للشعوب عامةً لونان من الأدب: المكتوب والشفاهي، وهو أدبٌ جرى تناقله جيلاً إثر جيل، ما أدى إلى حفظِه رغم عوامل الحداثة والعولمة، التي هددته وتهدده على الدوام، فما انفك الأدب الشعبي يشكل جزءاً مهماً من هوية المجتمع، فقد عُدّ مؤخراً من الآثار الثمينة التي يتركها الإنسان خلفه وإن لم تكن آثاراً ماديةً، فالأدب الفلكلوري أو الشعبي أكثر التصاقاً بالمجتمع من الآداب العالمية التي لا تحمل بصمة مجتمعية خاصة.

فنحن على سبيل الذكر لا نعد روايات ديستويفسكي من الأدب الفلكلوري الخاص بالأمة الروسية بقدر ما نعدها أدباً عالمياً خالداً، فقد عبّرت أعمال ديستويفسكي الأدبية بإخلاصٍ عن نماذج إنسانية تقطن أرجاء المعمورة ولا ينحصر وجودها في المجتمع الروسي وحسب.
والاهتمام بالأدب الشعبي رعته الأمم الغربية منذ آماد طويلة، منها المجتمع الأميركي الذي حرص كما يذكر «روبرت سبلر» في كتابه النقد الجديد على حفظ الموروث، الذي رافق تأسيس المجتمع الأميركي الجديد بأغانيه وقصصه وأساطيره وأناشيده وفكاهاته وأمثاله وأحاجيه وخرافاته، فحتى المدن التي قطنها المهاجرون الأوروبيون في الساحل الشرقي للقارة الأميركية تحمل أسماء مدنهم التي هاجروا منها في إنكلترا وإيرلندا وفرنسا وسواها، فترى مدناً أميركية تحمل أسماء مدن بريطانية عريقة: كلندن ودبلن ومانشستر ونيويورك على غرار «يورك» البلدة البريطانية المعروفة، وبالمقابل اهتمت الجامعات الأميركية مبكراً لا سيما أساتذة الأدب فيها بمسألة حفظ التراث غير المادي الذي كان مصدره ما تعلّمه الأبناء من الآباء والأجداد وأصدقائهم، فالأمم تحافظ على إرثها كما تحافظ على حاضرها، فقد بات الاهتمام بأصل اللّغات المحكية التي حملت هذا الإرث غير المادي والتي ستحميه من الاضمحلال ظاهراً في الدّرس اللغوي الحديث، وذلك وفق آخر نتائج المدارس الألسنية الجديدة، فإحياء التراث الثقافي يعني مداولته من خلال تدريسه في مساقات ترعى الحركة الأدبية المحلية وأيضاً من خلال مؤسسات إنتاج سينمائي وتلفزيوني تعمد إلى نقل المكتوب منه إلى الشفوي، والشفوي إلى المرئي.
 الأدب المحلي مصدر نهضوي لا يقل أهمية عن المصادر الطبيعية الأخرى التي تحتاج لعوامل التنمية المستدامة ودوافعها، على أننا ندرك أن الأدب الفلكلوري يعني اختلافاتٍ شفوية نابعة عن تنوعٍ في البيئات الحاضنة والأدوات الحضارية ومستمسكاتها في الساحل والجبل والصحراء وفي المواسم والمناسبات والوقائع...، فهو بذلك يختلف عن الأدب الإنساني الذي يفهمه العالم بيسر وتجعله الترجمة سائغاً، فيسهل حفظه وعرضه للعالم أجمع لو قورن الأمر بالأدب الشعبي الذي يحتاج إلى مشاريع وطنية كبيرة، على أننا ندرك أيضاً أن الأدب الفلكلوري أصيلٌ من حيث مقدرته على ربط الجغرافيا وظواهرها بالإنسان وحوادثه وهمومه، فقد صهرها جميعاً في بوتقة الفنون الشعبية على تعدد أجناسها الغنائية والقصصية والحرفية، فالشعوب التي تريد أن تنشر رسالتها الإنسانية تشعر بأنها مطالبة أيضاً بنشر فلكلورها وإرثها بشقيه المادي والمعنوي.

 

 

أخبار ذات صلة نجاة مكي.. وأطياف الذاكرة الإنسانية «تريندز» يشارك في المهرجان الأكاديمي والثقافي الكوري - الإماراتي

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الثقافة الأدب الشعبي الأدب الشعبی

إقرأ أيضاً:

هيئة الأدب والنشر والترجمة تدشن جناح المملكة في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025

المناطق_واس

دشنت هيئة الأدب والنشر والترجمة، اليوم، جناح المملكة المشارك في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025، الذي يُقام في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض خلال الفترة من 24 أبريل إلى 3 مايو القادم، بالعاصمة العُمانية مسقط، بمشاركة 35 دولة و674 دار نشر.

وأكَّد الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور عبداللطيف الواصل، أن مشاركة المملكة في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025، يأتي انطلاقًا من العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين المملكة وسلطنة عمان، حيث تسعى الهيئة لتعزيز التعاون المشترك في مجالات الأدب والنشر والترجمة نظرًا لما تشهده المملكة وسلطنة عمان من ازدهار في الحراك الثقافي والتقدم المعرفي.

أخبار قد تهمك مكة تسجّل الأعلى بـ 41° وأبها والمدينة الأدنى.. طقس حار يهيمن على معظم مناطق المملكة 24 أبريل 2025 - 12:20 مساءً طقس المملكة يدخل “الكنة”.. الحصيني: بداية التحوُّل من حر الصيف المعتدل إلى الشديد 24 أبريل 2025 - 12:19 مساءً

وبيَّن أن المعرض يشكّل فرصة داعمة لصناعة الكتاب والنشر بما يتيحه للناشرين السعوديين من تواصل معرفي مع نظرائهم من مختلف أنحاء العالم.

وتقود هيئة الأدب والنشر والترجمة مشاركة المملكة في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025، بمشاركة عددٍ من الجهات الثقافية والتعليمية البارزة، تضم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، و⁠دارة الملك عبدالعزيز، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وجمعية النشر، بجانب جامعة طيبة.

وتأتي هذه المشاركة في إطار جهود المملكة لتعزيز العلاقات الثقافية مع سلطنة عمان، وتوسيع مجالات التعاون المشترك، إلى جانب الترويج للفرص الاستثمارية في القطاع الثقافي، انسجامًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في جعل الثقافة رافدًا للتنمية وجسرًا للتواصل الحضاري.

ويستعرض جناح المملكة على مدار أيام المعرض ملامح التنوع الإبداعي في المشهد الثقافي السعودي، من خلال برنامج ثقافي متكامل يشمل ندوات أدبية وجلسات حوارية وأمسيات شعرية بمشاركة نخبة من المتحدثين والأدباء السعوديين.

مقالات مشابهة

  • صلاة القلق.. إبداع مصري يتوّج بـ«جائزة البوكر العربية 2025»
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • لماذا تحتاج النساء إلى عناية إضافية في مجال أمراض النساء هذا الفصل، تحت شمس الصيف؟
  • خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
  • محمد حامد جمعة يكتب: الدو
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تدشن جناح المملكة في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025
  • سامح قاسم يكتب | رنا التونسي.. شاعرة الحافة التي تنزف جمالًا
  • بغداد.. مقتل منتسب بالحشد الشعبي وإصابة 2 آخرين في مشاجرة بسبب زاجل
  • معارض الكتب.. الكلمة التي تبني وطنا