الجزيرة:
2025-10-15@14:07:27 GMT

أعاصير حوض الأطلسي.. ظاهرة مناخية تهدد السواحل

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

أعاصير حوض الأطلسي.. ظاهرة مناخية تهدد السواحل

تمثل الأعاصير ظواهر مناخية متطرفة تتضمن تكوّن عواصف رعدية سريعة الدوران فوق المياه الاستوائية أو شبه الاستوائية، وتتطور من منخفض مداري إلى عاصفة مدارية ثم إلى إعصار حسب سرعة الرياح. وتعد منطقة البحر الكاريبي وخليج المكسيك وشمال المحيط الأطلسي وشرق ووسط شمال المحيط الهادي حوضا نشطا للأعاصير التي تسبب دوريا فيضانات وخسائر بشرية ومادية هائلة في حال اقترابها أو وصولها إلى اليابسة.

التعريف والتسميات

الأعاصير نظام جوي منخفض الضغط ذو حركة حلزونية يبدأ بتكون عاصفة تتزايد وتتكثف مصحوبة برياح عاتية. ويمر هذا النظام بمراحل تطور مختلفة وقد يتفكك إذا وُجدت عوامل مثبطة، ويصنف إعصارا إذا بلغت سرعة رياحه 116 كيلومترا في الساعة.

تنشأ الأعاصير الأطلسية في حوض المحيط الأطلسي، وفي الاصطلاح المناخي تشمل هذه المنطقة المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي وخليج المكسيك وشمال شرق المحيط الهادي، وبدرجة أقل وسط شمال المحيط الهادي.

يبدأ موسم الأعاصير في حوض الأطلسي مطلع يونيو/حزيران ويستمر إلى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني. ويبرز سبتمبر/أيلول بوصفه الشهر الذي يشهد أكبر عدد من الأعاصير من جميع الفئات. وتنتهي أغلب الأعاصير في أعالي البحار، ما يقلل مخاطرها على اليابسة بشكل كبير، أما حين تقترب من السواحل أو تصل إليها، فتصاحبها مخاطر كبيرة.

ومع أهمية تأثير سرعة رياح الإعصار، فإن الأضرار لا تتوقف عليها وحدها، بل تشمل تفاعل عوامل مختلفة مثل بنية الإعصار نفسه من حيث الشدة والحجم، والتغيرات المحتملة التي قد تكون مفاجئة في أثناء خط سيره، والمدة التي يستمر فيها هبوب رياحه القوية إضافة إلى الأمطار المصاحبة له في أثناء وصوله إلى السواحل، فضلا عن العوامل البشرية من تحذيرات واستعدادات ووضع خطط طوارئ وإنقاذ وتنفيذها.

الأعاصير نظام جوي منخفض الضغط ذو حركة حلزونية يبدأ بتكون عاصفة تتزايد وتتكثف مصحوبة برياح قوية (غيتي)

وتشرف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية على لائحة بتسميات مرتبة أبجديا، تضم أسماء نساء ورجال بالتناوب مخصصة لكل حوض من أحواض الأعاصير المدارية. وفي حال كان الإعصار مدمرا يحذف اسمه من القائمة ويستبدل بآخر، ويعاد استخدام قائمة عام محدد بعد 6 سنوات بعد تحديثها وحذف أسماء الأعاصير المدمرة.

المراحل والفئات

حين تكون ظروف الحرارة في المحيط مواتية عند 26 درجة مئوية فما فوق، فإن ذلك يشجع تحوّل العواصف إلى أعاصير فتبدأ سرعتها في التزايد. تصنف هذه الظواهر في البداية "منخفضا مداريا" إذا بقيت السرعة القصوى المستمرة للرياح أقل من 63 كيلومترا في الساعة، وحين تتجاوز هذه العتبة تصنف "عاصفة مدارية" وتطلق عليها المنظمة الدولية للأرصاد الجوية اسما معينا. وحين تصل إلى سرعة 116 كيلومترا في الساعة وما فوقها تصنف الظاهرة إعصارا.

