تسمية “المجلس الملي” هل تصلح في زمن المواطنة والجمهورية الجديدة؟.. التيار العلماني برئاسة كمال زاخر يتقدم بمقترح للتطوير وتقديم أدوار جديدة
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
تسمية “المجلس الملي” هل تصلح في زمن المواطنة والجمهورية الجديدة ؟
البابا تواضروس الثاني يكلف المستشار منصف سليمان بإعداد لائحة جديدة للمجلس، بعد تعديل اسمه
التيار العلماني برئاسة كمال زاخر يتقدم بمقترح للتطوير وتقديم أدوار جديدة
الكنيسة تنتظر لائحة المجلس الملي الجديد وصلاحياته ومسماه الجديد خلال الأيام القادمة
كتب- سليمان شفيق
تواصل الكنيسة الاستمرار في إدراك مسيرة الجمهورية الجديدة نبدأ بقضية المجلس الملي وتجميد قداسة البابا تواضروس الثاني له وماهية تكوينة وكيفية استمرارة في عهد الجمهورية الجديدة .
لا يمكن إدراك وفهم المجلس الملى دون إدراك ما يحدث فى الكنيسة العتيدة، منذ 1873 وحتى نهاية 2017، ما يقارب القرن ونصف القرن، سبعة بابوات «كيرلس الخامس، يؤانس التاسع عشر، مكاريوس الثالث، يوساب الثانى، كيرلس السادس، شنودة الثالث، تواضروس الثانى» و18 مجلسا مليا، ولم تخلو دورة للمجالس الملية من مشكلات وخلافات بين الإكليروس والعلمانيين، إلا فى عهد البابا المتنيح شنودة الثالث، ويعود ذلك إلى رسامة الأعضاء الموقرين شمامسة، ومن ثم عملوا ليس بصفتهم علمانيين بل "درجة من درجات الإكليروس".
* تاريخ المجلس
تأسس المجلس الملى فى 1872، وانتخب أعضاؤه فى 16 يناير 1874، واختير بطرس غالى باشا وكيلًا للمجلس، حيث كانت الرئاسة للبطريرك، وأصدر الخديو إسماعيل أمره باعتماد تشكيله، وبدأ المجلس يباشر مهامه فى فبراير 1874، وهو الذى اختار البابا كيرلس الخامس بطريركًا خلفًا للبابا ديمتروس فى عام 1875، ورأى البابا كيرلس الخامس أن المجلس يمثل اعتداء على سلطاته فحله فى 1875، وسعى بطرس غالى لدى الدولة فى هذا الشأن حتى صدر الأمر العالى فى 13 مارس 1883 بتشكيل المجلس الملى مرة أخرى، وأعيد انتخاب بطرس غالى وكيلًا له فى 14 مايو 1883.
كان المجلس حينذاك، بمثابة محكمة للأحوال الشخصية للأقباط، تنظر منازعات الزواج والطلاق وغيرهما، وكان تشكيله يضم 12 عضوا، و12 نائبا يكونون الجمعية العمومية له، وينتخب الأعضاء والنواب 150 ناخبًا، ويكون البطريرك هو رئيس الاجتماع الانتخابى، كما تكون له رئاسة المجلس الملى ذاته، على أن ينتخب وكيل المجلس من أعضائه من يقوم مقام الرئيس عند غيابه، وفى العام 1891 أعلن البابا كيرلس الخامس رفضه اللائحة، وعندما أراد المجلس تجديد انتخاب أعضائه، طلب البطريرك من محافظ القاهرة منع الاجتماع، فقاوم المجلس وعقد الاجتماع، فخاطب البابا كيرلس الخامس الحكومة فى 20 يوليو 1891 بأن المجلس مخالف للحكومة، فعقد بطرس غالى اجتماعًا وطالب بتدخل الحكومة لرفع يد البطريرك عن المجلس الملى، فهدأ البطريرك وتوصل الطرفان إلى اتفاق وسط ينص على "أن تبقى أوقاف الأديرة تحت إشراف البطريرك، وأن تحتفظ الأديرة بفائض إيراد أطيانها، وألا يكون للمجلس علاقة بديوان البطريركية، وأن تكون رئاسة المجلس فى حال غياب البطريرك لمن ينيبه من رجال الدين، وأن يكون للبطريرك حق تعيين ثلث المجلس بغير انتخاب".
ورغم أن ذلك الاتفاق يسلب المجلس الملى اختصاصات كبيرة، فإن البطريرك رفض تنفيذه، فطلب المجلس من الحكومة نفى البطريرك، فنفى إلى دير البراموس بوادى النطرون، ونفى وكيله الأنبا يؤانس «البطريرك الذى خلف كيرلس الخامس فيما بعد رحيله» إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية، ودام نفيهما قرابة العام حتى أعادتهما وزارة رياض باشا فى 4 فبراير 1893، والتفت حوله الجماهير بمن فيهم أغلب خصومه، ولم يعد البطريرك مهزوما بل أكثر تشددا، فقبل العمل بلائحة 1883 بشرط أن تؤلف لجنة مالية تعمل بجواره بدلا من المجلس المنتخب، وبذلك نسف البطريرك جوهر اللائحة، واستمرت الأوضاع على هذا المنوال ما يقرب من 12 عامًا، إلا أن الصراع بين العلمانيين والإكليروس حول لائحة المجلس الملى استمر حتى ثورة 1952، وما تلاها من صراع ما بين البابا كيرلس السادس عام 1959 حتى عام 1970، وإغلاق البابا كيرلس السادس المجلس الملى وحله.
وإذا عدنا إلى عقب ثورة 1919، اختلف الأمر، فقد استوعبت الحركة الوطنية جانب التنوير الفكرى والإصلاح الدستورى، وفى أولى دوريات البرلمان الائتلافى الوفدى الدستورى، تقدم سوريـال جرجس، عضو مجلس الشيوخ، بمشروع قانون لتعديل لائحة المجلس الملى، ونص اقتراحه على إلغاء التعديلين اللذين أدخلهما البابا كيرلس الخامس فى 1908 حتى 1912، والعودة إلى لائحة 1883، واعترض الأنبا لوكاس، مطران قنا وعضو مجلس الشيوخ، وبعد مناقشة له من 30 مايو 1927، وحتى 25- 26 يونيو 1927، صدر القانون فى 22 يوليو برقم 19 لسنة 1927، وبعد أن أدخل عليه تعديل بناء على رغبة البطريرك تخص شروط أصحاب الأوقاف.
وأجريت الانتخابات للمجلس الملى وفق القانون فى 30 ديسمبر 1927، وانتخب النواب الـ12، إضافة إلى الأعضاء الـ12 وكان أغلبهم من الوفديين أنصار الإصلاح، إلا أن رجال الدين عطلوا تطبيق القانون، وانتهى الأمر باجتماع مشترك للمجلس فى 19 نوفمبر 1928 بناء على قرار أصدره محمد محمود باشا، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، ببقاء الحق للبطريرك فى تعيين رؤساء الأديرة أو أن تؤلف لجنة أوقاف الأديرة من البطريرك أو نائبه رئيسًا، وستة أعضاء، أربعة من المجلس الملى واثنان من المطارنة يختارهم البطريرك سنويًا، واستقال احتجاجا على ذلك خمسة من أعضاء المجلس الملى المنتخب، إلا أن القرار صدر، ولكن الإكليروس لم ينفذوه.
متغيرات
أفرغ دور المجلس الملى من مضمونه بعد ثورة يوليو 1952 بشكل موضوعى، ومن غلبة الليبراليين وكبار الملاك على عضويته من 1873 وحتى 1952، إلى كبار الموظفين ورجال الدولة والتكنوقراط بعد 1952، إلى متغيرات كبرى حدثت للنخب القبطية بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث لم تعد النخب لا كبار ملاك ولا تكنوقراط بل أبناء الفئات الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى، أبناء ثورة الاتصالات وليسوا أبناء الثورة الزراعية، ثوار تخطوا منهج «الأبوية»، هذه المتغيرات انعكست على المجلس الملى حتى إن البابا تواضروس صرح فى أكثر من حديث بأنه لا يرتاح لاسم «المجلس الملى» ومن المؤكد أن البابا على حق لأننا لا نعيش الآن فى العصر الذى يصنف فيه المسيحيون كـ«ملة» بل نعيش فى عصر نسعى فيه إلى المواطنة، ولذلك كله ووفق كل ما ذكر فإن العمر الافتراضى للمجلس الملى، شكلا وموضوعا، الاسم والمهام والتركيب الاجتماعى، كل ذلك انتهى عمره الافتراضى، وأصبح الحديث عن «المجلس الملى» بشكله القديم كمن يدخل الكنيسة بالطربوش العثمانلى.
كان المجلس الملي في أبريل 2011، انتهت المدة القانونية للمجلس الملي العام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذي شكل نتيجة الانتخابات التي أجريت في 2006، إلا أنه رغم مرور 7 سنوات على هذا الحدث، لم تعاود الكنيسة إجراء انتخابات لتشكيل هذا المجلس.
ورغم انتهاء المدة القانونية للمجلس، إلا أنه ظل طوال السنوات الماضية، يطل بين الحين والآخر ببيان إعلامي، أو لقاء مع البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
وأرجعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عدم إجراء انتخابات المجلس، نظرا للظروف التي مرت بها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومن بعدها وفاة البابا شنودة الثالث، وحينما جاء البابا تواضروس إلى سدة الكرسي البابوي في 2012، فضل عدم تشكيل المجلس لحين تغيير القانون الذي يشكل به، مع تعديل اسمه، إلا أن الأحداث التي تلت ذلك ومنها ثورة 2013، وما تلاها لم تعطي الكنيسة فرصة لتشكيل المجلس.إعداد لائحة جديدة للمجلس
كشف المستشار منصف سليمان، أحد المستشارين القانونيين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عن تلقيه تكليفا رسميا من البابا تواضروس الثاني، بإعداد لائحة جديدة للمجلس، بعد تعديل اسمه، مشيرا إلى الانتهاء من إعدادها بالفعل ورفعها للبابا الذي بدوره سيحيلها إلى المجمع المقدس للكنيسة لاعتمادها.
وبحسب التعديلات التي تنوي الكنيسة إدخالها على المجلس، يصير المجلس هيئة استشارية، وتم توسيع عضويتها، مع توسيع قاعد الناخبين، وتم تقديم مقترحات بالاسم الجديد له منها "مجلس الأقباط الأرثوذوكس، المجلس البطريركي، مجلس الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية".مناصب جديدة
وبدأ قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أكبر حركة تغيير في المناصب الإدارية داخل الكنيسة منذ سنوات طويلة، وكشف وقتها في افتتاحية مجلة "الكرازة" الناطقة بلسان الكنيسة، أن التجديد سيطال قريباً المجلس الملى العام بعد تعديل مسماه ولائحته.
واللائحة المنظمة لعمل المجلس بفروعه في المحافظات تعود إلى 144 عامًا، يتحدد بموجبها عدد أعضائه بأربعة وعشرين عضوًا يقوم الأقباط الأرثوذكس فى مصر بانتخابهم بعد دعوة وزارة الداخلية، وبمقتضاها يُشترط في المرشح ألا يقل عمره عن ثلاثين عامًا، حسن السمعة، لديه مؤهل متوسط على الأقل، ومُقيد في جداول الانتخاب.التيار العلماني برئاسة كمال زاخر يتقدم بمقترح لتطوير المجلس الملي
وفي نفس السياق تقدم التيار العلماني القبطي، برئاسة كمال زاخر، بمقترح للكنيسة لتطوير المجلس الملي العام، ليوسع من صلاحياته، وطريقة اختياره.
وشهد المجلس الملي المنتهية ولايته وفاة وكيله العام رجل الأعمال القبطي ثروت باسيلي، وكان آخر لقاء بين المجلس والبابا تواضروس في الخامس من فبراير 2018، وسبق أن أصدر المجلس المنتهية ولايته، بيانات إعلامية، في الأحداث التي تعرضت لها الكنائس لهجمات إرهابية، وكذلك نعي لأبطال الجيش والشرطة في حوادث إرهابية، وأيضا رفضا لتنفيذ عملا دراميا عن حياة البابا الراحل شنودة الثالث.
هكذا تنتظر الكنيسة اللائحة الجديدة للمجلس الملي الجديد وصلاحياته ومسماه الجديد في الأيام القادمة.
5b010687-56ed-4f2c-aa78-e714d3aa6886 55fb191a-ece5-420f-8016-289b0888b8e6 82e1cd0d-98de-4be6-bbfe-1c6ee739d7cf c6e4539d-56f9-45c9-8a64-8fde72b4189b
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: المواطنة الجمهورية الجديدة البابا تواضروس الثاني البابا تواضروس الثانی شنودة الثالث بطرس غالى إلا أن
إقرأ أيضاً:
الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية يلقي محاضرة بداغستان
ألقى الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، محاضرة متميزة على هامش مشاركته في مؤتمر "بناء الجسور بين الثقافات"، بعنوان: "محاور التجديد جسر للتعارف بين الشعوب"، بمدينة خسافيورت بجمهورية داغستان، في ضوء خطة وزارة الأوقاف وجهود الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف في مد جسور التعاون.
تناولت المحاضرة جهود المجلس في تعزيز التعاون بين الشعوب وترسيخ الفكر الوسطي، مستعرضًا المبادئ الأربعة التي رسخها وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري لتجديد الخطاب الديني.
كما تناولت المحاضرة المحور الأول، الذي يركز على مواجهة التطرف الديني من خلال التصدي للفكر المتطرف وتفكيك أيديولوجياته ومجابهة الإرهاب والتكفير والعنف، وتناول المحور الثاني مواجهة التطرف اللاديني، المتمثل في تراجع القيم والأخلاق، بما يشمل الإلحاد، الإدمان، الانتحار، التنمر، والتحرش، مع التأكيد على ضرورة التصدي لهذه الظواهر ببرامج توعوية شاملة.
وناقش الدكتور البيومي المحور الثالث، الذي يعنى ببناء الإنسان ليكون قوي الشخصية، شغوفًا بالعلم، ومخلصًا لوطنه. وأكد على أهمية تطوير مهارات الأفراد من خلال المبادرة الرئاسية "بداية جديدة"، التي تهدف إلى تشكيل جيل يقدم الخير والنفع للإنسانية.
أكد الدكتور البيومي أهمية الإبداع في العلوم الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاءوفي المحور الرابع، أكد الدكتور البيومي أهمية الإبداع في العلوم الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء، باعتبارهما ركيزتين لصناعة الحضارة، ودعا إلى استثمار الطاقات الفكرية لتحقيق إنجازات علمية تخدم الإنسانية.
وأضاف: عمل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية على إصدار العديد من الكتب والمراجع الفكرية التي تُفند الخطاب المتطرف، وتناقش أسس الفكر الوسطي بشكل منهجي، وقد تضمنت هذه الإصدارات تحليلات دقيقة للعقائد التي تستند إليها الجماعات المتطرفة، لتوضيح زيفها والتأكيد على القيم الإسلامية الأصيلة التي تدعو إلى السلم والتعايش.
وأكد أن المجلس ركز في عدد من إصداراته على مواجهة التطرف اللاديني، من خلال التوعية بمخاطر الإلحاد وتراجع القيم المجتمعية، وشملت هذه الإصدارات دراسات اجتماعية ونفسية تبرز أهمية إعادة بناء منظومة القيم والأخلاق، إلى جانب دعم الشباب بالردود العلمية والشرعية على التساؤلات المتعلقة بوجود الله ومعاني الحياة.
واستعرضت المحاضرة جهود المجلس في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتراثها الحضاري من خلال ترجمة الإصدارات الإسلامية إلى لغات متعددة، لتصل رسالة الإسلام السمحة إلى مختلف الثقافات.
وسلط الدكتور البيومي الضوء على برامج المجلس لدعم الطلاب الوافدين من مختلف الدول، عبر منح دراسية ومعسكرات تدريبية تهدف إلى ترسيخ قيم الإسلام الوسطي ونشر ثقافة التسامح والسلام.
واختتم الدكتور البيومي محاضرته بالتأكيد على أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يجسد الدور الحضاري لمصر، باعتبارها منارة للفكر الوسطي، وداعمة رئيسية لقيم الحوار والسلام العالمي.
وفي ختام المحاضرة أهدى الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي الطلاب الحاضرين نسخًا من إصدارات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، التي تُعنى بقضايا الشباب وتتناول موضوعات متعددة تهدف إلى تعزيز الوعي الفكري والديني بأسلوب يتماشى مع متطلبات العصر.
وشملت الإصدارات موضوعات تتعلق بتجديد الفكر الديني، ومواجهة الأفكار المتطرفة، ونشر قيم التسامح والتعايش السلمي، بالإضافة إلى كتب تسلط الضوء على القيم الحضارية في التراث الإسلامي ودورها في بناء الإنسان والمجتمع.
لاقى هذا الإهداء استحسان الطلاب، الذين أشادوا بالمحتوى الغني لهذه الإصدارات، وما تقدمه من رؤى مستنيرة تعزز من قدرتهم على فهم القضايا الراهنة من منظور إسلامي معتدل.