الخليج الجديد:
2024-12-17@07:01:43 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تستشرف الكوارث الطبيعية الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.

الكوارث بلا حدود، لكنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية بامتياز لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة.

للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.

يوم تسونامي دخل احتلال أمريكا للعراق يومه الـ 656، وأنفقت 148 مليار دولار لتغطية الاحتلال، فالمبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي تسونامي يعادل يوماً ونصف يوم من إنفاق أمريكا لنكبة العراق!

* * *

المقاربات الأسهل بصدد الكوارث الطبيعية، الزلازل في المغرب والسيول وإعصار دانيال في ليبيا على سبيل الأمثلة الراهنة، هي تلك التي تبدأ من مشاعر التعاضد الإنساني والتضامن الإغاثي، وتنتقل إلى نمط من التسليم القدري بأنّ الطبيعة غاشمة ولا رادّ لتقلباتها العاتية.

وتمرّ بتلك العوامل التي تستفزّ الطبيعة أو تُفسد موازينها وقوانينها جراء سوء استغلال الموارد الطبيعية ومضاعفة الاحتباس الحراري؛ وقد تنتهي، وإنْ على استحياء غالباً، عند مسؤولية الأنظمة الحاكمة في صيانة البنى التحتية واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستباق وقوع الكوارث.

وأمّا النادر، المطلوب والضروري والأقلّ تكاسلاً، فإنه خيار تصنيف الكوارث الطبيعية ضمن نسق أوسع نطاقاً وأعمق توجهاً نحو الجذور.

تعتبر الحرائق والزلازل والسيول والفيضانات، وكلّ وأيّ «غضبة» للطبيعة، بمثابة جزء لا يتجزأ من فشل سيرورات التنمية على اختلاف ميادينها وجغرافياتها ومستوياتها، وبمثابة تكديس (عن سابق إهمال وتقصير، أو فساد واستبداد) لعوامل الأخطار المحدقة.

وأصحاب هذا الخيار، وهم غالباً منظمات أهلية وغير حكومية، مستقلة بهذه الدرجة أو تلك، يقود أشغالهم مبدأ بسيط ولكنه ثمين المنهج وهائل النتائج: أنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود، من جانب أوّل.

ولكنها، من جانب ثانٍ، لا تُلحق الأذى بالبشر والعمران على نحو متساوٍ متماثل، بل طبقاً لما يتكفل به البشر أنفسهم من طرائق تحسّبٍ واستعداد واستباق، طبقاً لهذا النظام السياسي أو ذاك، في هذه البيئة أو تلك، وعند مستوى الجوع أو التخمة.

في الوسع إذن، ولكن خارج مقاربات الكسل والتكاسل، عقد مقارنة بين المشاهد المريعة في مدينة درنة الليبية مؤخراً، وبين مشاهد تسونامي أندونيسيا سنة 2004؛ والاستنتاج بأنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود من حيث باطن الأرض وأعاصير البحار، ولكن حدودها قائمة وفعلية وقاطعة من حيث طرائق التعامل ومقادير الاهتمام وأشكال التضامن.

في الحالة الأولى ثمة الكثير من التصريحات والوعود، محلية وإقليمية ودولية؛ وفي الحالة الثانية كانت المشاهد أكثر انطواء على الخير والسخاء والتضامن من أنّ يصدّقها ناظر بعين واقعية.

وكان مشروعاً أن يتساءل المرء: أكان العالم إزاء تسونامي هو نفسه الذي شهد كوارث رواندا والكونغو ودارفور؟ فلسطين المحتلّة والعراق المحتلّ وأفغانستان المحتلّة؟ معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب ومجازر الفلوجة؟ ثمّ، مؤخراً، زلازل الشمال السوري، والمغرب، وسيول ليبيا؟

وبعد ثمانية أيام على وقوع كارثة تسونامي ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في البيت الأبيض، محاطاً بأبيه وبسلفه بيل كلينتون، وأعلن أنّ واشنطن سوف ترفع قيمة تبرعاتها من 35 إلى 350 مليون دولار.

أحد الأذكياء، الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، أهدى هواة المقارنات الدراماتيكية هذه الإحصائية، الطريفة والسوداء في آن معاً: نهار الكارثة، كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد دخل يومه الـ 656، وكانت واشنطن قد أنفقت حتى ذلك التاريخ 148 مليار دولار في تغطية الاحتلال، وهذا يعني أنّ المبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي جنوب شرق آسيا يعادل يوماً ونصف يوم من مصروفات أمريكا… على منكوبي العراق!

وإذا صحّ أنّ الكوارث بلا حدود، فإنّ الأصحّ في المقابل هو أنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية، وربما بامتياز أيضاً، لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة، وتستشرف الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.

وبمعزل عن تشخيص عاتق المسؤولية، أو التحلل منه أو حتى خيانته، للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل عموماً على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.

وتلك دروس يندر أن تكون الذاكرة الشعبية عاجزة عن حفظها، حتى ساعة حساب.

*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري مقيم في باريس

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: كوارث زلازل سياسات المغرب ليبيا الكوارث الطبيعية تسونامي السيول إعصار دانيال الکوارث الطبیعیة بلا حدود

إقرأ أيضاً:

مركز تنسيق الكوارث يصدر تحذيرًا لسكان إسطنبول

أعلن مركز تنسيق الكوارث (AKOM) التابع لبلدية إسطنبول الكبرى عن توقعات بهطول أمطار غزيرة وعواصف متقطعة على المدينة اعتبارًا من صباح يوم غد الاحد.

ووفقًا للبيان الصادر عن المركز، ستبدأ الأمطار في منطقتي تشاتالجا وسيلفري في ساعات الصباح الباكر، لتشمل جميع أنحاء المدينة حتى ساعات المساء. وأشار البيان إلى احتمال تسجيل كميات أمطار محلية تتراوح بين 10 إلى 15 كيلوجرامًا لكل متر مربع.

اقرأ أيضا

الداخلية السورية تفتح باب الانتساب لـ “الشرطة –…

السبت 14 ديسمبر 2024

ودعا مركز AKOM سكان إسطنبول إلى توخي الحذر والاستعداد لمواجهة أي تأثيرات سلبية قد تنتج عن هذه الأحوال الجوية، مشددًا على أهمية اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب المخاطر.

مقالات مشابهة

  • أضرار في فانواتو بعد الزلزال العنيف وإلغاء التحذير من تسونامي
  • زلزال بقوة 7.3 درجات يضرب جزر فانواتو بالمحيط الهادئ وتحذير من تسونامي
  • زلزال بقوة 7.4 درجة يهز فانواتو.. وإلغاء تحذير من تسونامي
  • تونج إيلي التركية.. وجهة عشاق التسلق والرياضات الجبلية في قلب الطبيعة
  • دعوات عربية من الدوحة لاستخدام العلم في مواجهة الكوارث الطبيعية
  • إنشاء منتجع في الأحساء يجمع ما بين الطبيعة والتراث الثقافي
  • جبالي: حل الأزمة السورية لا يمكن أن يكون إلا سياسيا بامتياز
  • جامعة تعز تمنح درجة الدكتوراه بامتياز في الإدارة التربوية للباحث عبداللطيف الفجير
  • مركز تنسيق الكوارث يصدر تحذيرًا لسكان إسطنبول
  • الشيباني: يتعين إنقاذ ليبيا من تسونامي قادم يلوح في الأفق بتنازل الجميع