أقدمت الجماعة الحوثية على فصل 29 موظفاً يعملون في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، الخاضع لها في صنعاء، بعد أن اتهمتهم بالتغيب عن العمل وإفشاء تقارير عن الفساد الذي يرتكبه قادتها في المؤسسات الحكومية.

وتداول ناشطون يمنيون وثيقة رسمية صادرة عن القيادي الحوثي علي العماد، المنتحل صفة رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، تقضي بفصل نحو 29 موظفاً عن العمل في الجهاز، الخاضع لسيطرة جماعته في صنعاء.


وتظهر في الوثيقة أسماء موظفين مدنيين طالهم الفصل تعسفياً، وبررت الجماعة ذلك بأنهم تغيبوا لأكثر من 20 يوماً متتالية دون عذر مقبول، بينما أرجع ناشطون فصلهم إلى أنه على خلفية تخوف الجماعة من تسريب تقارير فساد أخرى ونهب للمال العام.

وفي الوقت الذي يصف فيه معارضو الجماعة مبررات الفصل بـ«الزائفة»، لا تزال الجماعة ترفض دفع رواتب ملايين الموظفين الحكوميين بمناطق سيطرتها، وتدعي وجود ضائقة مالية، بينما تسخّر المليارات من الريالات في سبيل احتفالاتها ذات الطابعين السياسي والطائفي.

استهداف مستمر
لا يعد الاستهداف الحوثي الجديد لموظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في صنعاء هو الأول، إذ سبق أن سرّحت الجماعة في منتصف يونيو (حزيران) العام الماضي، ما يزيد على 338 موظفاً تحت حجج ومزاعم غير قانونية.


كما سبق لعناصر يتبعون ما يعرف باسم «جهاز الأمن الوقائي» الحوثي قيامهم باختطاف 5 من موظفي الجهاز الرقابي في صنعاء، بعد تلفيق تهم كيدية لهم.

وتحدثت مصادر مطلعة في صنعاء حينها عن عملية اقتحام نفذها مسلحو الجماعة لمبنى الجهاز المركزي في صنعاء، حيث قاموا باختطاف الموظفين ونقلهم إلى السجون بعد توجيه تهم لهم بتسريب وثائق فساد قامت به قيادات حوثية في مؤسسات وجهات إيرادية عدة.

وضمن مسلسل الانتقام الحوثي من موظفي الجهاز المحاسبي، أقدمت الجماعة في أواخر العام الماضي، على السطو على أراضي الجمعية السكنية التابعة لهم في مدينة الحديدة غرب البلاد.

وأفادت المصادر بلجوء الجماعة وقتها لاستخراج أحكام قضائية غير قانونية بغية الاستيلاء على أراضي الجمعية السكنية لموظفي الجهاز، التي كانوا تحصّلوا عليها وفق عقود تأجير صادرة عن مكتب أراضي وعقارات الدولة، في 2001 و2007.

تغطية الفساد
وينتقد موظفو جهاز الرقابة والمحاسبة في صنعاء، ممن تعرضوا للخطف والإقصاء الحوثي من الوظيفة، حجم فساد ونهب قادة الجماعة المستشري في أروقة الجهاز وعموم الإدارات التابعة له.

واتهم منتسبو الجهاز، القيادي الحوثي علي العماد بحماية الفاسدين وتغطية فسادهم وإلزامهم بتوريد مبالغ مالية إلى حساباته الشخصية مقابل غض الطرف عن فسادهم وإتلاف أي وثائق تثبت تورطهم في الفساد.

على الصعيد ذاته، كشفت مصادر عاملة في الجهاز الخاضع للانقلاب في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود تقارير وتوصيات تتعلق بقضايا فساد ونهب حوثي منظم طال، منذ مطلع العام الحالي، أموال وممتلكات الدولة في عموم المؤسسات والصناديق الإيرادية الخاضعة تحت سلطة الجماعة.

وأفادت المصادر، التي اشترطت إخفاء معلوماتها، بأن عشرات التقارير التي أعدها ورصدها منتسبون لدى الجهاز من غير المؤدلجين طائفياً، لا تزال حبيسة الأدراج ولم يتم عرضها على أجهزة الانقلاب التنفيذية وغيرها في صنعاء، خشية انتقام وبطش كبار قادة الجماعة.