بعد تكوّن الإعصار، يُصنف بدوره ضمن سلم من 5 فئات تعرف في حوض شمال الأطلسي والكاريبي وخليج المكسيك بـ"مقياس سفير سمبسون". وتضم الفئة الأولى الأعاصير التي تكون سرعتها بين 116-153 كيلومترا في الساعة، والفئة الثانية بين 154-177 كيلومترا في الساعة.

وحين تكون سرعة الرياح بين عتبتي 178 و209 كيلومترات في الساعة يصنف الإعصار من الدرجة الثالثة، في حين يصنف تحت الدرجة الرابعة حين تكون سرعته المستمرة القصوى بين 210 و249 كلم في الساعة. أما حين تزيد سرعة الإعصار على 249 كيلومترا في الساعة فإنه يعد من الفئة الخامسة، وهي أعلى تصنيف في السلم.

عاصفة سابقة في أثناء اتجاهها نحو إنيد بولاية أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأميركية (غيتي) العوامل المؤثرة:

تميل الأعاصير إلى التشكل والتطور في الظروف المحيطية الدافئة وتسمح لها الرياح الخفيفة بالتكون في حين تعوق الرياح القوية تشكلها. ويمكن أن تتأثر هذه الظروف بعوامل جوية ومحيطية مختلفة ومتداخلة منها:

1- تذبذب شمال المحيط الأطلسي

تؤثر ظاهرة التقلبات في الضغط الجوي فوق شمال المحيط الأطلسي المعروفة بتذبذب شمال الأطلسي على اتجاه وقوة الرياح الغربية في هذا المحيط، وعلى درجات حرارة المياه خلال الشتاء. وتتأثر الظاهرة بالمنخفض الجوي قرب أيسلندا وكذلك بالمرتفع القريب من جزر الأزور.

وحين يكون الفرق بين قيم الضغط الجوي أقل من المتوسط يُضعف ذلك هبوب الرياح، ومن ثم يُقوّي احتمالات تشكل الإعصار. وعلى النقيض من ذلك، حين تكون فروق قيم الضغط أعلى من المتوسط يكون لها تأثير في زيادة قوة هبوب الرياح وهو ما يحول دون تشكله.

2- التذبذب الجنوبي "النينو والنينيا"

تتمثل ظاهرة التذبذب الجنوبي أو "النينو" و"النينيا" في تقلبات طقس المحيط الهادي، وتظهر عن طريق ارتفاع أو انخفاض درجة حرارة سطح البحر قرب خط الاستواء. ومع أنها تغيرات قد تبدو ضئيلة، فإن تأثيرات كبيرة تصاحبها بما في ذلك على الأعاصير.

وتشجع ظاهرة "النينيا"، التي يصاحبها انخفاض درجات الحرارة في هذه المنطقة، هبوب رياح خفيفة على المحيط الأطلسي، ومن ثم تسمح تلك الظروف للأعاصير بأن تتشكل وأن تصبح أقوى.

وفي المقابل، فإن درجات الحرارة الدافئة على سطح المياه قرب خط الاستواء في المحيط الهادي -أو "النينو"- تؤدي إلى هبوب رياح أقوى على المحيط الأطلسي. ومن شأن هذه الرياح القوية أن تشتت قمم الأعاصير وهو ما يجعل الظروف غير مهيأة لتشكلها وتقويها. وفي غياب الظاهرتين يكون طقس المحيط الهادي عاملا محايدا في ما يخص نشوء الأعاصير الأطلسية واشتدادها.

3- وضع خط الطول الأطلسي

يعد وضع خط الطول الأطلسي مصدرا مهيمنا في الأحوال البحرية والجوية في المحيط الأطلسي. ويؤثر على تطور الأعاصير المدارية في شمال المحيط الأطلسي. يؤثر هذا العامل الجوي على درجات حرارة سطح البحر، لا سيما في المنطقة الواقعة شمال خط الاستواء، إذ توفر درجات الحرارة الأعلى من المتوسط الطاقة اللازمة لنمو الأعاصير وكثافتها. وفي المقابل، حين تسود درجات حرارة منخفضة تقلل تلك الظروف احتمالات تكون أعاصير.

