من تحليل لـ"جاكي خوجي" في "معاريف": في قمّة الـ G20 في الهند؛ أعلن رئيس القوة العظمى المؤثرة في العالم عن مشروع ضخم يكاد يكون خياليا، ينوي إطلاقه قريبا مع شركائه.

قطار شحن من الهند إلى عمق قارة أوروبا، يمرّ عبر شبه الجزيرة العربية، يواصل إلى الأردن وإلى الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومن هناك تنقل البضائع إلى أوروبا.

أطلق بايدن الإعلان بحضور رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي ورئيس وزراء الهند. الانطباع العام الذي نشأ هنا (الكيان الصهيوني) هو أن مشروع القطار عابر القارات هو علامة على السلام المُستهدف مع السعودية.

لكن ما العمل عندما يكون الحديث متعلّقا بحدث آخر.

صحيح أن السعودية مشمولة أيضا، لكنه لم يولد من أجلنا، وإن حصلنا على شرف أن نكون جزءا من قائمة السائقين.

الفكرة مجدية، بسيطة بل وتحظى بموافقة الشركاء وحماستهم.

ما يلزمه الآن هو التمويل أساسا.

خط قطارات كهذا سيقصّر إلى النصف قناة المواصلات البحرية التي تشكل اليوم خطوط التجارة من شرق آسيا والخليج العربي إلى الدول الأوروبية.

النقل عبر السكّة الحديدية أرخص من النقليات البحرية، وتقصير أيام الرحلة يخفّض الكلفة بضعفين وثلاثة أضعاف.

طول الرواق المقترح نحو 10 آلاف كم. نقطة الانطلاق هي الهند، ومن هناك تواصل القطارات إلى الامارات، إلى السعودية (وفي المستقبل أيضا إلى عُمان)، إلى الأردن ومنه إلى حيفا.

من هناك تُحمَّل البضائع على السفن إلى ميناء "بيرايوس" في اليونان. ومنه توزّع في الشاحنات إلى الدول المختلفة في القارة.

إضافة إلى الجدوى الاقتصادية، فإن مشروع القطارات الهندي الأوروبي يشكّل ضربة للاقتصاد الصيني، وعمليا هو خطوة أمريكية استراتيجية ضمن مجال القتال الاقتصادي.

من اعتقد أن الحروب تجري بالسلاح والمدافع؛ مدعو لأن يتابع صراع الجبابرة بين القارات، والذي يجري في مسألة النقليات من شرق آسيا إلى أوروبا.

بايدن نجح حاليا، من خلال تحالفات مع الأوروبيين والدول العربية في أن يضرب مشروعا موازيا للصينيين (الحزام والطريق)، بدأ يعمل في 2012.

خط القطارات الصيني يخرج من مدينة "شونغ شينغ" في جنوب غرب الصين، ويتواصل حتى دويسبورغ في ألمانيا.

مساره بطول 11 ألف كم، يمر في كازاخستان، يواصل إلى روسيا، روسيا البيضاء وبولندا ومن هناك إلى ألمانيا.

بخلاف خط سكّة الحديد الصيني؛ للمشروع الذي سيولد والذي أُعلن عنه في نيودلهي؛ لا يوجد اسم حتى الآن.

لكن القاعدة الاقتصادية والإرادة الطيبة موجودتان. الإمارات نجحت منذ الآن في أن تمدّد في أراضيها شبكة قطارات شحن.

السعودية ليس بعد، لكن وليّ العهد محمد بن سلمان خصّص منذ الآن 20 مليار دولار لتمديد خطوط سكك حديدية في أراضي المملكة.

هذا مبلغ بسيط، لكنه يعبّر عن نيّة طيبة من جهته. ليست صدفة أن حضرت مفوضة الاتحاد الأوروبي لحظة الإعلان.

في أوروبا استقبلت الفكرة برغبة؛ ليس فقط بسبب التخفيض المرتقب لكلفة النقل من شرق آسيا إلى أراضيها، بل أيضا بفضل إمكانية الاستثمار.

ولمّا كان الصينيون قد أُقصوا عن المشروع، فإن الشركات الأوروبية توجد في رأس القائمة لتمديد الخطوط. للإسبان مثلا توجد تجربة لا بأس بها منذ الآن. فهم شركاء في تشغيل خط قطار الحرمين الذي يربط مدينتي مكة والمدينة.

في مجال القطارات يمكن للأوروبيين أن يعلّموا شيئا أو اثنين حتى للأمريكيين. القطار عندهم، لشدّة العجب، هو وسيلة قديمة نسبيا.

إيطاليا استبدلت القطارات يوسي فيشر من تل أبيب، خبير دولي للسياحة والطيران، لفت نظري في حديثنا هذا الأسبوع عن نتيجة فرعية طيبة قد تنشأ عن المشروع لشركاء الولايات المتحدة.

الهند، التي تسعى إلى إعادة تسليح جيشها القديم نسبيا، كفيلة بأن تحظى بفضل التقرّب من بايدن بعتاد عسكري أمريكي متطور. السعوديون، كما نُشر، يجرون محادثات مع الأمريكيين على مشروع نووي خاص بهم، ومشروع القطارات كفيل بأن يحسّن المحادثات ويقرّب واشنطن منهم.

يعتقد فيشر أن السعوديين يتوقون لأن ينالوا من الأمريكيين موافقة على حلف دفاع مشترك؛ حتى قبل الاتفاق النووي.

حلف كهذا يمنحهم طائرات قتالية وعتاد عسكري متطور، وكذا تعهدا أمريكيا بالدفاع عنهم إذا ما تعرّضوا للاعتداء.

وكل هذا في الوقت القريب. الإمكانية العسكرية للنووي يمكنهم أن يحققوها بعد سنوات طويلة.

ويضيف فيشر بأن خط سكّة الحديد من الهند إلى أوروبا ينسجم مع رؤيا النمو لولي العهد السعودي.

فمحمد بن سلمان يعيد بناء بلاده. والسعودية حسب رؤياه لن تكون بلاد جذب سياحي فقط، بل بيتا للطاقة الخضراء وحماية البيئة أيضا.

والخط الحديدي من الهند إلى أوروبا سيكون شريانا مركزيا لتوريد الوقود لصناعة السيارات والطاقة في الغرب.

وقال فيشر إن حلفاء بايدن قاموا واحدا تلو الآخر؛ بإخراج الصينيين من الصورة. فرئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني أعلنت قبل بضعة أيام أنها تتخلّى عن خط القطار الصيني.

قبل ذلك الحرب في أوكرانيا مسّت به إذ أنه يمرّ في روسيا وفي روسيا البيضاء".

يدلّ هذا المشروع على أن السعودية قريبة جدا هذه الأيام من البيت الأبيض. بوسعه أن يحذّر ممن يميل لخسارة الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

في السنوات الأخيرة لوّحت السعودية للبيت الأبيض بالورقة الصينية كوسيلة تهديد.

وبالتوازي أظهرت لبايدن بأن الرياض ليست بيتا حميما له كلما اعتقد ذلك. عندما هبط بايدن في السعودية في صيف 2022، استقبله ابن سلمان ببرود كبير، وسارع لتسريب حديث التوبيخ الذي ألقاه على مسمعه لدى هبوطه على أرض المملكة. يجدر بالذكر أن عُمْر ابن سلمان هو نصف عُمْر ضيفه.

بعد ذلك فتح السعوديون أمام الصينيين بابهم كي يلعبوا دورا مركزيا في التقرّب مع إيران.

بكين كانت عرّابة التقرّب، والتي ذابت حاليا. والآن عادت واشنطن والرياض إلى دائرة الاتصالات الحميمة. محادثات على النووي، جسّ نبض على حلف دفاع عسكري، والآن مشروع ضخم في مجال النقليات أيضا. ويرى فيشر أن "للسعودية دور حاسم وتاريخي في تغيير وجه الشرق الأوسط، وتحويله من برميل النفط ومادة التفجير للعالم، إلى منطقة سياحية كبيرة وناجحة.

لأجل تنفيذ هذه الرؤيا؛ هناك حاجة للهدوء والأمن الإقليمي مع الجميع".

مشروع القطار المستقبلي يحمل في طياته عدة استنتاجات ورسائل.

السعوديون، الإماراتيون؛ وعمليا كل الدول العربية تفضّل التقارب مع الأمريكيين أكثر من الصينيين.

وإذا ما غمزوا لبكين للحظة، فهذا لانعدام البديل أو ربما لصرخة "أمسكوا بي".

