لجريدة عمان:
2025-04-07@16:05:12 GMT

هل تحولت فيسبوك إلى ديكتاتورية افتراضية؟

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

لم يعد إحساسنا بأننا موجودون حقا إحساسا كاملا، إذا ما غابت هوياتنا الافتراضية عن ذلك الفضاء الذي تؤثثه منصات التواصل الاجتماعي، هي التي تحولت إلى حالة طبيعية يومية، إلى الحد الذي أصبحنا معه، نشكُّ في وجودنا خارج نطاقها. فنحن نتحرك في عالم اليوم بازدواجية رهيبة جعلت كل علاقاتنا مزدوجة تقريبا، إننا نحيا في حالة انخطاف وتردد سريع، مقيمين وعابرين خلال ساعات اليوم الواحد بين عالمٍ افتراضي «حداثي حُر» لا تكبحه سوى مسطرة الصوابيات السياسية والأخلاقية السائدة، وعالمٍ آخر واقعي، إلا أنه أقل حداثة وحرية، وربما بات أقل دهشة.

وأصبح بالإمكان القول إن لكل افتراض واقعه الموازي، ولكن مهما كان العالم الافتراضي يمثل -في افتراضه- صورة منعكسة عن الواقعي الموازي، أو العكس، إلا أن الواقع والافتراض يظلان منفصلين بغشاوة ضرورية من الإيهام؛ ليبقى الواقعُ واقعًا والافتراضُ افتراضًا، لكل منهما شخصية منفصلة وأسلوب حياة وأداء خاص.

ما سيظل يدهشني في منصات التواصل الاجتماعي هو تحولها السريع إلى أماكن؛ أماكن بالفعل! أصبحنا نتحدث عن تويتر وفيسبوك وإنستجرام كبيئات مكانية، حيث تتمتعُ كل منصة من هذه المنصات بمناخها الخاص، وبخصوصيةٍ تميزها عن باقي برامج التواصل الاجتماعي، وطبيعةٍ مختلفة لنوعية المحتوى والاهتمامات التي تشغل روَّادها، كما تطرح كل منصة تشريعاتها الخاصة وتفرض أنماطًا معينةً من التفاعلات بين المستخدمين، سكان هذه المنصات/ الأماكن ومواطنيها. بل طورت بعض هذه المنصات فلسفتها لتتحول إلى نموذج أقرب إلى «الدولة الافتراضية» خاصة بعد إقرارها فرض ضريبة مالية على سكَّانها، كما هو الحال مع المرسوم الذي سنَّه إيلون ماسك في مملكته عشية تغيير اسمها من «تويتر» إلى اسمها الجديد الأقل بريقا «إكس» مُعلنا توديع آخر الطيور المغردة أواخر يوليو الماضي، الفترة نفسها التي شهدت نزوحا هائلا من سكَّان مملكة ماسك إلى دولة وليدة قيد الإنشاء، وهي ثريدز، وذلك تعبيرا عن احتجاجهم على عقود الإيجارات والضرائب التي فرضها نظام إكس الجديد.

ولا ننسى أن هذه المنصات تتباين فيما بينها من حيث مستوى الحرية، الشعار الحضاري الأهم الذي جاءت حداثة الإنترنت لتنادي به بعد عقود طويلة من استبداد الإعلام التقليدي واحتكاره للخبر والمعلومة، بل واحتكاره حتى للإشاعة. لكن صيحة حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي لم تنجُ من آثار الرقابة بأنواعها التي قد يتعرض لها أي متحدث في مكان عام، في الواقع المباشر للصحافة والإعلام التقليديين، إذ يبقى التعبير في الفضاء الافتراضي معرَّضا لأربعة مستويات، على الأقل، من الرقابة: الرقابة الذاتية، والرقابة الاجتماعية (الجمهور)، ورقابة الدولة، وأخيرا رقابة المنصة ذاتها. فهل تحولت هذه المنصات بالفعل إلى دول افتراضية أو أنظمة سياسية؟ ما الذي يمكن قوله عن إمبراطورية «ميتا» مثلاً، والتي تحكم اليوم قرابة ثلاثة مليارات مستخدم، أي ما يعادل نصف سكَّان الكرة الأرضية تقريبا، متوزعين بين مستعمرات ميتا النَّشطة: فيسبوك وإنستجرام وواتساب وماسنجر؟

أحدث فضائح إمبراطورية مارك زوكربيرغ جاءت بعد نبأ إغلاق شركة ميتا حسابَ مذيع قناة الجزيرة، تامر المسحال، على فيسبوك، دون سابق إنذار، وذلك بعد 24 ساعة فقط من بث آخر حلقات برنامجه التحقيقي «ما خفي أعظم» مساء الجمعة الماضي، الحلقة التي حملت عنوانا هو «الفضاء المغلق» في إشارة إلى تراجع منسوب حرية التعبير في الفضاء الأزرق، الفضاء نفسه الذي مهَّد واحتفى قبل عقد من الزمان بأصوات وآمال الشعوب العربية خلال الربيع العربي، كما عبرت جدرانه قبلها بسنوات عن طموحات الشباب الإيراني فيما عُرف بالحركة الخضراء.

