لجريدة عمان:
2025-02-26@21:54:18 GMT

التركيب الأسري في عالم متغير

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

تبدو السياسة الأسرية على رأس أجندة السياسات الاجتماعية عالميا اليوم، فحالة اعتلال الدخل العالمي، وتعافي اقتصاديات الأسر ما بعد الجائحة وموجة التضخم العالمية، وتذبذب النظم التعليمية وتزايد معدلات فاقد التعليم، والضغوطات على النظم الصحية، والحاجة إلى تقوية شبكات الحماية والأمان الاجتماعي، كلها تداعيات تدفع عديد دول العالم اليوم إلى النظر إلى واقع الأسر؛ كونها المحور الرئيس الذي تدور حوله هذه السياسات.

إضافة إلى ما يتجاذبها من موجات تحول ثقافي واتجاهات ناشئة تتداعى إليها عبر محمول الإعلام، وأجندة التدبير السياسي، ومختلف أنماط التواصل الثقافي العالمي . وفي الجانب الآخر، لا يمكن لسياسات مثل سياسات الحماية الاجتماعية، أو سياسات تمكين المرأة، أو السياسات السكانية، أو سياسات كبح التضخم وحماية الدخول أن تكون فعالة دون النظر إلى أساس التركيب الأسري الذي تستهدفه وتعتمد عليه؛ ونقصد هنا عدة أبعاد للتركيب الأسري منها: التغير في أنماط الأسرة (الأسر الممتدة - الأسر النواة - الأسر النووية) أو التغير في أنماطها بحسب المعيل، كذلك تقسيم أنماط الإعالة، واعتمادية الأفراد، عوضًا عن السلوك الاستهلاكي والصحي وأنماط المسكن والقيم التعليمية والتغير في توقعات الأدوار سواء كان للمعيلين (أرباب الأسر) أو للأفراد؛ كل هذه الأبعاد في واقعها تتغير بوتيرة مستمرة، وفي الواقع اليوم فإن دورة التغير في تركيب الأسرة يأخذ حيزًا زمنيًا أقل وأسرع مما كان عليه في أجيال سابقة نتيجة المؤثرات سالفة الذكر في مقدمة المقالة.

تفرض هذه المعطيات بدورها تسريع صانع السياسة الاجتماعية بإيجاد سياسة وطنية للأسرة (وهو ما شددنا عليه في مقالات عدة سابقة) بوصفها أولوية وطنية اليوم. ثمة استحقاقات تفرضها خصوصية الواقع المحلي حيال ذلك؛ أولها التغير في مستويات الخصوبة، والتغير الديموغرافي في تركيب الهرم السكاني والذي سينعكس على تركيب الأسرة في ذاتها؛ فالإسقاطات السكانية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حتى عام 2040 تتوقع أن يكون هناك انخفاض بنسبة 11% في السكان العُمانيين في الفئة العمرية من (0 - 14) سنة خلال الفترة من (2003-2040). يقابله ارتفاع في نسبة العُمانيين بالفئة العمرية (15-59) سنة في الفترة ذاتها بنسبة 7% عوضًا عن ارتفاع بنسبة 4% في الفترة ذاتها للسكان العُمانيين الواقعين في الفئة العمرية (أكثر من 60) سنة. وتشكل قوانين العمل والحماية الاجتماعية التي صدرت مؤخرًا في جزء منها دعامات للسياسة الأسرية، خاصة فيما يرتبط بإعانات الطفولة والشيخوخة، أو استحقاقات حماية المرأة العاملة، أو الأوضاع الحمائية لفترة الطفولة والأمومة؛ وهو ما يعني ضرورة إيجاد سياسة أسرية جامعة تستثمر في هذه المعطيات التشريعية لصوغ برامج ومبادرات وموجهات تحمي الأسر قيميًا واجتماعيًا، وتحفز أفرادها على الانتاج والمساهمة الاقتصادية، وتوفر الظروف الملائمة لها صحيًا وتعليميًا لبقائها كمحور أساسي للمجتمع. ولحمايتها كذلك من تأثير بعض السياسات المالية والاقتصادية خصوصًا الضغوطات المرتبطة بالتضخم. أحد أهم المعطيات التي خرج بها آخر مسح أسري شامل (2015-2016) أن الأجور والرواتب النقدية من الحكومة تمثل المصدر الأول للدخل للأسر العُمانية بنسبة 67.2% (لا ندري مقدار التغير في هذه النسبة) ولكن هذا مؤشر أيضًا مهم في تقديرنا لبناء أي سياسة أسرية. في مقابل ذلك يمكن تحديد عدد من المتغيرات الثقافية على الأسرة العُمانية التي نعتقد أن السياسة الأسرية يجب أن تتوجه لمعالجتها أو التركيز عليها. ومنها كيف يمكن الاستثمار في بناء (الثقة الأسرية) عبر معطى أدوات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ذلك أن المقاربة الاحترازية القائمة على المنع المطلق أثبتت عدم جدواها عالميًا، وصار الرهان أمام الأسر، كيف يمكن لها أن تحقق الاستخدام الآمن وفق قواعد الثقة الأسرية مع الأبناء. كذلك الدور الفاعل للأسر في نبذ بعض المفاهيم والممارسات التي لا تتواءم مع بيئة التنشئة الأسرية السليمة والصحية مثل التنمر، ومقبولية السلوك العدواني، عوضًا عن تنبيه الأسر لأبنائها للقضايا الشائكة مثل الحماية من الاكتئاب والقلق المفرط، وموجبات الصحة النفسية، وقضايا الحد من قبول وترويج الاتجاهات الجنسية المثلية التي أصبحت اتجاها عالميًا، بالإضافة لتعزيز مفاهيم الوعي وقبول الذات والموازنة بين الخيارات الفردية البحتة مع الخيارات الأسرية. إضافة إلى بناء الوعي بالثقافة المالية وثقافة المشاركة الاجتماعية والطوعية. كلها قضايا وأدوار يمكن لواضع السياسة الأسرية التركيز عليها وإيجاد المبادرات والبرامج المحققة لها، والتي يمكن على المدى البعيد أن تحيّد العديد من القضايا المركبة التي تضرب نسيج وتركيب المجتمع.

عالميًا تتغير الأسرة اليوم تركيبًا وبناء وأدوارًا. وتشير الأمم المتحدة أنه عالميًا فإن النسبة الأكبر من الأسر هي الأسر التي تضم زوجين وأطفالا (من أي فئة عمرية) بنسبة 38%. فيما تشكل الأسر العوائل الممتدة ما نسبته 27% من تشكيل الأسر العالمية. بينما هناك نسبة 13% للعائلة المكونة من زوجين فقط. ومع الترويج لأنماط جديدة من الأسر (غير المقبولة في سياقنا الثقافي مطلقًا) يبدو من الأهم بمكان كذلك إيجاد المقومات اللازمة للحفاظ على الأسر الممتدة بصيغتها الحديثة القائمة على التواصل والتعاضد والارتساء الثقافي. ذلك أنها ضمانة للحفاظ على ثقافة الأجيال، حيث تشير السيناريوهات المرتبطة بالأسرة عالميًا إلى أن التقدم الطبي والتحسن في مستويات الرعاية الصحية سوف يزيد من عدد الأجيال المنبثقة من الأسرة إلى 5 أجيال في بعض المجتمعات، و4 أجيال في المجتمعات التي ينتشر فيها النمط الأول من الأسر. ويتوقع المنتدى الاقتصاد العالمي أن نمطًا جديدًا من الأسر آخذ في التشكل قوامه «مشاركة العبء بين الجنسين»، ودفع بارتفاع معدلات الخصوبة للنساء المشاركات في قوة العمل، وزيادة في أعداد الأسر «العابرة للحدود الوطنية». في المجمل نجد أن الأرضية التشريعية ووضوح رؤية الدولة تجاه المعطيات الاجتماعية المتغيرة يشكل أساسًا دافعًا اليوم لبناء السياسة الأسرية، والتي في تقديرنا ترتبط كفاءتها أيضًا بالفورية والسرعة والتحديث المستمر للبيانات الممكنة لفهم الأسر وتركيبها والمتغيرات التي تطرأ عليها في آنه. وليس عبر دورات زمنية بعيدة وواسعة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التغیر فی من الأسر عالمی ا ترکیب ا

إقرأ أيضاً:

برلماني: الحزمة الاجتماعية الجديدة تعكس اهتمام الرئيس السيسي بتحسين معيشة المواطنين

أشاد النائب محمد حمزه، عضو مجلس الشيوخ وأمين الصناعة والتجارة بحزب مستقبل وطن بالإسكندرية، بالقرارات الاقتصادية التي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة لتطبيقها بشكل عاجل وفوري لمواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية الناجمة عن الأزمة العالمية.

وأكد حمزه أن القرارات التي أعلنها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تعكس بوضوح اهتمام القيادة السياسية بتحسين مستوى معيشة المواطنين وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، بما يضمن استقرار الأسر المصرية في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، خاصة أنها تأتي في توقيت هام وحيوي قبل شهر رمضان لمساندة الأسر الأكثر احتياجًا، خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على مستوى معيشة المواطنين.

وأشار النائب إلى أن الحزمة الاجتماعية الجديدة تمثل انتصارًا حقيقيًا لسياسات دعم الفئات الأولى بالرعاية، موضحًا أن هذه القرارات جاءت في توقيت هام قبيل شهر رمضان، لتساند الأسر الأكثر احتياجًا، وتضمنت الحزمة رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه، وزيادة علاوة غلاء المعيشة إلى 1000 جنيه للعاملين بالدولة، بالإضافة إلى زيادة الدعم المالي للأسَر المستفيدة من برامج "تكافل وكرامة" بـ 300 جنيه، ودعم العمالة غير المنتظمة بمبلغ 1500 جنيه تُصرف 6 مرات سنويًا.

كما أشار النائب محمد حمزه إلى دعم 10 ملايين أسرة مستفيدة من بطاقات التموين بـ 125 جنيهًا لكل فرد، وذلك لضمان الأمن الغذائي، مضيفًا أن هذه القرارات تبرز التزام الدولة المصرية بتوفير حماية اجتماعية فعالة للفئات الأكثر احتياجًا.

وأوضح حمزه أن الدولة المصرية تتحمل العديد من الأعباء الاقتصادية بالتوازي مع المواطنين، مشيرًا إلى أن الحكومة تسعى جادة لتحمل الجزء الأكبر من العبء الاقتصادي، بما يسهم في تخفيف الأعباء على المواطنين.

وأكد النائب في ختام تصريحه أن القيادة السياسية تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال إجراءات ملموسة تسعى إلى ضمان وصول الدعم والمساعدات إلى مستحقيها، بما يساهم في بناء دولة حديثة قائمة على مبادئ العدالة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • برلمانية: الحزمة الاجتماعية الجديدة طوق نجاة لملايين الأسر في مواجهة الغلاء
  • برلماني: الحزمة الاجتماعية الجديدة تعكس اهتمام الرئيس السيسي بتحسين معيشة المواطنين
  • متحدث الحكومة: الحزمة الاجتماعية تتجاوز 200 مليار جنيه
  • خبير اقتصادي: حزم الحماية الاجتماعية تستهدف تخفيف الأعباء عن الأسر
  • رئيس «العدل للدراسات»: حزم الحماية الاجتماعية تستهدف تخفيف الأعباء عن الأسر
  • دياب لـ سانا: قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات يمثل خطوة إيجابية نحو إعادة بناء الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار في سوريا لكون قطاع الطاقة أحد الأعمدة الأساسية التي يمكن أن تسهم في إعادة إعمار سوريا
  • عالم أزهري: المراهنات حرام لـمفاسدها الاجتماعية
  • وزيرة التضامن: الأسر البديلة الكافلة توفر حياة كريمة للأطفال فاقدي الرعاية الأسرية
  • «التنمية الأسرية» تطلق ملتقى «جودة حياة الأسرة»
  • «الإمارات للتنمية الاجتماعية» تواكب عام المجتمع بفعاليات ومبادرات منوعة