لجريدة عمان:
2025-12-10@00:17:06 GMT

قوة الهاتف المحمول

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

يعد التواصل عبر الهاتف المحمول شريان حياة للمجتمعات؛ فهو لا يرتبط بالفرد في علاقة ترف ورفاه، بل يُنظر إليه باعتباره ضرورة عصرية، وقد أثبتت التجارب والمواقف المتعددة أنه ساعد الكثير من الناس في المناطق المتضررة جرَّاء النزاعات أو الكوارث الطبيعية، إضافة إلى أهميته في تطوير مختلف المجالات التنموية خاصة في الابتكار والتعليم والثقافة، فالهاتف المحمول يمثِّل قوة حديثة لها إمكاناتها التي تنعكس مباشرة على المجتمعات.

يشير تقرير اقتصاد الهاتف المحمول 2023 الصادر عن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA)، إلى أن عدد المشتركين في خدمة الهاتف المحمول عام 2022 بلغ 5.4 مليار شخص على مستوى العالم، (بما في ذلك 4.4 مليار شخص استخدموا الإنترنت عبر الهاتف المحمول)، وقد سبَّب ذلك في تراجع فجوة استخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول خلال السنوات الخمس الماضية من 50% في عام 2017 إلى 41% في عام 2022، ولهذا فإن تقنيات الهاتف المحمول وخدماته قد ولَّدت 5% من الناتج المحلي الإجمال العالمي؛ حيث بلغت مساهمته 5.2 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية المضافة، ودعمت 28 مليون وظيفة عبر النظام البيئي المحمول الأوسع، وسيسهم الجيل الخامس 5G في دعم الابتكار والخدمات المتنقلة مستقبلا، بما يزيد من فرص التوظيف والصناعات المساندة – حسب التقرير –.

ومع شيوع مفهوم المواطنة الرقمية فإن الطلب على الهواتف المحمولة يتزايد في ظل ما يشهده العالم من إقبال كبير على زيادة الطلب خاصة بين فئة الناشئة والشباب باعتبارهم مواطنين رقميين لا يستخدمون الهواتف من أجل الاتصال التقليدي والرسائل النصية وحسب، بل بوصفه أداة قادرة على إدارة حياتهم من خلال مجموعة من المعطيات والبرامج التي تطغى على نظام حياتهم خاصة ما يتعلق بالفيديوهات والألعاب؛ حيث يكشف تقرير (GSMA) أن التقديرات تشير إلى أن حركة مرور الفيديوهات في الهاتف المحمول تمثل حوالي 70% من بين جميع حركة بياناته، والتي يُتوقع ارتفاعها إلى 80% في عام 2028، حيث تقوم تقنية الجيل الخامس بدعم ذلك النمو ودفعه.

وتمثل الهواتف المحمولة انعكاسا مهما للتطورات التقنية التي تعتمد عليها الصناعات الحديثة، فاعتماد المواطنة الرقمية على تلك التطورات، دفع إلى دعم توجهات إنترنت الأشياء وتكنولوجيا المعلومات، الأمر الذي جعلها تنمو بشكل متزايد كما يخبرنا تقرير (GSMA)؛ فهي (أول اقتصاد رئيس) على مستوى العالم، حيث يُتوقع أن يستمر إنترنت الأشياء في النمو عام 2023 وما بعده، مع ظهور صيحات جديدة، بما في ذلك السلبية منها، مع وجود أجيال حديثة لأجهزة استشعار إنترنت الأشياء بشكل أصغر وأرخص مقارنة بالأجيال السابقة مثل( NB-IOT و LTE-M)، التي يتم تشغيلها بواسطة موجات الراديو والطاقة الشمسية والرياح والاهتزازات والحرارة – كما جاء في التقرير –.

إن هذه التطورات الهائلة التي تشهدها صناعة الهواتف المحمولة، وما تمثله من قدرات على مستوى التعليم والثقافة والاتصالات والتقنية وبالتالي الاقتصاد، وما يقدمه من خدمات رقمية تعتمد على تقنيات الجيل الخامس في مجالات الترفيه والألعاب والأخبار واللياقة البدنية والشؤون الاجتماعية والرعاية الصحية وغيرها، قد جعل من هذا الجهاز الصغير أداة تحريك لحياة الناس، يعتمدون عليها في تسيير الكثير من الأعمال أثناء العمل، ويستغلون خلالها أوقات فراغهم، بل أنهم يتسوقون ويتواصلون عن طريقها. إنها موطن القوة في الحياة العصرية، فهي أداة ذكية قادرة على توجيه حياة الناس خاصة فئة الناشئة والشباب، بما تقدمه من برامج وخدمات سهَّلت حياتهم ودفعتهم إلى نمط حياة مختلف عن الأنماط التقليدية.