4- كتلة الهواء الصحراوي الجافة

يمكن أن تسهم هذه الكتلة الجافة من الهواء المحملة بجزيئات الغبار وذرات الرمل القادمة من الصحراء الأفريقية الكبرى في تثبيط تشكل الأعاصير الأطلسية. وتنتقل هذه الجزيئات والذرات على ارتفاعات قد تناهز 6 آلاف متر وذلك عبر الرياح التجارية الشرقية فوق المحيط الأطلسي، وصولا إلى السواحل الأميركية. وبسبب تأثير الجفاف والأتربة، تؤدي هذه الكتل دورا في إعاقة تكوين العواصف وتكثفها.

الأعاصير والتغير المناخي

تظهر السجلات المناخية منذ عام 1991 زيادة ملحوظة في عدد العواصف والأعاصير في حوض الأطلسي التي تتطور إلى المرحلة التي تطلق فيها عليها أسماء. وقد شهد عام 2005 مثلا 28 عاصفة أو إعصارا، أما عام 2020 فسجل 30 عاصفة أو إعصارا.

وبمقارنة الأعاصير من خلال قياس "طاقة الإعصار المتراكمة"، أظهرت بيانات الفترة الممتدة بين عامي 1970 و1995 قيما أقل من حيث شدة الأعاصير، في المقابل سجلت أعاصير أقوى خلال الـ15 عاما السابقة لعام 2023.

وتظهر البيانات أن غالبية أعاصير الفئتين 1 و2 كانت بتأثير من المنخفضات الاستوائية وهو ما ينطبق على أعاصير الفئتين 3 و4 بدرجة أعلى قليلا.

الأعاصير تميل إلى التشكل والتطور في الظروف المحيطية الدافئة (غيتي)

وتشير البيانات إلى أن الضغط المركزي في أعاصير الفئة 5 يتناقص بمعدل أبطأ، مما يشير إلى أنها تتميز بمرحلة تحول أطول، وتأخذ وقتا لكي تصل فيها شدة الرياح إلى ذروتها. وتتحرك أعاصير الفئة الخامسة بسرعات أضعف، وهو ما يسمح لها بالبقاء نشطة لفترات طويلة، ويمكّنها من تغطية مسافات شاسعة.

وتتوقع النماذج العلمية -التي يعدها علماء المناخ- أن يتناقص عدد الأعاصير المدارية في المستقبل، لكنها في المقابل ستزداد قوة وفتكا. ويمكن أن تزيد الأعاصير من الفئتين 4 و5 بنسبة قد تصل إلى الربع.

وفي هذا السياق، يتوقع أن تزداد هشاشة المناطق الساحلية أمام الفيضانات المصاحبة للعواصف والأعاصير، مما يزيد عدد السكان المعرضين للمخاطر لا سيما في المناطق المكتظة والمنخفضة.

كما ينتظر أن يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر -نتيجة للاحترار الكوني- إلى زيادة مخاطر شدة العواصف، والزيادة غير الطبيعية في المياه المصاحبة للعواصف التي تجتاح السواحل، وقد تصل إلى مسافات بعيدة محدثة دمارا كبيرا على اليابسة.

أعاصير بارزة بين 2016 و2020

أدت الأعاصير خلال الـ50 عاما الماضية إلى نحو 1942 كارثة، وتسببت في مقتل قرابة 780 ألف شخص، إضافة إلى خسائر اقتصادية قدرت بـ1.4 تريليون دولار. وهذه بعض أبرز أعاصير حوض الأطلسي في الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020:

