التركيب الأسري في عالم متغير
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
تبدو السياسة الأسرية على رأس أجندة السياسات الاجتماعية عالميا اليوم، فحالة اعتلال الدخل العالمي، وتعافي اقتصاديات الأسر ما بعد الجائحة وموجة التضخم العالمية، وتذبذب النظم التعليمية وتزايد معدلات فاقد التعليم، والضغوطات على النظم الصحية، والحاجة إلى تقوية شبكات الحماية والأمان الاجتماعي، كلها تداعيات تدفع عديد دول العالم اليوم إلى النظر إلى واقع الأسر؛ كونها المحور الرئيس الذي تدور حوله هذه السياسات.
تفرض هذه المعطيات بدورها تسريع صانع السياسة الاجتماعية بإيجاد سياسة وطنية للأسرة (وهو ما شددنا عليه في مقالات عدة سابقة) بوصفها أولوية وطنية اليوم. ثمة استحقاقات تفرضها خصوصية الواقع المحلي حيال ذلك؛ أولها التغير في مستويات الخصوبة، والتغير الديموغرافي في تركيب الهرم السكاني والذي سينعكس على تركيب الأسرة في ذاتها؛ فالإسقاطات السكانية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حتى عام 2040 تتوقع أن يكون هناك انخفاض بنسبة 11% في السكان العُمانيين في الفئة العمرية من (0 - 14) سنة خلال الفترة من (2003-2040). يقابله ارتفاع في نسبة العُمانيين بالفئة العمرية (15-59) سنة في الفترة ذاتها بنسبة 7% عوضًا عن ارتفاع بنسبة 4% في الفترة ذاتها للسكان العُمانيين الواقعين في الفئة العمرية (أكثر من 60) سنة. وتشكل قوانين العمل والحماية الاجتماعية التي صدرت مؤخرًا في جزء منها دعامات للسياسة الأسرية، خاصة فيما يرتبط بإعانات الطفولة والشيخوخة، أو استحقاقات حماية المرأة العاملة، أو الأوضاع الحمائية لفترة الطفولة والأمومة؛ وهو ما يعني ضرورة إيجاد سياسة أسرية جامعة تستثمر في هذه المعطيات التشريعية لصوغ برامج ومبادرات وموجهات تحمي الأسر قيميًا واجتماعيًا، وتحفز أفرادها على الانتاج والمساهمة الاقتصادية، وتوفر الظروف الملائمة لها صحيًا وتعليميًا لبقائها كمحور أساسي للمجتمع. ولحمايتها كذلك من تأثير بعض السياسات المالية والاقتصادية خصوصًا الضغوطات المرتبطة بالتضخم. أحد أهم المعطيات التي خرج بها آخر مسح أسري شامل (2015-2016) أن الأجور والرواتب النقدية من الحكومة تمثل المصدر الأول للدخل للأسر العُمانية بنسبة 67.2% (لا ندري مقدار التغير في هذه النسبة) ولكن هذا مؤشر أيضًا مهم في تقديرنا لبناء أي سياسة أسرية. في مقابل ذلك يمكن تحديد عدد من المتغيرات الثقافية على الأسرة العُمانية التي نعتقد أن السياسة الأسرية يجب أن تتوجه لمعالجتها أو التركيز عليها. ومنها كيف يمكن الاستثمار في بناء (الثقة الأسرية) عبر معطى أدوات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ذلك أن المقاربة الاحترازية القائمة على المنع المطلق أثبتت عدم جدواها عالميًا، وصار الرهان أمام الأسر، كيف يمكن لها أن تحقق الاستخدام الآمن وفق قواعد الثقة الأسرية مع الأبناء. كذلك الدور الفاعل للأسر في نبذ بعض المفاهيم والممارسات التي لا تتواءم مع بيئة التنشئة الأسرية السليمة والصحية مثل التنمر، ومقبولية السلوك العدواني، عوضًا عن تنبيه الأسر لأبنائها للقضايا الشائكة مثل الحماية من الاكتئاب والقلق المفرط، وموجبات الصحة النفسية، وقضايا الحد من قبول وترويج الاتجاهات الجنسية المثلية التي أصبحت اتجاها عالميًا، بالإضافة لتعزيز مفاهيم الوعي وقبول الذات والموازنة بين الخيارات الفردية البحتة مع الخيارات الأسرية. إضافة إلى بناء الوعي بالثقافة المالية وثقافة المشاركة الاجتماعية والطوعية. كلها قضايا وأدوار يمكن لواضع السياسة الأسرية التركيز عليها وإيجاد المبادرات والبرامج المحققة لها، والتي يمكن على المدى البعيد أن تحيّد العديد من القضايا المركبة التي تضرب نسيج وتركيب المجتمع.
عالميًا تتغير الأسرة اليوم تركيبًا وبناء وأدوارًا. وتشير الأمم المتحدة أنه عالميًا فإن النسبة الأكبر من الأسر هي الأسر التي تضم زوجين وأطفالا (من أي فئة عمرية) بنسبة 38%. فيما تشكل الأسر العوائل الممتدة ما نسبته 27% من تشكيل الأسر العالمية. بينما هناك نسبة 13% للعائلة المكونة من زوجين فقط. ومع الترويج لأنماط جديدة من الأسر (غير المقبولة في سياقنا الثقافي مطلقًا) يبدو من الأهم بمكان كذلك إيجاد المقومات اللازمة للحفاظ على الأسر الممتدة بصيغتها الحديثة القائمة على التواصل والتعاضد والارتساء الثقافي. ذلك أنها ضمانة للحفاظ على ثقافة الأجيال، حيث تشير السيناريوهات المرتبطة بالأسرة عالميًا إلى أن التقدم الطبي والتحسن في مستويات الرعاية الصحية سوف يزيد من عدد الأجيال المنبثقة من الأسرة إلى 5 أجيال في بعض المجتمعات، و4 أجيال في المجتمعات التي ينتشر فيها النمط الأول من الأسر. ويتوقع المنتدى الاقتصاد العالمي أن نمطًا جديدًا من الأسر آخذ في التشكل قوامه «مشاركة العبء بين الجنسين»، ودفع بارتفاع معدلات الخصوبة للنساء المشاركات في قوة العمل، وزيادة في أعداد الأسر «العابرة للحدود الوطنية». في المجمل نجد أن الأرضية التشريعية ووضوح رؤية الدولة تجاه المعطيات الاجتماعية المتغيرة يشكل أساسًا دافعًا اليوم لبناء السياسة الأسرية، والتي في تقديرنا ترتبط كفاءتها أيضًا بالفورية والسرعة والتحديث المستمر للبيانات الممكنة لفهم الأسر وتركيبها والمتغيرات التي تطرأ عليها في آنه. وليس عبر دورات زمنية بعيدة وواسعة.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التغیر فی من الأسر عالمی ا ترکیب ا
إقرأ أيضاً:
اليوم.. «الصحة» تطلق حملة تنشيطية لخدمات الصحة الإنجابية بالمحافظات
أعلنت وزارة الصحة والسكان، إطلاق حملة تنشيطية للصحة الإنجابية تحت شعار «مشوار الألف الذهبية يبدأ بخطوة» في إطار تنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية «بداية جديدة لبناء الإنسان» وذلك خلال الفترة من 15 حتى 26 ديسمبر 2024، حيث يتم إطلاق الحملة على فترات زمنيةً ربع سنوية، لتقديم خدمات الصحة الإنجابية، بجميع محافظات الجمهورية.
وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن خدمات الحملة المقدمة للسيدات تشمل (الصحة الإنجابية، والمشورة، ومتابعة الحمل، وفحص السونار).
وأكد «عبدالغفار» أن هذه الحملات تهدف إلى توفير خدمات ووسائل الصحة الإنجابية «مجانا» للمنتفعات بقرى «حياة كريمة» والمناطق النائية، وذات المؤشرات السكانية المنخفضة، وذلك من خلال فرق طبية مدربة، مما يضمن جودة الخدمة المقدمة.
برلماني: محطة أبيدوس توفر 6 آلاف فرصة عمل أغلبهم لأهل الصعيدمنظمة التحرير الفلسطينية تحذّر من أزمة مجاعة حقيقية بوسط وجنوب قطاع غزةما يستحقوش الفانلة.. ناقد رياضي يفتح النار على لاعبي الأهليمجلس النواب يوافق على ضوابط استحقاق الدعم النقديإيرادات الأفلام.. نور النبوى يصدم منة شلبيمقارنة بين نيسان سنترا وهيونداي إلنترا AD موديل 2025عبد العاطي يؤكد دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية في الصومالرئيس مجلس النواب: ختان الإناث والزواج المبكر «مُجرّم» بالقانون45 ألف ضحية.. صحة غزة توثق رقمًا جديدًا لشهداء الإبادة في غزةلإنهاء التفاوض مع الزمالك.. الظهور الأول لـ"جروس" من مطار القاهرةمن يخلف جوميز؟| “لوكشة” مدربين مرشحين لقيادة الزمالك.. وجروس الأقربخطف طفل وطلب فدية| المشدد 10 سنوات لـ تشكيل عصابي بالسلامكما تدين تدان.. الغندور يثير الجدل بعد هزيمة الأهلي من باتشوكالو هتبني.. انخفاض أسعار الحديد والأسمنت اليومبعد قرار الحكومة| 1000 جنيه منحة للعمالة غير المنتظمة.. اعرف المستفيدين وموعد الصرفمنظمة التحرير الفلسطينية تدعو لتدخل فوري لمنع حظر أنشطة "الأونروا"يظهر على وجهه الحزن.. الحضري يتلقى العزاء في وفاة والدته.. صورقبل امتحانات الترم الأول 2025| قرارات مهمة بشأن تقييم الأول والثاني الابتدائيالرئيس السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا.. تفاصيلالأنبا مرقس يترأس قداس الوعد للشبيبة المريمية بالمنشأة الكبرىومن جانبها، أوضحت الدكتورة رشا خضر رئيس قطاع الرعاية الأساسية وتنمية الأسرة، أن الإدارة المركزية لتنمية الأسرة ستقوم بإطلاق الحملة التنشيطية بكافة الوحدات الثابتة والمتنقلة في جميع المحافظات، كما سيتم إقامة معارض لنوادي المرأة والتي أثبتت فعاليتها ونجاحاتها على مدار الحملات السابقة، حيث يمثل هذا النشاط جانبًا من مساهمة الوزارة في تحسين الخصائص السكانية، وتمكين المرأة، مشيرة إلى إقامة معارض لمنتجات نوادي المرأة بالحملات والقوافل، وجميع المعروضات من إنتاج المنتفعات المترددات على الوحدات الصحية، اللاتي يتم تدريبهن بنوادي المرأة، وذلك إيماناً بأهمية تمكين المرأة.
توفر جميع وسائل الصحة الإنجابية الآمنة والفعالة،وأضافت الدكتورة مرفت فؤاد رئيس الإدارة المركزية لتنمية الأسرة، أن الحملة توفر جميع وسائل الصحة الإنجابية الآمنة والفعالة، لتلبية احتياجات جميع المنتفعات، ورفع معدلات استخدامها وخفض عدم حصولهم على احتياجاتهم، مؤكدة تطبيق آليات الحوكمة، حيث يتم الإشراف على العمل بالقوافل من خلال الفرق المركزية بالإدارة المركزية لتنمية الأسرة، وفرق الإشراف بالمديريات والإدارات الصحية المنفذ بها الحملات للتأكد من تطبيقها بالشكل الأمثل.