عمالقة التكنولوجيا.. ونفوذهم في الحروب
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
إن الكشف عن إعاقة العمليات القتالية للبحرية الأوكرانية بسبب نقص الدعم من نظام (ستارلينك) التابع للملياردير إيلون ماسك، يسلط الضوء على علاقته المعقدة مع روسيا وأوكرانيا.
لكنّ هذا الموضوع يستحق مزيدا من تسليط الضوء، لأن شركة سبيس إكس، الشركة الأم لشركة ستارلينك، ليست شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تقوم بدور حيوي في مقاومة أوكرانيا للحرب ضد روسيا، فالشركات المعروفة مثل أمازون، وجوجل، ومايكروسوفت وغيرها تقوم بدور حيوي أيضا في الدفاع عن أوكرانيا.
إن الدور الرئيس الذي تقوم به شركات التكنولوجيا، والأشخاص الذين يعملون معها في هذه الحرب، يثير تساؤلات جديدة حول وضع القطاع الخاص والمدنيين في زمن الحرب، إذ تقوم شركات القطاع الخاص بأدوار رئيسة في مجالات الفضاء الإلكتروني، والاتصالات، والمقاومة الوطنية، وغير ذلك الكثير، ولكن لا يتحمل أي منها واجبا ملزما للقيام بذلك، مثلها مثل شركة (سبيس إكس). وبعبارة مختصرة، تقدم هذه الشركات خدمات مهمة للغاية لاستمرار استقلال أوكرانيا لأنها اختارت ذلك من تلقاء نفسها، وليست لأنها مدينة بالفضل لأي من الدول المشاركة في الصراع.
وكان الدعم المقدم من أمازون وخدماتها السحابية حاسما في إخلاء البيانات من خوادم الحكومة الأوكرانية قبل بداية الحرب، في حين قامت شركات تكنولوجيا المعلومات مثل (مايكروسوفت) و(إي. إكس. إي. تي) بدور حاسم في تقديم الحماية الإلكترونية للحكومة الأوكرانية والشبكات المدنية ضد الهجمات الروسية، وتساعد شركة (جوجل) في دعم خدمات وظائف الحكومة الأوكرانية من جهة، وفي حماية المواقع الإلكترونية الحكومية والسفارات في جميع أنحاء العالم من جهة أخرى. كل هذه الشركات، ومجموعة من مؤسسات القطاع الخاص الأصغر حجما ومنظمات المجتمع المدني، قدمت خدماتها إما مجانا أو بتمويل من الحكومات الغربية التي تدعم أوكرانيا.
إنّ السبب وراء عدم ظهور أي من هذه الشركات في عناوين الأخبار بالطريقة نفسها التي ظهرت بها شركة (ستارلينك) ليس فقط لأن دعمها يقدم بهدوء في الخفاء، ولكن يرجع ذلك أيضًا إلى أن جميع هذه الشركات، على عكس شركة (ستارلينك)، اتخذت خيارًا واضحًا بشأن الطرف الذي تقف معه في هذا الصراع، إذ رأت أن القيم التي تؤمن بها، وواجبها تجاه عملائها الآخرين، يوجب عليها أن تدعم أوكرانيا، ووفقًا لرئيس شركة مايكروسوفت (براد سميث)، فإن المشاركة في الشؤون الجيوسياسية «لم تكن معتادة وحتى غير مريحة، لكنها أصبحت لا غنى عنها لحماية عملاء الشركة».
تسلط حالة شركة (ستارلينك) الضوء على نقاط الضعف التي قد تنشأ عند الاعتماد على مثل هذا النوع من حسن النية بالشركات الخاصة، إذ تعد شركتا (تويتر) و(ستارلينك) تحت إدارة (ماسك) مثالا صارخا وحالة تستحق الدراسة لمنصات التكنولوجيا الكبرى التي تملك سلطة لكنها لا تتحمل أية مسؤولية، فالملكية الخاصة لمثل هذه الشركات تعني أن قرارات «ماسك» الشخصية يمكن أن تتسبب بسهولة في إنقاذ أرواح أو قد تتسبب بكل سهولة في فقدانها، وقد غرد ماسك قائلاً: السبب وراء عدم سماحه بالغارة الأوكرانية على السفن الحربية الروسية هو خوفه من التسبب في «نشوب حرب كبرى»، لكن هذا التبرير لا يريح الأوكرانيين الذين يناضلون من أجل البقاء، ويقاومون أعمال الحرب الكبرى التي ترتكبها روسيا يوميا.
لم تكن الغارة البحرية غير الناجحة على مدينة (سيفاستوبول) في شبه جزيرة القرم هي المرة الأولى التي تخذل فيها شركة (ستارلينك) أوكرانيا، ففي أكتوبر عام 2022، اعتمدت القوات الأوكرانية المتقدمة في المعارك على السياج الجغرافي الافتراضي الذي توفره الشركة، إلا أن القوات الأوكرانية اكتشفت أن (ستارلينك) توقفت عن دعمها بهذا السياج الافتراضي عندما دخلت المناطق المحررة حديثًا، مما حرمها من قدرة الاتصالات الحيوية في لحظة ضعف القوات الروسية. وفي فبراير 2023، فرضت ستارلينك مزيدًا من القيود على استعمال خدماتها، قائلة إنه لا ينبغي استخدام النظام لأغراض هجومية مثل توفير الاتصالات للتحكم في الطائرات دون طيار التي تنفذ هجمات على القوات الروسية. جاء ذلك كرد فعل من قبل شركة (ستارلينك) على الاستخدام غير المتوقع لخدماتها، ليس فقط للاتصالات ولكن لتمكين العمليات الهجومية على وجه التحديد.
في كل هذه الحالات، هناك دروس مهمة يمكن استخلاصها في حالة نشوب صراع مستقبلي آخر، منها أن الدولة قد تعتمد بحسن نيّة على الشركات الخاصة، إلا أنّ القدرات القتالية والضربات الحاسمة قد تكون رهينة لانتهاك شروط الخدمة التي تقدمها هذه الشركات.
علاوة على ذلك، في صراع مستقبلي أكثر غموضا، قد تعبر ولاءات الشركات الخاصة الحدود، بحيث تقدم خدماتها للجانبين المتصارعين في الوقت ذاته. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون حسابات الربح والخسارة التجارية عاملا حاسما في قرارات هذه الشركات. على عكس تويتر وسبيس إكس، فإن صناع القرار في معظم الشركات مسؤولون أمام مجالس الإدارة والمساهمين، مما يعني أنه في أي صراع مستقبلي يتعلق بالصين مثلا، فإن الخسارة التجارية المحتملة نتيجة لدعم الطرف الآخر يمكن أن تكون حاسمة في تحديد ولاءات شركات التكنولوجيا الكبرى.
إنّ لهذه الولاءات آثارا مباشرة على سياسة الدفاع عن المجتمعات الغربية، فقدرات شركات الأمن في القطاع الخاص تعد جزءًا لا يتجزأ من قدرات الدفاع السيبرانية الغربية، خصوصا أنّ الأمن الرقمي للبنية التحتية الحيوية أسند إلى الشركات الخاصة إلى حد كبير، إلا أنّ الصراع الأوكراني الروسي يطرح سؤالاً كبيرا حول الطرف الذي قد تواليه هذه الشركات.
تعد شركة (ستارلينك) مثالا متطرفًا وذلك لسببين: أولهما الأهمية الفريدة التي تملكها في جهود أوكرانيا القتالية العلنية الواضحة، والثاني هيكل الشركة المتمثل في ملكيتها المميزة وسياسة صنع القرار فيها، ومن هنا كان لا بد من معالجة شاملة للقضايا التي تهتم بها الشركة. لقد هبت الشركات من تلقاء نفسها لمساعدة أوكرانيا، بما في ذلك شركة (سبيس إكس)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى شعورها أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب عليها عمله، ومن هنا يجب على الحكومات أيضا التأكد من سهولة اتخاذ قرارها بالانحياز إلى الطرف الصحيح في الصراعات المستقبلية.
كير جايلز هو مؤلف كتاب «حرب روسيا على الجميع».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرکات الخاصة القطاع الخاص هذه الشرکات
إقرأ أيضاً:
دبلوماسي سابق: المفاوضات ضرورية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور فولوديمير شوماكوف، الدبلوماسي السابق، أن المفاوضات لوقف الحرب ليست كافية، بل من الأهمية بمكان أن يتم تجميد الصراع أو إنهاؤه بالكامل، مشيرًا إلى أن المفاوضات قد تستغرق ما بين عام إلى عامين، إلا أن الأهم هو التوصل إلى نهاية لهذه الحرب المدمرة، مضيفًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد مرارًا أن التصعيد العسكري ليس في مصلحة روسيا، حيث إن أوكرانيا ستستفيد من هذه الفترة لتعزيز قواتها.
وفيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية، لفت شوماكوف، خلال مداخلة مع الإعلامي محمد عبيد، على قناة "القاهرة الإخبارية"، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يزر أوكرانيا بعد، ولم يجرِ أيضًا زيارة إلى روسيا، مؤكدًا أن ترامب ليس لديه خطط واضحة لإنهاء الحرب، على عكس المواقف التي يتبناها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يواصل الدعوة لفرض عقوبات على النفط والغاز الروسي بهدف الضغط على الاقتصاد الروسي لإنهاء الحرب.
كما أشار “شوماكوف” إلى مخاوف من أن اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب قد يؤدي إلى نتائج غير مواتية لأوكرانيا، حيث قد يسعى المفاوض الأمريكي إلى فرض تنازلات على أوكرانيا لتحقيق تسوية.