السلطانان تيمور بن فيصل وابنه سعيد اهتمّا بالتنظيم الإداري؛ فما أبرز المؤسسات التي ظهرت في عهدهما؟
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
عرفت سلطنة عمان منذ مطلع القرن العشرين العديد من محاولات الإصلاح والتطوير الإداري، واستحداث برامج ومؤسسات خدمية حديثة متنوعة في المجالات المختلفة. “أثير” تقترب في هذا التقرير من بدايات التنظيم الإداري في سلطنة عمان من خلال استعراض أبرز جهود السلاطين في هذا الجانب، وأهم المؤسسات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي ظهرت.
جهود السلاطين في تطوير النظام الإداري
اهتم سلاطين عمان المتأخرون بالجانب الإداري وأولوه اهتمامًا مبكرًا بحسب التطورات التي شهدتها تلك الفترة الزمنية، ففي عهد السلطان فيصل بن تركي على سبيل المثال دخات خدمات الاتصالات بالبرقية في عام 1901، كما وضع حجر الأساس لمستشفى مسقط الخيري في عام 1909، وأشهرت جمعية الإخاء التي كان يرأسها السيد تيمور بن فيصل، كما اُنشئ معمل الثلج الوطني بمسقط في عام 1911.
وبحسب الباحث صالح بن سليمان الفارسي في كتابه ” ملامح من تطور النظام الإداري في سلطنة عمان”، فقد عمل السلطان تيمور بن فيصل على تطوير النظام السياسي والإداري في عمان وتحديثه؛ حيث شكّل أول مجلس للوزراء في تاريخ السلطنة بعام 1920 يضم أربعة وزراء؛ من بينهم: السيد نادر بن فيصل، والسيد محمد بن أحمد الغشّام، والشيخ الزبير بن علي، والشيخ راشد بن عزيز الخصيبي، كما أصدر أول قانون للخدمة العسكرية اشتمل على نظام الرواتب والعلاوات والمكافآت والعقوبات والجزاءات وغيره، كما عمل على تطوير النظام الجمركي في ميناء مسقط، وتنظيم الإدارة المالية، بهدف إصلاح الوضع الاقتصادي.
كما شهد في عهده توقيع أول اتفاقية للتنقيب عن البترول مع شركة داركي عام 1925، وظهور أول تنظيمات إدارية تولت القيام بأعمال البلدية في مسقط، كما أنشأ المدرسة السلطانية الأولى في عام 1928.
وقد حذا السلطان سعيد بن تيمور حذو أبيه في تطوير بعض وحدات الجهاز الإداري للدولة، وكان يتكون من: القصر ويمثل السلطة العليا، ويتولى تعيين الولاة والقضاة، وما يتعلق بالشؤون الخارجية وشؤون الدفاع والمالية. ونظارة الشؤون الداخلية للإشراف على الولايات وأعمال الولاة والقضاة، والشؤون القبلية، وبيت المال والأوقاف وجباية الزكوات، ونظارة الشؤون الخارجية. ومحافظة العاصمة، وتتولى شؤون الهجرة والجنسية والجوازات، والإشراف على الميناء والبلدية والشرطة والسجون، وغيرها من الأعمال.
بالإضافة إلى عدد من الدوائر مثل: دائرة الشؤون المالية، ودائرة الجمارك، ودائرة البلدية (مسقط ومطرح)، ودائرة الأوقاف والتركات، ودائرة شؤون الولاة، ومفتش الولاة التي كانت تتبع لوالي مطرح، وهو رئيس ولاة الباطنة، وحلقة وصل بين الولاة وناظر الداخلية، ودائرة الطرق، ودائرة الشرطة، ودائرة البريد، والمطبعة السلطانية، ودائرة المعارف، ودائرة المياه، ودائرة التموين، وغيرها.
أبرز التنظيمات الإدارية
أشار الباحث صالح الفارسي إلى عدد من التنظيمات الإدارية المهمة من بينها: افتتاح المدرسة السلطانية الثانية في عام 1935، وافتتاح المدرسة السعيدية بصلالة في عام 1936، والمدرسة السعيدية بمسقط في عام 1940، والمدرسة السعيدية بمطرح في عام 1959، وإصدار قانون الجمارك في عام 1938، واستحداث تنظيم إداري عصري لبلدية مسقط بمستوى دائرة، وتعيين السيد هلال بن بدر أول رئيسٍ لها في عام 1939، وتعيين أول مجلس بلدي في مسقط يتكون من 8 أعضاء في العام نفسه، وصدور قانون البلديات في سلطنة مسقط وعمان في عام 1949، وإنشاء أول جهاز للمالية وفق أسسٍ حديثة في يناير 1941، واستحداث أول جهاز للرقابة المالية للدولة في عام 1958، وإنشاء إدارة التنمية في عام 1959، وصدور قوانين تنظيم السير وتسجيل السيارات في عام 1967، وتكوين أول هيئة للتخطيط ( مجلس الإعمار) في عام 1968.
الاستعانة بالخبرات
حذا السلطان سعيد بن تيمور حذو أبيه السلطان تيمور في الاستعانة ببعض الشخصيات غير العمانية في المجالات المختلفة، حيث أبقى على بعض الشخصيات التي كانت موجودة في عهد السلطان تيمور، واستقدم آخرين في بعض المجالات، حرصًا منه على تطوير العمل الإداري، والاستفادة من الخبرات العربية والأجنبية في المجالات المختلفة، ولعل سعة اطّلاعه، وأسفاره الخارجية المتكررة جعلته يحرص على استقطاب بعض تلك الخبرات، والاستفادة من الخبرات الموجودة للإسهام في تطوير السلطنة.
ويشير ويندل فيليبس في كتابه ” تاريخ عمان” إلى مقولة للسلطان سعيد: ” إذا لم يكن لدي اكتفاء ذاتي في سلعةٍ ما، أو أحدث أساليب التنمية، فإنني أسافر لأستوردها من الخارج.. ونفس الشيء بالنسبة للتخصصات من الرجال التي لا تتوافر في عمان فإنني أذهب إلى مصدرها لأحصل عليها”.
كما يشير الباحث ناصر بن سعيد العتيقي في كتابه ” الأوضاع السياسية العمانية في عهد السلطان سعيد بن تيمور إلى أنه كان “يعتبر تعيين مستشارين عرب في حكومة مسقط وعمان من القرارات الهامة التي أزعجت بريطانيا، وخصوصًا بعد أن ثبت فشل المستشارين البريطانيين واحدًا تلو الآخر في فترة حكم والده السلطان تيمور، وكان أولين Awolin آخر هؤلاء، وبعد استقالته لم يطلب السلطان أي مستشار مالي وأصبح يسيّر أموره الاقتصادية الهامة بنفسه”.
وقد عيّن السلطان سعيد بن تيمور عددًا من المستشارين العرب بالإضافة إلى مستشاريه ورجال دولته من العمانيين كالسيد شهاب بن فيصل، والسيد حمد بن فيصل، والسيد طارق بن تيمور، والسيد أحمد بن إبراهيم، والسيد هلال بن بدر، والشيخ الزبير بن علي، والشيخ أحمد بن محمد الحارثي، وعلي بن محمد الجمالي، وغيرهم الذين تولوا عددًا من المناصب الإدارية والعسكرية المهمة، حيث عيّن الشيخ الليبي سليمان بن عبد الله الباروني مستشارًا للشؤون الدينية والداخلية منذ عام 1934، وكان الشيخ الباروني قد قدم إلى مسقط في عهد السلطان تيمور بن فيصل، ويعد من الشخصيات المهمة التي أدّت دورًا في الجهاد ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا، واشتهر بمعارضته لأي وجود استعماري أوروبي في الوطن العربي.
الزعيم سليمان الباروني أثناء وجوده في عمان
ومن بين الشخصيات العربية التي استعان بها السلطان تيمور بن فيصل وابنه السلطان سعيد بن تيمور في المجال الاقتصادي؛ عبد السلام حسين غنّام، وأحمد زكي عبده، وعبد الله أفندي مدير جمرك مسقط، وأحمد حمدي أفندي مدير جمارك مطرح في عشرينيات القرن الماضي.
ومنهم كذلك إسكندر حنّا أفندي مدير عام الجمارك السلطانية الذي كان قد قدم للعمل في الجمارك في عام 1921، وتم تعيينه من قبل مجلس وزراء سلطنة عمان مديرًا عامًا للفرض (الجمارك السلطانية) في الثامن من ربيع الآخر من عام 1342 هـ الموافق السابع عشر من نوفمبر 1923م، وتجدد اختياره مديرًا للجمارك السلطانية أكثر من مرة منذ وصوله لمسقط في عام 1921، وحتى مغادرته النهائية في يناير 1960 بسبب مرضه، وقد أدّى إسكندر حنّا دورًا مهمًا في إعداد وتعديل قوانين الجمارك العمانية وبالأخص خلال الفترة ما بين 1927 حتى 1938، وقام بجهدٍ كبير في إدارة الجمارك العمانية والإشراف على محطاتها المختلفة.
وفي المجال التربوي فقد حرص سلاطين عمان على استقدام عددٍ من الشخصيات التربوية العربية الذين أسهموا في النهضة التعليمية الحديثة بالسلطنة والارتقاء بها، ومنهم محمد أبو ذينة، وهو عالم تونسي كلفته الحكومة بالقيام بالتدريس لعدد من البنين والبنات في منزل استؤجر لهذا الغرض وأصبح يعرف فيما بعد بمدرسة بوذينة، وفخري الخطيب، وجمال حميد، ورشاد أبو غريبة، وأنور الخطيب، وغالب النقشبندي، وعلي القاضي، وتوفيق عزيز، ومحمود بركات، ورمزي مصطفى، وغيرهم.
ومنهم كذلك مدير المدرسة السلطانية الأولى، ورئيس المحكمة العدلية، ووالي مطرح، ومدير المعارف إسماعيل بن خليل بن عبدالله الرصاصي الذي كان يعد أحد أبرز المستشارين ورجال الدولة المقربين الذين قضوا فترة طويلة في العمل الإداري خلال فترة ثلاثة سلاطين تعاقبوا على حكم عمان، وهم السلطان تيمور بن فيصل، والسلطان سعيد بن تيمور، والسلطان قابوس بن سعيد.
المراجع
العتيقي، ناصر بن سعيد بن مبارك. الأوضاع السياسية العمانية في عهد السلطان سعيد بن تيمور، دار الفرقد، دمشق، 2015. العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022. الفارسي، صالح بن سليمان. ملامح من تطور النظام الإداري في سلطنة عمان، ط3، 2020 فيليبس، وندل. تاريخ عمان، ط5، وزارة التراث والثقافة، 2003.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
ظهرت في بوستر مسلسل «النُص».. ما أقدم العملات الورقية في مصر؟
ظهر النجم أحمد أمين في بوستر مسلسل النُص، وهو يحمل محفظة تحتوى على العديد من العملات النقدية المصرية القديمة، بعضها يعود لفترة الثلاثينات والعشرينات الذى تدور خلاله أحداث المسلسل، وهو ما أثار التساؤلات في أذهان البعض عن العملات القديمة والنادرة التي ظهرت في مصر، وكيف تطورت حتى وقتنا هذا.
ظهرت في بوستر مسلسل «النُص».. تعرف على اقدم 7 عملات مصريةفي بوستر مسلسل النُص ظهرت مجموعة من العملات الورقية القديمة دون الإشارة إلى قيمتها، وتعتد البريزة واحدة من أشهر العملات التي بدأت ورقية، وكانت تعنى 10 قروش، أو 2 شلن والجنيه يساوى 10 برايز.
جنيه الفلاح:في عام 1930 بدأ لأول مرة في تاريخ أوراق النقد المصري وضع العلامة المائية على الأوراق النقدية؛ وذلك للحيلولة دون تزييفها بدلًا من الاعتماد فقط على تعقيد الألوان، وفي 23 أبريل عام 1930 كان أول استخدام للعلامة المائية عندما قام البنك الأهلي المصري بإصدار نموذج جديد للورقة النقدية من فئة الجنيه مطبوعًا عليها العلامة المائية لأبي الهول، ويحمل أحد وجهيها صورة تمثال الملك توت عنخ آمون، بينما يحمل الوجه الآخر صورة جامع المنصور قلاوون، وفق موقع رئاسة الجمهورية.
في عهد الملك فؤاد الأول عام 1926 صدرت أول عملة مصرية تحمل صورة شخص هو عم إدريس، وكانت من فئة الجنيه؛ فأطلق عليها عامة الشعب جنيه الفلاح، وقد حمل ذلك الجنيه على أحد وجهيه صورة لوجه فلاح مصري يدعي إدريس، بينما حمل الوجه الآخر صورة لجامع المنصور قلاوون.
عندما أُعلِنَت مصر مملكة مستقلة، وأُعلِن السلطان أحمد فؤاد الأول ملكًا عليها، ورِبَت النقود باسمه في دور الضرب البريطانية، وقد حمل الجنيه المضروب في عهده عام 1924 صورة جمل وبدو أمام أسوار القاهرة والقلعة، وعلى ظهر الورقة زخارف هندسية يتوسَّطها اسم البنك الأهلي المصري والفئة النقدية التي تمثلها الورقة.