لورا: إعصار من الفئة الرابعة على مقياس "سفير سمبسون" ضرب لويزيانا بالولايات المتحدة وجزيرة هيسبانيولا أغسطس/آب 2020، مصحوبا برياح عاتية. وسبّب الإعصار مقتل 47 شخصا في الولايات المتحدة والدومينيكان وهاييتي، وناهزت خسائره الاقتصادية 19 مليار دولار. إيتا ويوتا: وهما إعصاران ضربا سواحل أميركا الجنوبية نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأحدثا فيضانات واسعة في هندوراس ونيكاراغوا ضمن مناطق أخرى. وتسببا في مقتل 272 شخصا وخسائر مادية ناهزت 9 مليارات دولار. صور للدمار الذي تخلفه الأعاصير (الجزيرة) دوريان: ضرب هذا الإعصار من الفئة الخامسة في أغسطس/آب 2019 شمال غرب جزر البهاما، حيث بلغ عدد الضحايا 200 وقدرت الخسائر المادية بنحو 3.4 مليارات دولار وتركزت في جزيرتي أباكو وغراند باهاما. مايكل: ضرب هذا الإعصار السواحل الشرقية الأميركية أكتوبر/تشرين الأول 2018 بسرعة رياح بلغت 249 كيلومترا في الساعة. وبلغت الخسائر المادية التي خلفها 25 مليار دولار. هارفي: ضرب إعصار هارفي جنوب غرب لويزيانا نهاية أغسطس/آب 2017. وكان مركزه فوق سواحل تكساس وقربها طوال 4 أيام، حيث سجلت المنطقة أمطارا طوفانية بلغت مقاييسها 1524 مليمترا مصحوبة بفيضانات هائلة. وبلغت الخسائر البشرية 68 شخصا في تكساس، وناهزت الخسائر المادية 180 مليار دولار. إيرما: أوائل سبتمبر/أيلول 2017 اجتاح هذا الإعصار 16 بلدا، أبرزها الولايات المتحدة، وبلغ الدرجة الخامسة وحافظ على قوته طوال 60 ساعة، وخلف 134 قتيلا. وأشارت تقديرات إلى أن الخسائر الاقتصادية التي سببها قد تصل إلى 200 مليار دولار. ماريا: ضرب هذا الإعصار من الفئة الخامسة سواحل دومينيكا يوم 19 سبتمبر/أيلول 2017، ثم ضرب بورتوريكو في اليوم الموالي، واعتبر من أشد الأعاصير فتكا حيث خلف 3 آلاف قتيل في دومينيكا وبورتوريكو وحدهما. وقدرت خسائره الاقتصادية بأكثر من 90 مليار دولار. ماثيو: تسبب هذا الإعصار في سبتمبر/أيلول 2016 في مقتل 595 شخصا أغلبهم في هاييتي وخلف خسائر اقتصادية ناهزت 16 مليار دولار ودمارا واسعا في هاييتي وجنوب شرق الولايات المتحدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شمال المحیط الأطلسی کیلومترا فی الساعة الولایات المتحدة المحیط الهادی الفئة الخامسة سبتمبر أیلول ملیار دولار هذا الإعصار حین تکون من الفئة تصل إلى وهو ما فی حوض

إقرأ أيضاً:

تغير المناخ وبصمته الخفية على ظاهرة الهجرة في العالم

يُعيد تغير المناخ تشكيل أماكن العيش الآمن للناس، لكن بصماته على الهجرة تبقى خفية. فمع ارتفاع مستويات البحار وتهديدها للسواحل، وتدهور المحاصيل بوتيرة متزايدة، وتفاقم موجات الجفاف والعواصف وحرائق الغابات، يجبر الملايين على المغادرة "القسرية" دون ضمانات أو قوانين واضحة تحميهم.

وقليل ما يربط الناس أسباب هجرتهم بالظروف المناخية، حسب الدراسة التي أجرتها خبيرة المناخ هيلين بنفينيست في كلية دوير للاستدامة في جامعة ستانفورد، حيث تفصل بين تأثير المناخ والقوى الأخرى العديدة التي تدفع الناس وتجذبهم عبر الحدود.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ثلث سكان توفالو يتقدمون للحصول على تأشيرة المناخ في أسترالياlist 2 of 4تغيرات المناخ تهدد سكان بارني السنغالية وتدفعهم إلى الهجرةlist 3 of 4الهجرة المناخية.. أزمة عالمية صامتة متعدد الأبعادlist 4 of 4تغيرات المناخ تعيد تشكيل خريطة الهجرة العالمية وأنماطهاend of list

وتقول بنفينيست إن "تغير المناخ يؤثر على تدفقات الهجرة القائمة مسبقا، إذ يزيد من عدد المجبرين على النزوح وعدد المجبرين على البقاء أيضا".

