عربي21:
2024-10-19@00:54:46 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

المقاربات الأسهل بصدد الكوارث الطبيعية، الزلازل في المغرب والسيول وإعصار دانيال في ليبيا على سبيل الأمثلة الراهنة، هي تلك التي تبدأ من مشاعر التعاضد الإنساني والتضامن الإغاثي، وتنتقل إلى نمط من التسليم القدري بأنّ الطبيعة غاشمة ولا رادّ لتقلباتها العاتية، وتمرّ بتلك العوامل التي تستفزّ الطبيعة أو تُفسد موازينها وقوانينها جراء سوء استغلال الموارد الطبيعية ومضاعفة الاحتباس الحراري؛ وقد تنتهي، وإنْ على استحياء غالباً، عند مسؤولية الأنظمة الحاكمة في صيانة البنى التحتية واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستباق وقوع الكوارث.



وأمّا النادر، المطلوب والضروري والأقلّ تكاسلاً، فإنه خيار تصنيف الكوارث الطبيعية ضمن نسق أوسع نطاقاً وأعمق توجهاً نحو الجذور؛ تعتبر الحرائق والزلازل والسيول والفيضانات، وكلّ وأيّ «غضبة» للطبيعة، بمثابة جزء لا يتجزأ من فشل سيرورات التنمية على اختلاف ميادينها وجغرافياتها ومستوياتها، وبمثابة تكديس (عن سابق إهمال وتقصير، أو فساد واستبداد) لعوامل الأخطار المحدقة.
وأصحاب هذا الخيار، وهم غالباً منظمات أهلية وغير حكومية، مستقلة بهذه الدرجة أو تلك، يقود أشغالهم مبدأ بسيط ولكنه ثمين المنهج وهائل النتائج: أنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود، من جانب أوّل؛ ولكنها، من جانب ثانٍ، لا تُلحق الأذى بالبشر والعمران على نحو متساوٍ متماثل، بل طبقاً لما يتكفل به البشر أنفسهم من طرائق تحسّبٍ واستعداد واستباق، طبقاً لهذا النظام السياسي أو ذاك، في هذه البيئة أو تلك، وعند مستوى الجوع أو التخمة.

في الوسع إذن، ولكن خارج مقاربات الكسل والتكاسل، عقد مقارنة بين المشاهد المريعة في مدينة درنة الليبية مؤخراً، وبين مشاهد تسونامي أندونيسيا سنة 2004؛ والاستنتاج بأنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود من حيث باطن الأرض وأعاصير البحار، ولكن حدودها قائمة وفعلية وقاطعة من حيث طرائق التعامل ومقادير الاهتمام وأشكال التضامن.
وإذا صحّ أنّ الكوارث بلا حدود، فإنّ الأصحّ في المقابل هو أنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية، وربما بامتياز أيضاً، لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة
في الحالة الأولى ثمة الكثير من التصريحات والوعود، محلية وإقليمية ودولية؛ وفي الحالة الثانية كانت المشاهد أكثر انطواء على الخير والسخاء والتضامن من أنّ يصدّقها ناظر بعين واقعية. وكان مشروعاً أن يتساءل المرء: أكان العالم إزاء تسونامي هو نفسه الذي شهد كوارث رواندا والكونغو ودارفور؟ فلسطين المحتلّة والعراق المحتلّ وأفغانستان المحتلّة؟ معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب ومجازر الفلوجة؟ ثمّ، مؤخراً، زلازل الشمال السوري، والمغرب، وسيول ليبيا؟

وبعد ثمانية أيام على وقوع كارثة تسونامي ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في البيت الأبيض، محاطاً بأبيه وبسلفه بيل كلينتون، وأعلن أنّ واشنطن سوف ترفع قيمة تبرعاتها من 35 إلى 350 مليون دولار. أحد الأذكياء، الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، أهدى هواة المقارنات الدراماتيكية هذه الإحصائية، الطريفة والسوداء في آن معاً: نهار الكارثة، كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد دخل يومه الـ 656، وكانت واشنطن قد أنفقت حتى ذلك التاريخ 148 مليار دولار في تغطية الاحتلال، وهذا يعني أنّ المبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي جنوب شرق آسيا يعادل يوماً ونصف يوم من مصروفات أمريكا… على منكوبي العراق!

وإذا صحّ أنّ الكوارث بلا حدود، فإنّ الأصحّ في المقابل هو أنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية، وربما بامتياز أيضاً، لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة، وتستشرف الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء. وبمعزل عن تشخيص عاتق المسؤولية، أو التحلل منه أو حتى خيانته، للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل عموماً على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.
وتلك دروس يندر أن تكون الذاكرة الشعبية عاجزة عن حفظها، حتى ساعة حساب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الكوارث المغرب ليبيا ليبيا المغرب الكوارث مقالات مقالات سياسة سياسة أفكار سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکوارث الطبیعیة بلا حدود

إقرأ أيضاً:

الأغذية العالمي: 5 دول في أفريقيا الجنوبية تعلن حالة الكوارث الوطنية بسبب الجفاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلن برنامج الأغذية العالمي أن شهور الجفاف في دول منطقة أفريقيا الجنوبية والناجمة عن ظاهرة النينيو المناخية، كان لها تأثير مدمر على أكثر من 27 مليون شخص وتسببت في أسوأ أزمة جوع في المنطقة منذ عقود.
و"النينيو".. ظاهرة مناخية تحدث في المحيط الهادئ، من خلال ارتفاع درجة حرارة سطح المياه في منطقة المحيط الاستوائي الغربي، وتأثيراتها تمتد إلى أنحاء واسعة من العالم، ويحدث ذلك عندما يتغير اتجاه الرياح السائدة وينتقل الهواء الدافئ من الغرب إلى الشرق عبر المحيط الهادئ.
وحذر برنامج الأغذية العالمي، حسبما ذكر موقع "أفريقيا نيوز" الاخباري الأفريقي اليوم الأربعاء، من خطر وقوع "كارثة إنسانية واسعة النطاق" في هذه المنطقة، مشيرا إلى أن خمس دول افريقية وهي ليسوتو وملاوي وناميبيا وزامبيا وزيمبابوي أعلنوا حالة الكوارث الوطنية بسبب الجفاف والجوع الناتج عنه. 
ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن نحو 21 مليون طفل في الجنوب الأفريقي يعانون حاليا من سوء التغذية بسبب قلة المحاصيل.
ويعتمد عشرات الملايين من الأشخاص في المنطقة على الزراعة المروية بمياه الأمطار على نطاق صغير لإطعام أنفسهم وكسب بعض المال لشراء الإمدادات. 
وحذرت وكالات الإغاثة من كارثة محتملة في أواخر العام الماضي، حيث تسببت ظاهرة النينيو الطبيعية في هطول أمطار أقل من المتوسط ​​في جميع أنحاء المنطقة، وتفاقم تأثيرها بسبب ارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغير المناخ.
من جانبه، قال تومسون فيري المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي إن "هذه أسوأ أزمة غذائية منذ عقود، فالمحاصيل قلت وهلكت الماشية وكان الأطفال محظوظين بالحصول على وجبة واحدة في اليوم". 
وأوضح أن الدول الخمس التي أعلنت كوارث مرتبطة بالجفاف طلبت مساعدة دولية في حين تأثرت أنجولا الواقعة على الساحل الغربي لأفريقيا وموزمبيق على الساحل الشرقي أيضا بشدة، مما يوضح مدى شدة الجفاف الذي اجتاح المنطقة.
وقال إن برنامج الأغذية العالمي يحتاج إلى نحو 369 مليون دولار لتقديم مساعدات فورية، لكنه لم يتلق سوى خمس هذا المبلغ بسبب نقص التبرعات.. وقد وبدأ برنامج الأغذية العالمي تقديم المساعدات الغذائية وغيرها من المساعدات الأساسية بناء على طلب عدة حكومات في المنطقة.
وفي منطقة جنوب أفريقيا، يمثل شهر أكتوبر الجاري بداية موسم العجاف، ومن المتوقع أن يكون كل شهر أسوأ من الشهر السابق حتى حصاد العام المقبل في شهري مارس وأبريل.
يذكر أنه في هذه المنطقة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد في العديد من المناطق المتضررة من الجفاف، مما زاد من الصعوبات.. كما كان للجفاف آثار سلبية أخرى، حيث فقدت زامبيا الكثير من احتياجاتها من الكهرباء وانقطعت الكهرباء لساعات أو حتى أيام بسبب اعتمادها الكبير على الطاقة الكهرومائية التي ينتجها سد /كاريبا/ الضخم، إذ أن منسوب المياه في السد منخفض للغاية لدرجة أنه بالكاد يستطيع إنتاج الكهرباء. 
وتشهد زيمبابوي، التي تشترك في نفس السد، انقطاعا منتظما للتيار الكهربائي.. فيما لجأت السلطات في ناميبيا وزيمبابوي إلى قتل الحيوانات البرية، بما في ذلك الأفيال، لتوفير اللحوم للسكان الذين يعانون من الجوع.
ويرى أن العلماء أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا هي واحدة من أكثر مناطق العالم عرضة لتغير المناخ بسبب اعتمادها الكبير على الزراعة المطيرة والموارد الطبيعية.. وتعتمد سبل عيش الملايين من الأفارقة على المناخ، في حين أن الدول الفقيرة غير قادرة على تمويل تدابير القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
 

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: مصر نجحت بامتياز في تحقيق الاتزان الاستراتيجي
  • وزير الخارجية: مصر نجحت بامتياز في تحقيق مبدأ الاتزان الاستراتيجي عالميا
  • وزير الخارجية: مصر نجحت بامتياز في تحقيق مبدأ الاتزان الاستراتيجي
  • بعد زلزال تركيا.. هل ضحايا الكوارث الطبيعية شهداء؟
  • المجلس العالمي: 67 مليار دولار أرباح سياحة الطبيعة في 2034
  • فوائد الصبار للبشرة: العناية الطبيعية من قلب الطبيعة
  • شاحنة وقود تنفجر في نيجيريا.. فيديو يوثق لحظة الكارثة ومقتل 100 شخص
  • الأغذية العالمي: 5 دول في أفريقيا الجنوبية تعلن حالة الكوارث الوطنية بسبب الجفاف
  • ‏هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية: زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب منطقة ملاطية شرق تركيا
  • ألوان الخريف في نيو إنغلاند.. رحلة ساحرة لعشاق الطبيعة من كل أنحاء العالم