ولا يزال أغلب منتسبي الجهاز الرقابي في صنعاء عرضة بشكل أو بآخر لأقسى العقوبات الحوثية، منها الاعتقال، والسجن، والفصل التعسفي من الوظيفة العامة، والحرمان من الحقوق، إذ ينظر إليهم على أنهم يقومون بتسريب فساد القيادات.

ويقول موظفون في الجهاز الرقابي، إن قيادات حوثية هي مَن تقوم بتسريب التقارير التي تدين قيادات أخرى في إطار الصراع البيني الدائر على النفوذ والمال.

وكان النشطاء اليمنيون والإعلام المحلي تداولوا في أوقات سابقة سلسلة تقارير ووثائق رسمية مسربة صادرة عن الجهاز الرقابي الخاضع للميليشيات كشفت عن حجم العبث الحوثي المهول الذي طال جميع مؤسسات وقطاعات الدولة اليمنية المغتصبة، ومنها وثيقة تكشف عن قضية فساد تتمثّل في استيلاء مسؤولين وقادة في الجماعة على أصول الشركات النفطية الأجنبية المسترجعة خلال الفترة بين 2015 و2020، وغيرها.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

‌‎قراءة تحليلية: تصريحات محمد علي الحوثي ودلالاتها في سياق الصراع الإقليمي

هاني الخالد

جاءت تصريحات رئيس اللجنة الثورية في حكومة صنعاء، محمد علي الحوثي، لتسلط الضوء على تحول نوعي في الخطاب السياسي والعسكري لصنعاء. التصريح الذي يؤكد غياب “الخطوط الحمراء” في مواجهة الأمريكيين والإسرائيليين ومن يدور في فلكهم، يعكس تصعيداً حاسماً في الموقف اليمني، ليس فقط على مستوى الخطاب، بل في الاستعداد العملي لمواجهة ما تعتبره صنعاء تهديداً مباشراً لأمنها وسيادتها.

تحليل التصريحات: أبعاد ودلالات

1. الإعلان عن استراتيجية مفتوحة

الإشارة إلى غياب الخطوط الحمراء تعني أن صنعاء لم تعد ترى أي قيود على خياراتها العسكرية والسياسية في مواجهة القوى المعادية. هذا التحول يهدف إلى إرسال رسائل متعددة الأطراف:

للداخل اليمني: تأكيد الاستعداد الكامل للدفاع عن السيادة، مما يعزز الروح المعنوية لدى القوات والمواطنين.

للخارج الإقليمي والدولي: إعلان عن استعداد صنعاء لتوسيع نطاق المواجهة، بما يشمل استهداف مصالح قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.

2. كسر الحاجز النفسي في المواجهة
الحديث عن أن هذا الموقف “ليس من أجل الحرب النفسية” يشير إلى رغبة في تجاوز التصريحات الرمزية إلى الفعل الميداني. صنعاء تدرك أن الحروب النفسية كانت إحدى أدوات القوى الكبرى لإضعاف الإرادة الشعبية، وبالتالي تسعى لتأكيد جدية مواقفها بما يتجاوز الدعاية.

3. ربط السياق اليمني بالصراع الإقليمي
بإدخال الأمريكيين والإسرائيليين في دائرة الاستهداف، تربط صنعاء الصراع الداخلي بمشهد إقليمي أوسع. هذا الربط يعكس استراتيجية ترى في الصراع في اليمن جزءاً من معركة إقليمية أكبر ضد الهيمنة الغربية والصهيونية.

الأبعاد العسكرية: خيارات صنعاء في المواجهة

1. الصواريخ والطائرات المسيّرة
تصريحات الحوثي تبرز أهمية التطور الذي شهدته القدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة في اليمن. هذه الأسلحة أصبحت أدوات فعالة في كسر هيمنة القوى التقليدية في المنطقة، مع القدرة على استهداف مواقع استراتيجية، سواء داخل اليمن أو في عمق أراضي الخصوم.

2. القوة البحرية
تأكيد دور البحرية يعكس وعياً بأهمية خطوط الملاحة البحرية في معادلات الصراع. مضيق باب المندب والبحر الأحمر يشكلان نقاطاً حيوية للتجارة العالمية، مما يجعل أي تحرك بحري لصنعاء تهديداً استراتيجياً لمصالح القوى الكبرى.

3. المواجهة غير التقليدية
تصريحات الحوثي تؤكد أن صنعاء تستعد لاستخدام أساليب غير تقليدية في المواجهة. هذه الأساليب تعتمد على المرونة، والمفاجأة، واستهداف نقاط الضعف لدى الخصوم، مما يمنحها ميزة في مواجهة قوى متفوقة عسكرياً.

التداعيات الإقليمية والدولية

1. تصعيد المواجهة مع التحالف الإقليمي
إعلان صنعاء عن غياب الخطوط الحمراء يضع القوى المنخرطة في التحالف ضدها، مثل السعودية والإمارات، أمام تحدٍ كبير. هذا التصعيد قد يؤدي إلى تصعيد مقابل، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن إرادة صنعاء في فرض معادلة ردع جديدة.

2. رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل
توسيع دائرة الاستهداف لتشمل الولايات المتحدة وإسرائيل يشير إلى أن صنعاء ترى في تدخلاتهما في اليمن جزءاً من مشروع أكبر يستهدف استقلال القرار اليمني. هذه الرسالة تهدف إلى كسر ما يُعتبر حصانة تقليدية لهاتين القوتين، وإجبارهما على إعادة النظر في سياساتهما تجاه اليمن.

3. تأثير على مسار المفاوضات
قد تؤثر هذه التصريحات على أي محاولات لاستئناف المفاوضات السياسية. صنعاء تستخدم هذه اللغة لإعادة تشكيل ميزان القوى قبل أي تسوية محتملة، مما يجعل من الضروري أن تؤخذ مصالحها بجدية.

الرسائل الاستراتيجية: قراءة ما وراء التصريحات

1. تأكيد الاستقلالية في القرار
هذه التصريحات تأتي لتؤكد أن صنعاء ليست خاضعة لأي إملاءات خارجية، وأن قراراتها تنبع من رؤيتها الوطنية والإقليمية.

2. إعادة تشكيل قواعد الاشتباك
بتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية، تسعى صنعاء لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك، بحيث تكون قادرة على الردع، وليس فقط الدفاع.

3. استثمار في المظلومية الإقليمية
الربط بين اليمن والقضية الفلسطينية يعكس رغبة في تقديم صنعاء كجزء من محور المقاومة ضد الهيمنة الغربية والصهيونية.

خاتمة: صنعاء في معادلة الصراع الجديد

تصريحات محمد علي الحوثي تمثل انعطافة استراتيجية في خطاب صنعاء. هذا الموقف يعكس إدراكاً عميقاً لتعقيدات المرحلة، ورغبة في فرض معادلات جديدة تتجاوز الأساليب التقليدية. إذا ما ترجم هذا الخطاب إلى أفعال، فإنه قد يغير شكل الصراع في اليمن والمنطقة، ويعيد تعريف موازين القوى في مواجهة الهيمنة الغربية والإسرائيلية.

مقالات مشابهة

  • تقارير المخابرات السورية… كل البلاد مصنفة في ملفات
  • الحوثيون ينفذون حملات هستيرية و عملية اجتثاث لأفراد وضباط الشرطة في صنعاء
  • الحوثي: عدوان يستهدف صنعاء
  • محافظ بني سويف يناقش تقارير المتابعات الميدانية لمنظومة العمل بالوحدة المحلية لقرية الميمون
  • القاهرة الإخبارية: الحوثيون أخلوا منشآت بالحديدة استعدادًا للغارات الإسرائيلية
  • مراسل «القاهرة الإخبارية»: الحوثيون أخلوا منشآت بالحديدة استعدادا للغارات الإسرائيلية
  • محافظ بني سويف يناقش تقارير المتابعات الميدانية لمنظومة وسير والعمل بالوحدة المحلية
  • بالتزامن مع خطاب «الحوثي».. غارات إسرائيلية عنيفة على اليمن
  • غارات إسرائيلية تستهدف مطار صنعاء خلال خطاب الحوثي
  • ‌‎قراءة تحليلية: تصريحات محمد علي الحوثي ودلالاتها في سياق الصراع الإقليمي