الدكتور بنطلحة يكتب: كارثة الحوز والقرار السيادي
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
إن مفهوم السيادة يمثل أحد المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها النظام الدولي، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنشأة الدولة الحديثة. إنه يتجلى في حرية الدولة في تصريف شؤونها الداخلية وتنظيم حكومتها ومرافقها العامة فضلا عن حقها في فرض سلطانها على كل ما يوجد على إقليمها من أفراد أو أشياء، كما أن للدولة الحق في التعامل مع الدول الأخرى دونما خضوع في ذلك لأي سلطة دولية، مع ضرورة قيام العلاقات بين تلك الدول على أساس المساواة في السيادة، والتي هي غير قابلة للتجزئة داخل الدولة الواحدة، حيث لكل دولة شخصيتها الدولية.
إن صيرورة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ قانوني عام، وقد تضمن ذلك في نصوص المادة الثانية من الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ناحية أخرى حرصت الأمم المتحدة منذ إنشاءها عام 1945على تأكيد مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.
في هذا الإطار، نتكلم عن القرار السيادي، والذي منبعه المصلحة العليا للوطن التي يحددها صانعو القرار فيه من خلال رؤية شمولية تستند إلى العديد من المحددات والوقائع التي تفرضها الاعتبارات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا موازين القوى الإقليمية والدولية.
ويفترض أن الدولة تملك القرار السيادي على إقليمها وشعبها فقط، كما أن الدولة لا ترهن بقاءها ووجودها بمصالح الآخرين وأهدافهم غير المعلنة.
إننا نُقرّ بأنه لا يوجد تعريف متفق عليه بالمطلق للقرار السيادي ولكن توجد قرارات تؤشر للسيادة منبعها المصلحة العليا للوطن، وبالتالي تعتبر القرارات السيادية من الأعمال والقرارات التي يشار إليها في فقه القانون العام بعبارة «الأعمال السيادية» أو «الأعمال الحكومية»، وهي تلك التي تتخذها السلطة التنفيذية بصفتها سلطة حكم لا سلطة إدارة، مما يكسبها الحصانة من الخضوع لأي رقابة قضائية وفق ما درج عليه القضاء الإداري منذ زمن بعيد.
وفي العادة لا تتضمن المنظومة القانونية في أي بلد قائمة محددة للأعمال الحكومية أو القرارات السيادية كما لا نعرف معيارا مانعا جامعا لتمييزها، إلا أن المقاربات القضائية والفقهية تعرف هذه الأعمال بأنها تلك التي تتصل بالسياسة العليا للدولة والإجراءات التي تتخذها الحكومة بما لها من سلطة للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها في الداخل والخارج.
وعليه، فإن امتناع المغرب عن قبول مساعدات عرضتها عليه بعض الدول إثر الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في المملكة هو قرار سيادي، انطلاقا من أن المقاربة التي اعتمد عليها المغرب في التعاطي مع عروض المساعدات هي مقاربة تقنية بالدرجة الأولى وليس لديه أي خصاص على هذا المستوى، كما أن المملكة المغربية لم تتعامل بصيغة انتقائية سلبية مع عروض المساعدات، وإنما قاربتها من زاوية احتياجاتها على المستوى التقني، ذلك أن الأدوية والأغذية تمكنت السلطات بمعية المجتمع المدني من توفير ما يلزم منها، علما أنه وفي إطار مقاربة تتوافق مع المعايير الدولية في مثل هذه الظروف أجرت المملكة المغربية تقييما دقيقا للاحتياجات في الميدان آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية.
والملاحظ أن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وفي تصرف يحن إلى الماضي البائد وبنظرة استعلائية مرضية لم تستسغ هذا القرار السيادي المغربي حيث انخرطت جوقة الإعلام الفرنسي في ترديد أسطوانة مشروخة، كون استثناء فرنسا من تقديم المساعدات على أنه «إهانة» لدولة فرنسا وعمدوا إلى شن حملة شرسة على المغرب ورموزه، ووصل الأمر برئيسهم إلى ارتكاب خطأ قاتل يدوس على جميع الأعراف الدبلوماسية عندما سمح لنفسه بمخاطبة المغاربة مباشرة، مع العلم أنه ليس مقبولا إطلاقا من رئيس دولة أجنبية أن يوجه خطابا لشعب دولة أخرى ذات سيادة.
والملاحظ أن المغرب تلقى عروضا من عشرات الدول، ومن بينها التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع المغرب كالولايات المتحدة الأمريكية، ورغم ذلك لم تتعامل الأخيرة مع الأمر بحساسية، حيث تركت المجال للسلطات المغربية كي تقرر في الأمر لأن ذلك يبقى قرارا سياديا.
أما دولة الكراغلة «العظمى»، فقد حاولت الركوب على أهوال هذه المأساة، وأخذت في تسييس ملف المساعدات عبر مسرحية بئيسة وفاشلة هزيلة الإخراج مفضوحة المحتوى، حيث سعت إلى المتاجرة بهذه الظروف الإنسانية وبدأت في الرقص والتباكي الخبيث على الجرح المغربي عبر تغطية إعلامية واسعة انخرط فيها الدجالون وسماسرة الكلام والطبالون ونافخو الكير خدمة لأجندة مسطرة تروم إقناع الداخل والخارج بأن «المغرب يرفض اليد الممدودة إليه»، وأن الكراغلة القوة المضروبة والتي لا توفر لمواطنيها حتى وجبات العدس، تملك الحل السحري لهذه الكارثة علما أنها تعجز حتى عن شراء طائرات إطفاء لشعبها الذي طالما تركته قربانا للنار، وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات الكراغلة الخبيثة والمنافقة تزامنت ومحاولة القصف الانتحاري لمرتزقة البوليساريو على الأراضي المغربية تزامنا مع مأساة زلزال الحوز بإيعاز وتمويل جزائري!
إن القانون الدولي يطرح معايير يجب أن تحترم عند تقديم المساعدات للدول، احتراما كاملا وفقا لميثاق الأمم المتحدة، ومن حيث المبدأ على أساس نداء يوجهه للبلد المتضرر بعيدا عن الحسابات السياسية ومنطق الابتزاز والمساومة والعبث الأخلاقي.
وإلى كل أبواق المخادعين والماكرين وتجار المآسي والمتلهفين لإخافة هذا البلد الأمين، نقول لكم إننا لسنا دولة فاشلة كما تتوهمون، المغرب قد تعرض لمجموعة من الأحداث والهزات عبر تاريخه الطويل، وقد خرج منها دائما منتصرا. إنه المغرب الدولة الأمة، راجعوا كتب التاريخ إن نسيتم لعلكم تتذكرون…
المصدر: مراكش الان
إقرأ أيضاً:
الإمارات تستعرض تقريرها الوطني الثاني بشأن حقوق الإنسان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ناقشت دولة الإمارات بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة تقريرها الوطني الثاني بشأن الميثاق العربي لحقوق الإنسان أمام لجنة حقوق الإنسان العربية في دورتها الـ 27.
وشاركت دولة الإمارات بوفد رفيع المستوى ضم ممثلين من الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في الدولة والمعنية بحقوق الإنسان.
وألقى القاضي عبد الرحمن مراد البلوشي الوكيل المساعد لقطاع التعاون الدولي والشؤون القانونية في وزارة العدل كلمة دولة الامارات، أكد خلالها أن دولة الإمارات منذ استعراضها لتقريرها الدوري الأول أكتوبر 2019 أصدرت سلسلة من التشريعات الوطنية، كما تواصل جهودها الحثيثة نحو تعزيز وتطوير منظومتها المؤسسية بما يساهم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن دولة الإمارات اعتمدت خلال الأربعة أعوام الماضية منظومةً مترابطةً ومتكاملةً من السياسات والاستراتيجيات الوطنية التي تسعى إلى تعزيز وكفالة التمتع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أهمها "الخطة الوطنية حول المرأة والسلام الأمن" التي تهدف لتحقيق المشاركة الفعالة للمرأة في الوقاية من النزاعات، و"السياسة الوطنية لكبار السن" و"استراتيجية التوازن بين الجنسين 2026" و"السياسة الوطنية لتمكين المرأة 2031" و"السياسة الوطنية للتحصينات" و"السياسة الوطنية للأسرة" و"سياسة حماية الأسرة" و"الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051" و"مئوية الإمارات 2071" التي تشكل برنامج عمل حكوميًّا طويل الأمد.
وعلى صعيد قطاع الرعاية الصحية أفاد بأن دولة الإمارات نجحت في تأسيس منظومة رعاية صحية متكاملة تُطّبق أفضل الممارسات العالمية، حيث جاءت بين أفضل 10 دول في العالم حسب تقارير التنافسية العالمية، وتبوأت المراكز الأولى عالميًّا في 11 مؤشراً صحيًّا، كما حصلت على المركز الثاني عالميًّا فيما يتعلق بمستوى الرضا عن الرعاية الصحية بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء عن عامي 2023 و 2024.
وأضاف: "تشكل عملية تطوير منظومة التعليم أبرز أولويات حكومة دولة الإمارات، إيماناً منها بأن التعليم هو أساس تقدم وتطور الأمم. ومن هذا المنطلق، طوّرت الدولة نموذج المدرسـة الإماراتيــة، كما استحدثت نموذج (مدارس الأجيال)، وتم إنشاء المركز الوطني لجودة التعليم، بالإضافة إلى اعتماد الحكومة الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030، والتي تركز على تطوير منظومة تعليمية مبتكرة، وتعزيز مهارات الطالب، باعتباره حجر أساس العملية التعليمية".
وأوضح أن حماية الأسرة وتعزيز مكتسباتها تتصدر سلم الأولويات والاهتمام في جميع السياسات والخطط والبرامج الحكومية في دولة الإمارات انطلاقاً من قناعتها الراسخة أن الأسرة تمثل الحاضنة الأساسية والنواة الأولى لوطن متماسك ومتسامح وآمن ينعم جميع أفراده بالرفاهية والاستقرار، وقد أعلن عام 2025 "عام المجتمع" لترسيخ تماسك المجتمع وتعزيز أواصره.
وأضاف : "أصدرت دولة الإمارات المرسوم بقانون اتحادي رقم (13) لسنة 2024 بشأن الحماية من العنف الأسري، كما أنشأت الدولة في ديسمبر 2024 وزارة الأسرة، والتي تختص بالعمل على بناء أسر مستقرة وتعزيز دور الأسرة في التنشئة، والحد من مخاطر التفكك الأسري".
وفيما يتعلق بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين أكد سعادة القاضي عبد الرحمن مراد البلوشي أن دولة الإمارات تواصل وبخطى ثابتة جهودها في هذا الصدد، حيث تتبوأ المرأة في دولة الإمارات أرفع المناصب السياسية والتنفيذية والتشريعية، وتتواجد في مختلف مناصب القيادة العليا التي تتصل بوضع الاستراتيجيات واتخاذ القرار. وتتويجاً لهذه الجهود، حصلت دولة الإمارات على المرتبة السابعة عالميا الأولى إقليميًّا في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وأكّد حرص دولة الإمارات على تعزيز وتطوير منظومتها القضائية، والتشريعات الوطنية ذات الصلة، بما يساهم في تعزيز كفاءة وفاعلية القضاء، وتسهيل إجراءات التقاضي،وتحقيق العدالة الناجزة، ورفع مستوى الوعي القانوني لدى المجتمع، وتوفير المساعدة القانونية والإرشاد.
وفي هذا الإطار أصدرت الإمارات مرسوماً بقانون بشأن الإجراءات الجزائية، وعدداً منالقرارات الوزارية الهامة بشأن الدليل الإجرائي لتنظيم التقاضي باستخدام الوسائل التكنولوجية والاتصال عن بُعد في الإجراءات الجزائية، واستخدام تقنيات التعاملات الرقمية في المعاملات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية.
وأشار إلى أن التَّسامح يعد أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي رسّختها قيادتنا الرشيدة منذ قيام الاتحاد، حيث جعل مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"طيب الله ثراه" العدل والمساواة والتآلف والتسامح واحترام الآخر، نهجاً ثابتاً لا يقتصر على الداخل فحسب، وإنما يحكم علاقات الدولة بالعالم الخارج.
وأشار إلى أن دولة الإمارات قادت خلال رئاستها لمجلس الأمن في يونيو 2023، اعتماد القرار التاريخي رقم 2686 بشأن التسامح والسلام والأمن الدوليين، الذي تضمّن لأول مرة إقراراً دوليًّا بوجود ارتباط بين خطاب الكراهية وأعمال التطرف والسلام والأمن الدوليين، كما حث القرار على نشر قيم التسامح والتعايش السلمي.
وجدّد في ختام كلمته دعم دولة الإمارات للدور الهام الذي تضطلع به لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان كآلية استطاعت خلال فترة وجيزة وعبر إسهاماتها وأنشطتها المتميزة في إثراء العمل العربي في إطار جامعة الدول العربية، من خلال إسهامها البناء في مراجعة الاستراتيجية العربية لحقوق الإنسان، ومتابعتها لتنفيذ وإعمال مواد الميثاق العربي في هذا الصدد.