون الذاكرة الشعبية عاجزة عن حفظها، حتى ساعة حساب.
*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري مقيم في باريس
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: كوارث زلازل سياسات المغرب ليبيا الكوارث الطبيعية تسونامي السيول إعصار دانيال الکوارث الطبیعیة بلا حدود
إقرأ أيضاً:
غريق وحريق.. اللبناني فريسة الكوارث وسقوط القانون
كأنه لا يكفي اللبناني ما يعيشه من أزمات وحروب على ارضه، حتى أتته مصائب جديدة قد لا تكون في الحسبان. يقول المثل اللبناني: "يا رب لا تموتني لا حريق ولا غريق ولا تشنشط على الطريق" . هذا المثل اليوم بات منطبقاً على اللبناني اينما حلّ، فالغريق في الامطار، و"التشنشط على الطريق" نعيشها بعد الحرب الاسرائيلية أما الحريق فهو المصيبة الجديدة التي بدأت تضاف الى يومياته.
فاضافة الى الحرائق التي يفتعلها العدو الاسرائيلي يومياً في حربه المستمرة على لبنان، يتظهر يوماً بعد يوم حجم الاهمال الذي يصيب الدولة في كل مفاصلها. فيوم السبت الماضي شب حريق كبير في مولد للكهرباء في منطقة الحمرا تسبب بالكثير من الاضرار، وقد شاءت العناية الالهية ان تقتصر الاضرار على الماديات، فيما كان الحريق الذي اندلع الشهر الماضي في معمل في سن الفيل، قد ادى الى مقتل اربع سيدات كن يعملن داخله. هذه الاحداث وغيرها تعيد طرح السؤال الابرز اين هو قانون السلامة العامة؟ ولماذا لا يطبق؟
ما هو قانون السلامة العامة؟
في العام 1997، ساهمت الهزّة الأرضية القوية التي ضربت لبنان في تسريع صدور ثلاث مراسيم تحمل الأرقام 11264 و11266 و11267، وتُحدّد تباعاً الشروط والأصول الواجب تطبيقها في الأبنية والمنشآت لحمايتها من أخطار الحريق والزلازل وتجهيزات المصاعد. إنّما لم تُنقل مفاعيل هذه المراسيم إلى حيّز التنفيذ لعدم صدور مراسيمها التطبيقية، فضلاً عن عدّة عوائق أبرزها محدودية القدرات الفنية والتقنية لدى الإدارات والأجهزة العامّة كالبلديات والتنظيم المدني والدفاع المدني والإطفائية، والتي حُمّلت، بموجب هذه المراسيم، مسؤولية تأمين مراقبة تطبيق الشروط المفروضة، فضلاً عن تضارب الصلاحيات بين التنظيم المدني والبلديات أو اتّحادات البلديّات.
إزاء هذا الواقع، تمّ العمل على إصدار مرسوم جديد عام 2005 يحمل الرقم 14293. طوّر هذا المرسوم شروط وأصول تطبيق السلامة العامة في الأبنية والمنشآت، وأسند، هذه المرّة، مهمّة مراقبة تطبيق الشروط المفروضة إلى القطاع الخاص، تحديداً إلى المهندسين ومكاتب تدقيق فنية متخصّصة، أسوةً بالتجربة الفرنسية، بحسب ما يشير موقع "مرصد سياسات الارض".
ويُحدّد المرسوم شروط السلامة العامة وأصولها الواجب تطبيقها في الأبنية والمنشآت لحمايتها من أخطار الحريق والزلازل وتجهيزات المصاعد، ويُحصر تطبيق الشروط المفروضة بمشاريع الأبنية العامة والخاصة الجديدة، أي التي لم تحصل على رخصة بناء لغاية تاريخ صدوره، وبالأبنية القائمة إذا ما أُريد الاستحصال على رخصة لتعديلها، أي لإضافة أي بناء جديد عليها أو تعديل وجهة استعمالها. ويُسند المرسوم مهمّة مراقبة تطبيق الشروط المفروضة إلى القطاع الخاص، تحديداً إلى المهندسين\ات المسؤولين عن وضع تصاميم البناء (المسجّلين لدى نقابة المهندسين)، ومكاتب التدقيق الفنية المتخصّصة. كما يحدّد فئات الأبنية الجديدة الخاضعة للتدقيق الفني الإلزامي ويصنّفها وفقاً لعدّة معايير مرتبطة بارتفاعها، ومساحتها، واستخداماتها، وعناصرها الهندسية، الخ.
ولكن اين هذا القانون اليوم ولماذا لا يطبق؟
سؤال حملناه الى نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش الذي اعتبر عبر "لبنان 24" ان الجمعية ليست مؤسسة تنفيذية وبالتالي لا يمكنها اعطاء الاوامر للمصانع بتطبيق شروط السلامة العامة، بل ان دورها يقتصر على بعض الارشادات بالاتفاق مع وزير الصناعة.
ولفت بكداش الى ان اتفاقاً تم بين جمعية الصناعيين والوزارة نص على رفض الوزارة التجديد لأي رخصة مصنع جديد من دون التأكد من وجود بوالص تأمين تغطي اضرار الحريق والعمال، الا ان بعض المصانع التف على القانون وعمد الى فسخ البوالص بعد تجديد الرخصة، مشيراً الى انه ومع بدء المعارك كان هناك اجتماع في وزارة الصناعة تم فيه بحث موضوع الحرائق والمخاطر وتم الطلب من الوزير وقف كل تراخيص المصانع قبل تدريب العاملين في المصانع مع الدفاع المدني على سبل مكافحة مخاطر الحرب والحريق، الا ان القوانين لم تسمح بتطبيق هذا الامر ضمن اتفاق بين جمعية الصناعيين والدفاع المدني والمصانع كما ان المراسيم التطبيقية لم تنجز لأن التدريب يجب ان يكون ممولاً ومن قبل جمعية الصناعيين، وعليه تمنينا على المصانع التأكد من ان التجهيزات لمكافحة الحريق موجودة. وفي حين التزمت بعض المصانع بهذا الامر، لم يلتزم البعض الآخر ما قد يسبب ازمة في حال اندلاع اي حريق كالذي حصل في سن الفيل.
وأشار بكداش الى ان حريق في سن الفيل كان نتيجة خطأ بشري وعلى الرغم من ان المصنع كان مجهزاً لاطفاء الحرائق الا ان كمية النيران كانت كبيرة، وهذا ما يعيد الطلب على ضرورة تكثيف التدريب للموظفين من قبل عناصر الدفاع المدني للتعامل مع اي حريق قد يندلع في اي لحظة.
الدفاع المدني مستعد دوماً
يؤكد المسؤول في الدفاع المدني نبيل سلحاني في حديث عبر "لبنان 24" انه منعاً لتكرار هذه الاحداث من الضروري العمل على طبيق قانون السلامة العامة، وجعله الزامياً لا اختيارياً في المصانع، مشدداً على ضرورة العمل على وضع تنفيذ الاجراءات العامة الاساسية لا سيما لناحية اجبار المصانع على تأمين المطافئ اليدوية او الاوتوماتيكية وجرس الانذار للحرائق والعمل على تدريب الموظفين على الخطط الاولية للسيطرة على الحرائق.
ورداً على سؤال عن الخطوات الاولية التي من الضروري اتخاذها في حال نشوء اي حريق، شدد سلحاني على ان اخلاء المبنى هو من اول الامور التي يجب القيام بها، خصوصاً اذا كان من الصعب السيطرة على النيران او حصرها، واذا كان من الصعب الاخلاء، الوقوف في اماكن تسهل على فرق الدفاع المدني الانقاذ كالنوافذ او الشرفات، مجدداً التأكيد على ضرورة ان يكون هناك مطافئ دائماً لأنها خط الدفاع الاول في وجه الحرائق، لا سيما في المنازل، والعمل على صيانتها بشكل دوري.
اذاً، تتوالى الكوارث والمصائب على اللبناني من كل حدب وصوب وتبقى الوقاية والالتزام بالقوانين والسلامة العامة افضل الحلول لمنع الوقوع في الاسوأ، فهل من يسمع؟
المصدر: خاص "لبنان 24"