في هذا الحوار يتحدث محمد الطوزي، أستاذ العلوم السياسية، وعضو اللجنة الملكية التي أعدت النموذج التنموي عن تداعيات زلزال الحوز، وفرص إعادة الإعمار، ويتوقع هجرة من المنطقة وديناميات اجتماعية تحتاج لمتابعة… فيما يلي نص الحوار…

كيف تابعتم تداعيات زلزال الحوز على دواوير المنطقة علما أنكم في اللجنة الملكية للنموذج التنموي سبق أن ناقشتم موقع الدوار والقرية في السياسة العمومية؟

  الزلزال فاجعة كبيرة في منطقة جبلية لها خصوصية.

في  لجنة النموذج التنموي كان هناك تفكير في ما يسمى “القرية” و”الدوار”، و”الدشر” كما يسمونه في الشمال، أي تصور لمجال العيش اليومي للناس، نواة تدبير الشأن الجماعي، له خصوصية اقتصادية واجتماعية.

لا بد من الإشارة إلى أن كل منطقة ودوار لها خصوصية، فالدوار في الأطلس ليس مثل الدوار في الغرب أو الشاوية، أو جبالة. لكل منطقة خصوصية.

 أهم مسألة طرحت هي الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة. أي الخصوصيات الإيكولوجية والاجتماعية، خلال تدبير السياسات العمومية محليا.

كيف ناقشتم في اللجنة موضوع الدوار ومكانته في السياسات العمومية؟

 لجنة النموذج التنموي قامت بزيارات ميدانية، قبل كوفيد، للأطلس الكبير والصغير: زرنا تالوين، قرب جبل سروة، وهي بعيدة قليلا عن الزلزال، وزرنا جماعة أونايم، وثلاث نيعقوب، أسني، سيدي واعزيز. وأغلبية أعضاء اللجنة ومنهم رئيسها شكيب بنموسى، أمضوا يومين في هذه الجماعة التي تضم 65 دوارا، وقد أصبحت اليوم غير قابلة للسكن.

 اللجنة بنت تصورها على معطيات ميدانية جد دقيقة، أولا من خلال جرد دواوير المغرب كلها. وقد تبين أن عدد الدواوير يناهز 48 ألف دوارا منها دواوير أساسية ودواوير تابعة. ويظهر من خلال المعطيات أن ما بين 7000 إلى 8000 قرية ودوارا معنية بضربة الزلزال، وتعرضت لأضرار متفاوتة.

 ما الذي  يجب فعله لمواجهة تداعيات هذه الكارثة؟

 مصالح الدولة، اليوم، تقوم بالجرد الميداني للخسائر البشرية والمادية، وهي مرحلة جد مهمة، قبل  وضع تصور لإعادة الإعمار، خاصة أن الدولة تتوفر على معطيات دقيقة حول كل دوار.

بيان الديوان الملكي أشار إلى أن 50 ألف مسكن انهار كليا أو جزئيا؟ هل هذا الرقم مفاجئ؟

  كان منتظرا هذا الرقم، بالنظر لحجم الأضرار وقوة الهزة، وهو يعكس الواقع، وفيما بعد سيكون لازما إجراء خبرة تقنية، وهذا يتطلب وقتا.

هناك حديث عن سعي السلطات لتجميع الدواوير المشتتة، لتقريب الخدمات إليها، هل يمكن إعادة إسكان السكان في مناطق مجمعة؟

 تشتت الدواوير في الأطلس الكبير نسبي. الحالة العامة هي تمركز الدواوير التي يحكمها  المجال والتضاريس. لا يمكن للناس البناء في أي مكان. هذا رغم أن بعض الناس بدؤوا يبتعدون قليلا عن الدوار، لبناء مساكن عصرية، وهم غالبا يقطنون في المدينة، أو يقطنون في الخارج، وهم من أبناء المنطقة من الميسورين. لكن  الدوار أصلا ممركز، ومحكوم بالتضاريس، وبالمجال الزراعي، ومجال تربية الماشية.

لا بد من الإشارة إلى أن الموارد المحلية مع ذلك لا تكفي، وتعتمد الدواوير على مساعدات الأبناء الذين يعملون في المدن.

إذن التشتت في الأطلس غير دقيق، لأنه ليس مثل الدواوير في السهول والهضاب العليا والغرب، فهذا المجال هو الذي فيه تشتت.

سبق أن قلتم خلال تقديم خلاصات تقرير لجنة النموذج التنموي، إن المغرب في بعده الاستراتيجي بلد قروي، وإن إصلاح الدولة يبدأ من الدوار والقرية وليس من البعد الوطني، هل يمكن لحادث الزلزال أن يسرع هذه الرؤية؟

 أظن أن لدينا فرصة لمراجعة السياسات العمومية على المستوى الترابي، ولدينا الإمكانيات المادية والعلمية والتقنية. الجماعات المحلية إذا توفرت على الإمكانيات المادية فهي قادرة على العمل، والقيام بهذه المهام.

المبدأ الأساسي في هذا التصور هو أن تشتغل الدولة “مع الناس” و”ليس للناس”، أي مبدأ التشارك.

لأنه محليا الناس يعرفون المنطقة، وهم يدبرون أمورهم بآليات وميكانيزمات محلية. طبعا هم يحتاجون الدولة على مستوى توفير الخدمات الصحية والتعليم، والطرق، وغير ذلك. ولكن للناس إمكانيات لتدبير أمورهم حتى على مستوى البناء. فهناك تقنيات محلية تمت بلورتها في المغرب.

هناك من ينتقد تقنيات البناء الطيني التي ساهمت في تسهيل الانهيارات خلال الزلزال؟

  اختيارات البناء في هذه المناطق الجبلية مبنية على تجربة وخيارات. هناك من يقول إن هناك بناء عشوائيا للدواوير في العالم القروي. هذا ليس بناء عشوائيا. يجب تطوير هذه التقنيات طبعا. هناك دراسات أجريت مثلا على مستوى معهد التقنيات الترابية في مراكش. وهناك مهندسون معماريون مختصون في هذا المجال حيث طوروا نموذجا، أصبح يدخل ضمن المعمار الجديد. مثلا هناك نموذج طريقة بناء فيلات في جامعة محمد السادس في بنكرير، بتقنيات متطورة بالخشب والطوب المضغوط، وهو مشروع للمكتب الشريف للفوسفاط.

هذا يتطلب وقتا وجهدا وتعاونا “مع الناس”، الذين يعرفون التقنيات ويحتاجون تأطيرا من مهندسين، وأيضا تأطيرا إداريا، من خلال دفتر تحملات.

 أما إذا تم التعاقد مع مقاول وطلب منه بناء دوار كامل بطريقة عادية، فإنه لن يسكن أحد في هذه المساكن.

من خلاصات اللجنة حول الدوار، الحديث عن إشكالية في تصور الدولة ومسؤوليتها تجاه المجال في هذه المناطق القروية، وأنه لو لم يكن العالم القروي يحافظ على قيم التضامن لحصلت مشاكل؟

  فعلا، وهذا ما تابعناه بعد الزلزال حيث قيم التضامن بارزة، ويجب أن نفتخر بقيم التضامن في المجتمع المغربي كله، وإضافة إلى البعد الديني، هناك البعد الاجتماعي والإنساني. فالناس لم ينتظروا الدولة لبناء مسجد، ولم ينتظروا الدولة لبناء مدرسة تقليدية، أو لأداء أجرة فقيه الدوار، فالدولة تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى. مثلا برنامج تزويد هذه المناطق بالماء الصالح للشرب، ينفذ بشراكة مع الساكنة، حيث تكون شراكة بين مكتب الماء والكهرباء والجمعيات أو مع الجماعة القروية، فهناك تعدد أشكال التدخل، ولهذا يجب تطوير هذا العمل. فهناك دول أخرى فقدت تقنيات التدبير والقيم.

ولا أشك أن الإدارة والحكومة والجماعات الترابية، واعية، بهذا الأمر وتحتاج لصبر وتأني، لأن الأصعب هو “تدبير الصراخ” في مواقع التواصل الاجتماعي. الناس يتكلمون بالعاطفة، يقولون الدولة لا تفعل شيئا، ولم تأت للمساعدة. يجب أن نعرف أن هذه المقولة غريبة عن الثقافة المحلية، الناس يقولون “ما عندناش ما خصناش”، فهم يشتغلون ويطلبون من الدولة المساعدة.

لا شك أن هناك إشكاليات ستواجه المجال الترابي بعد الزلزال، كيف يمكن التعامل معها؟

  فعلا إن تدخل الدولة لإعادة إعمار المناطق المتضررة ستوازيه ديناميات اجتماعية، فالسكان الذين كان توازنهم ضعيف قد يفضلون الرحيل. مثلا هناك من أرباب الأسر من يعمل في المدينة ولديه أبناء في الدوار، يزورهم مرة في الشهر، لأن هذا الوضع اقتصادي بالنسبة له، في مثل هذه الحالة قد ينقل رب الأسرة أبناءه إلى المدينة إذا استطاع.

هل تقصد أنك تتوقع هجرة من هذه المناطق نحو المدن؟

 نعم من لديهم الإمكانية للانتقال إلى المدينة سينتقلون، فمن بقي والداه على قيد الحياة في الدوار، وهو في المدينة ولديه الإمكانية لنقلهم معه إلى المدينة سيفعل. هذا التحول سيتطلب متابعة علمية لرصده.

 أيضا هناك مسألة محورية وقديمة، وهي أن الشباب ما بين 18 و30 سنة قليلون في المنطقة لأنهم يعملون في المدن، ولكن لهم علاقة وطيدة مع مسقط رأسهم، وبدونهم لا يمكن أن يحيا الدوار.

هل تتوقع تغييرات اجتماعية في المنطقة؟

 نعم، وهذا يحتاج متابعة علمية من الجامعات ومراكز البحوث لدراسة الديناميات الاجتماعية التي ستنطلق في منطقة الزلزال.

كلمات دلالية الحوز الزلزال المغرب الدوار النموذج التنموي زلزال الحوز محمد الطوزي

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الحوز الزلزال النموذج التنموي زلزال الحوز

إقرأ أيضاً:

لجنة الأندية الأولمبية تبحث توسيع قاعدة ممارسة الرياضات التنافسية

استعرضت لجنة الأندية في اللجنة الأولمبية الوطنية، آليات توسيع قاعدة ممارسة الرياضة التنافسية بأندية الدولة، والمبادرات المتعلقة بزيادة عدد الأندية الخاصة في المنافسات المحلية، والتحديات التي تواجه الأندية الرياضية وطرق التطوير المقترحة ومجالات التحسين.

وبحثت اللجنة ، خلال اجتماعها أمس في دبي برئاسة سعادة فارس محمد المطوع، الأمين العام للجنة الأولمبية الوطنية، إيجاد أفضل الطرق لزيادة وعي اللاعبين في كافة النواحي السلوكية، والبدنية، والصحية، والمنشطات.
كما استعرضت أوجه التعاون لإعداد الدراسات والأبحاث والنظم واللوائح التي تستهدف تطوير الأندية، وبحث إمكانية إطلاق منصة رقمية لبيانات الرياضيين المسجلين فيها، والتحديات التي تواجه اللجنة باعتبارها الجهة الرسمية الممثلة للرياضيين في الدولة.
وأكد سعادة فارس محمد المطوّع، أهمية دور اللجان المختلفة في اللجنة الأولمبية الوطنية والتي تضطلع بمهام عدة وعلى رأسها مساعدة اللجنة في تنفيذ برامجها ومبادراتها، بما ينعكس بصورة مباشرة على مستوى الحركة الأولمبية في الدولة، والارتقاء بمنظومة العمل الأولمبي في ظل وجود لجان تخصصية معنية بكافة الجوانب.وام


مقالات مشابهة

  • فتاة فيديو التحرش الجماعي في طنجة تخرج بأول تصريح وتوضِّح حيثيات الواقعة (فيديو)
  • سمير عثمان: هناك ضربة جزاء لم تحتسب للوحدة أمام النصر.. فيديو
  • ارمي جنيه تحقق أمنياتك.. بئر مسعود عالم الأساطير بالإسكندرية|فيديو
  • لجنة الأندية الأولمبية تبحث توسيع قاعدة ممارسة الرياضات التنافسية
  • الفراج‬⁩: هناك من ينتظر لقاء الاتحاد والجندل بفارغ الصبر..فيديو
  • أحمد الطلحي: سيدنا النبي له 10 خصال ليست مثل البشر (فيديو)
  • أحمد الطلحي: الصلاة على النبي تجلب العافية للأبدان (فيديو)
  • أستاذ تجميل بـ«جامعة الأزهر» : فئتان مٌعرضة للإصابة بقرح الفراش (فيديو)
  • مناقشة مسار الحياد الصفري والتحول الرقمي بمجلس الدولة
  • مجانًا.. ما الأوراق المطلوبة لاستخراج قرار علاج على نفقة الدولة؟