يمن مونيتور:
2025-02-24@07:26:27 GMT

الدولة في مفهومها الحوثي

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

تسع سنوات بالتمام، منذ سقوط العاصمة صنعاء بيد مليشيات الحوثي، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، ومن ثم سقوط الدولة اليمنية، مرحلة كافية جداً لفهم كثير من مقولات (وسلوكيات) هذه الجماعة القادمة من خارج سياق التاريخ اليمني الحديث، الذي تشكّلت خلاله وتبلورت فيه فكرة الدولة اليمنية الحديثة، ببعدها الجمهوري الديمقراطي التعدّدي، بكل سلبياتها وإيجابياتها.

صحيحٌ أن الحوثية اليوم امتداد لفكرة الإمامة الزيدية الهاشمية التي قضى عليها اليمنيون بواحدة من أعظم ثوراتهم، وهي ثورة 26 سبتمبر (1962)، وهي (الحوثية) اليوم ليست سوى نسخة أكثر رداءة من الإمامة المتوكلية الهاشمية التي قامت ضدّها تلك الثورة، لاعتباراتٍ كثيرةٍ وعديدة ومشاهدة. إنها اليوم، بكل صورها، تمثل انتكاسةً وصورةً أكثر انحطاطاً من صورة الإمامة التي ثار ضدّها اليمنيون، فالإمامة كانت أشبه بفكرة بدائية في تصوّراتها للدولة وللناس وللدين وللمجتمع وللحياة كلها، وكان محيطها وبيئتها تُساعد على وجود مثل ذلك التصوّر البدائي للدولة والمجتمع والإنسان. ومع ذلك، ثار الناس ضدّها نتاج ظلمها وتخلفها، مع قليل من الوعي المتسرّب من خارج الحدود، حيث هناك بعض الطلاب اليمنيين للدراسة، فعادوا بوعي سياسي ساهم في سرعة تأجيج الثورة بمفهومها الحديث.

أما اليوم، وقد تغيّر الزمان والمكان، وتلاشت كل الحدود الفاصلة بين الأمم والدول والشعوب، وكادت أن تتلاشى كل معالم الجهل والتخلف وفكر ما قبل الدولة، العالم مفتوح، وباستطاعة أي أحد أن يتصفح هاتفه ويغوص في عوالم الشعوب والدول، ويرى كيف تعيش هذه الأمم والشعوب وكيف تعمل الدولة وما تقوم به من واجبات وما عليها من مسؤوليات، فلا يمكن لأحد أن يتجاهل كل هذه التحوّلات في مفهوم الدولة فكرة وتطبيقاً وممارسة اليوم.

مع ذلك، وبرغم كل هذا التدفق الهائل للمعلومات والمعارف وسهولة الوصول إليها، في عالم مفتوح على مصراعيه، تبدو جماعة الحوثي مكشوفة أمام اليمنيين وأمام العالم، بدائية متخلفة فكرياً ونظرياً، مستميتةً بالعودة إلى الماضي، ومحاولة بعثه بكل ما فيه من كوارث وهمجية وتخلف، وبل واعتبار العودة إلى الماضي قمّة أهدافها الاستراتيجية، وذلك من خلال السعي إلى إحياء فكرة ما تُسميه بالولاة والإمامة الزيدية، واعتبارها أعظم نظرية سياسية دينية تفتق عنها عقل إنسان.

وبالتالي، ما تطبقه جماعة الحوثي اليوم في مناطق سيطرتها لا يُعتبر اعتباطياً، وإنما يعتبر تطبيقاً حرفياً وعملياً لمعتقداتها ورؤيتها المذهبية والدينية التي تؤمن بها، والتي تعدّها بمثابة الفكرة المثالية المقدّسة، التي تسعى إلى تطبيقها وتعمل على إحيائها اليوم، ودفع أجزاء من المجتمع اليمني تحت سيطرتها إلى اعتناق هذه الفكرة، وإرغام الناس على اعتناقها كرهاً وقسراً، حتى ولو اقتضى الأمر إبادة كل من لا يؤمن بها ويختلف معها في رؤيتها هذه. فالدولة في فكر الحوثي، لست سوى مُلك ومزرعة خاصة بأسرته من دون الناس، وأن ذلك منصوص عليه في كتبهم وتراثهم باعتباره حقّاً إلهياً حصرياً عليهم، وأن من ينكره كافر حلال الدم ومهدور الكرامة، كما في جلّ مدوّناتهم الفقهية من الرسي يحيى بن الحسين في القرن الهجري الثالث وحتى آخر نسخة منهم اليوم عبد الملك الحوثي، واستبطان مثل هذه الرؤية لديهم هو ما يتجلى في ممارساتهم اليومية في حياة الناس الذين سلبتهم هذه الجماعة كل شيء، وفي مقدّمة ذلك حقهم في الحياة.

مضت تسع سنوات، وهذه الجماعة تصادر رواتب موظفي الدولة الذين تستخدمهم كسُخرة، وتصادر كل شيء من وسائل العيش الخاصة والعامة، بفرضها الإتاوات الكبيرة على الناس، مزارعين أو تجّار أو حرفيين، بمن فيهم حتى البائعون المتجوّلون الذين لا يجدون شيئا يعيلون به أسرهم المُعدمة، بل أصبح جلب الأموال وظيفة هذه الجماعة الوحيدة التي أعادت لأجل المال وضع حدود شطرية بين مناطق اليمن، بحيث يسهّل لها ذلك فرض ضرائب وجمارك على السلع التي تدخل البلاد من الموانئ والمنافذ اليمنية التي لا تسيطر عليها هذه الجماعة.

ليست الدولة، وفقاً لهذا السلوك المليشيوي لجماعة الحوثي، سوى مزرعة خاصة تدرّ لها أموالاً تذهب إلى جيوب هذه الجماعة، ولا يرى الناس لها وجوداً في واقعهم الذي ينعدم فيه كل شيء، لا رواتب ولا خدمات ولا مدارس ولا طرق ولا مستشفيات ولا نظافة ولا أي شيء، فليس من سلطةٍ تمارسها هذه الجماعة سوى سلطة جبي الأموال من الناس وسلبهم حقهم وممتلكاتهم بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، والتي نتج عنها تكوّن طبقة جديدة من المنتفعين الذين يتطاولون بالبنيان، وهم من كانوا، إلى الأمس القريب، من أدنى الطبقات الدنيا في المجتمع.

هذا العقل المليشيوي، الذي ينطلق من فرضية أن الدولة حقّ خاص بهذه الجماعة وأدوات لجلب المال والاستئثار به، والتي تستمد شرعية وجودها وبقائها من كونها مأمورةً من الله بالقيام بذلك النهب المنظم لأموال الناس ومصادرة حقوقهم، تحت مسمّيات عدة، فلم تكتفِ هذه الجماعة بهذا النهم والشبق الحاد للاستحواذ على أملاك المواطنين، بل ذهبت إلى أبعد من هذا في إعادة رسم خريطة استحواذ عقاري جديد للأرض والممتلكات وإعادة توزيعها وفقا لنظام قديم، كان قائما أيام دولة الإمامة الزيدية الهاشمية التي كانت تُصادر كل الأراضي، وتستحوذ عليها بحجج شتى.

لم يكن هذا الشبق الكبير والنهم في جمع الأموال، بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، نتاج الحالة المليشيوية الراهنة فحسب، بل هي عقيدة متأصّلة لدى هذه الجماعة، وتستند إليها من خلال موروثها الفقهي، كما تروي لنا بعض الروايات التاريخية عن مقولةٍ تُنسب للإمام المتوكل إسماعيل الذي أصدر فتواه التي سماها “إرشاد السامع إلى جواز أخذ أموال الشوافع”، والتي سأله حينها أحد معاونيه عما إذا كان ذلك جائزاً، فرد عليه قائلاً إني أخشى أن يسألني الله عن ماذا أبقيت لهم، لا ماذا أخذت منهم.

تقوم جماعة على مقولات وعقائد لديها ترى أن لها حقّا في مصادرة أموال الناس واستحلالها، وتطفح مدوّناتها بمقولاتٍ تستحلّ كل شيء، وترى في كل من لا يعتنق مذهبها كافرا مباح الدم، أو ما تطلقُ عليهم مدوّنتهم الفقهية “كفار التأويل”، وهم كل الذين لا يتمذهبون بمذهبها ولا يعتنقون عقائدها، وهي فتاوى شهيرة في تاريخ الزيدية التي ترى في أرض اليمن أنها أرض خراجية، يجوز فيها الفتح والاستحواذ، فهي بعد ذلك لا ترى بأساً في أن تُصادر كل شيء، ولا ترى لها أي وظيفة لخدمة الناس، وإنما لاستعبادهم والنظر إليهم أنهم مُلك لها وعبيد لساداتها وزعمائها، فالدولة في فكر الحوثي ليست سوى امتلاك الناس والتحكّم بمصائرهم وأرزاقهم وحقوقهم، واحتكار القوة لفرض معتقداتها وخرافاتها عليهم، وفرض رؤية واحدة على الناس، دولة تأتمر بأمر قائدها العلم، أي زعيم المليشيا، وأن على الناس أن يخضعوا ولا يعارضوا كل ما تقوله وتمارسه هذه الجماعة من حرمانٍ وظلم وقهر ومصادرة لأرزاق الناس وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.

ما يحدُث من تململ الناس في مناطق سيطرة الحوثي، وخصوصا في ظل حالة الهدنة الهشّة هذه، كشف الغطاء عن جماعة الحوثي التي كانت تستخدم الحرب لقمع اليمنيين وإسكاتهم ومصادرة حقوقهم، وأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. أما اليوم، وقد انكشف أمرها، فقد تأكّد أن المعركة لم تكن سوى شعار لنهب المجتمع ومصادرة حقوقه وحرّياته وكرامته، وأن هذه الحرب التي كانت تتستّر تحت شعاراتها هي اليوم التي ستعمل على دفع الناس للمطالبة بحقوقهم المصادرة وحرّياتهم المسلوبة من هذه المليشيات.

ولهذا كله، قامت ثورات اليمنيين ضد خرافات هذه الجماعة قديماً وحديثاً، وما إيمان اليمنيين المطلق بثورة الـ26 من سبتمبر (1962)، واعتبارها ثورة عرفوا من خلالها الإسلام، واستعادوا من خلالها دينهم وحرّيتهم وكرامتهم وحقوقهم المسلوبة، ولهذا نرى اليوم مقدار الاحتفاء بهذه الثورة ومقدار الكره والاحتقان الذي يسود مناطق هذه الجماعة وحالة الاحتقان والتربّص التي ترى أهمية الخلاص من هذه الجماعة التي لا يخدم بقاؤها اليوم سوى شرعية كسيحة مرتهنة وتواطؤ خليجي فاضح وواضح مع هذه الجماعة ومشروعها الطائفي العنصري الذي لن يستثني أحدا، والذي يرى في الجزيرة العربية كلها حقّاً إلهياً خاصاً بهذه الجماعة، وأن هذه الحقّ المغتصب يجب أن يعود إليها يوماً.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: 26 سبتمبر الحرب اليمنية الحوثي جماعة الحوثی هذه الجماعة کل شیء

إقرأ أيضاً:

الحوثي يستخدم 700 مدرسة كمراكز لتجنيد الأطفال وتدريبهم على الأسلحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في اليوم العالمي لمكافحة استغلال الأطفال كجنود، أصدرت منظمة ميون لحقوق الإنسان بيانًا عبرت فيه عن قلقها البالغ إزاء الارتفاع المستمر في أعداد الأطفال المجندين في اليمن، حيث وصلت هذه الظاهرة إلى مستويات غير مسبوقة مع نهاية عام ٢٠٢٤، وأشار البيان إلى استمرار جماعة الحوثي في تجنيد الأطفال بشكل ممنهج، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وأكدت المنظمة فى بيانها أن تجنيد الأطفال فى اليمن لم يتوقف، رغم الانخفاض النسبي فى حدة الصراع منذ أكتوبر ٢٠٢٢، بل على العكس فقد تفاقم ليصبح من أخطر التطورات فى النزاع منذ اندلاعه عام ٢٠١٤.
وأبرز البيان أن المنظمة وثقت استخدام ٧٠٠ مدرسة حكومية وأهلية فى مناطق سيطرة الحوثيين كمراكز لتجنيد الأطفال وتدريبهم على مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، تحت إشراف مباشر من وزارة الدفاع ووزارة التربية والتعليم التي تم تغيير اسمها إلى وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي.
وأشار بيان منظمة ميون إلى أن هذه الممارسات تترافق مع عمليات تعبئة فكرية تقوم بها جماعة الحوثي، من خلال معسكرات تجنيد ودورات طائفية، مما يزيد من خطورة هذه الظاهرة على السلم الأهلي والتعايش المجتمعي فى اليمن، كما يقوض أى جهود لإحلال السلام.
كما أوضح البيان أن التصعيد العسكري المستمر منذ بداية العام الجاري، إضافة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات تسرب الطلاب من المدارس، يجعل من اليمن بيئة خصبة لاستمرار عمليات التجنيد دون أى عوائق، فى انتهاك خطير لاتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختيارى المتعلق بإشراك الأطفال فى النزاعات المسلحة.
وفى ختام بيانها، دعت منظمة ميون إلى اتخاذ موقف حازم من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، مشددة على ضرورة الحد من عمليات تجنيد الأطفال والتصدي لتبعات العنف الذى يمارس ضدهم، وضمان حماية وتعزيز حقوقهم، من خلال تنسيق الجهود واتخاذ التدابير الكفيلة بعدم إشراك الأطفال فى الأعمال العدائية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
من ناحية أخرى؛ دعا وزير الخارجية اليمنى شائع الزنداني، خلال لقائه مساعد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" إدوارد شيبان، إلى اتخاذ موقف دولي قوى تجاه انتهاكات جماعة الحوثي، خصوصًا فيما يتعلق بتجنيد الأطفال وتعديل المناهج الدراسية فى المناطق التي تسيطر عليها. 
وأكد الزنداني، على هامش مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن، أن هذه الانتهاكات تشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبل الأطفال فى اليمن، مطالبًا بتعزيز آليات المراقبة والتوثيق لضمان إدراج هذه الجرائم فى التقارير الدولية واتخاذ التدابير اللازمة للحد منها.
كما تناول الزنداني مع المسئول الأممي سبل تعزيز التعاون الإنساني والتنموي، مشددًا على أهمية دعم الأطفال في مجالات الصحة والتعليم والتغذية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بدون أى عوائق.
وأشاد بدور اليونيسف في تقديم الدعم للأطفال، معبرًا عن رغبة الحكومة اليمنية فى تعزيز شراكتها مع المنظمة لحماية حقوق الأطفال ومساعدتهم على تخطى تداعيات الحرب.

مقالات مشابهة

  • الحوثي يستخدم 700 مدرسة كمراكز لتجنيد الأطفال وتدريبهم على الأسلحة
  • تبادلا الأوسمة والهدايا..رئيس الدولة يحضر مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الإيطالي تكريماً لسموه
  • بنكيران: الجفاف ماشي نوزعو الفلوس على رجال التعليم و الموظفين
  • تقرير: هجمات الحوثي تعيد نشاط قراصنة الصومال بعد عقد من السبات
  • رسالة إلى السيد عبد الملك الحوثي
  • موتوا بغيظكم المقاومة باقية... قاسم: سنشارك في بناء الدولة القويّة
  • مليشيا الحوثي تختطف ثلاثة مشايخ قبليين في حجة وسط تصاعد التوترات
  • سايحي: مجهودات الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج
  • قبائل مذحج وحِمير تعلن التعبئة الشاملة لاستعادة الدولة من مليشيا الحوثي
  • الاسدي يكشف ابرز المبادرات التي نفذتها الوزارة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية