موقع النيلين:
2024-07-03@18:17:40 GMT

السفير عبد الله الأزرق: رَحَى البعثات الدولية

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

السفير عبد الله الأزرق: رَحَى البعثات الدولية


من الوقائع التي لن أنساها – وأنا وكيل الخارجية وقتها – أن الشرطة وافتني برسالة خاطبتها بها البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للسلام في دارفور (يوناميد UNAMID)، تطلب فيها أن تحرس قوات شرطتنا مقرات البعثة في دارفور!!!

كان الطلب من بعثة نيط بها تحقيق السلام في دارفور من المضحكات المبكيات.

قلت فليمدد أبو حنيفة رجليه !!! وتذكرت مقالة المصريين:
“جيتك يا عبد المعين تعينّي لقيتك (لأيتك) يا عبد المعين تِنْعَان”

ثم إن إفادات المخابرات العسكرية وإفادات جهاز المخابرات كانت تقول لي: إن قوات يوناميد سلمت أسلحتها أكثر من مرة ، لقوة من إحدى فصائل متمردي دارفور.. وتقول: إن دليلها أن القوة التي هاجمت قوات يوناميد وهي خارج معسكرها كانت صغيرة ولا تتناسب مع قوات يوناميد!!!

وحقيقة لم يُثر ذلك عجبي، لعلمي أن قوات راتكو ملاديتش قائد قوات الصرب قتلوا أكثر من 8000 من مسلمي البوشناق (البوسنيين) في سربرنتسا عام 1995، على مرأى ومسمع من الكتيبة الهولندية التابعة لقوات سلام الأمم المتحدة.

وانسحبت قوات الأمم المتحدة والقوات البلجيكية من رواندا لدى اندلاع القتال الذي راح ضحيته 800 ألف من التوتسي.

وكانت تلك القوات تدعم (راديو رواندا) الذي كان المحرض الأكبر على قتل التوتسي، ودعمت شخصيات مؤثرة في رواندا تتبنى خط المواجهة مع التوتسي.

وهناك روايات قوية تحدثت عن تواطؤ الفرنسيين في تأجيج الصراع.. وهذا رأي يتبناه الرئيس بول كيقامي نفسه.

وفي تاريخها لم تسهم القوات الأممية في فض نزاع، إن لم تُسهم في تأجيجه. وظلت تستمتع بالرواتب العالية والامتيازات، والطعام الشهي تأتيها به المبرِدات شُرّعاً تحمل السالمون من اسكندنيڤيا، ولحوم العجول البرازيلية، والزبادي المُحلى بالفاكهة من أوروبا. ومكثت تلك القوات في بعض البلاد منذ 1948 وعام 1949(فلسطين وكشمير ).
بعامة، أخفقت تلك القوات في “فرض السلام” مثلما فشلت في “حفظ السلام”.
ويُحمد لحكومة البشير أنها نجحت في إخراج قرابة نصف قوات اليوناميد عبر استراتيجية الخروج Exit Strategy ، وكان ما تبقى سيخرج في 2019.

لكن المفاجأة المحزنة أن رئيس وزراء (الثورة) أبقى يوناميد دون حجة أو كتاب منير ، وزاد الطين بِلّةً بأن طلب يونيتامس بموجب خطابه السري (وقتها) المؤرخ 27 يناير 2020 ، وبرضى من الفريق البرهان . ولم يكن ثمة موجب وطني صريح ومقنع لطلبه يونيتامس، بل إن مبادرته الغريبة مثيرة للشبهات.

ومما يؤكّد أن عملية اختيار المبعوثين الدوليين لا تجري بعفوية ومهنية، وأن الدول الكبري تأتيها بنوايا طاهرة وأيدٍ نظيفة with clean hands، ذلك التنافس المحموم بينها في الاختيار.
وقد احتدم التنافس في اختيار مسؤول يونيتامس بين بريطانيا التي رشحت نيكولاي هايسوم (سبق أن طردته الصومال) وفرنسا التي رشحت ‏ Jean-Christophe Belliard الذي يسميه السودانيون بيلارد (متزوج من ابنتنا من القضارف سهاد عمر النور خميس) وهو من اليسار الفرنسي .. ورشحت ألمانيا ڤولكر بيرتس، الذي عُيّن ليصبح للسودان عدوّاً وحَزَنا، كما سنبيّن.
الذي يؤسف له أن ڤولكر لم يكن نزيهاً في أدائه ولا محايداً، فقد ملأ مكتبه بمناصري قحت من اليساريين، ومالأهم لدرجة تمويل مظاهراتهم وضروب نشاطهم السياسي، وأظهر تحيزاً أفشل ولايته Mandate.

وما كان تَحَيّز ڤولكر بِدَعاً ، فقد تحيز بعثة الأمم المتحدة في رواندا ضد التوتسي ، وموّلت الإعلام المعادي لهم ( راديو رواندا ) ، وغضّت قوات الأمم المتحدة في البوسنة الطرف عن مجزرة سربرنتسا ، وكذلك فعلت يوناميد في دعمها للفصائل المتمردة في دارفور .
كُلّف ڤولكر بمهام عديدة يعرفها السودانيون، لكنه فشل ، فقد عادت الحرب لدارفور بعد أن شهد السيد جان بيير لاكروا، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام أمام مجلس الأمن أن الحرب في دارفور غدت من الماضي في يونيو 2018.

ولم يوفق في العمل الإنساني، وأخفق في المساعدة للانتقال السياسي وصياغة دستور والتحضير للانتخابات، وفشل في تعبئة المساعدات الإنمائية وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
والمؤسف أنه لم يكن أميناً حتى في إفاداته لمجلس الأمن، واعترض الفريق البرهان على مجمل أدائه في خطاب رسمي. وكانت كارثته أنه تحيز لصالح متمردي الدعم السريع، لدرجة أنه أخفى انتهاكاتهم وفظائعهم خلال الحرب أو ( دغمسها ) . وهكذا استقر به ترحاله غير الحميد إلى الإقالة أو الاستقالة.

كان تركيز ڤولكر منصباً على تحقيق أجندة سياسية : ممثلة في تفكيك الجيش، وتمكين العناصر المكونة لأحزاب قحت، وإقصاء سواهم، وانتهى به المطاف أن زاوج بين أهداف قحت وذراعها العسكري (مليشيا الدعم السريع).
وأمام الفرحة التي أبديناها إزاء ما حاق بڤولكر أجدني ملزماً للقول:
إن مشكلتنا الأصيلة ليست ڤولكر وحده.

وما انتهى إليه لا يعني أن من كان وراء تعيينه سيبعثون لنا الأم تريزا Mother Teresa قديسة الخواجات. ذلك أن للبعثات وللمبعوثين مهام غير معلنة أهم مما يُصرح به أو يكتب في تكليف الولاية. ويشهد على ذلك تاريخ في أزمات رواندا ودارفور والبوسنة وغيرها.
أصل المعضلة هو البعثة نفسها التي استقدمها السيد حمدوك دون مبرر وطني أو حاجة ملجئة وضرورة مُلِحّة.

وبما أن قرار إنشائها ( بالرقم 2425 بتاريخ 3 يونيو 2020) قد نصّ على ملكيتنا لها، وأنها فشلت في تحقيق المرامي التي نص عليها قرار إنشائها، فمن حق المالك (السودان) أن يطلب إنهاءها.

قال الشوكاني في (نيل الأوطار) إنه كان للمغيرة بن شعبة عبداً صَنِعَاً يُحسِنُ النجارة والحدادة . فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة، فشكى إلى عمر شدة الخراج (الضريبة التي يدفعها للمغيرة) فقال له عمر: ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل.. فانصرف ساخطاً.. فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال له: ألم أُحَدّث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحاً ( طاحونة ) تطحن بالريح؟ فالتفت إليه عابساً فقال له: لأصنعن لك رحاً يتحدث الناس بها.. فأقبل عمر على من معه فقال: توعدني العبد. وصدقت نبوءة سيدنا عمر، إذ ما لبث أن كمن له العبد فقتله.
وإن لم نطردها ، فستدور بنا دوائر كتلك التي عشناها منذ مجيئ بعثة فولكر في 2020 وانتهت بنا إلى كارثة حرب لم تخطر لنا في أسوأ كوابيسنا.. أو تكون أشد سوءاً من رحى أبي لؤلوة، غلام المغيرة.

البعثات الدولية تمثل أساليب الاستعمار الجديد ، لتعركنا عَرْك الرَّحَى بثِفالها ، فقد أضربوا عن التدخل العسكري المباشر . البعثات متحيّزة وظالمة ، وبقاؤها ظلم لشعبنا . ولنتذكر :
وما مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقها … ولا ظالمٍ إلا سيُبلى بأظلمِ .
ها قد بلّغت، اللهم فاشهد.

السفير عبدالله الأزرق
وكيل وزارة الخارجية الأسبق
15 سبتمبر 2023

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الأمم المتحدة فی دارفور

إقرأ أيضاً:

القوة والنفوذ في آسيا: من سيفرض هيمنته؟

قبل حوالي عام من الآن، أصدر معهد (لوي) ومقره في سيدني، تقريره الأحدث حول مؤشر نفوذ القوى الدولية بالقارة الآسيوية، مسلطًا الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية في منطقة المحيطَين: الهندي والهادئ، حيث اعتمد التقرير على مجموعة من البيانات التي تصنّف الدول بناءً على قدرتها على التأثير في الأحداث الدولية، وتوجيه سلوك الدول الأخرى في المنطقة، كما أنه يغطي 26 دولة تمتد من باكستان في الغرب إلى روسيا في الشمال، وصولًا إلى المحيط الهادئ.

بناء على المعطيات التي وردت بهذا المؤشر أو التقرير، فإن الولايات المتحدة الأميركية تتصدر المشهد كأقوى دولة في المنطقة، متفوقة على الصين، واليابان، والهند، وروسيا. ويرجع تفوق الولايات المتحدة إلى أدائها في ستة من المؤشرات الفرعية الثمانية التي يعتمد عليها التقرير. هذه المؤشرات تشمل القدرة الاقتصادية والعسكرية، القدرة على الصمود، الموارد المستقبلية، الشبكة الدفاعية، والتأثير الثقافي. بينما تتصدر الصين في مجالَي النفوذ الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية، مما يعكس نموها السريع وقوتها المتزايدة.

فتقرير "لوي" يعتمد في تحليله على مجموعة من 133 مؤشرًا لقياس القوة، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، وعدد الشركات المدرجة في قائمة فوربس 2000، وحجم صناديق الثروة السيادية. تشمل المؤشرات أيضًا عوامل مثل: عدد السفارات وعدد مرات البحث على الإنترنت، وحتى عدد ناطحات السحاب، والتي تعتبر رمزًا للهيبة الاقتصادية والديناميكية.

أبعاد توازن القوى في آسيا

أحد أهم الجوانب التي يبرزها التقرير هو دور الدول المتوسطة، مثل: اليابان، والهند، وروسيا. على الرغم من تصدر الولايات المتحدة والصين للمشهد، تلعب هذه الدول دورًا حيويًا في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة. على سبيل المثال، أستراليا جاءت في المرتبة السادسة متفوقة على كوريا الجنوبية، واقتربت من روسيا التي تأثرت بوضوح نتيجة الحرب في أوكرانيا.

فبينما تبقى الصين تستمد قوتها من موقعها المركزي في النظام الاقتصادي العالمي، تعتمد الولايات المتحدة على قوتها العسكرية وشبكات الدفاع الإقليمية. هذا التوازن غير المستقر بين القوى العظمى يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية في المنطقة، ويعكس عدم اليقين بشأن قدرة الدولتين على الحفاظ على توازن القوى دون الانجرار إلى مواجهات مباشرة.

نحو نظام متعدد الأقطاب

من اللافت للنظر أن "القرن الصيني" لم يعد السيناريو الأكثر ترجيحًا. فمن غير المتوقع حسب المعطيات أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الحالي، وإذا حدث ذلك في المستقبل، فمن المحتمل أن تواجه تحديات مشابهة لتلك التي واجهتها الولايات المتحدة في الماضي. هذا يفتح المجال لسيناريو بديل يتمثل في منطقة متعددة الأقطاب، تقودها مجموعة من القوى الكبرى.

في هذا السياق، وهو ما يبرزه تقرير "لوي"، تصبح تصرفات وخيارات الدول المتوسطة أكثر أهمية في تشكيل طبيعة النظام الإقليمي. هذه الدول تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز استقرار المنطقة والتعاون بين القوى المختلفة، مما قد يساهم في تجنب الصراعات المباشرة والعمل نحو حلول مشتركة.

عود على بدء يبرز تقرير معهد "لوي" تعقيدات توازنات القوى في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، في ظل التنافس المستمر وعدم قدرة أي من القوى الكبرى على تحقيق الهيمنة الكاملة.

وعليه؛ فمن المتوقع أن يشهد المستقبل تحولات مهمة في التنافس الإقليمي، مع تطور تحالفات جديدة وتغير في موازين القوى. إذ يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن يلعبا دورًا متزايد الأهمية في تعزيز قدرات الدول، مما قد يغير من ديناميكيات القوة، كما أن التحديات العالمية المشتركة مثل التغير المناخي والأمن السيبراني، قد تدفع الدول نحو مزيد من التعاون وتنسيق الجهود.

ومهما يكن من أمر؛ ستظل منطقة المحيطين: الهندي والهادئ محورًا رئيسيًا للتنافس والتعاون، ومراقبة تطوراتها ستكون أساسية لفهم مستقبل النظام الدولي بشكل عام.

وقد جاء مؤشر "لوي" ليسلط الضوء على حجم نفوذ القوى الدولية في آسيا ومستقبلها؛ فأهميته تبدو كبيرة كونه يوفر تحليلًا شاملًا ودقيقًا لتوازنات القوى في منطقة حيوية ومتنافسة جيوسياسيًا، مثل المحيطين: الهندي والهادئ، ويعكس القدرة النسبية للدول على التأثير في الأحداث الدولية وتوجيه السياسات، مما يساعد الحكومات وصناع القرار على فهم الديناميكيات المعقدة للمنطقة، وتحديد التهديدات والفرص الإستراتيجية، وتطوير سياسات فعالة للتعامل مع المنافسات والتعاونات الدولية.

كما يساهم في توفير رؤى معمقة للباحثين والمحللين حول التطورات الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالشكل الذي يدعم الدراسات الأكاديمية والتحليلات المستقبلية للعلاقات الدولية ونفوذ القوى العظمى والصاعدة عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا ودبلوماسيًا ويطرح سؤالًا: لمن ستكون الغلبة واليد الطولى في فرض النفوذ بالمنطقة الآسيوية مستقبلًا في ظل التنافس الصيني – الأميركي؟

ويبقى القول إنه بالنظر إلى التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة، يبقى المستقبل غير مؤكد، فهل ستتمكن الصين من تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي لتتجاوز الولايات المتحدة؟ أم ستظل الولايات المتحدة مهيمنة بفضل قوتها العسكرية وشبكاتها الدفاعية الواسعة؟ كما أن دور القوى المتوسطة (الصاعدة) مثل: اليابان، وكذلك الهند، وروسيا، سيظل حاسمًا ومركزيًا في تشكيل مستقبل النظام الإقليمي وفرض هيمنته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • السفير علي أحمد: “لجنة التحقيق المعنية بسورية” منفصلة عن الواقع ومنهجيتها واستنتاجاتها تتناقض مع المنظور المهني
  • الجيش السوداني يعلن صد هجوم للدعم السريع بغرب كردفان
  • صدام الأزرق والأحمر.. سر ألوان الأحزاب في بريطانيا
  • مناوي: الدعم السريع دمّرت جميع المستشفيات بمدافع عالية الدقّة جاءت من الإمارات
  • احتدام المعارك في الفاشر وموجة نزوح جديدة من ولاية سنار
  • الجيش السوداني يتهم الدعم السريع بتدمير جسر بالعاصمة.. ومجزرة في ولاية سنار
  • القوة والنفوذ في آسيا: من سيفرض هيمنته؟
  • مشروع مصري - صيني لرقمنة وتوثيق الآثار لدعم البعثات الاستكشافية
  • قائد قوات الدعم السريع يعلّق على عقوبات الاتحاد الأوروبي
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل سفير رواندا بالمقر البابوي