ولهذه الأهمية التي يمثلها الهاتف المحمول في حياة المجتمعات، فإن الاهتمام بتلك المهارات المرتبطة باستخدامه وكيفية التعامل مع خدماته وبرامجه التي تتزايد وتتوسَّع مع تطوُّر التقنيات الإلكترونية من ناحية، وحاجات المجتمعات والتحديات التي تواجهها من ناحية ثانية، لذا فإن التعليم بمختلف مراحله عليه أن يخطط وفقا لتلك التطورات والمتغيرات، ذلك لأن مستقبل التعليم وآفاق التعلُّم مدى الحياة مرتبط ارتباطا وثيقا بالتعلُّم الإلكتروني بشكل عام والتعلُّم عن طريق الهاتف المحمول بشكل خاص، فالأجهزة المحمولة تمثِّل قاعدة أساسية للتعلُّم، وعلى المتعلِّم أن يُحسن التعامل معها، وأن يمتلك المهارات الضرورية التي تمكِّنه من ذلك.

إن التطورات المتسارعة في صناعة الهاتف المحمول وما يواكبه من تزايد في أهميته الاقتصادية والاجتماعية يجعل منه أداة مهمة في تحسين التعلُّم، خاصة من خلال برامج التعلُّم باللعب التي تُسهم في تعزيز مهارات المستقبل مثل حل المشكلات والتفكير الناقد، إضافة إلى تلك المهارات المرتبطة بتحليل المعلومات والبيانات، ومهارات التواصل الفاعل عن طريق البرامج التفاعلية ومختلف برامج الإبداع ، ولهذا فإن نهج التعليم المرتبط بالتقنية والتعلُّم التفاعلي سيمكِّن المتعلمين من تطوير قدراتهم للاستفادة من برامج الهاتف المحمول وخدماته بما يدعم العملية التعليمية من ناحية، ويمكِّنهم من التفاعل الإيجابي مع ما يُبث من بيانات ومعلومات من ناحية أخرى.

ولقد أسهمت المواطنة الرقمية في تعديل الكثير من المفاهيم المغلوطة عن التقنيات وأهميتها في حياة المجتمعات، فعلى الرغم من تلك السلبيات والتحديات التي تواجهنا أثناء التعامل مع برامج التقنية وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي مع انفتاحها وما تقدمه من كم هائل من المعلومات المشتتة، إلاَّ أن الوعي بالمواطنة الرقمية ومفاهيمها وحدود التعامل معها، قد مكَّن الكثير من أفراد المجتمع من مهارات التعامل معها عن طريق التحليل والنقد، ولهذا فإن ارتباط المجتمعات بالهاتف المحمول باعتباره أداة ذكية تمكنه من الوصول إلى تلك البرامج والخدمات، يحتاج دوما إلى فهم عميق لمفاهيم المواطنة الرقمية وقيمها الأخلاقية، ولن يكون ذلك سوى عن طريق إعداد منظومة تعليمية قائمة على مستقبل اتجاهات التعلُّم.

إن اقتصادات الهاتف المحمول وما تمثِّله من قوة تتجه اليوم نحو اعتبارات لا ترتبط بالتعليم والتعلُّم وحسب بل تتعلَّق بمجالات عدة منها السياحة والثقافة؛ حيث تم إيجاد مجموعة من البرامج والتطبيقات التي تسهِّل على السائح الوصول إلى وجهته وتيسِّر عليه وسائل الحصول على أساليب الراحة أو المغامرة أو غير ذلك، من خلال ما تقدمه الدول من خدمات مرتبطة بمجموعة من الأنظمة التقنية التي تنفَّذ عبر الهاتف المحمول بُغية ضمان الوصول إلى المستفيد، ولهذا فإنها تستخدم أشكالا وتصاميم تتوافق مع أهدافها، إضافة إلى تلك البرامج الثقافية والصحية وطرائق عرض كل منها.

وبعيدا عن التطبيقات التقنية وخصوصيتها، فإن جميعها يتخذ مصفوفة تقوم على تحديد الأهداف، والهيكلة التنظيمية، والبدائل، وانسياب التقنية نفسها، إضافة إلى الموثوقية. لذا فإن لغات البرمجة تتخذ من تحسين آفاق مستقبل اقتصادات الهاتف المحمول هدفا لها وفق مجموعة من التقنيات تضمن سهولة ديناميات المحتوى الرقمي واعتماده على الحركة والصوت والتفاعل والمشاركة؛ فكلما زاد عدد المشاركين وتفاعلهم زاد في المقابل نسبة تكرار التجربة وبالتالي تعزيز ميزات تلك الدينامية.

إن الهاتف المحمول يمثل قوة تعلُّم وثقافة غير محدودة إذا ما تم التعامل معه وفق مجموعة من المهارات، وإذا ما استثمرت الدولة فيه ضمن تلك الغايات، ونحن نشهد تطورات هائلة في تطبيقاته وبرامجه على المستوى الدولي، وعلى الرغم من وجود بعض التطبيقات المحلية، إلاَّ أنها ما زالت تحتاج إلى الكثير من الدعم والتمكين حتى تكون لدينا برامج داعمة لمنظومتي التعلُّم والثقافة والتي يمكنها أن تشمل مجموعة كبيرة من التطبيقات في كافة القطاعات.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبر الهاتف المحمول المواطنة الرقمیة التعامل مع إضافة إلى الکثیر من مجموعة من من ناحیة عن طریق

إقرأ أيضاً:

ما لن يخبرك به البنك عن سرقة بياناتك

لم أكتب اليوم هذا المقال بدافع الفضول أكثر من كتابتي له بدافع القلق، قلق تشكل بداخلي بسبب حوادث صغيرة متكررة كثيرًا ما سمعنا عنها وتجاوزناها، كحساب اخترق أو بطاقة أُفرغت أو صورة استخدمت في غير موضعها، أو رسالة واحدة كانت كفيلة بقلب حياة أحدهم رأسًا علي عقب، مع الأسف نحن نتحرك في العالم الرقمي بثقة زائدة، نترك بيانات وصوراً وحسابات بلا حراسة، ثم نتساءل بدهشة كيف حدث ذلك؟ وهذا ما دفعني لأبحث عن شخص أتحدث معه دون أن يكون من أولئك الذين يلوحون بالمصطلحات المعقدة لإثبات المعرفة، بل هو خبير عمل لسنوات طويلة في مجال الأمن السيبراني من تتبع للاختراقات لتحليل أنماط الاحتيال الرقمي للكثير من الدراسات المعقدة في ذلك الشأن الحيوي، حتي اكتسب خبرة لا يمكن الاستهانة بها. هو شخص يعرف عن قرب جيدًا كيف تسرق الحسابات وتستنزف البيانات من نقاط ضعف صغيرة يتجاهلها أصحابها، بل ونمارسها دون أن ندرك مخاطرها، كان حديثه هادئًا خاليًا من التخويف لكنه محمل بوقائع متكررة لا تحتمل الإنكار، خبرته تراكمت من مراقبة الأخطاء البشرية قبل التقنية، ومن فهم دقيق لكيف يفكر المهاجم وكيف نسهل له الطريق دون أن نشعر.
بعد حديث مطول معه عن تلك التهديدات، لم أخرج بانطباع مريح، فقد شعرت بالقلق حين أدركت أن معظم ضحايا الاختراق لم تكسر أنظمتهم؛ بل فتح للمخترقين الأبواب طواعية، فالخطر الحقيقي لا يكمن في تعقيد الهجمات بل في بساطتها، في عاداتنا اليومية التي نتعامل معها بلا اكتراث، أول ما لفت انتباهي في حديثه، أن بياناتنا الشخصية لم تعد مجرد تفاصيل جانبية، فرقم الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الصور أو الموقع الجغرافي وحتي نمط السلوك اليومي، كلها أجزاء من هوية كاملة قابلة للبيع أو الاستخدام أو حتي الابتزاز، نمارس تلك العادات بتراخٍ، ثم نندهش من النتيجة حين تستعمل ضدنا، فسرقة البيانات الشخصية لم تعد سيناريو افتراضي أو خبر عابر، بل أصبحت واقعاً يومياً، ضحاياه أشخاص عاديون، كل ما تكتبه ليست معلومات بريئة عنك؛ بل هي قطع من هويتك، وإذا وقعت في يد خاطئة يمكن أن تستخدم لانتحال شخصيتك أو اختراق حسابك أو سحب أموالك أو ابتزازك، والمفارقة أن كثيرًا من هذه الكوارث تبدأ بإهمال بسيط، ككلمة مرور ضعيفة، أو تطبيق مزيف، أو استهانة بتحذير، بالرغم من كل هذه المعلومات الهامة توجهت لمحور حديثي معه عن الحسابات البنكية، فهي من أكثر الملفات الشائعة التي يسيء المستخدم حمايتها، أخبرني أن كلمة مرور البنك إذا كانت مكررة أو قصيرة أو محفوظة في الهاتف، أو معاد إرسالها أو حفظها لنفسك عبر تطبيقات المراسلة كارثه لا ندرك حجمها، فكثير منا يرفض تفعيل المصادقة الثنائية لأنها مزعجة، بالرغم من أنها الحاجز الحقيقي لحمايتك، والأخطر من ذلك هو الاعتماد والوثوق في رسائل تأتي باسم البنك، أو نقوم بتحميل تطبيقات عبر روابط من تطبيق مزيف، أو الانسياق خلف رسائل أو مكالمات لمجرد أنها تحمل اسم البنك وتطلب تحديث البيانات أو تحميل تطبيق من رابط عابر، وهو فخ يقع فيه الكثير من المستخدمين، بينما التطبيق الرسمي وحده هو المسار الآمن لحماية حسابك البنكي، وكذلك أهمية المتابعة المستمرة لإشعارات السحب والإيداع من البنك، فهي ليست إجراءً ثانويًا بل إنذارًا مبكر لما يحدث لحسابك، فكل تأخير في الرد علي حركة غير معروفة للحساب يمنح السارق وقتًا أطول للسرقة، في النهاية أخبرني أن هناك قاعدة واحدة غير قابلة للتفاوض، وهي أن بيانات البطاقة لا تقال ولا تكتب ولا تشارك مهما بدا الصوت المقابل مقنعًا أو قريبًا، لأنها المدخل الأسهل لسرقة الأموال عالميًا، فالهواتف الذكية نفسها تشكل ثغرة دائمة، فتأجيل التحديثات، أو استخدام قفل شاشة ضعيف، أو ترك الهاتف في يد الآخرين حتي ولو لدقائق، أو السماح بتثبيت تطبيقات من خارج المتاجر الرسمية المعروفة، كلها ممارسات شائعة تجعلنا فريسة للمخترق وكل واحدة منها كافية لزرع برنامج تجسس لا يرى ولا نشعر بوجوده إلا بعد فوات الأوان، حتي الصور والملفات الحساسة، يحتفظ بها كثير منا في مجلدات مفتوحة بلا أي حماية حقيقية علي الهواتف وكلها قابلة للاختراق، كذلك البريد الإلكتروني ووسائل التواصل التي تعتبر البوابة الأم للمخترق، فمن يخترق بريده يعاد ضبط حساباته كلها بضغطة زر، ومع الأسف لا يزال هناك أشخاص منا يقومون بفتح الروابط المشبوهة وكأنه أمر اعتيادي بالرغم من كل التحذيرات، ولا يزال طلب تأكيد البيانات يقابل بالامتثال بدلًا من الشك، خرجت من هذا الحديث وأنا علي قناعه بأن الأمن الرقمي ليس رفاهية تقنية، ولا هوسًا مبالغًا فيه، بل هو سلوك يومي بسيط يقول إن عدم استخدام الشبكات العامة في المعاملات الحساسة، وعدم مشاركة بيانات البطاقة أبدًا، ومتابعة الإشعارات البنكية، وحماية الهاتف عن بعد، والابتعاد عن أي تطبيق أو خدمة مجانية تطلب أكثر مما ينبغي، هو صمام أمان لحماية حسابك، فنحن لا نحتاج إلي خوف دائم بل نحتاج إلي وعي بالمخاطر؛ فالعالم الرقمي لا يكافئ حسن النية، بل يحترم من يغلق بابه جيدًا، فكل إهمال صغير ليس تفصيلة بل احتمال خسارة مؤجل.

NevenAbbass@

مقالات مشابهة

  • ما لن يخبرك به البنك عن سرقة بياناتك
  • مكالمات الواتساب بين الحرية الفردية والقيود الأمنية والتجارية
  • وحش الألعاب.. مواصفات جهاز المحمول لينوفو Legion Pro Rollable
  • لحمايتهم من الخطر.. المرور يحث على استخدام المقاعد المخصصة للأطفال في المركبة
  • المرور: 4 تنبيهات بشأن استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة
  • ارتفاع استخدام الهاتف النقال وخدمات الإنترنت في العراق
  • كيف تحمي حاسوبك المحمول من مخاطر شبكات الواي فاي العامة
  • سب وتنمر واستيلاء على الهاتف.. كشف ملابسات تعدي سائق توكتوك على سيدة بالجيزة
  • الداخلية تكشف غموض مقطع فيديو لخطف هاتف في المنيا وضبط الجناة
  • القبض على سائق توك توك تعدى على فتاة بالجيزة