الجزيرة:
2025-04-27@04:39:06 GMT

تركيا والاتحاد الأوروبي.. صفحة جديدة لكن محدودة

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

تركيا والاتحاد الأوروبي.. صفحة جديدة لكن محدودة

في أول تطور عملي على صعيد علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي بعد حديث الطرفين عن إمكانية إحياء مسيرة أنقرة الأوروبية، زار مفوض الاتحاد لسياسات الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي أنقرة الأسبوع الفائت، في إشارة مباشرة ودلالة واضحة على فتح الطرفين صفحة جديدة في العلاقات.

مسيرة متعثرة

في خمسينيات القرن الماضي حسمت أنقرة خياراتها بشكل واضح نحو الانضمام للكتلة الغربية مدفوعة في الأساس بتخوفات من مطامع الاتحاد السوفياتي السابق في أراضيها ومضايقها، وحازت عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952.

ومنذ وضع اللبنات الأولى لما أصبح لاحقاً الاتحاد الأوروبي، رغبت أنقرة في الانضمام ثم تقدمت بطلب رسمي للعضوية عام 1999، لكنها تُركت على لوائح الانتظار سنوات طويلة لأسباب بعضها ذو وجاهة.

ومع حزب العدالة والتنمية، جددت تركيا طلبها للانضمام للنادي الأوروبي، وبدأت عملية التفاوض عام 2005 وكانت العلاقات إيجابية في تلك المرحلة بين الجانبين. ورغم ذلك، لم يكن مردود ذلك كبيراً في الجانب العملي، فقد قـُبِلَ منها فصل واحد فقط من أصل 35 فصلاً للتفاوض في مسار الانضمام. إذ لطالما وقفت أمام العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي أسبابٌ عديدة سياسية واقتصادية وفنية متعلقة بفصول التفاوض، واصطدمت دائماً بالفيتو الذي أشهرته عدة دول -في مقدمتها اليونان- في وجهها.

وخلال السنوات الماضية ولا سيما بعد الانقلاب الفاشل في تركيا صيف 2016، تراجعت علاقات أنقرة مع بروكسل وتوترت بشكل ملحوظ، وهو ما كان له أثره كذلك على مسارها نحو الاتحاد، ويصل الأمر لإعادتها لمرحلة التقييم ما قبل المفاوضات.

ومؤخراً ولا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، تحسنت العلاقات بين الجانبين نسبياً، وسادت نظرة أكثر إيجابية في الغرب بخصوص موقف أنقرة ودورها في الحرب من جهة وفي منظومة الأمن الأوروبي التي تعرضت لمخاطر مستجدة بعد الحرب من جهة ثانية.

ومع الضغوط الغربية على تركيا لقبول عضوية فنلندا والسويد في حلف الناتو، استحضر الرئيس التركي ما عَدَّهُ ازدواجية في المعايير فيما خص ملف بلاده في الاتحاد الأوروبي مطالباً بإعادة إحياء هذا المسار، الأمر الذي أوحى بحصول صفقة أو تفاهم ضمني بقرن موافقة تركيا على عضوية البلدين ولا سيما السويد بتسريع مسار انضمامها للاتحاد.

العقبات التي مثلت أمام انضمام تركيا للاتحاد على مدى العقود الماضية ما زالت قائمة حالياً، وفي مقدمتها النظرة الثقافية الهوياتية لتركيا من قبل الاتحاد وبعض أعضائه، وقدرة أنقرة ونفوذها المتوقعين سياسياً واقتصادياً داخل مؤسسات الاتحاد في حال انضمامها له

صفحة جديدة

جاءت زيارة فارهيلي إلى تركيا كأول خطوة عملية بعد تصريحات أردوغان وتجاوب بروكسل معها، وقد نُظر لها على نطاق واسع كإشارة على فتح صفحة جديدة بين الجانبين، لا سيما وأنه مفوض سياسات الجوار والتوسع في الاتحاد.

زيارة فارهيلي (يمين) لتركيا وبدء مسار إيجابي بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي عنوانه الحوار لا التصعيد (الأناضول)

بيد أن تصريحات المسؤول الأوروبي في أنقرة لم تتطرق لمسألة عضوية تركيا في الاتحاد، بل ولعلها استبعدتها بشكل غير مباشر. أكثر من ذلك، فقد تحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل مؤخراً عن رؤية الاتحاد للتوسع وضم دول جديدة خلال السنوات المقبلة، قائلاً إن على الاتحاد وتلك الدول أن تكون جاهزة للعضوية حتى عام 2030، قاصداً أوكرانيا وبعض دول غرب البلقان دون أن يشمل تركيا.

وانتقد وزير الخارجية التركي هذه الرؤية قائلاً إن سياسة التوسع في الاتحاد الأوروبي تصدُرُ عن هواجس جيوبوليتيكية، وإنه لا يمكن للاتحاد أن يصبح لاعباً عالمياً بالمعنى الحقيقي للكلمة بدون تركيا، وإن إبقاء بلاده خارج الاتحاد "خطأ إستراتيجي" خصوصاً وأنه تتم خدمة لمصالح سياسية لبعض الأعضاء على حد تعبيره.

بدوره، تحدث فارهيلي عن إمكانات وآفاق للعلاقات التركية الأوروبية لكنه استثنى موضوع العضوية، بل أكد -في معرض رده على أحد الأسئلة- على أن العودة للتفاوض بخصوص انضمام أنقرة للاتحاد "رهن بتحقيقها تقدماً في مجال الديمقراطية".

وعليه، فقد أتى جدول الزيارة -كما كان متوقعاً- مرتبطاً بشكل أساسي بالعلاقات البينية بين الجانبين، وتحديداً فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي وتأشيرة شينغن للمواطنين الأتراك واللاجئين المقيمين على الأراضي التركية.

وما زالت فكرة تطوير الاتحاد الجمركي، وبالتالي العلاقات التجارية بين الطرفين حاضرة بقوة وتحظى بموافقة الطرفين ورغبتهما بشكل مبدئي، مما يحقق مصلحة مشتركة لهما، ولذلك ليس من المستبعد أن يبدآ مساراً للحوار حوله.

أما تأشيرة شينغن بالنسبة للمواطنين الأتراك فقد تغيرت الصيغة المطروحة من قبل الاتحاد الأوروبي من "إلغائها" وفق ما كان مطروحاً قبل سنوات في اتفاق إعادة اللاجئين (مارس/آذار 2016) ووفق ما تطالب به أنقرة حالياً، إلى صيغة "تسهيل" الحصول عليها، وهو تغير ذو دلالة واضحة تدعم فكرة حصر المسار الحالي بتطوير العلاقات البينية وابتعادها عن تحقيق اختراقات مهمة متعلقة بمسار العضوية أو مسهلة له.

وأما بخصوص اللاجئين فقد وقع الطرفان اتفاقية لتنفيذ مشروع يدعم "الاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين في تركيا"، حيث سيقدم الاتحاد الأوروبي تمويلاً بقيمة 781 مليون دولار وسيدير المشروع بالشراكة مع وزارة الأسرة والتضامن الاجتماعي في تركيا.

وعليه، تكون زيارة مفوض سياسات التوسع والجوار في الاتحاد الأوروبي لتركيا قد ركزت على معنى "الجوار" أكثر من "التوسع" فيما يخص الأخيرة، بل لعلها بقيت محصورة فيه ومقصورة عليه بشكل مقصود، وهو أمر يدعونا لعدم رفع سقف التوقعات بخصوص هذا المسار ومآلاته.

وذلك أن هذه الزيارة تأتي في ظل ظروف مثالية بالنسبة لأنقرة تعددت فيها أوراق قوتها تجاه شركائها الغربيين إن كان في الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو أو الولايات المتحدة، ورغم ذلك فإن التصريحات صادمة في وضوحها ومباشرتها بأن العودة لفتح باب التفاوض بخصوص العضوية ليست مطروحة الآن وما زالت مرهونة بشروط معلنة مرتبطة بالشأن السياسي الداخلي التركي.

ومن جهة ثانية، فإن العقبات التي مثلت (عقبة) أمام انضمام تركيا للاتحاد على مدى العقود الماضية ما زالت قائمة حالياً، وفي مقدمتها النظرة الثقافية الهوياتية لتركيا من قبل الاتحاد وبعض أعضائه، وقدرة أنقرة ونفوذها المتوقعين سياسياً واقتصادياً داخل مؤسسات الاتحاد في حال انضمامها له، وبالتالي الفيتو المرفوع من قبل عدة دول -في مقدمتها اليونان وقبرص (اليونانية) وفرنسا- على انضمامها.

وتدرك أنقرة ذلك بنفس المقدار الذي تدركه بروكسل، لكنها لا تفتأ تعبر عن رغبتها بل وإصرارها على الحصول على العضوية الكاملة. لكنها في المقابل تعرف جيداً أنها لم تعد بذات درجة الحاجة للاتحاد كما كانت عام 2005 أو قبلها، فلا تركيا اليوم هي تركيا الأمس، ولا الاتحاد الأوروبي اليوم هو نفسه بالأمس.

وعليه، تبقى مسألة العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي مستعصية حالياً ومتروكة للمستقبل البعيد في حال حصول متغيرات جذرية في تركيا أو الاتحاد أو كليهما، وهي احتمالات ضئيلة جداً بالتأكيد. أما في الوقت الراهن فإن الممكن الذي سيتناوله الطرفان مرتبط بالعلاقات الثنائية ولا سيما الاقتصادية منها، ويمكن إضافة الأمنية كذلك. ولعل الاتفاق المتعلق باللاجئين الذي وقعه الجانبان يتعلق بشكل غبر مباشر بالتهديدات الأمنية التي تستشعرها أوروبا من ملف اللاجئين في المقام الأول.