وهو يدلّ على أن الغرب ليس ساذجا، وهو لا يفهم فقط خطر السيطرة الصينية على الاقتصاد العالمي، بل ويعرف أيضا كيف يضع الحواجز في وجهها.

وتوجد أيضا رسالة تواضع لنا، نحن الإسرائيليين.

الشرق الأوسط والعالم الواسع بعامة، لا يدور حولنا.

أحيانا نحن فقط، مثلما كتب مئير غولدبرغ، سدادة في فوهة زجاجة

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

الحرب ستشتعل في الضعين؛ قراءة في المشهد القادم!

. الضعين نهاية المطاف.. الحرب ستشتعل في الضعين؛ قراءة في المشهد القادم!
يبدو أن الحرب في السودان تدخل مراحلها النهائية، حيث تتحرك بكامل قوتها نحو مدينة الضعين، وسيتصاعد الصراع في دارفور في الايام القادمة بوتيرة غير مسبوقة.

منذ بداية هذه الحرب، كنت قد أشرت إلى أن القبائل العربية في دارفور ستكون الضحية الأولى للصراع – بوست الهجمة المرتدة – ، ليس فقط بسبب فقدانها للدعم الجوي والاستخباراتي الذي كان يوفره الجيش لها، بل أيضًا لأن تحول هذه الأدوات إلى الطرف الآخر – الزرقة – سيغير موازين القوة بالكامل. واليوم، نشهد هذا التحول على أرض الواقع!

الرزيقات في قلب العاصفة
إذا استمر التصعيد بهذه الوتيرة، فإن الرزيقات هم من سيدفع الثمن الأكبر لهذه الحرب. فالمعادلة العسكرية لم تعد في صالحهم، وبنهاية الحرب، من المتوقع أن تخرج غالبية مكونات هذه القبيلة من السودان ( رأى وتوقع خاص جدا).

ربما كان البعض يتوقع أن تكون نتائج هذه الحرب مؤقتة أو محدودة، لكن الواقع يكشف أن الأمور تتجه نحو تغيير ديمغرافي عميق في الإقليم.

المسيرية: تغيير التحالفات قادم
أما المسيرية، فهم على وشك الانسلاخ من التحالف مع قوات الدعم السريع، ومن المرجح أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في القضاء عليه. ومع ذلك، لن يكون خروجهم من المشهد العسكري والسياسي سهلاً، إذ سيتم وضعهم تحت المراقبة لسنوات قادمة، تحسبًا لأي تحركات مستقبلية قد تؤثر على موازين القوى.

الضعين.. معركة الحسم؟
كل الدلائل تشير إلى أن نهاية الحرب ستكون في الضعين. هذه المدينة قد تتحول إلى نقطة الصراع الأخيرة، حيث تتلاقى القوى المتصارعة في مواجهة حاسمة. ما سيحدث هناك سيحدد ملامح السودان الجديد، سواء من حيث التركيبة السكانية أو مراكز النفوذ السياسي والعسكري.

الحرب في السودان لم تعد مجرد صراع بين جهتين، بل أصبحت إعادة تشكيل كاملة للمشهد السياسي والاجتماعي. والضعين قد تكون الفصل الأخير في هذه الرواية الدامية.
دي طوبتي وبذكركم

وليد محمدالمبارك احمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وضع حجر الأساس لمشروع ضخم بالعبادلة في بشار
  • لو مسافر.. اعرف مواعيد القطارات اليوم الإثنين 17 مارس 2025 على كافة الخطوط
  • هل تخضع اليمن؟ قراءة في وهم التحالف الصهيوأمريكي
  • خالد صديق: تطوير سور مجرى العيون وتحويله لمشروع أرابيسك.. ونقل المدابغ للروبيكي
  • هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب
  • تقرير أمريكي: إدارة ترامب تواجه نفس الخيار الذي أربك بايدن بشأن إنهاء تهديد الحوثيين بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • الحرب ستشتعل في الضعين؛ قراءة في المشهد القادم!
  • ترامب: أوكرانيا قبلت وقف إطلاق النار ويمكننا إقناع روسيا أيضا
  • بينها الصينية.. تقديم خطب ودروس المسجد الحرام بأكثر من 11 لغة
  • معهد أمريكي يُحذّر من الأثر البيئي لحملة الحوثيين ضد الشحن بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)