صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-23@04:04:54 GMT

الوطن محمولاً على «كارو»

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

الوطن محمولاً على «كارو»

فيصل محمد صالح

تاريخ الحروب والنزاعات في العالم مملوء بالقصص التراجيدية والمأسوية التي قد تتجسد في لقطة أو صورة واحدة تغني عن كثير من الكلام والحبر المراق، وتلخص النتائج المدمرة للحروب والنزاعات.

الحرب العالمية الثانية راح ضحيتها ملايين المدنيين في دول أوروبا المختلفة التي كانت مسرح الأحداث الأساسية للحرب، ثم انتقلت إلى أفريقيا وآسيا، لكن منظر ضحايا القنبلة النووية التي ألقتها الطائرات الأميركية في بلدتي نغازاكي وهيروشيما اليابانيتين جسد قمة البشاعة حيث لم يعد الأمر يحتاج مزيداً من الأدلة والشواهد على فظاعة الحرب.

عند ظهور أولى علامات التغير المناخي السالب في الثمانينات عبر موجة الجفاف والتصحر التي ضربت مناطق مختلفة من أفريقيا، نشطت منظمات الإغاثة الإنسانية في جمع التبرعات والمساعدات من مختلف دول العالم، ومن بين آلاف الصور التي تجسد المأساة، اختارت إحدى المنظمات الدولية صورة لطفلة أثيوبية هزيلة سألها موظف الإغاثة: «ماذا تريدين أن تكوني عندما تكبرين؟»، أجابت الطفلة: «أن أكون على قيد الحياة …..a live». أخذت المنظمات صورة الطفلة ومختصر الحوار الذي دار وصنعت منه ملصق بوستر طاف حول العالم، هز مشاعر الملايين واجتذب ملايين الدولارات من التبرعات.

خلال حرب فيتنام نشطت حركة مقاومة شرسة داخل أميركا رافضة المشاركة في الحرب، وتعرض المعارضون لهجمات مضادة من اليمين الأميركي الأبيض يتهمهم بأنهم شيوعيون وخونة وعملاء لا يريدون لقيم الديمقراطية الأميركية أن تنتشر في العالم. التقط مصور أميركي محترف لقطة لطفلة فيتنامية تجري عارية تماماً خارج إحدى القرى التي تعرضت لهجمات أميركية بقنابل النابالم المحرمة دولياً، وبها بعض الحروق، وتبدو على وجهها ملامح الذعر والخوف التي لم تحتملها مشاعر الملايين داخل أميركا وخارجها. يقول بعض خبراء الإعلام إن هذه الصورة، بالتأكيد إلى جانب عوامل أخرى، لعبت دوراً كبيراً في تغيير اتجاهات الرأي العالم العالمي والأميركي ووقوف الأغلبية ضد الحرب في فيتنام، وأدت لسحب القوات الأميركية من هناك.

حرب السودان الحالية خلقت أوضاعاً مأسوية في كل مكان، العاصمة الخرطوم مركز الحدث الأساسي، ولايات دارفور وكردفان التي انتقل إليها القتال، ثم بقية مدن السودان التي امتلأت بالنازحين من الخرطوم، وبعضهم ليس لديه مكان يأويه. عشرات الصور ظهرت خلال الأشهر الخمسة الماضية تجسد مأساة الحرب، غير أن صورة واحدة هزت مشاعر الناس ولخصت ما تفعله الحرب بهم. كانت تلك صورة الشاعر والكاتب المسرحي السوداني المعروف هاشم صديق محمولاً على عربة كارو يجرها حصان من مسكنه بحي بانت في أمدرمان، الذي صار مسرحاً للمعارك، إلى منطقة الثورات بشمال أمدرمان.

قال مرافقوه إنهم قرروا منذ أيام نقله للمنطقة الآمنة نسبة لحالته الصحية التي تحتاج لأنواع من الأدوية يصعب الحصول عليها في الحي الذي يسكنه، لكن لأيام وبسبب احتدام المعارك في المنطقة لم يجدوا سيارة حتى «توكتوك» يقبل مخاطرة أن يمر بهذه المنطقة، وأرجو ألا يسأل أحد عن سيارات الإسعاف، فلجأوا لعربة كارو وضعوا عليها مرتبة ووضعوه عليها وسارت تشق بهم شوارع أمدرمان حتى وصل لمقصده.

هاشم صديق شاعر وكاتب ومسرحي سوداني معروف، صاغ كلمات الأغنية الوطنية المعروفة في السودان باسم «الملحمة» وهي تحتفي بثورة أكتوبر (تشرين الأول) الشعبية التي أطاحت بالحكم العسكري الأول في أكتوبر 1964. كتب هاشم صديق هذه القصيدة وهو طالب بالمرحلة الثانوية، ولحنها الموسيقار والفنان السوداني محمد الأمين، وأشرك في غنائها عدداً من الأصوات الشابة، حينئذ. وطوال أكثر من 50 عاماً، لا تزال هي الأغنية الوطنية الأولى التي توازي النشيد الوطني. كما كتب عدداً من الأغنيات المعروفة، التي غناها له كبار المطربين السودانيين، منهم محمد الأمين وسيد خليفة وأبوعركي البخيت وصلاح ابن البادية ونانسي عجاج، وهو من رواد مدرسة الواقعية الاشتراكي، في ذلك الوقت، وتمزج أغنياته بين الحبيبة والوطن.

في مجال المسرح والمسلسلات الإذاعية، كتب هاشم صديق مسرحية شعرية تعدّ من فرائد المسرح السوداني، وهي مسرحية «نبتة حبيبتي»، بجانب عدد من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية خلال فترة السبعينات والثمانينات، ويحفظ الشباب والطلاب كثيراً من قصائده الشعرية الثورية التي تلهمهم روح المقاومة ضد الأنظمة العسكرية والشمولية، ويرددونها في الاحتفالات والمظاهرات.

عاش السودانيون مآسي هذه الحرب، وربما لكل فرد تجربة شخصية مؤلمة، لكن منظر الشاعر العظيم هاشم صديق محمولاً على عربة كارو جسّد بشاعة الحرب، وسبّب آلاماً مضاعفة، وجرح مشاعر الآلاف الذين كتبوا يعتذرون للقيم والقمم الوطنية العظيمة التي تعبث بها الحرب، ويتحسرون على انحسار الإرث الإنساني العظيم في المجتمع السوداني، ما تلخصه صورة الوطن محمولاً على سيارة كارو.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

الوسومفيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: هاشم صدیق

إقرأ أيضاً:

انطلاق المهرجان الدولي للتصوير «اكسبوجر» 2025 فى الشارقة

أكد طارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، اليوم الخميس، الدور المحوري للصورة في توثيق الحقيقة وإيصال المشاعر الإنسانية، وارتباط البشر بها كفن بصري مدهش منذ زمن بعيد.

جاء ذلك خلال حفل انطلاق النسخة التاسعة من المهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر"، في منطقة الجادة بالشارقة، والذي يستمر حتى 26 فبراير الجاري، بمشاركة 420 مصوراً وصانع أفلام وخبير في صناعة التصوير من 48 دولة، تحت شعار "لا شيء أكبر من الصورة"، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس الشارقة للإعلام.

وقال مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، في كلمته "عندما التقط الإنسان أول صورة فوتوغرافية عام 1826، لم يكن التصوير مجرد نقرة زر كما هو عليه اليوم، بل كانت العملية معقدة، تتطلب ساعات طويلة من التجهيزات والصبر. في تلك الفترة، كان التقاط أول 50 صورة في العالم يعتبر إنجازاً علمياً وفنياً مذهلاً، يعكس ما هو خفي في العالم الآخر. أما في العام الماضي وحده، فقد تم التقاط قرابة تريليوني صورة حول العالم. هذه الأرقام، إن دلت على شيء، فإنها تدل على نزعة الإنسان الفطرية نحو التوثيق، والتعبير، وحفظ الذكريات".

وأشار «علاي» إلى خصوصية الكاميرا والصورة في توثيق اللحظة الإنسانية النادرة ودور المصورين في ذلك، مشيراً إلى تجربةٍ تُقارن بين الذكاء الاصطناعي والإنسان في التقاط صورة محددة.

وأضاف" طلبنا من الذكاء الاصطناعي أن يولّد لنا صورةً للموناليزا الأفغانية، وأخرى للطفل إيلان، الذي راح ضحية الحرب في سوريا، وفي كل مرة كنَّا نحصل على محاكاة غير مقنعة للعواطف والمشاعر إذا ما قارناها بالصورة الحقيقية. من هنا، فإن عدسات الذين يسافرون إلى أكثر الأماكن صعوبة هي التي تمنح الصورة قوتها الحقيقية، فهم ينتظرون اللحظة، يتعمقون في حياة الآخرين لينقلوا لنا مشاهد تهز مشاعرنا، تحركنا وتلهمنا. ونحن في هذا السياق، لا نقول إن الذكاء الاصطناعي غير مفيد أو أنه ليس له مكان في مستقبلنا، بل على العكس تماماً، فهو أداة قوية تساعد في البحث، والتحليل، والابتكار، لكنه لن يتمكن أبداً من استبدال العين، والروح، والمشاعر الإنسانية".

كما لفت مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، في ختام كلمته، إلى أهداف وتأثير اكسبوجر في تشجيع الفنانين العالميين، والاحتفاء بالتجارب العميقة في فن التصوير عبر تكريم المتميزين منهم.

وتابع" انطلاقاً من أهدافنا منذ إطلاق اكسبوجر، نحن هنا اليوم لنكرِّم الفنانين الذين تتجاوز عدساتهم حدود التقنية، لنحتفي بأولئك الذين يعيدون للإنسانية مفهومها، ليس بالكاميرا فقط، وإنما بقلوبهم وصبرهم وأرواحهم. وأي مكان أحقّ باستضافة هذا الاحتفاء من الشارقة، الإمارة التي لطالما كانت منارة للثقافة، والأدب، والفنون".

وتضمن الحفل عرضاً مرئياً سلّط الضوء على قوة الصورة في توثيق الواقع والتأثير على الوعي الإنساني وذلك عبرٍ سردٍ قارن في الرؤية بين الصورة والحياة.

ومن جانبه، قال جلين جاينور، مدير الإنتاج في قسم أفلام أمازون الأصلية، إن وراء الكلمات تكمن لغة عالمية لا تعرف حدوداً، وهي الصورة، التي تمتلك قوة فريدة على الشحن والإلهام من خلال السرد البصري، وأشار إلى أن اكسبوجر أصبح منصةً متميزة تحملُ رؤية الشارقة إلى العالم، حيث تلتقي الأفكار والثقافات وتتجسد القيم المشتركة، لا سيما في القضايا البيئية مثل التغير المناخي والطبيعة، التي تعكس المستقبل المشترك للبشر.

وأضاف جاينور أن القيم الفنية التي يشعر بها في اكسبوجر تعكس التميز والإبداع، وهو ما يتوافق مع تجربته الطويلة في صناعة الأفلام، حيث شهد التحولات التي طرأت على الصناعة، بدءاً من الاعتماد على المواد التقليدية وصولاً إلى التقنيات الحديثة التي أعادت تعريف دور الصورة المتحركة والفوتوغرافية على حد سواء.

وأشار مدير الإنتاج في قسم أفلام أمازون الأصلية إلى أن عالم الصورة تغيّر مع التطورات الرقمية والمنصات الجديدة على شبكة الإنترنت مثل يوتيوب، التي فتحت المجال أمام أصوات جديدة من مختلف أنحاء العالم.

اقرأ أيضاً«معلومات الوزراء» يفوز بجائزة الشارقة لأفضل محتوى اتصالي وإعلامي

وزير المالية يعلق على فوز مصلحة الضرائب بجائزة الشارقة

حاكم الشارقة يستقبل رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة (صور وفيديو)

مقالات مشابهة

  • مشاعر الفخر والاعتزاز تتجسد في احتفاء السعوديين بيوم التأسيس
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم
  • أول صورة لنعش زعيم حزب الله حسن نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين
  • اول صورة لنعشي الشهيد حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين
  • الأعيسر: ببالغ الحزن والأسى، أتقدم بأحر التعازي للشعب السوداني ولأسرة فقيد الوطن الشاعر محمد علي عبد المجيد
  • من صديق إلى عدو| ترامب ينقلب على زيلينسكي ويشعل الجدل.. هل تنتهي الحرب؟
  • الحرب وجمود الخطاب
  • انطلاق المهرجان الدولي للتصوير «اكسبوجر» 2025 فى الشارقة
  • متى تعلو الأصوات الداعية للسلام فوق أصوات المعارك؟
  • ما هي الصورة التي أخفتها المقاومة على منصة التسليم ؟