الرستاق- الرؤية

غيّب الموت حميد بن حمد بن علي الحاتمي، أكبر مُعمِّر عُماني، عن عمر ناهز 115 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء في قرية المارات بجبل شمس؛ إثر تعرضه لوعكة صحية، ألمّت به قبل أيام من رحيله.

وعُرِف عن الوالد حميد الحاتمي صفات الكرم والشهامة والصلابة في المواقف، ومساعدته لأهالي بلدته. وللحاتمي 17 من الأبناء (8 رجال- 9 نساء)، ويتجاوز عدد أحفاده المئة.

وحرص الحاتمي على اتباع العادات والتقاليد العمانية الأصيلة التي تربّى عليها منذ ولادته عام 1908 تقريبًا، خاصةً رحلتي الشتاء والصيف؛ إذ كان يمضي عدة أيام في رحلته من أعلى جبل شمس إلى ضواحي الرستاق خلال فترة الشتاء، لتفادي البرد القارس والبحث عن الكلأ والعشب لأغنامه؛ إذ عمِل الراحل في رعاية الأغنام. وفي فصل الصيف يصعد مرة أخرى إلى أعالي جبل شمس؛ حيث يستقر هناك. واتّبع الحاتمي الطرق القديمة عبر الأودية والتي كان يسلكها أجدادنا خلال مسيرته بين الرستاق وجبل شمس.

واشتهر الحاتمي بعلاقاته الطيبة والواسعة مع الجميع، وقد مارس تجارة الأغنام في أسواق الرستاق، وحتى سنوات قريبة حرص الراحل على القيام بأعماله كما اعتاد طيلة حياته، لكن مع تداعي حالته الصحية، نصحه الأطباء بالراحة التامة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عُمان تحرضُ فضول الكوريين!

عندما وقف طابورٌ طويل من الكوريين في معرض سيؤول الدولي للكتاب من أجل الحصول على توقيع الكاتبة جوخة الحارثي على النسخة المترجمة من «سيدات القمر»، أو من أجل أن تُكتب أسماؤهم باللغة العربية بيد الخطاط العُماني بدر الغافري، أو ليخوضوا تجربة ارتداء الزي العُماني، أو ليطلعوا على المخطوطات المهمة، لاسيما مخطوطة «معدن الأسرار في علم البحار» لناصر بن علي بن ناصر بن مسعود الخضوري (1870 - 1962)، أو مخطوطة الطبيب العُماني راشد بن عميرة الذي شرّح جسد الإنسان قبل ٤٠٠ سنة، فذلك يُرينا بوضوح دور الثقافة كقوة ناعمة، تتركُ أثرا بالغ الرقة -كأثر الفراشة- لكنه أثر عميق الفاعلية والنفوذ.

سأتذكر أيضا قوة الأدب عندما جذبت رواية جوخة الحارثي جمهورا غفيرا لجلسة النقاش، وكيف حرّضت القراءة أسئلتهم الحيوية عن المكان العُماني وعن العرب والإسلام حتى عن فلسطين.

فكلّ هذه الأشياء تُرينا إمكانية التحرر من النظرة الضيقة للثقافة، وترينا أيضا ضرورة تحرير الثقافة من تقديمها بأنماط تقليدية، فهي قادرة على التغلغل في أشكال لا تعد ولا تحصى من حياتنا.

فالحضور العُماني في ذهن الآخر الأبعد منا جغرافيا ما يزال يعتريه شيء من الهشاشة، وهذا ما ينبغي الاشتغال عليه، فكما قال الشاعر الألماني غوته: «ليس هناك عقاب أقسى على المرء من العيش في الجنة بمفرده، فالمؤكد أن الوجود دون الآخرين يبدو ضربا من المستحيل».

فبينما ينخرط العالم في سباقات محمومة على تمثلات سياسية بعضها دموي وجارح، يمكن أن تمنح الثقافة مجتمعاتها حصانة نفسية واعية، ويمكنها أيضا أن تنعش السياحة وتصنع تصورات واقعية عنا، وأن تجلب الاقتصاد والاستثمارات من خارج المراكز الأساسية.

فمن يُراقب عن كثب التجربة الكورية يجدها حديثة نسبيا، وربما ظروفها تشبه ظروفنا، لكنها انتقلت من «التضور جوعا» لتصبح ثاني أعلى اقتصاد بعد اليابان في آسيا. ويعيد البعض قوة كوريا الجنوبية -كما هو حال سنغافورة- لأنها بدأت بإصلاح نظامها التعليمي منذ عام 1942.

وبقدر ما يُشاع انتهاء زمن الورق وبدء ثورات التقنيات الحديثة يعترينا الاطمئنان عندما نزور بلدان الصناعة المتقدمة فنرى الإقبال الشديد والتزاحم على دور النشر من قبل أجيال شابة، الأمر الذي يُهدئ من روعنا الذي تهيجه تلك الدعوات التي تشي بانتهاء كل ما هو إنساني وأصيل.

فالمفاجأة كانت بتعرفنا على عاصمة النشر الكورية «باجو»، مدينة الكتب التي أُسست عام 1989م بواسطة مجموعة من الناشرين والفنانين لتغدو المكان المعني بكل ما يختص بصناعة الكتب، الأمر الذي حرّك عجلة الثقافة والاقتصاد بصورة لافتة.

ولذا تساءلنا عن غياب «المشروع» عن أوطاننا، غياب الاستراتيجيات بعيدة المدى، تلك التي تتطلب قوى السلطة ولغة المال والمؤسسات الكبرى، فلا تكفيها الجهود الفردية للمثقفين!

فالثقافة الآن لا تتصلب في أبراجها العتيدة، إنّها تسيل كنهر «الهان» لتأخذ أشكالا عدّة، قد تبدو على هيئة أدب أو ترجمة أو بحث أو موسيقى أو أغنية أو لوحة أو صورة أو دراما .. إلى آخره.

فمثلا «الموجة» أو «التدفق الكوري» للعالم نهض على استعمال الدراما التلفزيونية التي قدّمت «قصص الحبّ والصداقة والعلاقات العائلية» والتي استغنت قدر الإمكان عن العنف، إضافة إلى انتشار موسيقى البوب الكوري بشكل هائل، فوصلت إلى الغرب والشرق والأوسط. الأمر الذي يجعلنا بحاجة لأن نغرف من مكوناتنا لا أن نستعير ما هو خارجنا، فكل تفصيل صغير منا، من أزيائنا وطعامنا وغنائنا وعمارتنا يمكن أن يغدو جوهر أيقونة بديعة وجاذبة للآخر.

مشكلتنا الأساسية تتجلى في أننا ننظرُ بعين قاصرة إلى الثقافة، باعتبارها قوة غير منتجة، بلا مردود مباشر، وننسى أو نتناسى المردود الذي يأتي على مهل ودون ضجيج، فما ينبغي أن نتذكره جيدا أنّه عندما تعصف بالعالم الأزمات الاقتصادية والسياسية، فإن الثقافة هي من تصلح ما يُفسداه بمد جسورها وإعمال الوعي، لا تجييش القوى الهدامة.

لدينا ثراء التنوع الجغرافي وتجذر التاريخ العميق، والأدب الرصين، والجيل الفتي، ولكن ينقصنا «المشروع» الذي نُغذي عبره فضول العالم وتوقه، فلا يمكن لأحد الآن - كما في السابق- أن يلعن نأي الجغرافيا أو مشقة الطريق!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

مقالات مشابهة

  • حاكم عجمان يعزي أمير الكويت بوفاة سهيرة الأحمد
  • رُستاقنا تحتاج إلى بنية أساسية كُبرى
  • حميد بن راشد يصدر قانوناً بشأن غرفة عجمان
  • حميد بن راشد يصدر قانونا بشأن غرفة عجمان
  • علماء الأحياء الصينيون يكتشفون نباتا يصلح للعيش في ظروف المريخ
  • تتويج "الجزيرة" بطلًا لـ"دوري هواة الرستاق"
  • عُمان تحرضُ فضول الكوريين!
  • النعيمي يعزّي ملك المغرب بوفاة والدته
  • وحدة المجتمع.. ضرورة تنموية
  • راشد بن حميد يشهد احتفال جامعة عجمان بإنجازاتها محلياً ودولياً