١ ـ السعادة
عندما يأتي ذِكر مفهوم «السعادة» في وقتنا الحاضر يتبادر إلى الذهن مباشرة أن مفهومها يقتصر على تحقيق أهداف مادية صِرفة وأنها فقط الحد الأمثل من الرفاهية التي توفرها القدرة المالية والنفوذ والسلطة وربما الوضع الاجتماعي.
وقد توصلت الفلسفات بكل مشاربها إلى تعريفات متعددة لمفهوم السعادة فهي «العدالة» عند أفلاطون و«الازدهار البشري» لدى أرسطو «ورأى الفارابي أنها مرهونة «باستخدام العقل والمنطق الذي من خلاله يتحقق الخير بعيدًا عن المنافع الحسية ولذة التملك».
نلاحظ أن كل هذه المفاهيم نأت عن ربط مفهوم السعادة بالمنفعة المادية وارتبطت بكل ما يسمو بالنفس البشرية ويرتقي بها إلى عالم الأخلاق والصفات النبيلة، وهذا برأيي ما يناسب عصرنا الغارق إنسانهُ في أزمات أخلاقية ومادية ونفسية معقدة ولهذا لا يجب أن يخرج مفهوم السعادة في القرن الحادي والعشرين -الذي توسعت فيه الهُوة بين البشر- عن كونه «العطاء غير المحدود بوجهيه المادي والمعنوي».
ورغم أن العطاء المادي مطلوب في عالم مأزوم تسود فيه النزعة الفردية والجشع والأنانية والتي أدت إلى تكريس الفقر وتكوين طبقة من المهمشين والمُعدومين في المجتمعات، إلا أن له أيضًا وجها معنويا يعدُ الوسيلة المُثلى لجعل شرائح هذه المجتمعات مُتحابة يتصف مقتدروها بالمسؤولية الاجتماعية بمختلف تصنيفاتها.
السعادة إذن، أن نصل إلى مرحلة من الرضا عن النفس ووسيلة ذلك الإيمان بأن المحبة قادرة على إذابة جبال الأحقاد وأن ما لدينا من نعمٍ هي مُلك لله سبحانه وتعالى وُهبت لنا لحكمة ما وقد تُسلب من بين أيدينا أو تُنزع بركتها إذا ما ساورنا شعور بالفوقية والاصطفاء والأحقية.
2 - «الموت»
خلال الأسبوع الفائت قضى الموت في أيام معدودات على آلاف البشر بمختلف أصقاع الأرض عبر الزلازل والفيضانات المدمرة مثلما حصل في المغرب وليبيا كما أتى على آلاف آخرين بصمت بواسطة الحروب الطاحنة المستمرة التي يُراد لها ألا تتوقف والكوارث الطبيعية والأزمات الغذائية والفقر والأمراض الفتاكة.
يخطف الموت هؤلاء البشر دون إشعار مُسبق ولم يميز بين ضحاياه، ومؤكد أن أحدًا منهم لم يكن ليتصور أنها لحظته الأخيرة في الدنيا، ربما عبدها واستعبدته أو نبذها فأقصته لكنها كانت الأخيرة فعلًا وقف فيها عاجزًا لا يقدر على شيء.
في تلك اللحظات لا شك أن جميع من هلكوا استشعروا ولأول مرة مهابة الموت وسطوته ونفوذه وتعرفوا على ملامحه التي كان يلفها الغموض لأن إنسانًا لم يرجع إليهم من عالم الأموات ليحدثهم عن أسراره وما يحدث فيه.. فاجأهم هذا الزائر غير المرحب به والذي كانوا يخشون لقاءه من قبل.
نعم نخشى جميعنا الموت ونخافه لأن حضوره يعني التلاشي والسقوط في عالم النسيان -كما حصل لمن ذهبوا قبلنا- إنه يهدم مبنى المجد والإنجازات والتعظيم ومفارقة ما أحببنا ومن أحببنا والدخول في عالم آخر «مجهول» لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ما يحصل بداخله.
لكن وعندما يأتي ذكر هذه الحقيقة المُسلم بها ولا جدال في وقوعها -الموت- ألا تدور في أذهانكم أسئلة بعينها؟ ألم تتساءلوا يومًا: لماذا يخاف الإنسان من الموت؟ هل بيننا من البشر من لا يخافه حقًا؟ من هم هؤلاء؟ من هم الذين يخشونه فعلًا ويحرصون على أن يخرجوا من الدنيا خفيفين نظيفين من أدرانها؟
آخر نقطة..
من أجمل ما وصف به سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الدنيا قوله: «إن الدنيا لهي الكنود العنود، والصدود الجحود، والحيود الميود، حالها انتقال، وسكونها زلزال، وعزها ذل، وجدها هزل، وكثرتها قل، وعلوها سفل، أهلها على ساق وسياق ولحاق وفراق، وهي دار حرب وسلب ونهب وعطب».
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عبادة تُنير وجهك في الدنيا ويوم القيامة.. انتهز الفرصة
أجاب الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، مضمونة:"هل هناك مزيد من الثواب لصلاة الفجر في جماعة ؟.
ليرد مرزوق عبد الرحيم، موضحًا: أن المشي إلى المساجد في صلاتي الفجر والعشاء ذلك العمل العظيم له أعظم فائدة تعود على صاحبه يوم القيامة .
عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )
في الحديث عدة فوائد منها ما يلي :
(1) (بشر) أمر لكل من يتأتى منه التبشير أن يبشر المشائين في الظلم إلى المساجد بذلك الفضل العظيم وهذا يدل على عظيم منزلتهم عند الله تعالى.
(2) قوله صلى الله عليه وسلم (المشائين) يراد به من كان كثير المشي إلى المساجد في الظلم والمراد بذلك صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة حتى وإن كان يمشي في ضوء الكهرباء أو في ضوء مصباحه الخاص لأن هذين الوقتين يقعان في الظلمة فلا حرج على فضل الله تعالى.
(3) جاء في عون المعبود قال الطيبي : في وصف النور بالتام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ) وإلى وجه المنافقين في قوله تعالى ( أنظرونا نقتبس من نوركم ) ،انظر عون المعبود ج2 ص188.
(4) فيه فائدة عظيمة وهي إيذان أن من انتهز هذه الفرصة وهي المشي إلى صلاتي العشاء والصبح في جماعة فقام بذلك العمل العظيم وواظب عليه في الدنيا كان مع النبيين والصديقين في الآخرة (وحسن أولئك رفيقا ) لأنه لا نور أتم من نور النبيين والصديقن والشهداء والصالحين.
وأثبت السنة النبوية، فضل السعي إلى المسجد في صلاتي العشاء والفجر، حيث ينير الله تعالى لمن يذهب لصلاتيهما طريقه يوم القيامة، حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه أبو داود)، والظُّلَم: جمع ظلمة، والمقصود بها ظلمة صلاة العشاء، وصلاة الفجر.
وهذا الفضل ثابت لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة , ولو كانت الطرق مضاءة، لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل، وفي هذه الحديث وغيره حث للمسلم على أن يجتهد في إتيان المسجد ماشياً لا راكباً ولو كانت داره بعيدة، ما لم تكن مشقة أو عذر ككبر السن والمرض ونحوه، وألا يعوَّد نفسه ركوب السيارة، إذا كان المسجد تصله القدم بلا مشقة.
ومعلوم أن يوم القيام يوم مظلم وفظيع وعظيم، وطويل، وإذا مرَّ الناس على الصراط فهم في ظلمة شديدة، فالمؤمنون يعطيهم الله عز وجل نوراً، وكل إنسان نوره على قدر عمله، فمنهم من يسطع نوره أمامه، ومنهم من يخبو نوره ويشتعل ويخبو ويشتعل، ومنهم من ينطفئ نوره فيصبح في ظلمة ولا يرى ما أمامه.
والذين يواظبون على صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر والعشاء لهم نور تام يوم القيامة، فهو نور لا يخبو، ولا ينقطع ، بل هو نور ساطع عظيم، ونور كل إنسان يوم القيامة هو لنفسه فقط، وليس كما كان في الدنيا يمشي في الطريق ومعه مصباح يضيء فيستضيء به الذين بجواره، فيوم القيامة لا يكون ذلك، فمن كان عمله صالحاً أعطاه الله نوراً، ومن كان غير ذلك لم يعطه، ولم ينفعه نور الآخرين، ولذلك جاء على لسان المنافقين قوله تعالى: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ» (سورة الحديد:13).