مرفأ قراءة... لطيفة الزيات وجدلية السياسة والأدب!
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
- 1 -
رواية «الباب المفتوح» اسم أشهر أعمال الكاتبة النسوية والروائية والناقدة والمناضلة المصرية لطيفة الزيات (1923-1996) التي تحل ذكرى رحيلها الـ 27 هذا الشهر. ولطيفة الزيات ليست مجرد اسم ارتبط بعملٍ روائي يؤرخ به لما يمكن أن نسميه حركة التحرر النسوي في مصر والعالم العربي في منتصف القرن العشرين. لكن ارتبط اسمها أيضًا بنشاط معرفي وأكاديمي أصيل ومؤثر في دوائر الدراسات الأدبية والنقدية والفكرية طيلة النصف الثاني من القرن العشرين.
أول ما صافح عيني من أعمالها سيرتها الذاتية المعنونة «حملة تفتيش.. أوراق شخصية» (صدرت في مشروع مكتبة الأسرة عام 1998) وهي سيرة في غاية الأهمية، وتكشف عن وضعية المرأة المثقفة المصرية في ظل التناقض بين الشعارات المرفوعة والممارسات الحقيقية على الأرض! في المنزل والأسرة والشارع وبيت الزوجية والمؤسسة الجامعية وحتى في الصدام مع الأجهزة الأمنية بسبب الأفكار السياسية.
وفي هذا النص السيري-الروائي، سنجد أن لطيفة تقفز من زمن إلى آخر، ومن مكان إلى آخر؛ لتسترد حكاياتٍ قد كُتبت في زمن آخر، ولتبحث وراء المرأة ذات الثمانية والخمسين عاما (عمرها حين كتبت سيرتها) التي دخلت سجن القناطر الخيرية، وعن الشابة التي اعتقلت في سجن الحفرة بالإسكندرية، لتعطينا في جميع الحالات خلاصة رمزية لحياة خصبة ملأتها الإنجازات وهددها الانكسار.
نراها طفلة بين "بيت قديم" مهدد بالانهيار في انتهاء فترة مجد تجار البحر بين الشام وميناء دمياط، وبين الحكايات التي ملأت طفولتها؛ فتحكي الجدة مثل شهرزاد عن أساطير الأجداد وملاحم الشاطر حسن، فتدرك الطفلة لطيفة الزيات خلط الجدة بين هذه وتلك، فتعي منذ تلك الفترة المبكرة الصراع بين الواقع والخيال.
- 2 -
كانت لطيفة الزيات واحدة من أهم المثقفات المصريات في القرن العشرين، اللائي لعبن أدوارا ثقافية ونقدية ونضالية طيلة حياتها. وقد سمعت عنها كثيرًا ومرارًا من أساتذتي وأصدقائي في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة، جابر عصفور، وعبد المنعم تليمة، وسيد البحراوي، وكلهم تقريبا كتب عنها دراسة أو مقالا يرصد فيه جانبا أو أكثر من جوانب إبداعها ونقدها وسيرتها على السواء.
ومنهم من ناقشته في الدكتوراه عام 1996، الدكتور خيري دومة على سبيل المثال، الذي ظل ممتنا ووفيا لقيمتها، وقام برحلة بحثٍ حقيقية ومضنية من أجل اكتشاف وتحرير رسالتها العلمية (الدكتوراه) عن بواكير حركة الترجمة الأدبية، ونشرها في صورة كتاب صدر عن المركز القومي للترجمة عام 2017.
وكان (حركة الترجمة الأدبية في مصر) هو عنوان الدراسة التي حصلت بها الزيات على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1957، وقد اعتمد عليها باحثون كثيرون على امتداد العالم العربي ورجعوا إليها مرارا، ولكنها لسببٍ ما ظلت مخطوطة في حالة بائسة، ولم يكتب لها أن تنشر قبل ذلك التاريخ قبل ست سنوات فقط. (وهذا الكتاب يستحق إضاءة كاشفة ومقالا مستقلا لقيمته المرجعية ولتغطيته فترة شحت فيها المصادر في تاريخ نهضتنا الأدبية الحديثة).
- 3 -
ولدت لطيفة الزيات في الثامن من أغسطس عام 1926 بمدينة دمياط، كانت مصر حينها في الحقبة الملكية، وكان والدها يعمل في مجالس البلديات، فأتاح لها ذلك أن تمتد خبرتها إلى مدن عديدة.
تلقت تعليمها الأوليّ بالمدارس المصرية، ثم حصلت على درجة الليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة فيما بعد) عام 1946، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1957، لتصبح من حينها روائية وناقدة ملء السمع والبصر، كرَّست جلّ اهتمامها بشؤون المرأة وقضاياها، ولها العديد من الكتب والدراسات، والأعمال الأدبية والنقدية، فضلًا على كتابتها الدورية في الصحف والمجلات.
وتعلقت بالأفكار والنظريات الماركسية وهي طالبة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وبدأت مشوارها مع اليسار الوطني والفكري عندما أتيحت لها فرصة دخول اللجنة العليا للطلبة والعمال وبرز نشاطها السياسي في اللجنة واقتحمت المظاهرات، وظهرت مواهبها الخطابية والزعامة الطلابية، وظلت على تمسكها بأفكارها السياسية والاجتماعية والفكرية، وجرَّ ذلك عليها الكثير من المتاعب، وتم اعتقالها أكثر من مرة، كان آخرها في أحداث سبتمبر من عام 1981.
أدركت لطيفة الزيات بوعيها وبانغماسها في لهيب الحركة الوطنية الديمقراطية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي أن الرجل المقهور المقموع من السلطة والفكر الديني والتراث يمارس اضطهاده للمرأة لذلك ناضلت بإخلاص ضد قهر السلطة بشجاعة حتى يتحرر الرجل والمرأة معًا، ويستردا حريتهما وإنسانيتهما، ويمارسا الحضور الفعال في تأسيس المجتمع المدني الحديث، ومجتمع الحوار والنسبية والتعددية وحق الاختلاف وحق الخطأ، ورفض الإطلاقية والتعميم والنموذج الواحد والجاهز من الأحكام والقيم.. إلخ.
وتسنى للطيفة الزيات القيام ببعض الأعمال والوظائف المهمة، فقد أشرفت على الملحق الأدبي لمجلة (الطليعة)، مؤسسة الأهرام، واختيرت عضوًا بمجلس السلام العالمي، وعضوًا بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوا شرفيا في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين. وحصلت على درجة الأستاذية عام 1972 ورأست قسم النقد الأدبي والمسرحي بمعهد الفنون المسرحية، وكانت مديرة أكاديمية الفنون وعضو المجلس الأعلى للفنون والآداب، كما رأست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية منذ عام 1979 حتى وفاتها.
تركت العديد من المؤلفات في السياسة والنقد، والإبداع في مجالات الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية والمسرح، إلى جانب عدد من الترجمات والدراسات باللغة الإنجليزية.. (اعتمدنا في المعلومات البيوجرافية الواردة في هذا المقال على «قاموس الأدب العربي الحديث»، مدخل لطيفة الزيات الذي حررته منال أبو والي)
- 4 -
روايتان فقط أصدرتهما الدكتورة لطيفة الزيات عبر مشوارها الأدبي، الرواية الأولى حازت شهرة فائقة (وخاصة بعد أن تحولت إلى فيلم سينمائي من بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ومحمود مرسي وصالح سليم)، كما اعتبرت رواية تأسيسية فيما يمكن أن نطلق عليه رواية "تحرير المرأة"، وقد أخذت مساحة واسعة من الاهتمام النقدي وحضورا كبيرا في السرد الروائي المصري والعربي عموما، وهي بالطبع رواية «الباب المفتوح» التي صدرت للمرة الأولى عام 1960، التي صدرت بعد حصولها على الدكتوراه بثلاث سنوات فقط.
أما الرواية الثانية فأقل شهرة (وإن كانت لا تقل أهمية عن الباب المفتوح)، وهي رواية قصيرة بعنوان «صاحب البيت»، وقد صدرت منذ سنوات قليلة في طبعة جديدة عن دار الكرمة للنشر والتوزيع في سلسلتها الممتازة (مختارات الكرمة)، ومعها، في الكتاب نفسه، مجموعتان قصصيتان للكاتبة هما «الرجل الذي عرف تهمته» و«الشيخوخة».
ورواية «صاحب البيت» (التي صدرت للمرة الأولى عن سلسلة روايات الهلال في القرن الماضي) تزيد قليلًا على مائة صفحة، ولكنها تتميز بإحكام بنائها، وببراعة السرد الذى يعادل بميزان الفن الحساس، بين تشويق المطاردة والهروب، وبين صراع الشخصية مع مثاليتها وأشباحها القديمة، بل إن التوصيف الأدق للرواية هو أنها "باب مفتوح على الداخل، بينما كانت «الباب المفتوح» كسرًا للجدران، وصولًا إلى الخارج، من دون التقليل من دراسة نفسية الشخصية في الروايتين، ولكننا نشير هنا عن الإطار العام، والمعنى الإجمالي"، كما يوضح الناقد القدير محمود عبد الشكور.
- 5 -
عاشت لطيفة الزيات حياة حافلة بالأحداث والقضايا والتناقضات، وقد زخر تاريخها وسط كل هذا بمواقفها الوطنية وبسلوكها الواثق المستقل، وبآرائها النقدية الأصيلة، التي صدرت عن معرفة صحيحة بأصول النقد وعن ذوق رفيع في تناول الأعمال الإبداعية، وعن خبرة عميقة بالنفس البشرية..
في سنواتها الأخيرة، كانت قد اجتازت تجارب كثيرة، حافلة بالكفاح والنضال الوطني والثقافي، وقطعت شوطًا طويلًا وصلت فيه إلى إيمان لا يتزعزع بدور الإبداع والفكر والثقافة، وانتهت، من تجارب عديدة، إلى حكمة تجسّدت في ابتسامة صافية دائمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الباب المفتوح لطیفة الزیات التی صدرت
إقرأ أيضاً:
الوحدة 93.. رواية جديدة لأحمد عاشور عن دار سما
(مصراوي):
صدر حديثًا عن دار سما للنشر والتوزيع رواية "الوحدة 93" للكاتب الصحفي والروائي أحمد عاشور، وسوف تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب بنسخته الـ 56 خلال الفترة من 23 من شهر يناير وحتى 5 فبراير المقبل.
وقال أحمد عاشور عن الرواية:" إن "الوحدة 93" ليست مجرد حكاية بوليسية تقليدية، في الحقيقة يمكن أن نقول إنها معايشة للكثير من القضايا أثناء عملي بملف الحوادث في الجرائد المصرية، لكنني بالطبع أضفت إليها الكثير من الخيال والغموض، كما عرضت لنفسيات الشخوص وداوفعها وتحولاتها في الرواية.
وأضاف: "تدور الرواية حول عملية معقدة لوحدة تحقيق خاصة تواجه تحديات حول القضايا المعقدة، حيث تتشابك الأحداث في إطار يختلط فيه العمل البوليسي بالمشاعر الشخصية، الحبكة بنيت على أسس بحث دقيق وتخطيط كبير، وهذا ما جعلني متحمسًا لتقديمها للقارئ.
وتابع: "ربما كان لقراءاتي قديمًا أساس في هذه الرواية، فقد نشأت على محبة الألغاز والحبكات غير التقليدية التي كانت تقدمها أجاثا كريستي وشرلوك هولمز والدكتور نبيل فاروق في سلسلتيه ملف المستقبل ورجل المستحيل، لكنني عملت على إضافة بعد عصري وإدراج للتكنولوجيا وغيرها من الأمور التي تجعل الرواية تدور في إطار حداثي.
وواصل:" في النهاية فإن الرواية تسلط الضوء على أهمية التضحية والعمل الجماعي في مواجهة التحديات الكبرى، مع لمسة من التحديات النفسية التي تواجه شخصيات الرواية في عالم مليء بالأسرار والمخاطر.
وعلى ظهر الغلاف نقرأ" بالرغم من أنها رواية تندرج تحت الرواية البوليسية، لكن المؤلف يتتبع فيها نفوس الشخوص ودوافعهم وتحولاتهم، عبر فريق ذكي ولماح ويستخدم أدوات غاية في البراعة.
يقود الفريق محقق في غاية الذكاء ويستنتج من الأحداث ما يعينه على أداء مهمته، مبرهنا في الأخير على أنه ليست هناك جريمة كاملة، وأنه مهما بلغت براعة المجرم فسيترك شئ ما يقود إليه.
في كل قصة هناك رؤية، وقضية، ومجرم هارب، وعدالة تسعى للقصاص، وحكايات مليئة بالتشويق والذكاء والقدرة العالية على الإمساك بالتفاصيل الصغيرة، وكم كبير من المفاجآت التي حتما سوف يندهش لها القارئ.
أما عن أحمد عاشور فهو كاتب صحفي ولد بالإسكندرية، وعمل بالتحقيقات الاستقصائية في عدد من الجرائد إضافة إلى عمله بملف الحوادث لفترة كبيرة.
بدأ مسيرته بالعمل في جريدة روز اليوسف، وانتقل للعمل بجريدة الدستور كما عمل معدا للبرامج بالعديد من القنوات المصرية، وتعتبر "الوحدة 93" هي أولى أعماله الأدبية كما أن له أعمال أخرى تحت الطبع.
اقرأ أيضا..
الأرصاد تُحذر من طقس الـأيام المقبلة: منخفض جوي وأمطار متفاوتة الشدة تبدأ مساء اليوم
متحدث الحكومة: 79 مليار دولار بضائع جمركية تم الإفراج عنها خلال عام
إنجاز مجدي يعقوب الجديد.. ماذا نعرف عن صمامات القلب التي تنمو بالجسم؟
دار سما للنشر والتوزيع رواية الوحدة 93 الروائي أحمد عاشور معرض القاهرة الدولي للكتابتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة معرض القاهرة للكتاب.. مؤتمر صحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة الـ56 الأحد المقبل أخبار هيئة الكتاب تصدر "مسئولية التأويل" لـ مصطفى ناصف أخبار الثقافة تجري قرعة علنية لدور النشر المشاركة في معرض الكتاب.. اليوم أخبار فتح باب الحجز لحفلات التوقيع في معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ56 أخبار أخبار مصر خبير: الذكاء الاصطناعي ركيزة استراتيجية لتعزيز الأمن القومي منذ 18 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر أستاذ أمراض صدرية يحذر من "الليمون والعسل" لعلاج الكحة منذ 30 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر ما حكم التهرب من الضرائب والجمارك؟.. أمين الفتوى يوضح منذ 31 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر تفاصيل اكتشاف حالة نادرة لمرض "فيكساس" في مستشفى القصر العيني منذ 34 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر تنفيذ تجربة مُحاكاة إخلاء مبنى مديرية الشباب والرياضة في الجيزة منذ 44 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر تحرك برلماني عاجل بسبب قواعد تطبيق البكالوريا المصرية منذ 48 دقيقة قراءة المزيدإعلان
إعلان
أخبار"الوحدة 93".. رواية جديدة لأحمد عاشور عن دار سما
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك حريق بمنشأة ناصر.. لهيب النيران يضيء سماء المنطقة (صور) تحرك برلماني عاجل بسبب قواعد تطبيق البكالوريا المصرية كيف تفاعل المصريون مع عودة "البكالوريا"؟.. نقاش جاد ومنشورات ضاحكة 22القاهرة - مصر
22 12 الرطوبة: 25% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك