إنذار حول الاستبدادية في مجال المناخ
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
ربما كان فصل الصيف الأخير بمثابة تحذير نهائي، وذلك في ظل درجات الحرارة القياسية، والفيضانات المدمرة والمُميتة، وحرائق الغابات المستعرة التي دمرت في كندا وحدها ما يعادل إجمالي عدد الأشجار في ألمانيا. في غياب إجراءات عاجلة وجذرية، ستتحول حالة الطوارئ المناخية الحالية إلى كارثة مناخية حتمية. قد يميل البعض إلى الاعتقاد بأننا بلغنا نقطة حيث أصبحت فرصتنا الوحيدة لحشد استجابة سريعة وفعّالة بالقدر الكافي في مواجهة هذا التهديد تتلخص في تبني سلطة الدولة الحاسمة، بل وحتى الاستبداد الصريح.
إن المخاوف بشأن قدرة الديمقراطيات على العمل بسرعة وكفاءة ليست بالأمر الجديد. تُساهم الحكومة التي تسمح للجميع بالمشاركة (من الناحية النظرية، إن لم يكن دائمًا من الناحية العملية) في إنشاء نظام غير كامل وبطيء. غالبًا ما تتمكن الجهات الفاعلة المؤثرة من معارضة الإجراءات التي تدعمها الأغلبية. ومن ناحية أخرى، أصبحت وجهة النظر القائلة: إن الجماهير غير العقلانية تمارس قدرًا أكبر مما ينبغي من السلطة ــ والتي ظل التعبير عنها بصوت خافت لفترة طويلة ــ شائعة تمامًا في عصر دونالد ترامب. على سبيل المثال، يميل الناخبون إلى معاقبة السياسيين بسبب اتخاذهم التدابير اللازمة لمنع الكوارث، ومكافأتهم على الظهور باعتبارهم أبطالا أثناء وقوع الكارثة، على الرغم من أن تكاليف الإغاثة في حالات الكوارث أكبر بكثير من تكاليف الوقاية منها.
وبالإضافة إلى التحيزات المعروفة ــ والعديد منها قديمة بقدم كتابات أفلاطون ــ يمكننا القول: إن بعض فوائد الديمقراطية لا تشكل أهمية كبيرة في حالة الطوارئ المناخية. تفتخر الأنظمة الديمقراطية بحقيقة مفادها أنه يمكن إعادة النظر في كل قرار ــ وأنه يمكن تحديث وتحسين السياسات، وأن الخاسرين في أي انتخابات يمكن أن يصبحوا فائزين في الانتخابات الموالية (وبالتالي يكون لديهم من الأسباب ما يدفعهم إلى الاستمرار في ممارسة اللعبة الديمقراطية). ولكن القرارات المتعلقة بالمناخ تخلف عواقب وخيمة لا رجعة فيها. وبالتالي، حتى لو تمت إعادة النظر في الخيارات السيئة ــ مثل عدم بذل جهود كافية ــ في وقت لاحق، فهناك فرص متزايدة لحدوث أضرار جسيمة.
تُعد الانتقادات المُعاصرة الأخرى أكثر صراحة. تقوم الأنظمة الديمقراطية على التسوية والحلول الوسط، ومع ذلك غالبًا ما يتبين أن المساومات غير متماسكة، وخاصة في الأنظمة المتعددة الأحزاب، وذلك لأن العديد من الجهات الفاعلة السياسية المختلفة تريد تحقيق أهدافها. ويبدو الائتلاف الحاكم الحالي في ألمانيا مثالا واضحًا على ذلك. إن تصحيح مثل هذا التضارب يستغرق وقتا طويلا، وهو ما قد تستغرقه الأنظمة الديمقراطية في ظل الظروف العادية، ولكن من المؤكد أن هذا لا يحدث عندما يصبح كوكب الأرض أكثر حرارة ورعبا يوما بعد يوم.
ينبع مصدر قلق رئيسي آخر من الهيمنة الفعلية للمصالح التجارية في الديمقراطيات الرأسمالية. ونظرا لأن العمل المناخي من شأنه أن يُلحق الضرر على الأقل بمصالح بعض الرأسماليين، فمن المرجح أن تمنع هذه المصالح اتخاذ الخطوات اللازمة في الوقت المناسب - أو ربما لن تتخذ أية خطوة على الإطلاق.
والآن، مع تصاعد وتيرة أزمة المناخ، تتزايد الدعوات الجريئة إلى اتخاذ المزيد من القرارات الاستبدادية. ويدعو البعض إلى إتباع نهج أكثر تكنوقراطية، ويعتبرون الصين مثالا ساطعا في هذا السياق. (ومن الواضح أن حقيقة أن الصين تُعد أكبر مصدر للانبعاثات الغازية المُسببة للانحباس الحراري العالمي تغيب عن أذهانهم). ويتصور آخرون ــ وأبرزهم المفكر السويدي أندرياس مالم ــ شكلا جديدا من أشكال الشيوعية اللينينية والحربية.
تثير هذه المقترحات أسئلة واضحة لا يتناولها مؤيدوها بشكل جدي. إذا كانت السلطة، في ظل العمل المناخي، تتركز في أيدي دولة لا تستجيب لشعبها، فما الذي قد يمنعها من إساءة استخدام تلك السلطة؟ ولكن لماذا قد يتعامل أي نظام استبدادي حقًا مع قضية تغير المناخ في غياب أي آليات للمساءلة؟ فهل يتوقع المرء حقا ألا تكون المصالح القوية التي تعيق حاليًا العمل المناخي بنفس القوة، إن لم تكن أكثر قوة، في ظل نظام استبدادي مناخي؟
إن الأنظمة الاستبدادية معروفة بالفساد. لذا فإن الفكرة القائلة إن مثل هذا النظام لا يهدف إلى تحقيق «المصالح الخاصة»، ويديره تكنوقراطيون محايدون وعقلانيون، هي فكرة غير قابلة للتصديق. والواقع أن التحول نحو اتخاذ القرارات على النمط الاستبدادي من المرجح أن يزيد الأمور سوءًا، بعيدًا عن تعزيز العمل المناخي.
وقد يأتي الاستبداد المناخي بنتائج عكسية بطرق أقل وضوحًا. وفي نظام سياسي يتمتع بأي قدر من الحرية، فإن المعارضة تُصبح حتمية. إذا رأت السلطات أن فرض قيود جديدة ضروري لقمع الانتقادات أو المقاومة، فقد ينتهي بها الأمر إلى خنق الحريات الأساسية الأخرى، بما في ذلك حرية إنتاج وتبادل الأفكار التحويلية المحتملة.
تخيل هذا الأمر. تشجب مجموعة من علماء المناخ سياسات دكتاتور المناخ باعتبارها غير كافية وتُحاول حشد الآخرين للمطالبة باتخاذ إجراءات أكثر فعالية. وفي محاولة لاستعادة «النظام»، يفرض الدكتاتور إجراءات تحد من الحرية الأكاديمية وحرية تكوين الجمعيات. الآن، لم يعد الخبراء أقل قدرة على التأثير على استجابة الدولة للمناخ فحسب؛ فقد لا تتوفر لهم الفرص لتطوير أو تبادل الأفكار والابتكارات التي يمكن أن تعزز قدرتنا الجماعية على مواجهة التحديات المناخية.
صحيح أن أيا من هذا لا يعني بالضرورة أن الأنظمة الديمقراطية مجهزة بشكل خاص لتعزيز العمل المناخي. وبدلا من ذلك، قد يستنتج المرء أنه لا توجد أدوات سياسية جيدة على الإطلاق. ولكن هذا يتجاهل نقطة أساسية، والمتمثلة في أن العقبات التي تحول دون العمل المناخي الفعّال في الأنظمة الديمقراطية الحالية ليست تلقائية. بل على العكس من ذلك، فهي لا تتفق مع المثل الديمقراطية، ولابد من إزالتها في ظل نظام ديمقراطي فعّال.
إن التأثير غير المتناسب لصناعة الوقود الأحفوري على العملية السياسية، على سبيل المثال، لا يضر بالبيئة فحسب؛ كما أنه غير ديمقراطي في الأساس. وحتى في غياب الحاجة الملحة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية، ستكون لدى المواطنين أسباب وجيهة للمطالبة بالتغيير. إن النتيجة واضحة: إذا لم نتعامل بجدية مع حالة الطوارئ المناخية، فلن نتمكن من إنقاذ الديمقراطية، وإذا لم نأخذ المثل الديمقراطية على محمل الجد، فلن ننقذ المناخ.
جان فيرنر مولر، أستاذ السياسة في جامعة برينستون و«مؤلف كتاب قواعد الديمقراطية»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العمل المناخی
إقرأ أيضاً:
هكذا تجعل الحرب التجارية مع كندا والمكسيك مونديال 2026 أكثر إثارة
اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة أن التوترات التجارية مع الجارتين المكسيك وكندا ستعزز استضافة كأس العالم 2026 في كرة القدم، فيما أعلن من البيت الأبيض انشاء فريق عمل للمساعدة في تنظيم البطولة.
ومتحدثا إلى الصحافيين وهو جالس في المكتب البيضاوي وبجانبه واقفا رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جاني إنفانتينو، استبعد ترامب التكهنات بأن الخلاف الحالي لإدارته مع كندا والمكسيك، المشاركتين في استضافة مونديال 2026 مع الولايات المتحدة، سيؤثر على تنظيم الحدث الرياضي العالمي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تقييد وبندقية في الرأس.. لغز غياب كرويف عن كأس العالم 1978list 2 of 2مليار دولار قيمة جوائز كأس العالم للأندية 2025end of listوتابع "أعتقد أن ذلك سيجعله (المونديال) أكثر إثارة".
وأضاف أن ترامب بعد توقيعه على أمر تنفيذي يقضي بانشاء فريق عمل رسمي لكأس العالم 2026 سيترأسه بنفسه "التوتر شيء جيد.. يجعل الأمر أكثر إثارة".
وسيضم فريق العمل وزراء الخارجية، الاقتصاد، الدفاع، العدل، التجارة، النقل والداخلية، ومن المتوقع تعيين رئيس تنفيذي في وقت لاحق.
وقال ترامب إن فريق العمل سيساعد في التخطيط لما وصفه بأمره التنفيذي بأنه "أكبر حدث رياضي في التاريخ".
من جهته، قال إنفانتينو إن مونديال 2026 وكأس العالم للأندية بنظامها الجديد الصيف المقبل في الولايات المتحدة بمشاركة 32 ناديا للمرة الأولى، ستساهمان في خلق 200 ألف وظيفة جديدة ولديهما تأثير اقتصادي بقيمة 40 مليار دولار أميركي.
إعلانوأضاف السويسري-الإيطالي "وأكثر من ذلك، سنوفر السعادة والفرح لكل العالم، وهذا لا يمكن تقييمه، بالطبع".
وأشار إنفانتينو إلى "الشكر لك السيد الرئيس لانشاء فريق العمل هذا، لأنه من الهام أن يشعر كل القادمين إلى الولايات المتحدة بالأمان والترحيب، ولهذا السبب من الهام أن تشكل الحكومة فريق العمل هذا في البيت الأبيض".
وختم إنفانتينو إن حجم المونديال المقبل الذي يشارك فيه 48 منتخبا، يعادل تنظيم 3 مباريات سوبر بول (نهائي دوري كرة القدم الأميركية) يوميا على مدى شهر.
وتدخل ترامب بالقول إن "هذا مدهشا عندما تفكر بالأمر.. لم أسمع بهذا التعبير من قبل".
وسأله ترامب "هل يمكن للولايات المتحدة إحراز اللقب؟"، فأجاب رئيس فيفا "بمقدورهم، مع الجمهور وراءهم يملكون الفرصة".