ولا يوجد تأثير واحد منظم للهجرة المناخية، فعوامل الطقس المتطرف الناجمة عن الاحتباس الحراري تتفاعل مع العوامل الاقتصادية والفقر والأسباب السياسية والاجتماعية لتضخيم بعض التدفقات وكبح أخرى، كما تقول بنفينيست.

وتشير الدراسة إلى أن نمطا ثابتا برز في موجات الهجرة، فأصحاب الدخل المتوسط ​​هم الأكثر عرضة للانتقال استجابة لمخاطر المناخ، إذ يمتلكون موارد كافية لتمويل الانتقال، وتعرضا كافيا للتأثير.

وغالبًا ما يرغب أفقر الناس في المغادرة، لكنهم لا يستطيعون تحمل تكلفتها. أما الأثرياء، فبإمكانهم التكيف في مكانهم. وعلى سبيل المثال، خلال حرائق الغابات في لوس أنجلوس في يناير/كانون الثاني 2025، استعان بعض أصحاب المنازل بفرق إطفاء خاصة لحماية ممتلكاتهم، بينما شاهد آخرون منازلهم تحترق.

وفي هذه الحالة، وفّر المال خيارات -حسب الدراسة- لكن بشكل عام تتسع الفجوة بين الرغبة في الحركة (الهجرة) والقدرة عليها، وهو ما تطلق عليه بنفينيست وزملاؤها في الدراسة اسم "الجمود اللاإرادي".

عجز بعض الفئات الأكثر فقرا على الهجرة رغم الضغوط المناخية مما يضطرها للتكيف (رويترز)محاصرون في أماكنهم

في دراسة أجريت عام 2022 وتوقعت تدفقات الهجرة العالمية حتى عام 2100، قدر الباحثون أن الهجرة بين ذوي الدخل المنخفض ستكون أقل بنحو 10%، في ظل تغير المناخ مقارنة بسيناريو خالٍ من الاحترار.

إعلان

وتستنزَف موارد الأسر بسبب ضغط المناخ وفشل المحاصيل، وخسارة الأجور، وتضرر المنازل، حتى يصبح السفر غير مُتاح، ويظل الناس مُعرّضين للخطر.

وتُقدم الدراسة دولة نيبال كمثال واضح، فالعديد من صغار المزارعين يخففون وطأة قلة المحاصيل بإرسال عمالهم إلى الخارج والعيش على التحويلات المالية، ولكن عندما يضرب الجفاف بقوة كافية، تفقد هذه الأسر الدخل في الوطن والأموال اللازمة لتمويل الهجرة، ويتفاقم وضعهم.

وفي هذا السياق تقول بنفينيست "إن وجود الهجرة أو غيابها لا يُخبرنا بكل شيء، فانخفاض الهجرة قد يُشير إلى تزايد التعرض للضغوط البيئية".

كما لا يقل مكان سكن الناس أهمية عن انتقالهم، إذ تبرز في دراسة تحليلية -أجرتها جامعة برينستون عام 2020- أن المهاجرين يميلون إلى الاستقرار في أماكن أقل عرضة لمخاطر المناخ من حيث انطلقوا، خاصة لمن يغادرون البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وتنطوي هذه النتيجة على جانب سياسي حاد، فكلما زادت قيود حدود بلد ما تقلّصت تدفقات المهاجرين إلى مناطق أكثر أمانًا، وزاد عدد الذين يغادرون إلى مناطق عالية الخطورة، وتقول بنفينيست "إنهم ينتهي بهم الأمر إلى البقاء في الأماكن التي يتعرضون فيها للخطر بشكل أكبر".

وتشير الدراسة إلى أن المخاطر ليست مجردة، فبحلول منتصف هذا القرن، من المتوقع أن تواجه جميع مخيمات اللاجئين تقريبا حول العالم المزيد من أيام الحر الشديد.

وقد تشهد بعض المواقع الأكثر حرارة أياما مضاعفة تصل فيها درجات الحرارة الرطبة إلى ما يزيد على 30 درجة مئوية، وهي عتبة تكافح حتى الأجسام الصحية لتبريد نفسها عندها.

كما أصبحت المخيمات المُصممة للأزمات المؤقتة مساكن دائمة عُرضة لظروف قاسية. وتُجبر هذه الحقائق على اتخاذ خيارات صعبة حول كيفية التكيف داخل تلك المخيمات، بما في ذلك وسائل التبريد وتوفير المياه وتصميم الملاجئ.

وحسب الدراسة هناك بوادر تعاون دولي مبكرة، وإن كانت متفاوتة. ففي عام 2023، أبرمت دولة توفالو مع أستراليا اتفاقيةً تُمهّد الطريق للحصول على الإقامة الدائمة لمواطنيها بالبلد الأخير مع ارتفاع منسوب مياه البحار حول هذه الدولة المنخفضة المطلة على المحيط الهادي.

وقد أثار الاتفاق انتقادات بسبب منح أستراليا حق النقض (الفيتو) بشأن الترتيبات الأمنية في توفالو، ولكنه وضع سابقة عملية لربط مخاطر المناخ بالتنقل والهجرة القسرية.

الهجرة المناخية تفتقر لنظام حوكمة واضحة على المستوى الدولي (رويترز)مخاطر الهجرة والتكيف

وضمن منظومة الأمم المتحدة، يعمل كلٌّ من الميثاق العالمي للاجئين، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، على بناء أدوات لتوقع وإدارة التنقل والثبات المرتبطين بتغير المناخ.

ومع ذلك، تؤكد بنفينيست "غياب إطار حوكمة واضح على المستوى الدولي يُعالج هذه القضايا بشكلٍ كامل".

وتشير الدراسة لمجموعة من الأولويات التي يمكن السعي لتحقيقها الآن، إذ على الحكومات أن تُدرك مواطن تزايد الخلل. وينبغي أن تهدف برامج الدعم إلى استعادة القدرة على التصرف، إما بتمكين التنقل أو بتعزيز التكيف المحلي.

إعلان

كما ينبغي -حسب الدراسة- تقييم سياسات الحدود ليس فقط من حيث آثارها الأمنية، بل أيضا من حيث كيفية تأثيرها على التعرض لمخاطر المناخ. ويجب أيضا أن تصل الأنظمة العامة، في مراكز التبريد، والمساكن المرنة، والتأمين ضد الكوارث، إلى أولئك الذين لا يستطيعون "شراء" الحماية الخاصة.

كما يتعين على التخطيط الإنساني للظاهرة أن يأخذ في الاعتبار الحرارة الشديدة في نفس الأماكن التي تعاني أصلا من وطأة النزوح. وتؤكد بنفينيست أن غياب الحركة، أي النزوح المناخي، قد يكون مؤثرًا بقدر الحركة نفسها. وبالتالي لا يُنتج تغير المناخ نموذجا واحدا لـ"مهاجر مناخي".

وحسب الدراسة، سيؤدي ذلك إلى زيادة عدد المغادرين لأنهم مجبرون على ذلك، وزيادة عدد الباقين لأنهم غير قادرين على ذلك. ويحدد إدراك هذا الفارق الدقيق من ينتقل، ومن لا يستطيع، ولماذا؟ وما إذا كانت السياسات ستُقلل من المخاطر أم تُفاقمها؟

مقالات مشابهة

  • سلطنة عُمان تشارك في التمرين الإقليمي أمواج المحيط الهندي 2025
  • مستوى قياسي لثاني أكسيد الكربون وتحذير من حلقة مناخية مفرغة
  • سلطنة عُمان تشارك في التمرين الإقليمي "أمواج المحيط الهندي 2025"
  • تغير المناخ وبصمته الخفية على ظاهرة الهجرة في العالم
  • تدهور غير مسبوق في الشعاب المرجانية.. الأرض تقترب من أول نقطة تحول مناخية كارثية
  • وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يعقدون ثلاثة اجتماعات بشأن أوكرانيا
  • صور| الرياح تعصف بمطارات شرق الولايات المتحدة.. والتأخير بلغ 6 ساعات
  • العاصفة الاستوائية لورينزو تشتد في وسط المحيط الأطلسي
  • العاصفة الاستوائية لورينزو تشتد في الأطلسي دون أن تهدد اليابسة
  • الطقس غدا.. إنذار جوي من نشاط الرياح على بعض المناطق