لجريدة عمان:
2024-07-06@02:03:14 GMT

مرفأ قراءة... لطيفة الزيات وجدلية السياسة والأدب!

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

مرفأ قراءة... لطيفة الزيات وجدلية السياسة والأدب!

- 1 -

رواية «الباب المفتوح» اسم أشهر أعمال الكاتبة النسوية والروائية والناقدة والمناضلة المصرية لطيفة الزيات (1923-1996) التي تحل ذكرى رحيلها الـ 27 هذا الشهر. ولطيفة الزيات ليست مجرد اسم ارتبط بعملٍ روائي يؤرخ به لما يمكن أن نسميه حركة التحرر النسوي في مصر والعالم العربي في منتصف القرن العشرين. لكن ارتبط اسمها أيضًا بنشاط معرفي وأكاديمي أصيل ومؤثر في دوائر الدراسات الأدبية والنقدية والفكرية طيلة النصف الثاني من القرن العشرين.

أول ما صافح عيني من أعمالها سيرتها الذاتية المعنونة «حملة تفتيش.. أوراق شخصية» (صدرت في مشروع مكتبة الأسرة عام 1998) وهي سيرة في غاية الأهمية، وتكشف عن وضعية المرأة المثقفة المصرية في ظل التناقض بين الشعارات المرفوعة والممارسات الحقيقية على الأرض! في المنزل والأسرة والشارع وبيت الزوجية والمؤسسة الجامعية وحتى في الصدام مع الأجهزة الأمنية بسبب الأفكار السياسية.

وفي هذا النص السيري-الروائي، سنجد أن لطيفة تقفز من زمن إلى آخر، ومن مكان إلى آخر؛ لتسترد حكاياتٍ قد كُتبت في زمن آخر، ولتبحث وراء المرأة ذات الثمانية والخمسين عاما (عمرها حين كتبت سيرتها) التي دخلت سجن القناطر الخيرية، وعن الشابة التي اعتقلت في سجن الحفرة بالإسكندرية، لتعطينا في جميع الحالات خلاصة رمزية لحياة خصبة ملأتها الإنجازات وهددها الانكسار.

نراها طفلة بين "بيت قديم" مهدد بالانهيار في انتهاء فترة مجد تجار البحر بين الشام وميناء دمياط، وبين الحكايات التي ملأت طفولتها؛ فتحكي الجدة مثل شهرزاد عن أساطير الأجداد وملاحم الشاطر حسن، فتدرك الطفلة لطيفة الزيات خلط الجدة بين هذه وتلك، فتعي منذ تلك الفترة المبكرة الصراع بين الواقع والخيال.

- 2 -

كانت لطيفة الزيات واحدة من أهم المثقفات المصريات في القرن العشرين، اللائي لعبن أدوارا ثقافية ونقدية ونضالية طيلة حياتها. وقد سمعت عنها كثيرًا ومرارًا من أساتذتي وأصدقائي في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة، جابر عصفور، وعبد المنعم تليمة، وسيد البحراوي، وكلهم تقريبا كتب عنها دراسة أو مقالا يرصد فيه جانبا أو أكثر من جوانب إبداعها ونقدها وسيرتها على السواء.

ومنهم من ناقشته في الدكتوراه عام 1996، الدكتور خيري دومة على سبيل المثال، الذي ظل ممتنا ووفيا لقيمتها، وقام برحلة بحثٍ حقيقية ومضنية من أجل اكتشاف وتحرير رسالتها العلمية (الدكتوراه) عن بواكير حركة الترجمة الأدبية، ونشرها في صورة كتاب صدر عن المركز القومي للترجمة عام 2017.

وكان (حركة الترجمة الأدبية في مصر) هو عنوان الدراسة التي حصلت بها الزيات على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1957، وقد اعتمد عليها باحثون كثيرون على امتداد العالم العربي ورجعوا إليها مرارا، ولكنها لسببٍ ما ظلت مخطوطة في حالة بائسة، ولم يكتب لها أن تنشر قبل ذلك التاريخ قبل ست سنوات فقط. (وهذا الكتاب يستحق إضاءة كاشفة ومقالا مستقلا لقيمته المرجعية ولتغطيته فترة شحت فيها المصادر في تاريخ نهضتنا الأدبية الحديثة).

- 3 -

ولدت لطيفة الزيات في الثامن من أغسطس عام 1926 بمدينة دمياط، كانت مصر حينها في الحقبة الملكية، وكان والدها يعمل في مجالس البلديات، فأتاح لها ذلك أن تمتد خبرتها إلى مدن عديدة.

تلقت تعليمها الأوليّ بالمدارس المصرية، ثم حصلت على درجة الليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة فيما بعد) عام 1946، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1957، لتصبح من حينها روائية وناقدة ملء السمع والبصر، كرَّست جلّ اهتمامها بشؤون المرأة وقضاياها، ولها العديد من الكتب والدراسات، والأعمال الأدبية والنقدية، فضلًا على كتابتها الدورية في الصحف والمجلات.

وتعلقت بالأفكار والنظريات الماركسية وهي طالبة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وبدأت مشوارها مع اليسار الوطني والفكري عندما أتيحت لها فرصة دخول اللجنة العليا للطلبة والعمال وبرز نشاطها السياسي في اللجنة واقتحمت المظاهرات، وظهرت مواهبها الخطابية والزعامة الطلابية، وظلت على تمسكها بأفكارها السياسية والاجتماعية والفكرية، وجرَّ ذلك عليها الكثير من المتاعب، وتم اعتقالها أكثر من مرة، كان آخرها في أحداث سبتمبر من عام 1981.

أدركت لطيفة الزيات بوعيها وبانغماسها في لهيب الحركة الوطنية الديمقراطية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي أن الرجل المقهور المقموع من السلطة والفكر الديني والتراث يمارس اضطهاده للمرأة لذلك ناضلت بإخلاص ضد قهر السلطة بشجاعة حتى يتحرر الرجل والمرأة معًا، ويستردا حريتهما وإنسانيتهما، ويمارسا الحضور الفعال في تأسيس المجتمع المدني الحديث، ومجتمع الحوار والنسبية والتعددية وحق الاختلاف وحق الخطأ، ورفض الإطلاقية والتعميم والنموذج الواحد والجاهز من الأحكام والقيم.. إلخ.

وتسنى للطيفة الزيات القيام ببعض الأعمال والوظائف المهمة، فقد أشرفت على الملحق الأدبي لمجلة (الطليعة)، مؤسسة الأهرام، واختيرت عضوًا بمجلس السلام العالمي، وعضوًا بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوا شرفيا في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين. وحصلت على درجة الأستاذية عام 1972 ورأست قسم النقد الأدبي والمسرحي بمعهد الفنون المسرحية، وكانت مديرة أكاديمية الفنون وعضو المجلس الأعلى للفنون والآداب، كما رأست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية منذ عام 1979 حتى وفاتها.

تركت العديد من المؤلفات في السياسة والنقد، والإبداع في مجالات الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية والمسرح، إلى جانب عدد من الترجمات والدراسات باللغة الإنجليزية.. (اعتمدنا في المعلومات البيوجرافية الواردة في هذا المقال على «قاموس الأدب العربي الحديث»، مدخل لطيفة الزيات الذي حررته منال أبو والي)

- 4 -

روايتان فقط أصدرتهما الدكتورة لطيفة الزيات عبر مشوارها الأدبي، الرواية الأولى حازت شهرة فائقة (وخاصة بعد أن تحولت إلى فيلم سينمائي من بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ومحمود مرسي وصالح سليم)، كما اعتبرت رواية تأسيسية فيما يمكن أن نطلق عليه رواية "تحرير المرأة"، وقد أخذت مساحة واسعة من الاهتمام النقدي وحضورا كبيرا في السرد الروائي المصري والعربي عموما، وهي بالطبع رواية «الباب المفتوح» التي صدرت للمرة الأولى عام 1960، التي صدرت بعد حصولها على الدكتوراه بثلاث سنوات فقط.

أما الرواية الثانية فأقل شهرة (وإن كانت لا تقل أهمية عن الباب المفتوح)، وهي رواية قصيرة بعنوان «صاحب البيت»، وقد صدرت منذ سنوات قليلة في طبعة جديدة عن دار الكرمة للنشر والتوزيع في سلسلتها الممتازة (مختارات الكرمة)، ومعها، في الكتاب نفسه، مجموعتان قصصيتان للكاتبة هما «الرجل الذي عرف تهمته» و«الشيخوخة».

ورواية «صاحب البيت» (التي صدرت للمرة الأولى عن سلسلة روايات الهلال في القرن الماضي) تزيد قليلًا على مائة صفحة، ولكنها تتميز بإحكام بنائها، وببراعة السرد الذى يعادل بميزان الفن الحساس، بين تشويق المطاردة والهروب، وبين صراع الشخصية مع مثاليتها وأشباحها القديمة، بل إن التوصيف الأدق للرواية هو أنها "باب مفتوح على الداخل، بينما كانت «الباب المفتوح» كسرًا للجدران، وصولًا إلى الخارج، من دون التقليل من دراسة نفسية الشخصية في الروايتين، ولكننا نشير هنا عن الإطار العام، والمعنى الإجمالي"، كما يوضح الناقد القدير محمود عبد الشكور.

- 5 -

عاشت لطيفة الزيات حياة حافلة بالأحداث والقضايا والتناقضات، وقد زخر تاريخها وسط كل هذا بمواقفها الوطنية وبسلوكها الواثق المستقل، وبآرائها النقدية الأصيلة، التي صدرت عن معرفة صحيحة بأصول النقد وعن ذوق رفيع في تناول الأعمال الإبداعية، وعن خبرة عميقة بالنفس البشرية..

في سنواتها الأخيرة، كانت قد اجتازت تجارب كثيرة، حافلة بالكفاح والنضال الوطني والثقافي، وقطعت شوطًا طويلًا وصلت فيه إلى إيمان لا يتزعزع بدور الإبداع والفكر والثقافة، وانتهت، من تجارب عديدة، إلى حكمة تجسّدت في ابتسامة صافية دائمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الباب المفتوح لطیفة الزیات التی صدرت

إقرأ أيضاً:

التفاعل المُعقَّد بين الأدب والعلم والنظام الرأسمالي

 

محمد أنور البلوشي

أين الأدب واللغة والثقافة والعادات في العالم المعاصر، في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وفي ظل النظام الرأسمالي؟ أيهم يحتل المرتبة الأولى: الأدب أم العلم أم النظام الرأسمالي في السباق إلى النهاية؟ من يفوز ومن يخسر؟ وهل هناك أي منافسة شريفة؟ وهل ينبغي المنافسة؟ ولماذا المنافسة؟

ربما لا أستطيع الإجابة على هذه الأسئلة، لكن يمكننا مناقشتها والتفكير في الإجابات والاختيارات الصحيحة بعد تحليل أدبي وعلمي يخدم أكرم المخلوقات "بني آدم" كما ذكر في القرآن الكريم.

كلما أتحدث عن النقاشات، أشعر كأنني جالس على مقعد في إحدى صفوف الفيلسوف اليوناني "سقراط"، الذي كان يشجع طلابه دائمًا على النقاشات والأفكار ليجدوا الجواب من خلال النقاشات الإيجابية.

وجدت في النقاشات الأدبية والعلمية أن هناك دائمًا مسارات واتجاهات مختلفة كأنهما ضد بعضهما البعض. في إحدى المؤتمرات التي حضرتها، كنت أستمع إلى أحد الرؤساء التنفيذيين يتحدث بشخصية فاخرة ويقول إن الفيلسوف يعرف كيف يتفلسف ويثرثر لكنه لم ينتج شيئًا.

استنتجت من كلامه أنه يقلل من قيمة الفيلسوف ويعطي نفسه والعالم المادي أكثر قيمة وشرفًا.

قد يكون هذا الرئيس التنفيذي على حق من وجهة نظر الاقتصاديين والرأسماليين، لأن المال أصبح المحرك الأساسي في حياة البشر. ولكن هل تناولت البحوث الاقتصادية الحديثة الأدب والفلسفة؟ لا أعتقد ذلك. وهل يتحدث الفيلسوف بنفس طريقة الحديث الاقتصادي أو العلمي؟ لا أعتقد.

الفيلسوف والأديب والشاعر لا يتشاركون نفس فكرة الإنسان الرأسمالي. لا أقول إنهم ضد المال والاقتصاد، بل إنهم ضد الفساد والطمع والنظام الرأسمالي المتوحش.

أين تجد نفسك بعد قراءة أمير شعراء العرب أحمد شوقي أو الشاعر امرؤ القيس أو العالم المسلم في الرياضيات الخوارزمي؟ وأين تجد نفسك بعد قراءة الأديب العربي جبران خليل جبران أو العالم الاقتصادي كارل ماركس؟ وأين تجد نفسك بعد قراءة الكاتب والفيلسوف والروائي العبثي ألبير كامو ومعادلة الجاذبية الأرضية لإسحاق نيوتن؟

ستواجه صعوبات في موازنة النفس والعقل ومسارات الحياة، وستجد العديد من الاختلافات في مفاهيم وتعريفات الحياة ومتطلباتها.

ناقش جون بول سارتر- الذي يمتلك باعًا طويلًا في الأدب والفلسفة معًا- مفهومه للعمل الأدبي في طرح فكري فلسفي صار فيما بعد واحدًا من أهم الأطروحات التي تناولت ماهية العمل الأدبي، وصارت قبلة الشباب الحالم في أوروبا. فكرة سارتر تقوم على أن الأديب يجب أن يكون ملتزمًا تجاه قضية ما يعبر عنها ويجسدها في أعماله الفنية والأدبية، بينما كان نقاده يرون أن الأديب يجب أن يتحرر من أي التزامات ليحتفظ بالحرية الأدبية والفنية.

ويتناول المقال "الأدب والعلم والنظام الرأسمالي" العلاقة المعقدة والمتشابكة بين الأدب، والعلم، والنظام الرأسمالي. يستعرض كيف يمكن للأدب أن يعبر عن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يحدثها النظام الرأسمالي، حيث يعكس الأدب التوترات والصراعات الاجتماعية الناتجة عن هذا النظام.

الأدب لا يوثق فقط الوقائع، بل يسهم في تشكيل الوعي الاجتماعي ويقدم نقدًا ثقافيًا للمجتمع الرأسمالي.

من الناحية العلمية، نستعرض كيف أن التقدم العلمي والتكنولوجي يدعم الابتكار والنمو الاقتصادي، مما يعزز من قوة الرأسمالية.

العلم والتكنولوجيا يصبحان أدوات لتحقيق الربح وزيادة الإنتاجية، ولكن ذلك يأتي أحيانًا على حساب القيم الإنسانية والبيئية.

النظام الرأسمالي يعتمد على الديناميكية بين الأدب والعلم لتحقيق توازنه واستمراريته. الأدب يوفر البعد النقدي والتأملي، في حين يوفر العلم البعد التطبيقي والابتكاري.

في خلاصة هذا المقال، نستطيع القول إن التفاعل بين هذه المجالات الثلاثة يمكن أن يقدم رؤى جديدة لتحقيق توازن أكثر عدالة واستدامة في المجتمع، مشددًا على أهمية النقد الأدبي والوعي العلمي في فهم وتوجيه مسار النظام الرأسمالي.

مقالات مشابهة

  • سنار .. رواية التاريخ وجغرافية المنطقة!!
  • الذكاء الاصطناعي والأدب والترجمة في مناقشات صالون "مصر المحروسة" بروض الفرج
  • كيف صاغ حكام مصر ومفكروها هويتها الوطنية؟ قراءة في كتاب
  • بعيداً عن السياسة
  • عاجل_التعليم العالي تقرر تقليل أماكن طلاب الشُعبة العلمية في الكليات الأدبية
  • لطيفة بنت محمد تبحث مع قنصل عام اليابان تطوير الشراكة بمجال الصناعات الثقافية والإبداعية
  • لطيفة بنت محمد تبحث سبل تطوير الشراكة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية
  • التفاعل المُعقَّد بين الأدب والعلم والنظام الرأسمالي
  • لطيفة بنت محمد تبحث مع قنصل عام اليابان سبل تطوير الشراكة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية
  • إدارة مرفأ بيروت عقدت اجتماعاً فنياً بشأن نتائج وإجراءات تقريرين يتعلقان بتقييم الأمن والمخاطر الصناعية