تركيا والاتحاد الأوروبي.. صفحة جديدة لكن محدودة
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
في أول تطور عملي على صعيد علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي بعد حديث الطرفين عن إمكانية إحياء مسيرة أنقرة الأوروبية، زار مفوض الاتحاد لسياسات الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي أنقرة الأسبوع الفائت، في إشارة مباشرة ودلالة واضحة على فتح الطرفين صفحة جديدة في العلاقات.
مسيرة متعثرةفي خمسينيات القرن الماضي حسمت أنقرة خياراتها بشكل واضح نحو الانضمام للكتلة الغربية مدفوعة في الأساس بتخوفات من مطامع الاتحاد السوفياتي السابق في أراضيها ومضايقها، وحازت عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952.
ومع حزب العدالة والتنمية، جددت تركيا طلبها للانضمام للنادي الأوروبي، وبدأت عملية التفاوض عام 2005 وكانت العلاقات إيجابية في تلك المرحلة بين الجانبين. ورغم ذلك، لم يكن مردود ذلك كبيراً في الجانب العملي، فقد قـُبِلَ منها فصل واحد فقط من أصل 35 فصلاً للتفاوض في مسار الانضمام. إذ لطالما وقفت أمام العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي أسبابٌ عديدة سياسية واقتصادية وفنية متعلقة بفصول التفاوض، واصطدمت دائماً بالفيتو الذي أشهرته عدة دول -في مقدمتها اليونان- في وجهها.
وخلال السنوات الماضية ولا سيما بعد الانقلاب الفاشل في تركيا صيف 2016، تراجعت علاقات أنقرة مع بروكسل وتوترت بشكل ملحوظ، وهو ما كان له أثره كذلك على مسارها نحو الاتحاد، ويصل الأمر لإعادتها لمرحلة التقييم ما قبل المفاوضات.
ومؤخراً ولا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، تحسنت العلاقات بين الجانبين نسبياً، وسادت نظرة أكثر إيجابية في الغرب بخصوص موقف أنقرة ودورها في الحرب من جهة وفي منظومة الأمن الأوروبي التي تعرضت لمخاطر مستجدة بعد الحرب من جهة ثانية.
ومع الضغوط الغربية على تركيا لقبول عضوية فنلندا والسويد في حلف الناتو، استحضر الرئيس التركي ما عَدَّهُ ازدواجية في المعايير فيما خص ملف بلاده في الاتحاد الأوروبي مطالباً بإعادة إحياء هذا المسار، الأمر الذي أوحى بحصول صفقة أو تفاهم ضمني بقرن موافقة تركيا على عضوية البلدين ولا سيما السويد بتسريع مسار انضمامها للاتحاد.
العقبات التي مثلت أمام انضمام تركيا للاتحاد على مدى العقود الماضية ما زالت قائمة حالياً، وفي مقدمتها النظرة الثقافية الهوياتية لتركيا من قبل الاتحاد وبعض أعضائه، وقدرة أنقرة ونفوذها المتوقعين سياسياً واقتصادياً داخل مؤسسات الاتحاد في حال انضمامها له
صفحة جديدةجاءت زيارة فارهيلي إلى تركيا كأول خطوة عملية بعد تصريحات أردوغان وتجاوب بروكسل معها، وقد نُظر لها على نطاق واسع كإشارة على فتح صفحة جديدة بين الجانبين، لا سيما وأنه مفوض سياسات الجوار والتوسع في الاتحاد.
بيد أن تصريحات المسؤول الأوروبي في أنقرة لم تتطرق لمسألة عضوية تركيا في الاتحاد، بل ولعلها استبعدتها بشكل غير مباشر. أكثر من ذلك، فقد تحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل مؤخراً عن رؤية الاتحاد للتوسع وضم دول جديدة خلال السنوات المقبلة، قائلاً إن على الاتحاد وتلك الدول أن تكون جاهزة للعضوية حتى عام 2030، قاصداً أوكرانيا وبعض دول غرب البلقان دون أن يشمل تركيا.
وانتقد وزير الخارجية التركي هذه الرؤية قائلاً إن سياسة التوسع في الاتحاد الأوروبي تصدُرُ عن هواجس جيوبوليتيكية، وإنه لا يمكن للاتحاد أن يصبح لاعباً عالمياً بالمعنى الحقيقي للكلمة بدون تركيا، وإن إبقاء بلاده خارج الاتحاد "خطأ إستراتيجي" خصوصاً وأنه تتم خدمة لمصالح سياسية لبعض الأعضاء على حد تعبيره.
بدوره، تحدث فارهيلي عن إمكانات وآفاق للعلاقات التركية الأوروبية لكنه استثنى موضوع العضوية، بل أكد -في معرض رده على أحد الأسئلة- على أن العودة للتفاوض بخصوص انضمام أنقرة للاتحاد "رهن بتحقيقها تقدماً في مجال الديمقراطية".
وعليه، فقد أتى جدول الزيارة -كما كان متوقعاً- مرتبطاً بشكل أساسي بالعلاقات البينية بين الجانبين، وتحديداً فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي وتأشيرة شينغن للمواطنين الأتراك واللاجئين المقيمين على الأراضي التركية.
وما زالت فكرة تطوير الاتحاد الجمركي، وبالتالي العلاقات التجارية بين الطرفين حاضرة بقوة وتحظى بموافقة الطرفين ورغبتهما بشكل مبدئي، مما يحقق مصلحة مشتركة لهما، ولذلك ليس من المستبعد أن يبدآ مساراً للحوار حوله.
أما تأشيرة شينغن بالنسبة للمواطنين الأتراك فقد تغيرت الصيغة المطروحة من قبل الاتحاد الأوروبي من "إلغائها" وفق ما كان مطروحاً قبل سنوات في اتفاق إعادة اللاجئين (مارس/آذار 2016) ووفق ما تطالب به أنقرة حالياً، إلى صيغة "تسهيل" الحصول عليها، وهو تغير ذو دلالة واضحة تدعم فكرة حصر المسار الحالي بتطوير العلاقات البينية وابتعادها عن تحقيق اختراقات مهمة متعلقة بمسار العضوية أو مسهلة له.
وأما بخصوص اللاجئين فقد وقع الطرفان اتفاقية لتنفيذ مشروع يدعم "الاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين في تركيا"، حيث سيقدم الاتحاد الأوروبي تمويلاً بقيمة 781 مليون دولار وسيدير المشروع بالشراكة مع وزارة الأسرة والتضامن الاجتماعي في تركيا.
وعليه، تكون زيارة مفوض سياسات التوسع والجوار في الاتحاد الأوروبي لتركيا قد ركزت على معنى "الجوار" أكثر من "التوسع" فيما يخص الأخيرة، بل لعلها بقيت محصورة فيه ومقصورة عليه بشكل مقصود، وهو أمر يدعونا لعدم رفع سقف التوقعات بخصوص هذا المسار ومآلاته.
وذلك أن هذه الزيارة تأتي في ظل ظروف مثالية بالنسبة لأنقرة تعددت فيها أوراق قوتها تجاه شركائها الغربيين إن كان في الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو أو الولايات المتحدة، ورغم ذلك فإن التصريحات صادمة في وضوحها ومباشرتها بأن العودة لفتح باب التفاوض بخصوص العضوية ليست مطروحة الآن وما زالت مرهونة بشروط معلنة مرتبطة بالشأن السياسي الداخلي التركي.
ومن جهة ثانية، فإن العقبات التي مثلت (عقبة) أمام انضمام تركيا للاتحاد على مدى العقود الماضية ما زالت قائمة حالياً، وفي مقدمتها النظرة الثقافية الهوياتية لتركيا من قبل الاتحاد وبعض أعضائه، وقدرة أنقرة ونفوذها المتوقعين سياسياً واقتصادياً داخل مؤسسات الاتحاد في حال انضمامها له، وبالتالي الفيتو المرفوع من قبل عدة دول -في مقدمتها اليونان وقبرص (اليونانية) وفرنسا- على انضمامها.
وتدرك أنقرة ذلك بنفس المقدار الذي تدركه بروكسل، لكنها لا تفتأ تعبر عن رغبتها بل وإصرارها على الحصول على العضوية الكاملة. لكنها في المقابل تعرف جيداً أنها لم تعد بذات درجة الحاجة للاتحاد كما كانت عام 2005 أو قبلها، فلا تركيا اليوم هي تركيا الأمس، ولا الاتحاد الأوروبي اليوم هو نفسه بالأمس.
وعليه، تبقى مسألة العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي مستعصية حالياً ومتروكة للمستقبل البعيد في حال حصول متغيرات جذرية في تركيا أو الاتحاد أو كليهما، وهي احتمالات ضئيلة جداً بالتأكيد. أما في الوقت الراهن فإن الممكن الذي سيتناوله الطرفان مرتبط بالعلاقات الثنائية ولا سيما الاقتصادية منها، ويمكن إضافة الأمنية كذلك. ولعل الاتفاق المتعلق باللاجئين الذي وقعه الجانبان يتعلق بشكل غبر مباشر بالتهديدات الأمنية التي تستشعرها أوروبا من ملف اللاجئين في المقام الأول.
وبالتالي، تكون زيارة مفوض سياسات التوسع والجوار بالاتحاد الأوروبي قد فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة وبروكسل فعلاً، لكنها صفحة مؤطرة بمسار محدد وبسقف محدود لا يصل لفكرة عضوية تركيا في الاتحاد ولا يقترب منها بل لا يفتحها للنقاش في المرحلة الحالية، مكتفياً بما يمكن تحقيقه من مكاسب للطرفين على الصعيدين التجاري والأمني فضلاً عن أهمية خفض حالة التوتر بين الجانبين وبدء مسار إيجابي في العلاقات الثنائية عنوانه الحوار لا التصعيد.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الاتحاد الأوروبی بین الجانبین فی مقدمتها صفحة جدیدة ولا سیما فی ترکیا ما زالت ما کان من قبل
إقرأ أيضاً:
مصادر عربي21: تركيا مطلعة وتشعر بارتياح إزاء اتفاق قسد ودمشق.. تفاصيل مهمة
كشف مصدر خاص لـ"عربي21"، الثلاثاء، اطلاع تركيا على وثيقة الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والدولة السورية، لافتا إلى أن أنقرة تشعر بالارتياح لهذا التطور.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أواخر العام الماضي، دأب المسؤولون الأتراك على التلويح بعملية عسكرية ضد "قسد" شمالي شرق سوريا، لكن خطاب زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عبد الله أوجلان الداعي إلى حل التنظيم وإلقاء السلاح فتح الباب أمام العملية السياسية.
وكان حزب المساواة وديمقراطية الشعوب "ديم" المناصر للأكراد في تركيا كشف عن إرسال أوجلان ثلاث رسائل قبل خطابه "التاريخي" واحدة منها إلى "قسد"، التي تعتبرها انقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب لديها.
ومساء الاثنين، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي على اتفاق دمج الأخير في مؤسسات الدولة، وذلك ضمن مساعي دمشق لحل كافة الفصائل المسلحة وبسط سيطرتها على كافة التراب الوطني.
قبل ذلك بساعات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له عقب اجتماع للحكومة في العاصمة أنقرة إن الشرع ينتهج سياسة شاملة منذ سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في أواخر العام الماضي دون الوقوع في "فخ الانتقام"، مشيرا إلى أنه "إذا استمرت هذه القوة في التزايد، فستفسد المكائد ضد سوريا".
وشدد على أن أنقرة لن تسمح بإعادة رسم الخرائط في سوريا، موضحا أن "من ينظر إلى سوريا ولا يرى فيها إلا الطوائف والمذاهب والأعراق فهو حبيس التعصب الأعمى"، بحسب وكالة الأناضول.
وقال باحث في الشؤون السورية، طلب عدم الكشف عن هويته، إن التطورات في تركيا بخصوص إمكانية إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه ساهمت في دفع "قسد" لتوقيع الاتفاق مع دمشق.
في سياق متصل، كشف مصدر آخر لـ"عربي21" إن الولايات المتحدة أخبرت حلفائها الأكراد أنها ستنسحب من سوريا.
وتعد قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
كما تحظى هذه القوات التي تسيطر على مساحات شاسعة من شمال شرقي سوريا، بدعم عسكري من واشنطن.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعا في تصريحات أدلى بها في كانون الثاني /يناير الماضي، الجميع إلى رفع أيديهم عن سوريا، في إشارة إلى القوات الأمريكي في سوريا.
وشدد أردوغان على قدرة بلاده على "سحق" التنظيمات "الإرهابية" في سوريا، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلون الأكراد، الذين تراهم أنقرة خطرا على أمنها القومي.