نجاة مكي.. وأطياف الذاكرة الإنسانية
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
نوف الموسى (دبي)
كان السؤال الوحيد الذي يدور في ذهني، عندما تأملت «الزري»، وهي خيوط تستخدم قديماً لتجميل ملابس النساء في الإمارات، منسوجة بتقنيات مختلفة في أعمال الفنانة د. نجاة مكي، ضمن افتتاح معرضها «أطياف المسك» في عائشة العبار آرت غاليري، مساء الأربعاء، هو إلى أيّ مدى يُمكن لذاكرة أن تحفظ تجاربنا الإنسانية، وتمدنا بحالة من الاتصال بأنفسنا، فبالرغم من كم المتغيرات التقنية والتكنولوجية، والتحولات المجتمعية، في ماهية تفاصيل الحياة اليومية، فتكاد تكون رؤية عابرة للوحة الأقمشة التقليدية وامتدادها في مسطحات من ألوان الطبيعية في أعمال الفنانة د.
بينما يحدث ذلك كله، وسط حركة الجمهور حول الأعمال الفنية، تُلاحظ الخفة التي تستقبل بها د. نجاة مكي كعادتها الزوار إبان تقديم الشروح الفنية والحوارات الجانبية، سألتها مباشرة هذه المرة: هل نحن كائنات تستمد قوتها من أطياف الذاكرة، نعيش على الظلال الكامنة في روح تجربتنا الحيّة، والإنسان من غير تلك الأطياف قد «ينهار»، فالأخير هنا ليس تعبيراً قاسياً، بقدر ما أود إعطاء مدى أعمق لما تحدثه الذاكرة في حياة البشر، هنا جاءت إجابة الفنانة د. نجاة مكي بسرعة لافته: «بالطبع؛ في الذاكرة الإنسانية هناك تختمر البصمة الشعورية، التي تبنى عليها تجاربنا الحسية، من خلالها نستمد قوتنا، هي ليست فقط حميمية، بل أقرب إلى لحظة قدرية تتوسع في دواخلنا، قد يبنى عليها حاضر ومستقبل حياتنا. في أعمالي الفنية يبدو واضحاً أني أدعوك لفهم هذا الارتباط العميق بينك وبين ذاكرتك، إنها محاولة لإحداث اتزان بين إحساسك الرهيف، وبين النضج الذي أهدته إياك التجربة، إنها بمثابة بوصلة فنية مليئة بألوان الزمان والمكان الحاضرين في كل تجاربنا الإنسانية، تخبرك بأن هناك أشياء لن تنساها، ولن تنساك». أخبار ذات صلة د. نزار قبيلات يكتب: لماذا الاهتمام بالأدب الشعبي؟ «تريندز» يشارك في المهرجان الأكاديمي والثقافي الكوري - الإماراتي
تجسيد إبداعي
هكذا تستمتع الفنانة د. نجاة مكي، في جعلنا محلقين بخيالنا الواسع، حول كيفية تحويل كل ذلك الأثر في ذاكرتنا إلى تجسيد إبداعي، مثلما هي تفعل تماماً عندما تجعل النساء بقاماتهن الطويلة في أعمالها، كأنهن ولادات من حوارات بصرية لا متناهية تعكسها الأشكال الهندسية في طبيعية التطريز البارز في ملابسهن التقليدية، حول ذلك تسرد مكي شرحها المستفيض عن المجموعات الفنية المشاركة في معرض «أطياف المسك»، ومنها مجموعة «الفصول الأربعة»، مبينةً كيف أن المرأة حاضرة في هذه المجموعة برؤية مختلفة، حيث استخدمت أسماء النساء قديماً مثل اسم «ديمة» والتي تعني السحابة المليئة بالمطر، كدلالة جمالية حول علاقة الموروث بالطبيعية، والرابط الوجودي بين قوة النساء المستمد من البيئة الطبيعية، وأضافت مكي أنه علينا أن نتأمل الزخارف في ملابس النساء ومتغيراتها عبر الفصول المختلفة، ونتجاوز بعدها المادي المباشر، إلى سردياتها العميقة، مثلما هو أثر الضوء والصوت الذي يمكن الشعور به في لوحاتها، قائلةً: «بإحساس مرهف جداً، يستطيع مسطح أرزق واسع، أو شكل بصري في قطعة قماشية، أو حتى إشارات لإضاءات لونية ساطعة، أن تعيدك إلى موقف أو حدث أو شخص أحدثوا في حياتك نقلة مهمة، أو تعلمت منهم درساً قاسياً لا ينسى، وربما كذلك قد تتذكر شاعرية خاصة، مثلما هو الحال معي كلما شممت رائحة المسك، فهي تعيدني إلى والدي العطار، عندما كنت صغيرة في دكانه، إنها أطياف ناعمة وخشنة في ذاكرتك بمقدورها دائماً أن تشعرك بالحياة وأن تنجو بها».
الجذب الجمالي
لماذا هناك حوارات نتذكرها بحذافيرها وتفاصيلها الزمانية والمكانية؟! أعادت الفنانة د. نجاة مكي الأمر إلى البصمة الشعورية، لافتة أنها في إحدى لوحاتها الفنية التي قدمتها في معرض «أطياف المسك»، قدمت مؤشرات واضحة لمعنى تلك البصمة، وبالنسبة للمبدع في مختلف القطاعات الفنية، فإن مسألة البصمة الشعورية هي إحدى المرتكزات الجوهرية التي يبدي من خلالها ملاحظاته للعالم، إلى جانب المخيلة الواسعة، وإضفاء الجذب الجمالي من خلال اللون والخط، فإن البصمة الشعورية الأقدر على تعميق العلاقات بين الثالوث الإبداعي (العمل، الفنان، المتلقي)، وهي بطبيعة الحال تعكس الصورة الأكبر في العلاقات الكونية والوجودية ككل، وما الفنون إلا تعبيرات وأشكال جمالية تعبر عن الفضاء الشعوري المُحرك لتجربة الإنسانية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الثقافة الإمارات الفنانة د
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: ماذا قدمت مصر لفلسطين؟
سبق و تحدثت في ذلك الأمر مرارا و تكرارا، لتذكير الفئات الضالة التي تزايد على الدور المصري و تتغافل عن عمد ما دفعته الدولة المصرية منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا من أجل إصلاح الشأن الفلسطيني و العربي.
في عهد الملك المصري فرعون مصر تحتمس الثالث خاض معركة مجدو من أجل حماية أرض كنعان التي تضم فلسطين، سوريا، أرض الشام، من هجمات الطامعين، و خضعت أرض كنعان للسيادة المصرية بحثا عن الأمان و الاستقرار الذي تنعموا به من وجودهم تحت الولاية المصرية في ظل حكم الفراعنة.
شعر الكنعانيون بتحسن كبيرا في أحوالهم ورواج و تشجيع تجاراتهم و صناعاتهم من قبل ملوك مصر خلال العصر الفرعوني، و ظلوا يحتمون و يشعرون بالأمان في كنف المصريين خوفا من هجمات المحتلين و الغزاة، كانت مصر بالنسبة لهم الحصن الحصين و القلعة الحصينة و أسطول الحماية التي لا تضاهيها قوة أخرى على وجه الأرض.
وظلت أرض كنعان تنعم بالحماية المصرية حتى العصر الحالي مع تغير المسميات، و مازالت مصر تفدم الكثير و الكثير لصالح القضية الفلسطينية، و خاضت من أجل فلسطين عدة حروب، التي كان من أهمها حرب 1948. لطرد العصابات الصهيونية و منعها من الاستيطان على أرض فلسطين، خاضت مصر تلك الحرب مع ضعف الإمكانات العسكرية نتيجة للاحتلال الذي كان مسيطرا عليها حينذاك، و بالرغم من ذلك استمرت الحرب نحو عام حيث بدأت في 12 مايو عام 1948 حتى 29 مارس عام 1949، فقدت خلالها مايقرب من 6 الأف شهيدا، في الوقت الذي قامت دولة عربية تشترك مع فلسطين في الحدود بالاتحاد مع بريطانيا للسيطرة على الضفة الغربية لمنع اقامة دولة فلسطينية و إتاحة الفرصة للعصابات الصهيونية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، و بناء المستوطنات، لضياع حقوق الشعب الفلسطيني.
لم تكتف مصر بما قدمت بل سعت خلال عقود بتقديم سلسلة من المساعدات و المبادرات و المفاوضات من أجل فلسطين و السعي نحو تحريرها
و مازالت الداعم الأول لـ القضية الفلسطينية، و تسعى بكل السبل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني رغم محاولات المزايدة التي تقوم بها الفئات الضالة على دور مصر.
تحركت الدولة المصرية على كافة الجبهات من أجل دعم الشعب الفلسطيني على كافة الأصعدة الإنسانية و السياسية، و قدمت جهود كبيرة لاقت إعجاب روبير مارديني رئيس العمليات لمنطقة الشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي أشاد بالتعاون الوثيق بين اللجنة والدولة المصرية، لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في أزمته الراهنة، خلاف الزيارات الدبلوماسية و استقبال المصابين بالمستشفيات المصرية، و تقديم قوافل إغاثية من أدوية و مواد غذائية، و استقبال الفارين من جحيم العدوان الصهيوني و إيوائهم.
فضلا عن دور الدولة المصرية في وقف إطلاق النار و إنقاذ الأرواح الفلسطينية، ونجاحها في تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية، وتبادل الأسرى بين الجانبين، وإعادة إعمار غزة.
كما نجحت الدولة المصرية في رأب الصدع و توقيع اتفاقية المصالحة بين فتح وحماس. و تشكيل حكومة الوفاق 2017، و التوصل لوقف فوري لإطلاق النار بين العصابات الصهيونية و الجانب الفلسطيني، و قدمت مصر خلال عام 2021 مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لمصلحة عملية إعادة إعمار غزة خلاف المساعدات الإنسانية، و تدخلت أيضا لوقف إطلاق النار خلال أغسطس عام 2022، 2023. 2024 عدة مرات إلا أن خروقات الاتفاقات من الجانبين وراء استمرار النزيف الفلسطيني.
لا توجد دولة عربية قدمت للقضية الفلسطينية ما قدمته مصر عبر عصورها، يكفي أن المواطن الفلسطيني يعامل كمواطن صاحب البلد و ليس لأجيء كما يعامل في دول أخرى لا تسمح لهم بالعبور داخل البلاد بل يقومون بنصب خياما لهم على الحدود تحت زعم حفظ الأمن القومي للبلاد.
حفظ الله مصر و كفاها شر كيد الكائدين و مكر الخبيثين.