الخليج الجديد:
2025-02-22@10:58:51 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تستشرف الكوارث الطبيعية الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.

الكوارث بلا حدود، لكنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية بامتياز لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة.

للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.

يوم تسونامي دخل احتلال أمريكا للعراق يومه الـ 656، وأنفقت 148 مليار دولار لتغطية الاحتلال، فالمبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي تسونامي يعادل يوماً ونصف يوم من إنفاق أمريكا لنكبة العراق!

* * *

المقاربات الأسهل بصدد الكوارث الطبيعية، الزلازل في المغرب والسيول وإعصار دانيال في ليبيا على سبيل الأمثلة الراهنة، هي تلك التي تبدأ من مشاعر التعاضد الإنساني والتضامن الإغاثي، وتنتقل إلى نمط من التسليم القدري بأنّ الطبيعة غاشمة ولا رادّ لتقلباتها العاتية.

وتمرّ بتلك العوامل التي تستفزّ الطبيعة أو تُفسد موازينها وقوانينها جراء سوء استغلال الموارد الطبيعية ومضاعفة الاحتباس الحراري؛ وقد تنتهي، وإنْ على استحياء غالباً، عند مسؤولية الأنظمة الحاكمة في صيانة البنى التحتية واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستباق وقوع الكوارث.

وأمّا النادر، المطلوب والضروري والأقلّ تكاسلاً، فإنه خيار تصنيف الكوارث الطبيعية ضمن نسق أوسع نطاقاً وأعمق توجهاً نحو الجذور.

تعتبر الحرائق والزلازل والسيول والفيضانات، وكلّ وأيّ «غضبة» للطبيعة، بمثابة جزء لا يتجزأ من فشل سيرورات التنمية على اختلاف ميادينها وجغرافياتها ومستوياتها، وبمثابة تكديس (عن سابق إهمال وتقصير، أو فساد واستبداد) لعوامل الأخطار المحدقة.

وأصحاب هذا الخيار، وهم غالباً منظمات أهلية وغير حكومية، مستقلة بهذه الدرجة أو تلك، يقود أشغالهم مبدأ بسيط ولكنه ثمين المنهج وهائل النتائج: أنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود، من جانب أوّل.

ولكنها، من جانب ثانٍ، لا تُلحق الأذى بالبشر والعمران على نحو متساوٍ متماثل، بل طبقاً لما يتكفل به البشر أنفسهم من طرائق تحسّبٍ واستعداد واستباق، طبقاً لهذا النظام السياسي أو ذاك، في هذه البيئة أو تلك، وعند مستوى الجوع أو التخمة.

في الوسع إذن، ولكن خارج مقاربات الكسل والتكاسل، عقد مقارنة بين المشاهد المريعة في مدينة درنة الليبية مؤخراً، وبين مشاهد تسونامي أندونيسيا سنة 2004؛ والاستنتاج بأنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود من حيث باطن الأرض وأعاصير البحار، ولكن حدودها قائمة وفعلية وقاطعة من حيث طرائق التعامل ومقادير الاهتمام وأشكال التضامن.

في الحالة الأولى ثمة الكثير من التصريحات والوعود، محلية وإقليمية ودولية؛ وفي الحالة الثانية كانت المشاهد أكثر انطواء على الخير والسخاء والتضامن من أنّ يصدّقها ناظر بعين واقعية.

وكان مشروعاً أن يتساءل المرء: أكان العالم إزاء تسونامي هو نفسه الذي شهد كوارث رواندا والكونغو ودارفور؟ فلسطين المحتلّة والعراق المحتلّ وأفغانستان المحتلّة؟ معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب ومجازر الفلوجة؟ ثمّ، مؤخراً، زلازل الشمال السوري، والمغرب، وسيول ليبيا؟

وبعد ثمانية أيام على وقوع كارثة تسونامي ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في البيت الأبيض، محاطاً بأبيه وبسلفه بيل كلينتون، وأعلن أنّ واشنطن سوف ترفع قيمة تبرعاتها من 35 إلى 350 مليون دولار.

أحد الأذكياء، الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، أهدى هواة المقارنات الدراماتيكية هذه الإحصائية، الطريفة والسوداء في آن معاً: نهار الكارثة، كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد دخل يومه الـ 656، وكانت واشنطن قد أنفقت حتى ذلك التاريخ 148 مليار دولار في تغطية الاحتلال، وهذا يعني أنّ المبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي جنوب شرق آسيا يعادل يوماً ونصف يوم من مصروفات أمريكا… على منكوبي العراق!

وإذا صحّ أنّ الكوارث بلا حدود، فإنّ الأصحّ في المقابل هو أنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية، وربما بامتياز أيضاً، لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة، وتستشرف الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.

وبمعزل عن تشخيص عاتق المسؤولية، أو التحلل منه أو حتى خيانته، للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل عموماً على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.

وتلك دروس يندر أن تكون الذاكرة الشعبية عاجزة عن حفظها، حتى ساعة حساب.

*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري مقيم في باريس

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: كوارث زلازل سياسات المغرب ليبيا الكوارث الطبيعية تسونامي السيول إعصار دانيال الکوارث الطبیعیة بلا حدود

إقرأ أيضاً:

بعد انفجار بات يام.. تعليمات للسكان بعدم ترك منازلهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعليمات تعليمات للسكان بعدم ترك منازلهم، بعد وقوع حادث انفجار حافلات في بات يام قرب تل أبيب.

وفي السياق ذاته، أفادت وسائل إعلام عبرية، بأن سلطات الاحتلال أوقفت حركة القطار الخفيف في تل أبيب بعد وقوع الحادث.

ونشرت وسائل إعلام عبرية صورة التقطتها كاميرات المراقبة لشخص يشتبه في تورطه بانفجار في محطة الحافلات في بات يام.

وأفادت قناة "القاهرة الإخبارية" منذ قليل بارتفاع عدد الحافلات التي انفجرت في بات يام قرب تل أبيب، إلى ثلاث حافلات.

وبحسب ما نشرته "القاهرة الإخبارية"، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن جهاز الشاباك يشارك بعمليات التحقيق في انفجار بات يام.

 

مقالات مشابهة

  • كيف تؤثر سياسات المجر على حرب أوكرانيا وعلاقة الاتحاد الأوروبي بالرئيس ترامب؟
  • تشييع نصرالله: يوم أمني بامتياز
  • تسونامي ترامب قادم .. والعالم على أبواب تغييرات مرعبة
  • إذاعة الاحتلال: منفذ عملية بات يام من الضفة الغربية
  • بعد انفجار بات يام.. تعليمات للسكان بعدم ترك منازلهم
  • فريدمان يحذر من سياسات ترامب الاقتصادية.. تؤدي إلى نتائج عكسية
  • أمطار وثلوج وبرد قارس.. طقس شتوي بامتياز يبدأ من هذه الليلة في العراق
  • سوق أهراس: 5 جرحى في حادث اصطدام تسلسلي بين 4 سيارات 
  • كوارث غير متوقعة..لماذا يمنع تخزين الثوم في الثلاجة؟وهذه هي الطريقة الأفضل لحفظه
  • اكتشف قطر من السماء إلى الرمال والبحر: أنشطة شتوية في الطبيعة الخلابة