صحيفة التغيير السودانية:
2025-01-29@21:43:13 GMT

أيكون الخير في الشر إنطوي؟!

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

أيكون الخير في الشر إنطوي؟!

الجميل الفاضل

قصة السودان في الكون والوجود، تطابق الي حد بعيد في غموضها وغرابتها، قصة نبي الله “موسى” ، والعبد الصالح “الخضر”، الواردة في “سورة الكهف”.
فمنذ أن أوحي سبحانه وتعالى لموسي عليه السلام بأن ثمة عبدا أعلم يقيم بمجمع البحرين، وأوحي إليه أن يأخذ معه في سفره حوتًا ميتًا، ستعود له الحياة في مكان ما يقيم هذا العبد، إنفتحت سيرة أرض من شأنها التقلب نوماً ويقظة، موتاً وحياة.


فقد سار موسى وفتاه “يوشع بن نون” سيرًا طويلاً إمتد لأربعين يوما، حتى وصلا لصخرة جوار النهر، جلسا يستريحان عندها من وعثاء السفر فناما، وما إن إستيقظ الفتى يوشع، حتى رأى الحوت وقد دبت في أوصاله الحياة، ليتخذ سبيله في البحر سربا، رغم أنه لما استيقظ موسى نسى “بن نون” أن يخبره بهذا الحدث العجيب علي غرابته، فمضيا في طريقهما مبتعدين عن الرجل الصالح الذي كانا يبغيان أصلا.
يصور القرآن الكريم في لوحة رائعة جانبا من ذلك الحدث المدهش:
(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا).
منذ ذلك الحين والي يومنا هذا، ظلت يد القدرة تبدل في هذه الديار علي ذات النهج والمنوال كل حال يبدو في ظاهره سيئا بحال صلاحه في باطنه مستتر، وإن كان بعيد أيضا.
ليبقي أمر السودان كله عجبا، مثله مثل النموذج الخضري في التصرفات التي تبدو للعيان كأنها تخالف العقل والمنطق الطبيعي في كل شيء، رغم إنها تجري في الحقيقة، بأمر ربها الي نهايات ربما تكون سعيدة، تختلف في باطنها عن ظاهرها الموحش المخيف.
تتساوق فيها المنن بطي المحن، وتأتيها المزايا مع البلايا.
فمنذ ان اصبح هنا خرق سفينة “مساكين البحر” خير لهم من سلامتها، وقتل فلذة كبد “أبوين مؤمنين” رحمة بهما، وبناء جدار يستر كنزا بقرية اهلها اشحاء، صونا واجبا لحق يتيمن صغيرين لم يبلغا اشدهما كان ابوهما أو ابواهما صالحين.
قال الإمام محي الدين بن عربي في إحدى نصوصه النادرة عن هذه القصة قولا موحيا جاء كما يلي: (فإذا بلغ اليتيمان اشدهما، وتوفت الأدوار امدهما، حينئذ يظهر الكنز، وتقوم دولة العز، اذا ظهر الأمر في مجمع البحرين، ولاح السر المكتوم لذي عينين)، ويمضي ابن عربي الى ان يقول: (هذا الأمر هو الكنز الخفي بالبحر الغربي).
وينصح بقوله: (فالذي يعرف حقيقة ذلك الكنز ومحل النجاة والفوز، يقيم جداره، ويسكن داره، ولا يطلب أجرا، ولا يحدث لمن انكر عليه ذكرا).
وعن “الحقيقة” التي هي في جوهرها الأعم درجات تفضي الي اليقين.. كعلم، وحق، وعين، يقول “الحلاج” في “طواسينه” البديعة:
(افهام الخلائق لا تتعلق بالحقيقة، والحقيقة لا تتعلق بالخليقة، فالخواطر علائق، وعلائق الخلائق لا تصل إلى الحقائق، والإدراك إلى علم الحقيقة صعب، فكيف إلى حقيقة الحقيقة؟ فالحق وراء الحقيقة، والحقيقة دون الخلق).
وكذا في هذه الحرب التي عشنا ونعيش لأشهر خمس صوراً من ويلاتها ومراراتها الفاجعة، هي فعل منكر بالتأكيد، من الطبيعي أن تأباه وتكرهه نفوس النساء والرجال الأسوياء، وإن إنطوت علي شيء من خيرٍ، يظل خيرا وإن لم نراه، ولذا فإن هؤلاء الرجال والنساء يتصورون ان هذه الحرب الي الآن علي الأقل محضُ شرٍ، لا يجدون في غضونه، أو يلتمسون بين ثناياه وتضاعيفه، أي بارقة أمل، أو أدني صورة خير.
شأنهم وشعورهم لأول وهلة، كحال وشعور أبوي الغلام القتيل بلا ذنب جناه، وشأنهم شأن أرباب السفينة التي خرقها بين أيديهم رجلا أسدوا له جميلا، قابل إحسانهم باتلاف مركبهم الوحيد، قبل ان يترجل عنه.
بيد أن عاقبة كل هذه الأفعال التي ما جاءت في حقيقتها إلا لخير، بدت أول ما بدت للناس سيئة ومنكرة هي كذلك.
ولعل رجالا صالحين من أخفياء أهل السودان برزوا للناس في صورة شعراء كانوا قد أطلقوا إشارات لمثل هذا المعاني منهم محمد المهدي المجذوب الذي قال:
أيكون الخيرُ في الشرِ إنطوي
والقوي خرجت من ذرةِِ
هي حبلي بالعدم
أتـُراها تكفلُ الحربَ
وتنجو بالسـَّـلـَم
ويكون الضربُ كالقوةِ
حقاً وإهتماما
سوف ترعاهُ الأُمم
وتعود الأرضُ حُبـاً وإبتسـاما.
وبلغة حيميمة خاصة غزل محمد الحسن سالم (حميد) عن هذا “المُتغيّر السوداني الخفي” قائلا:
اسمع كلامي ده يابلد
كان ذات زمان
كان في بكان
زي البكان دا وها الزمان
وقعت شرارة علي برج
ساكنو الحمام
فسراع هرع ريح الخريف
من جاي وجاي لمَّ الغمام
نزلت مطيرة برت برت
طفت الحريق
والريح معلق في الركام
لما اتنفض
وقف المطر والجو برد
فزعوا العصافير لي بعض
حفتوا الحطام مرق المرق
واللِّنحرق بين الورق
لفوهو بي كل احترام
قبل الظلام يغشى الفريق
زي اكنو ما قد كان حريق
كان البرج زي ماهو قام
من تاني قام سكنو الحمام
باض الحمام هدل الحمام
المهم كل تلك الصور والمعاني التي تبدو متناقضة نوعا ما يجمل فك طلاسمها محمد مفتاح الفيتوري في تفسير مريح، عميق وبسيط في ذات الوقت بقوله:
لن تبصرنا بمآق غير مآقينا
لن تعرفنا
ما لم نجذبك فتعرفنا.
هكذا ضربة لازب.

الوسومالجميل الفاضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

أستاذ صدر يحذر: تربية الحمام تؤدي لأمراض خطيرة

حذر الدكتور محمد صدقي، أستاذ الصدر والحساسية، من خطورة تربية الحمام والمضاعفات الصحية التي قد يتعرض لها المربون.

أوضح محمد صدقي، في لقائه مع دينا رامز وآية شعيب، ببرنامج 'أنا وهو وهي' على قناة صدى البلد، أن تربية الحمام قد تؤدي إلى حدوث أعراض حساسية لدى الأشخاص المعرضين لذلك، مثل الكحة وضيق التنفس، بسبب البروتينات الموجودة في ريش الحمام.


وأضاف محمد صدقي، أن التعرض المستمر لهذه البروتينات يمكن أن يتسبب في مشاكل تنفسية خطيرة مثل التهابات الرئة، خاصة لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي للحساسية أو الذين يعيشون في بيئات تحتوي على غبار ودخان.

وأشار محمد صدقي إلى أن بعض الأشخاص الذين يتعاملون مع الحمام قد يعانون من أعراض خفيفة مثل الكحة وضيق التنفس، وإذا لم يتم معالجتها في مراحلها المبكرة، يمكن أن تتطور إلى مشاكل أكثر تعقيدًا، مثل التليف الرئوي.

ولفت صدقي إلى أن التليف الرئوي قد يكون ناتجًا عن التعرض المتكرر للبروتينات التي تحملها الحيوانات مثل الحمام، وأن هذا التليف قد يكون بطيئًا في تطوره أو سريعًا في بعض الحالات.

مقالات مشابهة

  • أسرار تربية الحمام للوصول إلى أعلى إنتاجية
  • معتقلون يمنيون في سجون الأسد: الحقيقة المفقودة خلف الجدران المظلمة
  • أشهر الأمراض التي تواجه مربي الحمام وطرق الوقاية والعلاج
  • أفضل الأماكن المناسبة لتربية الحمام في المنزل دون أي أضرار
  • ظلال الشر..الفاتيكان يحذر من الذكاء الاصطناعي
  • نضال الشافعي ومها نصار ينضمان لمسلسل الأميرة في رمضان 2025
  • عدنان الروسان يكتب … الأردن في مواجهة الحقيقة … مالعمل..!!
  • سفيرة إسرائيل في روسيا تكشف الحقيقة حول رحيل مواطنيها
  • أستاذ صدر يحذر: تربية الحمام تؤدي لأمراض خطيرة
  • الحقيقة التي أدركها أخيرًا كثير من جنود الميليشيا وضباطها من المخدوعين (..)