ارتفعت نسبة مشاهدي تحقيق «ما خفي أعظم» على يوتيوب فور انتشار خبر حجب فيسبوك حسابَ مقدم البرنامج، إلا أن حلقة «الفضاء المغلق» لم تفاجئ الكثيرين بما كشفته من ازدواجية المعايير التحريرية والرقابية التي تتبعها سياسات منصات ميتا في تعاملها مع النزاعات العرقية والسياسية في أنحاء من العالم، مثل كشمير وميانمار، وصولا إلى انحيازها المتوقع إلى جانب الأوكرانيين ضد الحرب الروسية الدائرة على بلادهم منذ فبراير 2022. غير أن هذا الانحياز هو ما يتجلى بوضوح سافر في سياسة فيسبوك الشرق أوسطية، وتحديدا في تعاطيها مع المحتوى الإسرائيلي على حساب المحتوى الفلسطيني والعربي المضاد. فتواطؤ فيسبوك مع آلة النشر والدعاية الصهيونية، مهما بلغت نبرتها التحريضية على الفلسطينيين والعرب، في مقابل تعاملها بالحجب والحذف والإلغاء مع المحتوى الفلسطيني، بدا جليا منذ عام 2016 على أقرب تقدير، كما يؤكد تحقيق الجزيرة. وقد لوحظ تفاقم انتهاكات فيسبوك للمحتوى الفلسطيني بعد توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 6 ديسمبر 2017، حتى بلغت تلك السياسات التعسفية والإقصائية ذروتها مع اندلاع الهبة الشعبية الفلسطينية في مايو2021. إلا أن اللافت في التحقيق الذي بثته الجزيرة هو اعتراف أريك باربينغ (المدير السابق لوحدة السايبر في جهاز الشاباك الإسرائيلي) بسرعة استجابة إدارة شركة ميتا للطلبات الإسرائيلية المقدمة لحجب الصفحات الفلسطينية، طبعًا وكالعادة تحت عنوان عريض هو التحريض على العنف أو المعاداة للسامية. يقفز هذا الاعترافُ الصريح على الاعتقاد السائد عن مجرد تواطؤ إدارة ميتا مع الأجندة الإسرائيلية، ويتجاوزه إلى ما هو أبعد وأدهى؛ إذ يشي بمستوى عالٍ من التنسيق الأمني والتقني بين الشركة التي تدعي الاستقلال وجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل!

إن الحرب التي تشنها فيسبوك ومثيلاتها من المنصات على المحتوى العربي الفلسطيني تحمل في مضمونها حربا على اللغة العربية بوصفها لغةً رسمية للإرهاب، في تكريس أهوج للنظرة الاستشراقية التي ترى في اللسان العربي واللغة العربية ميلا فطريا لدلالات العنف والموت. فعندما تصادر سياسيات فيسبوك كلمات بعينها مثل «شهيد» أو «الأقصى» فإنها لا تنتهك حرية التعبير فحسب، بل تنتهك المعجم العربي تعمد لإفراغ الكلمات من حمولتها الدلالية التي تنتجها الثقافة العربية.

وأخيرا، يبقى السؤال الذي يجب أن تراجع به فيسبوك نظريتها الإعلامية كمنصة تواصل اجتماعي تدعي الاستقلالية والحرية، وهو السؤال الذي يجب أن نواجهه نحن أيضا كسكَّان مستخدمين لهذه المنصة بعد نحو عقدين من تأسيسها: هل تحولت فيسبوك إلى ديكتاتورية افتراضية؟

سالم الرحبي شاعر وكاتب

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی هذه المنصات إلا أن

إقرأ أيضاً:

من المضايف إلى المكاتب الإنتخابية: كيف تحولت العشائر إلى أدوات سياسية؟

بغداد اليوم - بغداد

في تحول لافت شهدته الدورات الانتخابية الأخيرة أصبحت العديد من المضايف في مختلف المناطق تتحول إلى مكاتب انتخابية تحت رعاية ما يُعرف بـ "المشيخة الجدد"، في خطوة تهدف إلى كسب أصوات العشائر، لجأت بعض الأحزاب إلى ترشيح أفراد من العشائر المؤثرة أو أبناء الشيوخ أنفسهم، مما يعكس تحالفات سياسية تعتمد بشكل أساسي على دعم الزعامات العشائرية. 

هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول تأثير النفوذ العشائري على العملية السياسية، وتثير الجدل حول مدى تأثير هذه التكتلات في توجيه النتائج الانتخابية لصالح أطراف معينة.

المحلل السياسي عدنان التميمي أوضح ، اليوم السبت (5 نيسان 2025)، أن بعض المضايف تحولت إلى مكاتب انتخابية تحت رعاية "المشيخة الجدد"، مشيرًا إلى أن الأحزاب تستخدم أفراد العشائر أو أبناء الشيوخ لكسب أصوات العشيرة ودعمهم السياسي، مما يعزز تكتلات سياسية معينة.

وقال التميمي لـ"بغداد اليوم"، إن "الدورات الانتخابية الأخيرة كشفت أن من أهم عوامل بقاء القوى السياسية في المشهد الانتخابي والحفاظ على مكتسباتها هي اعتماد كل الوسائل المتاحة لكسب الأصوات، والحفاظ على وجودها داخل مجلس النواب، وبالتالي في الحكومة".

وأضاف أن "البُعد العشائري له تأثير كبير، وهو يمثل عاملاً مهماً في كسب الأصوات. لذا، لجأت القوى السياسية، خاصة الكبيرة منها، إلى ما يسمى بـ'المشيخة الجدد'، وهم شخصيات بدأت تظهر بشكل لافت، مستفيدة من المال السياسي وتأثيرها على المناطق الفقيرة والعشوائيات لتوجيه الناخبين نحو مرشحيهم وتكريس سيطرة سياسية محددة".

وأشار التميمي إلى أن "المشيخة الجدد هم في الغالب أشخاص عاديون يدعون المشيخة دون أي دلائل واضحة على ذلك، ويكثُر وجودهم في بعض المحافظات. هؤلاء استغلوا حاجة الأحزاب السياسية للأصوات وتوجهاتهم نحو الكسب المالي، وهو ما يفسر تحوّل البعض منهم إلى أطراف فاعلة، يتلقون أموالاً ضخمة مقابل أصواتهم في الانتخابات".

وأوضح أن "هذه العملية تعد بمثابة سمسرة سياسية ذات عوائد مالية كبيرة، فضلاً عن أنها تمنحهم نفوذًا متزايدًا في مناطقهم نتيجة قربهم من الأحزاب التي تمتلك أدواتها وسلطتها داخل مؤسسات الدولة. الأمر الذي يخلق مصلحة مشتركة".

وأكد أن "العديد من المضايف تحولت إلى مكاتب انتخابية خلال الدورات الانتخابية الأخيرة، تحت رعاية هؤلاء 'المشيخة الجدد'. مشيرًا إلى أن بعض الأحزاب لجأت إلى ترشيح أفراد من العشائر المؤثرة أو حتى أبناء الشيوخ أنفسهم، من أجل كسب أصوات العشيرة وتوجيه الدعم السياسي لهم، وهو ما يخلق مبررات لتأييد هذا التكتل السياسي".

وختم التميمي بالقول إن "القوى السياسية لا تتحرج في استخدام أي خطوة أو أداة من أجل كسب الأصوات، لأن الهدف النهائي هو الحصول على أكبر عدد من الأصوات في الصندوق الانتخابي، بعيدًا عن البرامج أو الرؤى الحقيقية التي من المفترض أن تضع حلولًا لملفات الأمن والاقتصاد والخدمات".

وتشكل العشيرة في العراق عقداً اجتماعياً ذا وظيفتين، اقتصادية ونفسية والعشيرة هي في أساسها الأول بنية بيولوجية تقوم على رابطة الدم والنسَب، وتعيد هذه الوظيفة إنتاج نفسها بشكل أحكام وأعراف وتقاليد وسلوكيات قائمة على التجانس العصبوي ضد العناصر الخارجية. 

وشكّلت النزاعات العشائرية في العراق إحدى أهم المشكلات التي واجهت حكام البلاد على مدى تاريخ الدولة العراقية، ما شجع الحكومات المتعاقبة، على ضم العشائر إلى العملية السياسية وإشراكها في القرار السياسي، وسُمح لها في ما بعد بالتسلح والمشاركة في الأحزاب والسلطة وامتلاك النفوذ السياسي.


مقالات مشابهة

  • مركز الامن السيبراني يحذر من رسالة احتيالية على فيسبوك
  • «إل لاما 4» أحدث مبتكرات «ميتا» لتعديل المحتوى
  • جدل على المنصات بسبب مقطع فيديو لترامب بشأن قصف باليمن
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • نيكول سابا تكشف عن رأيها فى انتشار المنصات الرقمية
  • مكالمة تحولت لزيارة.. ما أجندة نتنياهو في واشنطن؟
  • من المضايف إلى المكاتب الإنتخابية.. كيف تحولت العشائر إلى أدوات سياسية؟
  • من المضايف إلى المكاتب الإنتخابية: كيف تحولت العشائر إلى أدوات سياسية؟
  • طلب إحاطة بشأن انتشار مواقع المراهنات والقمار الإلكتروني
  • خبير تشريعات اقتصادية: الملاحة في البحر الأحمر تحولت لمسرح حرب