بقلم/ د.البدر الشاطري
تعاني القارة السمراء من انعدام الاستقرار في ربوعها رغم ما تزخر بها من خيرات وثروات هائلة. وشهدت منطقة وسط وغرب القارة عدة انقلابات عسكرية مؤخراً والتي قد تزيد من وتيرة الاضطرابات في المنطقة، خاصة إذا ما حدث تدخل عسكري من المنطقة أو خارجها. وقد شاركت في ندوة عقدت حول الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي تحت قواعد تشاتام هاوس والذي لا يسمح بالإفصاح عن أسماء المشاركين أو الجهة الراعية.
وشاركت في الندوة شخصيات أكاديمية وسياسية ودبلوماسية ومراكز بحوث عالمية لمناقشة معضلة أفريقيا في عدم تحقيق استقرار للبدء في عملية التنمية الشاملة. وقد أصبحت الحروب والنزاعات والصراعات سمة أساسية في القارة. وجرت النقاشات حول الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة غير المستقرة.
ودار النقاش حول أسباب عدم الاستقرار والذي أجمع المشاركون على أن هشاشة الدولة وضعف شرعيتها هي من أهم مسببات الاضطرابات. فالدول الأفريقية دول ما بعد كلونيالية بامتياز. فقد جاءت هذه الدول نتيجة للاستعمار الأوروبي والذي أنشأ هذه الدول بحدودها التي لم تأخذ اعتبارات الانتماءات الاثنية. وأصبح مسألة صياغة الدولة يحتاج إلى مفاوضات مستمرة بين الفرقاء السياسيين.
كما أن انعدام استحواذ وسائل العنف الشرعي من قبل الدولة يحد من قدرتها على ممارسة سيادتها على أراضيها. وتتقاسم في كثير من الأحيان جماعات مسلحة السيادة الوطنية على مساحات شاسعة من أراضي الدولة. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الجماعات من المتطرفين الممارسين للإرهاب المحلي والدولي.
والمشكلة في رأينا ليس في الحالة الاستعمارية الموروثة فحسب، رغم أهميتها الكبيرة، بل في فشل الدولة بعد الاستقلال في خلق مجتمع سياسي يتشارك فيه الجماعات الاجتماعية ويتقاسم فيه قيماً وطنية موحدة ويجمعهم التراب الوطني.
والإشكالية الثانية والتي تعاني منها القارة الإفريقية هو دورها في الاقتصاد العالمي وهو مرتبط عضوياً بالاستعمار، حيث أسس الأخير لاقتصاد قائم على إنتاج مواد أولية واستيراد مواد مصنعة من الدول المتقدمة. وقد نتج عن ذلك، حتى بعد الاستقلال، علاقة تبعية بين الدول المصدرة للمواد الأولية والدول المنتجة للمواد المصنعة. وبسبب فارق القيمة المضافة بين المواد المصنعة والمواد الأولية، فإن الدول الإفريقية غدت محرومة من تراكم رأسمالي تستطيع أن تنطلق على أساسها في عمليات التنمية.
وإضافة إلى سوء الأداء الاقتصادي وإدارة الموارد، فإن كثيراً من النخب السياسية والاقتصادية يعتريها فساد مستشرٍ. والقيادة تلعب دوراً مهماً في العملية التنموية بشقيها السياسي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال، فإن دولة كانت متخلفة في الستينيات من القرن المنصرم، وهي سنغافورة، أصبحت في مصاف الدول المتقدمة، بل إنها متقدمة على كثير من الدول الغربية. ورغم افتقار سنغافورة للمصادر الطبيعية، فإن قيادة متمثلة في لي كوان يو استطاعت أن تحول البلاد إلى قوة اقتصادية كبيرة.
وقد عانت القارة السمراء من التنافس الغربي، حيث تدافعت القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر لتقاسم القارة فيما بينها. واليوم نرى التاريخ يتناغم مع تلك الحقبة الاستعمارية، حيث تتدافع القوى العظمى لاقتطاع مناطق نفوذ لها في القارة ولو على حساب مصالح شعوب القارة ورخائها واستقرارها.
وبالنسبة لمنطقة القرن الإفريقي، فإنها محاذية لدول الجزيرة العربية وتشرف على ممر مائي مهم، وهو مضيق باب المندب في البحر الأحمر، والذي تمر منه كثير من تجارة دول الخليج فضلاً عن تصدير النفط. كما أن هذه المنطقة مهمة لكثير من الدول العربية مثل السودان والذي يعاني من نفس المشاكل التي تعاني منها القارة قاطبة. فالاهتمام بهذه المنطقة مسألة استراتيجية مهمة لنا في الخليج العربي.
نقلاً عن البيان
المصدر: سام برس
كلمات دلالية: کثیر من
إقرأ أيضاً:
عُمان والتوجه شرقا
لم يعد طرح "التوجه شرقا"، مجرد استدعاء أو رمزية مستقبلية، بل بات واقعا وضرورة ملحة تمثل عدة فرص وتحديات مستقبلية عدة أيضا.
أما الفرص فيجب على الدول العربية استثمارها الآن لا بعد حين، من أجل المساهمة بشكل جاد في توازن القوى الدولية أمنيا واقتصاديا، نظرا لاعتبارات عدة، تجلت في موقف واشنطن من قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إذ لم تتخذ الإدارة الأمريكية أي خطوات تعبر عن حسن النية أو مراعاة قيم الشراكة والتحالف مع أي من دول المنطقة.
الاتجاه شرقا، ليس بالضرورة فك الارتباط مع الغرب، لكن المساهمة في تعزيز التوازن الدولي هو الخيار المتاح حاليا أمام المنطقة العربية، ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح في زيارة جلالة سلطان عمان إلى موسكو في 22 من إبريل الجاري، والتي شهدت توقيع اتفاقيات عدة في جل مجالات التعاون الحالي والمستقبلي، ومثلت خطوة هامة في ظل ما تعيشه المنطقة من تفاقم التوتر، وترقب الهدوء أو الانفجار الكبير على بين إيران وواشنطن.
خلال اللقاء بجلالة سلطان عمان، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن قمة عربية مرتقبة تجمع روسيا بجامعة الدول العربية هذا العام، وهي خطوة سيسعى الجانب الغربي لعرقلتها بكل السبل، لكن الفرصة مواتية أمام الصين أيضا لحضور هذه القمة بدعوة من روسيا أو من جامعة الدول العربية، الأمر الذي يمكن أن يفرض واقعا مغايرا يؤسس لدور محوري للدول العربية التي دفعت فاتورة باهظة نتيجة الصراع بين الشرق والغرب الذي يدور على أرضها منذ عقود، بداية من العراق وسوريا واليمن وليبيا، وجميعها تتصل بشكل أو بآخر بهذا الصراع، الأمر الذي يحتم على الجميع الآن التحرك تدريجيا نحو الانخراط في المشهد، مع إدراك أن التبعات ليست هينة.
ربما أن الزيارة التاريخية لجلالة السلطان هيثم بن طارق إلى موسكو، تعد بمثابة خطوة استراتيجية دقيقة تعبر عن رؤية ثاقبة، في ظل ما عرف عن السياسة العمانية من هدوء ودقة، الأمر الذي يعطي هذه الزيارة أهمية أوسع من الجوانب الثنائية، مع الأخذ بالاعتبار الدور المحوري والهام الذي تقوم به السلطنة في وساطتها بين واشنطن وطهران، والدول الآخر الذي قامت به بين الرياض وطهران في فترة سابقة.
من جهة فإن تعزيز العلاقة مع موسكو يفتح آفاق التعاون والاستثمار وزيادة الحركة السياحية بين البلدين، لكنه يؤكد أيضا أن الأبعاد الإقليمية حاضرة وبقوة، إذ يمكن استثمار علاقة موسكو مع إيران من جهة ما ينسحب بالضرورة على ملف اليمن ولبنان والجماعات الأخرى التي ترتبط بإيران إذ تبحث موسكو عن دعم الاستقرار في الوقت الذي تحتاج فيه إيران أيضا لتحسين علاقتها مع دول المنطقة.
ومن جهة أخرى أيضا يمكن الاستفادة من الموقف الروسي والصيني في عديد القضايا من جهة، وكذلك الاستفادة القصوى من الاستثمارات الصينية الروسية، التي باتت تبحث عن أسواق وبيئات آمنة أكبر في ظل الإجراءات التي قام بها الرئيس الأمريكي وفرضه لضرائب باهظة أضرت بشعبه وشعوب دول أخرى، بالإضافة أيضا لحالة العداء الأوروبي لروسيا، ما يجعل الدول العربية هي الملاذ الآمن لرجال الأعمال الروس، وهو ما بدأ فعليا مع بدء الأزمة الأوكرانية.
رغم كل هذه الفرص التي تبدو مواتية بشكل كبير، ويمكن أن تعززها بصورة أكبر المملكة العربية السعودية، التي تعد قوة اقتصادية هائلة في المنطقة، لكن التحديات أيضا ليست هينة، فمن جهة ترتبط العديد من الدول العربية باتفاقيات أمنية ضخمة مع واشنطن وكذلك على المستوى الاقتصادي، في ظل عقوبات على روسيا وإيران وحرب مع الصين، لكن الانتظار لن يحسن من وضع التحديات بل سيزيدها تعقيدا، ويمكن أن يبقي على المنطقة لعقود أخرى مجرد ساحة لإدارة الصراع دون أن تكون فاعلة شرقا أو غربا.
في المجمل فإن زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق التي أسست لقمة عربية روسية مرتقبة، تعد بوابة هامة نحو الاتجاه شرقا، بما يعزز من توازن القوى العالمية، ويصون مقدرات المنطقة، ويدفع نحو تثبيت عوامل الاستقرار والأمن للأجيال القادمة التي توشك أن ترث منقطة مفتتة متنازعة الأطراف ومحترقة القلب عن آخرها.