وبالتالي، تكون زيارة مفوض سياسات التوسع والجوار بالاتحاد الأوروبي قد فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة وبروكسل فعلاً، لكنها صفحة مؤطرة بمسار محدد وبسقف محدود لا يصل لفكرة عضوية تركيا في الاتحاد ولا يقترب منها بل لا يفتحها للنقاش في المرحلة الحالية، مكتفياً بما يمكن تحقيقه من مكاسب للطرفين على الصعيدين التجاري والأمني فضلاً عن أهمية خفض حالة التوتر بين الجانبين وبدء مسار إيجابي في العلاقات الثنائية عنوانه الحوار لا التصعيد.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الاتحاد الأوروبی بین الجانبین فی مقدمتها صفحة جدیدة ولا سیما فی ترکیا ما زالت ما کان من قبل

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يزور أذربيجان لبحث انضمامها إلى "اتفاقيات التطبيع" ووساطتها مع تركيا

من المقرر أن يجري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، زيارة رسمية إلى العاصمة الأذربيجانية باكو خلال النصف الأول من شهر أيار/ مايو المقبل، حيث سيلتقي بالرئيس إلهام علييف، بحسب ما أفادت صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الخميس.

وستبحث الزيارة، التي تأتي في سياق العلاقات المتنامية بين الجانبين، عدة ملفات إقليمية ودولية، على رأسها جهود الوساطة التي تقوم بها باكو بين إسرائيل وتركيا بشأن سورية، في محاولة لدفع مسار تفاهمات بين أنقرة وتل أبيب لمنع الاحتكاك بين الطرفين.

كما تتناول المحادثات مسألة انضمام أذربيجان المحتمل إلى "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية، التي وقعتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية في عام 2020 بوساطة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، علما بأن العلاقات بين الجانبين قائمة بالفعل.

وسيبحث الجانبان أيضًا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين إسرائيل وأذربيجان، إلى جانب توسيع إطار التعاون الثلاثي الذي يشمل الولايات المتحدة، ويمتد إلى ملفات اقتصادية وأمنية، بما يشمل تعميق الحضور الإسرائيلي في آسيا الوسطى عبر بوابة باكو.

وتأتي زيارة نتنياهو، التي ستكون الأولى من نوعها منذ 2016، إلى باكو، استكمالاً لـ"المحادثات التقنية" التي عُقدت هناك قبل أسبوعين بمشاركة وفود رفيعة من إسرائيل وتركيا، بحسب "يسرائيل هيوم".

وهدفت هذه المحادثات إلى منع الاحتكاكات بين الجيشين، الإسرائيلي والتركي، على الأراضي السورية. وتلت هذه المحادثات لقاء جمع علييف بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، والرئيس السوري، أحمد الشرع.

وكان علييف قد صرّح مؤخرا بأن "الدولتين صديقتان لأذربيجان. فتركيا حليفة لنا، وإسرائيل دولة صديقة، وعلى مدى سنين طويلة تبدت هذه الصداقة في مواقف وأوقات صعبة على كلتينا". وأضاف "لذلك بالنسبة لنا، التوتر بين الجانبين يقلقنا جدًا".

يُشار إلى أن أذربيجان تُعد شريكًا إستراتيجيًا لإسرائيل في مجالات الطاقة والأمن، وتحتفظ بعلاقات متينة معها منذ عقود، فيما تسعى تل أبيب إلى توظيف هذا التقارب لتعزيز مكانتها الإقليمية في مواجهة إيران، وتوسيع حضورها في الدولة التي تتقاسم معها حدودًا.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية تفاصيل انهيار مبنى على جنود من لواء "جفعاتي" في رفح الجيش الإسرائيلي يضع 4 سيناريوهات لحرب غزة الكابينت يجتمع مجددا غدا لبحث آلية إدخال المساعدات إلى غزة الأكثر قراءة "الأوقاف" تُصدر تنويها لمواطني الضفة الراغبين بأداء فريضة الحج 2025 جبارين: نتنياهو يرفض خروج الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال مسؤوليْن بارزيْن في حماس والجهاد الإسلامي إسرائيل: قيادات أمنية سابقة تُحذّر "هرتسوغ" من استمرار نتنياهو بالحكم عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • مصدر مطلع:تركيا تشترط على حزب طالباني بغلق كافة مقرات حزب الـpkk مقابل رفع الحظر عن مطار السليمانية
  • أزمة البحر الأحمر تكشف الانقسام الأطلسي بين الناتو والاتحاد الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي يعتزم تمويل أنشطة إزالة الألغام في سوريا
  • ستارمر وفون دير لاين يؤكدان حرصهما على تعزيز التعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي
  • مصر تبحث مع الاتحاد الأوروبي الجدول الزمني لدعم الموازنة بقيمة 4 مليارات يورو
  • تركيا عازمة على تعميق العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا
  • «الخارجية» والاتحاد الأوروبي يناقشان مكافحة غسل الأموال
  • أحمد ياسر يكتب: مثلث التوترات (إسرائيل - سوريا - تركيا)
  • نتنياهو يزور أذربيجان لبحث انضمامها إلى "اتفاقيات التطبيع" ووساطتها مع تركيا
  • مسودة اتفاق أميركي روسي تهدد وحدة الناتو والاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا