مستقبلهم في خطر.. الحرب في اليمن تحرم أطفال النازحين من التعليم!
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
عدم توفر مدارس في الكثير من مخيمات النازحين أو بالقرب منها حرم أطفالهم من التعليم
بعد أن أجبرتها الحرب والظروف الأمنية غير المستقرة، على النزوح مع أسرتها، لم تعد بركة الطفلة اليمنية، البالغة من العمر عشر سنوات قادرة على الذهاب إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي الجديد، لعدم وجود مدرسة قريبة من المخيم الذي تعيش فيه مع أسرتها، حالها حال نسبة كبيرة من أطفال الأسر النازحة.
حيث يستمر الملايين من اليمنيين بالنزوح في مخيمات وفي مدن متعددة، رغم الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ منذ ما يقرب من عام ونصف، ونزحت بركة مع أسرتها المؤلفة من سبعة أفراد من محافظة البيضاء وسط البلاد، لتستقر في أحد المخيمات الواقعة بمنطقة بيحان في محافظة شبوة المحاذية للبيضاء، وهي غير قادرة على الالتحاق بالمدرسة، رغم أنها لا تزال في المرحلة الابتدائية.
وكشف عاملون في المخيم لـDW عربية، أن مبادرة خيرية سعت إلى سد الاحتياج من خلال بناء ثلاثة فصول دراسية قرب المخيم، لكن المشروع تعثر، وبسبب ذلك فإن بركة غير قادرة على مواصلة التعليم، مع بداية العام الجديد.
وفي المخيم المعروف بـ"ضبا"، والذي يضم 59 أسرة نازحة، يقول لـDW عربية معمر القيضي المتطوع العامل في المخيم: إن نحو 80 بالمائة من الأطفال في المخيم خارج المدارس، وأغلبهم من الفتيات، إذ "تم بناء المرحلة الأولى والثانية من مشروع الفصول الدراسية، إلى أن وصل البناء إلى السقف وبسبب الحرب والظروف المعيشية الصعبة توقف العمل بمشروع بناء المدرسة، ليشكل خيبة أمل، للأطفال الذين كانوا يتوقون للالتحاق بالمدرسة". ويشدد على أن الوقت ما يزال متاحاً للعمل على تدارك المشكلة، بإصلاح هذه الفصول.
وعلى الرغم من جهود بناء مدارس في المخيمات أو بالقرب منها، فإن العام الجديد، حمل تحديات جديدة، كما هو حال النازحين في مخيم "العبر" بمحافظة حضرموت، وهو المخيم القريب من الحدود السعودية، إذ جرى إغلاق المدرسة الوحيدة، لأسباب غير واضحة، لكنها في المجمل تدفع بالمزيد من الأطفال إلى خارج المدارس.
ليس أطفال النازحين في الميخمات وإنما الكثير من الأطفال خارج المخيمات محرمون من التعليم
ربع الأطفال في سن التعليم خارج المدارس
منذ أكثر من ثماني سنوات، ألحقت الحرب وما تبعها من كارثة إنسانية، أضراراً بالغة بالعديد من القطاعات، بما في ذلك التعليم، الذي يعاني جراء عوامل متعددة، أبرزها الوضع المعيشي لما يصل إلى 80 بالمائة من اليمنيين وفق تقديرات الأمم المتحدة، إلى جانب تأثر التعليم بالانقسام العسكري والسياسي، وصولاً إلى عدم دفع مرتبات المعلمين في صنعاء ومحيطها من المحافظات منذ سنوات. وحتى بالنسبة للمحافظات التي يتسلم فيها المعلمون مرتباتهم، فإنهم يشتكون من كونها مستحقات متدنية أصلاً، لا تضمن للمعلم تغطية احتياجاته الأساسية مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لبيانات كتلة التعليم، يوجد أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألف من الذكور، هذه النسبة تشكل ما يقرب ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم والمقدر بـ 10,8 ملايين طفل. أي أن طفلا من كل أربعة أطفال في اليمن خارج المدرسة.
أكثر من نصف مخيمات النزوح بلا خدمات تعليم
يشكل النازحون في المخيمات، نسبة غير قليلة من إجمالي النازحين المقدر عددهم بالملايين، والذين تعيش غالبيتهم في مواقع نزوح غير رسمية بالمدن وغيرها، ويبلغ عدد النازحين بالمخيمات، وفقاً لأحدث إحصائية توفرها كتلة التعليم الإغاثية (المؤلفة من مجموعة من الجهات المحلية والمنظمات بما فيها الأمم المتحدة)، أكثر من مليون 336 ألف نازح، في جميع محافظات.
وحسب بيانات الكتلة، فإن خدمات التعليم التي تتوفر بصورة فعالة تغطي نحو 8 بالمائة فقط من مواقع النزوح في المخيمات، في حين أن ما نسبته 38,87 بالمائة يحصلون على خدمات تعليم غير كافية، أما النسبة الأكبر من مواقع النزوح والتي تزيد عن 53 بالمائة لا تتوفر فيها خدمات التعليم من الأساس.
بسبب ظروف الحرب توقفت مشاريع بناء المدارس رغم أن بعضها يحتاج إلى سقف فقط بعد إتمام بناء الجدران
وحسب البيانات الرسمية لكتلة التعليم في اليمن، يبلغ عدد الأطفال النازحين في سن التعليم أكثر من مليون و492 ألف طفل، بينهم ما يزيد عن 791 ألف فتاة و701 ألف من الذكور. وفي الوقت الذي لم تكشف فيه الكتلة عن العدد الفعلي للنازحين خارج المدارس، أظهرت أحدث إحصائية للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين حصلت عليها DW عربية، أن عدد الأطفال النازحين في سن التعليم بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً فقط، بلغ أكثر من 549 ألف طفل، بينهم 388 ألفاً و765 نازحاً في مواقع النزوح غير الرسمية (المدن وغيرها)، و160 ألفاً و320 نازحاً في المخيمات، أغلبهم من الفتيات، ويبلغ عدد من هم خارج المدارس من بين هؤلاء أكثر من 109 آلاف نازح، أي حوالي 20 بالمائة.
المعاناة لا تستثني النازحين بالمدن
لا تقتصر الصعوبات المتصلة بتعليم النازحين، على أولئك الذين يقطنون المخيمات أو المناطق النائية، فحتى الذين يعيشون في لدى أقرباء أو بالإيجار في مدن مختلفة، فإن كثيرين منهم كغيرهم من السكان، يعانون من الصعوبات المتعلقة بإلحاق أطفالهم بالمدارس، نتيجة الفقر الذي تعاني منه غالبية الأسر، فضلاً عن الصعوبات المتعلقة بالتعليم.
ففي عدن، ورغم مرور أسابيع على بدء العام الدراسي الجديد، لا تزال مرام البالغة من العمر 11 عاماً، وشقيقاها الأصغر سناً (محمد ومازن 9 و7 سنوات)، خارج المدرسة، لكنهم كما يقول والدهم بشير أحمد الذي يعمل في أحد المتاجر الخاصة بالمدينة، لـDW عربية، تلقوا وعداً من المدرسة الحكومية القريبة بالعمل على استيعابهم في الأسابيع المقبلة، بعد أن اكتملت القدرة الاستيعابية للمدرسة بالنسبة لفصول المرحلة الابتدائية والإعدادية. ويضيف أحمد أن دخله الشهري الذي بالكاد يغطي نفقات الأسرة الأساسية لا يكفي لإلحاق أطفاله بإحدى المدارس الخاصة، والتي تنتشر بالعشرات في المدينة.
بسبب الفقر وظروف المعيشة الصعبة لا يستطيع الكثير من الآباء إرسال أطفالهم للمدرسة
حاجة لمدارس جديدة وتحسين وضع النازحين
ويقول لـDW عربية، نجيب السعدي، رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين (هيئة حكومية)، إن وجود هذه النسبة يعود لأسباب متعددة، تشمل "عدم وجود مدارس تتمتع بقدرة استيعابية كافية، إلى جانب الوضع المعيشي للنازحين. إذ أن هناك العديد من الآباء النازحين يفضلون أن يذهب أبناؤهم إلى العمل، لمساعدة الأسرة على توفير متطلبات الحياة، وكذلك لعدم قدرة كثير من الآباء على توفير مستلزمات الأطفال للدراسة، وصولاً إلى صعوبات تتعلق بعدم قدرة الأسر على توفير الوثائق اللازمة لتسجيل الأطفال في المدارس، التي تعاني بعضها من نقص في وجود المعلمين".
ويشير السعدي إلى أنه في العديد من المناطق، لم يتم بناء أي مدرسة جديدة منذ العام 2014، في المقابل تضاعف عدد السكان، كما هو الحال في محافظة مأرب التي ارتفعت فيها الكثافة السكانية نحو ثمانية أضعاف، بسبب النزوح. ويشدد على أهمية أن يعمل كافة شركاء العمل الإنساني على بناء مدارس جديدة وبناء فصول جديدة في المدارس القائمة، وكذلك الاهتمام بتحسين الأوضاع المعيشية للنازحين، وهو ما لن يتأتى وفق المتحدث، إلا بمشاريع مدرة للدخل للنازح.
الجدير بالذكر، أن هذه التحديات تأتي في ظل الجهود الإغاثية، حيث تعمل أكثر من 20 منظمة إغاثية في اليمن، بما فيها المنظمة الدولية للهجرة واليونيسف، على الاستجابة في قضايا تعليم النازحين، وتقدم خدمات في 13 نشاطاً رئيسياً، تشمل إنشاء وتوسيع وإعادة تأهيل بعض الفصول الدراسة، وأخرى تتعلق بمرافق المياه والصرف الصحي والنظافة والأثاث المدرسي، إلى جانب تزويد الطلاب بالمواد التعليمية في البيئات الرسمية وغير الرسمية.
وتواصل موقع DW عربية، مع منظمة اليونيسف للحصول على إجابات بشأن أزمات التعليم للأطفال النازحين، إلا أنه لم يتلق رداً حتى لحظة كتابة التقرير.
صفية مهدي – اليمن
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: الهدنة في اليمن الهدنة في اليمن أطفال النازحین خارج المدارس النازحین فی فی المخیمات من التعلیم فی المخیم أطفال فی فی الیمن أکثر من
إقرأ أيضاً:
دعوة السيسي لتدشين مدارس وفصول تعليمية بالمساجد تثير مخاوف مصريين
أثار طرح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، لاستخدام المساجد في العملية التعليمية لتعويض نقص عدد المدارس والفصول، جدلا في الشارع المصري.
وخلال حفل تخرج أئمة وزارة الأوقاف بالأكاديمية العسكرية، أكد السيسي، أن أعداد المساجد أكثر من أعداد المدارس، متسائلا: "هل يمكن استخدام المساجد للعبادة والتعليم بنفس الوقت؟".
وقال: "عندنا مساجد كثيرة جدا وعدد قليل من المدارس قياسا بعدد السكان، وكان أيام النبي صلى الله عليه وسلم، يستخدمون المساجد بكل شؤون الدنيا".
وتساءل: لماذا لا نستفيد من المساجد؟، مشيرا إلى أنها تُفتح بكل صلاة 10 دقائق، ملمحا لإمكانية تعليم طلاب المدارس ببعضها، ومعربا عن رؤيته بأنه بدلا من بناء مسجد ومدرسة بشكل منفصل، يمكن بناء جامع وبداخله مدرسة.
"تساؤلات ومخاوف"
وتساءل معارضون مصريون حول دلالات حديث السيسي عن إنشاء مدارس وفصول تعليمية بالمساجد، فيما رفض متحدثون لـ"عربي21"، فكرة أن يكون هدفه تعظيم دور المسجد بالمجتمع على غرار عهد النبوة وصدر الإسلام، وتخوفوا من أن يكون هدفه السيطرة على المساجد وتقليص أدوار العبادة فيها.
وعلى الجانب الآخر، أكد مراقبون أن تفكير السيسي مادي بحت، ويهدف الاستفادة من وفرة المساجد لسد عجز المدارس والفصول الدراسية، وحث الشعب ورجال الأعمال وأحزاب الموالاة لبناء المدارس بالجهود الذاتية كما يبنون المساجد، وفي المقابل تقليص دور الدولة في تجهيز الفصول الدراسة، وتوفير مخصصات بناء المدارس ببند التعليم بالموازنة المصرية.
وتصل إجمالي مخصصات التعليم نحو 998.1 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالي (2024 /2025 )، تم تخصيص 565 مليار جنيه للتعليم قبل الجامعي، ومن بين بنودها إنشاء 16 ألف فصل جديد، إحلال وتجديد 13 ألف فصل.
وفي المقابل، رحب مؤيدون للنظام بفكرة السيسي، وما أطلقوا عليه "الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية" وبينها المساجد، ملمحين إلى أن الفكرة فرصة لعودة الكتاتيب وتعليم الكبار والدروس في المساجد الكبرى، وسط دعوات لتبني المجتمع المدني الفكرة.
وعن حديث السيسي عن إنشاء مدارس أو فصول بالمساجد، قال الباحث بالشؤون القانونية عباس قباري: "لا أراه من زاوية الحرص على دور المسجد المجتمعي أو توجه الدولة نحو تطبيق تجربة إسلامية شمولية كالتي تدعو إليها الجماعات الإسلامية ومنها الإخوان عبر نهوض المدارس بدور تعليمي أو توعوي".
وأضاف: "لكني أراه مزاحمة لدور المسجد ذاته، ورؤية مضيقة للمساحة المخصصة للعبادة، وضنا على الناس أن تكون كل هذه المساحات فقط للصلاة".
وتابع: "فليكن المسجد مدرسة بشكل أساسي يتم إنشائها بتبرعات وعطايا المصلين وأهل الحي، والقيام بالدور الذي ينبغي أن تقوم به الدولة في بناء المدارس وتشييد الفصول التعليمية".
وختم بالقول: "وفي هذه الوجهة المتعسفة ظلم للمسجد ورواده ونكوص عن دور الدولة في تسيير حياة الناس وتيسيرها".
"تعظيم المساجد أم خدمة التعليم؟"
وفي تعليقه، قال الأكاديمي الأزهري الدكتور محمد أحمد عزب: "تلقيت كما تلقى غيري مقترح تطوير المساجد لتؤدي دورا مساعدا للمدارس في العملية التعليمية، باندهاش بالغ".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "الحق أننا في سياق الوضع التعليمي الذي آل إليه قطاع التعليم في مصر، أصبحنا نبحث عن قشور وحبال بالية نطنطن بها لندلل على الاهتمام بالتعليم".
وتساءل: "المساجد عاجزة عن الوفاء بدورها الديني وهو الأساس، فكيف يمكنها أن تقوم بدور تكميلي في العملية التعليمية؟".
ويرى عزب، أن "مقترح تطوير دور المساجد، يشبه لحد كبير تغافلنا عن الإضرار بحقنا التاريخي في المياه، وتوجيه الموارد لتحلية المياه، وهو مقترح لا يحقق أقل القليل مما سينفق عليه".
ويعتقد أن "المطالبة بأن تكون المساجد كذلك هو تحويل لها عن مسارها، ونزع سلطتها الدينية لتتحول لمقار خدمية، ومن ثم تضفي شرعية على مخرجات تعليمية ومظاهر لا يزال المجتمع يرفضها أو ينظر لها بريب".
ومضى يوضح أن "العملية التعليمة تحتاج نفس الجهد الذي اتخذ في تشييد الكباري، ونفس الهمة في إنشاء المونوريل، ونفس التصميم والإنفاق الذي وضع في العاصمة، ونفس التحدي الذي عُمرت به صحراء العلمين".
وختم بالقول: "وقتها سنجد التعليم الذي يتهافت العالم على رؤيته، عوضا عن تحويل المساجد لأداء ما تعجز عنه".
"نسبة المساجد وعدد المدارس"
ويصل إجمالي عدد المساجد في مصر 151.194 مسجدا، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2024، منها 3450 مسجدا بالعاصمة القاهرة.
وفي المقابل، فإن عدد المدارس يصل إلى 27 ألف مدرسة، بحسب حديث إعلامي لنائب وزير التعليم أيمن بهاء الدين، 5 أيلول/ سبتمبر 2024.
وفي تعليقه على حديث السيسي، قال الناشط السياسي المصري الدكتور يحيى غنيم: "هو رجل يهذي، وفقط يريد أن يبرر سطوة الجيش على الأئمة وتحويلهم إلى مخبرين من خريجي المخابرات الحربية"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21"، أنه "عدو للمساجد وللمصلين ولكل ما له علاقة بالإسلام".
وعن مخاوف البعض من أن تكون هناك خطة يدبرها رأس النظام بشأن المساجد آخر ما تبقى لشعائر المسلمين، كما انتهى سابقا دور الكتاتيب وتجري الآن الحرب على التعليم الأزهري، قال غنيم، إنه "لو استطاع لأغلقها، ولكنه عطلها عن أداء مهمتها، وسلط على الأوقاف والأزهر والدعوة بعض القوم".
ولم يتفق غنيم، مع نظرة البعض لفكرة السيسي، بأنها مادية بحتة تهدف لدفع الناس والأحزاب الموالية له ببناء الفصول وتجهيزها في المساجد وعدم تكلفة ميزانية الدولة بناء مدارس جديدة، وقال: "هو لا يهمه تعليم؛ بل يهم العسكر جميعا تجهيل الشعب، وهم يعملون على ذلك منذ 1952".
"الخطاب الديني وتخريج الأئمة"
وفي السياق، وخلال لقاء تخريج وتأهيل دفعة جديدة من الأئمة، ضمت 550 إماما مدة 24 أسبوعا، دعا السيسي، مجددا لتجديد الخطاب الديني، مؤكدا أنه وجه وزارة الأوقاف، ومؤسسات الدولة الوطنية، ومنها الأكاديمية العسكرية المصرية، بوضع برنامج تدريبى لصقل مهارات الأئمة.
ومنذ كانون الثاني/ يناير 2015، يواصل السيسي الدعوة لتغيير الخطاب الديني، في الوقت الذي يرفض فيه الأزهر بعض توجهاته في هذا الإطار، إلا أنه يسمح لبعض برامج الفضائيات المصرية أو التي تبث من القاهرة بتوجيه الانتقادات للشريعة الإسلامية والتشكيك في بعض الثوابت وإهانة بعض قادة ورموز التاريخ والفقه الإسلامي.
ويلاقي تدريب أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية رفض المعارضين الإسلاميين، الذين أعربوا عن مخاوفهم من تغيير فكر الأئمة والمسؤولين عن الدعوة والخطابة في مصر مستقبلا، بما يخالف أصول وقواعد الشريعة الإسلامية.
وفي ظل توجيه السيسي، باستخدام المساجد في العملية التعليمية يواجه التعليم الأزهري والأزهر الشريف، ضغوطا من قبل علمانيين ويساريين مصريين، يتهمون مناهج الأزهر من بداية التعليم الإبتدائي الأزهري حتى التخرج من جامعة الأزهر بتغذية الإرهاب.
"أزمة ثقة"
ويتزامن حديث السيسي، مع أزمة ثقة بين الأهالي ووزارة التعليم مع تعيين وزير التعليم الحالي محمد عبداللطيف، 3 تموز/ يوليو الماضي، في قرار تفجرت معه أزمة تزوير شهادته للدكتوراة والماجستير وشهادته الجامعية.
والثلاثاء، الماضي أقام نحو 15 محاميا عضوا بمجلس النقابة العامة وبينهم سياسيين وشخصيات عامة، دعوى بمحكمة القضاء الإداري بالقاهرة، تطالب بعزل وزير التعليم.
إلا أن مقيم الدعوى المحامي عمرو عبدالسلام، فجر جدلا آخر بإعلانه عن وصول تهديدات من أسرة الوزير لمقيمي الدعوى، ما زاد من حالة الغضب بين جموع المحامين، وسط تزايد المطالبات بعزل الوزير.
وقال الكاتب عمار على حسن: "كل يوم يبقى فيه وزير التربية والتعليم بمنصبه إهانة للشعب، ووصمة عار في جبين هذا العهد، وبرهان دامغ على أن أي حديث عن تطوير أو تحديث أو نهضة أو بناء، هو محض تسلية للموهومين، وتسرية للمخدوعين".
"الأزمة أكبر"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد مدير إحدى المدارس أن "أزمة التعليم في مصر أكبر بكثير من الحديث عن فصول ومدارس تتحملها المساجد"، مبينا أن "العجز كبير بين المدرسين، والإداريين، ولا تنتظم العملية التعليمية بشكل كامل ويحدث الخلل دائما ولا نجد مدرسين لسد العجز والغياب والمرضي".
ولفت إلى أن "نظام التقييم المعمول به والامتحانات الشهرية تشت تركيز المدرس قبل الطلاب، وأصبح المعلم لا يهتم بالشرح قدر اهتمامه بعمل التقييم وبتنفيذ الامتحانات الشهرية لمدة أسبوع كل شهر، ما يدفع بالطلاب إلى السناتر والدروس الخصوصية لتعويض نقص الشرح في المدرسة".
"تعظيم لدور المسجد"
المفكر والأكاديمي المصري الدكتور خالد فهمي، قال لـ"عربي21": "بالرجوع إلى تاريخنا فمصطلح المسجد في تراث العرب والمسلمين يساوي تماما مصطلح المدرسة، وأضرب هنا مثالين على دولتين عريقتين في عالمنا الإسلامي واحدة من الدول العربية وهي مصر وواحدة من الدول التي تسمى دول الأعاجم وهي تركيا".
أستاذ اللغة العربية والعلوم اللغوية بجامعة المنوفية، أوضح أنه "إلى الآن النظام التعليمي التركي والآثار التركية يستعملون مصطلحين المصطلح الوارد من الفرنسية (ليكول) وهي المدرسة الحديثة التي نشأت في ظل الأنظمة السياسية والتعليمية الحديثة بعد الثلث الأول من القرن العشرين، ولديهم أيضا في النظام التعليمي والثقافي والآثاري مصطلح مدرسة، والذين يزورون إسطنبول وغيرها سيجدون بعض الأماكن والآثار".
وأضاف: "نظرا إلى أن المسجد له أخلاقيات حاكمة فعندما يتحول إلى مدرسة أو يستعمل كمدرسة فالروح الواجبة من تعظيم المسجد أتصور أنها ستنسحب فينشأ جيل من الأولاد يعظمون المسجد وينشأ جيل من الأولاد متأثرين بعظمة المسجد منضبطين أخلاقيا فيما أتصور".
وتساءل: "ما المانع من أن نستفيد من وفرة المساجد، والذين يطالعون تجربة الدول التي عانت اقتصاديا لإنقاذ التعليم كألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية يجدهم استعملوا كل شيء الحدائق العامة والأماكن المهدمة".
ويعتقد فهمي، أن "وفرة المساجد يمكنها أن تسهم مع هيئة الأبنية التعليمية في توفير المدراس، وأتصور أن هذا قد يؤدي إلى العناية المعمارية بالمدرسة المسجد أو المسجد المدرسة، بحيث يكون في المستقبل القريب المبنى الواحد مزدوج الوظيفة، يعني نصنع مسجدا ملحق بمدرسة أو مدرسة ملحق بها مسجد أو مسجد مصمم على هيئة القيام بالدورين".
وعن رؤية البعض أن الدولة تسعى للتهرب من بناء المدارس، قال: "لا أحب اتهام النظام، ولا أظن أنه يملك هذا، ولا يقدر عليه، ولا أتصور أن أي نظام لديه قدر ضئيل من الرشد السياسي أن يترك هذا الأمر للعشوائية وإلا ستكون العواقب صعبة".