نكأت زيارة قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى أنقرة الأربعاء جراحا سودانية قديمة؛ إذ أعادت التذكير بما طمح إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تمركز في ميناء سواكن بشرق السودان لأغراض اقتصادية تخفي وراءها أهدافا عسكرية.

وجاءت زيارة تركيا عقب جولات قام بها البرهان في كل من مصر وجنوب السودان وقطر وإريتريا بعد أن تمكن من مغادرة مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم منذ نحو أسبوعين والتمركز في شرق السودان.

ويحاول البرهان استثمار وجوده في بورتسودان ليتمتع بهامش كبير من الحركة يمكّنه من القيام بجولات خارجية في الدول التي يعتقد أنها قريبة منه سياسيا لتعزيز موقفه.

وأظهرت تركيا انحيازا إلى صف البرهان، ثم كشفت تقارير سودانية قيامها بمده بعدد من الطائرات المسيّرة قيل إن الجيش يستخدمها في قصف مقرات تابعة لقوات الدعم السريع، ما أوقع الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين بالخرطوم ودارفور.

وجاء لقاء البرهان – أردوغان على قاعدة البراغماتية المفرطة التي يتمتع بها الرجلان؛ ذلك أن كليهما يستطيع خدمة الآخر، فالأول يواجه تحديات جسيمة بعدما أخفق الجيش في إلحاق هزيمة حاسمة بقوات الدعم السريع ويحتاج إلى تعزيزات عسكرية والاستفادة من القدرات التركية في مجال الطائرات المسيّرة تحديدا، بينما لم يتخل أردوغان عن طموحه إلى الاقتراب من مياه البحر الأحمر عبر بوابة سواكن.

ورافق الجنرال البرهان إلى أنقرة كل من وزير الخارجية المكلف علي الصادق ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم.

وتتخوّف بعض القوى المدنية السودانية من إمكانية أن تتحول هذه الزيارة إلى بداية استقطاب يقوم به البرهان، يجر البلاد إلى سيناريو يشبه ما جرى في ليبيا عندما استغلت تركيا ضعف رئيس حكومة الوفاق في ليبيا فايز السراج وتسللت إلى طرابلس.

وأرسلت تركيا بعد ذلك قوات عسكرية ومرتزقة لعبوا دور مهما في صمود السراج في مواجهة زحف قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر على طرابلس، ولا تزال أنقرة تحافظ على وجودها المادي باتفاقات متعددة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، المنتهية ولايته.

وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن أي اقتراب يكتسي طابعا عسكريا بين البرهان وتركيا ستكون له عواقب إقليمية وخيمة؛ فمصر لن تتحمل وجودا تركيًّا في شرق السودان يذكّرها بما لاقته من متاعب في ليبيا.

وقد تمنح خطوة من هذا النوع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) مبررات للانفتاح أكثر على قوى إقليمية ودولية لمساندته، في مقدمتها روسيا، ويتكرر ما حدث في ليبيا بصورة عكسية، وتتزايد التدخلات الخارجية.

فقد تمركزت قوات عسكرية تركية وفرق من المرتزقة التابعين لأنقرة في غرب ليبيا، بينما تمركزت قوات فاغنر الروسية في الشرق، وكلفت هذه اللعبة البلاد ثمنا باهظا حتى الآن.

وأضافت المصادر ذاتها أن الولايات المتحدة لن تسمح بإعادة إنتاج النموذج الليبي في السودان، والأمر نفسه بالنسبة إلى دول الخليج.

وأوضح المحلل السوداني عادل إبراهيم حمد لـ”العرب” أن “البرهان مشغول بتأكيد شرعيته كرئيس لمجلس السيادة أوّلا، وبما لا ينازعه أحد في ذلك، وبراغماتيته يصعب أن تقوده إلى تحالف مع تركيا له صبغة عسكرية، ويريد من وراء جولاته حث الدول المهمة على الوقوف إلى جانبه والتخلي عن الحياد الذي يساوي بينه وبين حميدتي”.

وأكد أن زيارة قطر ثم تركيا تعيدان إلى الأذهان ثنائية التعاون الوثيق بين هاتين الدولتين والخرطوم، خاصة أن انفتاح قائد الجيش على الدوحة وأنقرة لم يعد يثير حرجا أو قلقا في القاهرة، كما كان سابقا؛ إذ أعادت مصر العلاقات معهما وتراجعت حساسيتها حيال أدوارهما الإقليمية.

وفي كل جولة خارجية يقوم بها البرهان منذ خروجه من الخرطوم تلاحقه شكوك في أهدافه الخفية، وما جعل زيارته إلى تركيا تحظى باهتمام كبير هو وجود طموحات لرئيسها في السودان، وجذور إسلامية تربط قيادات عديدة في البلدين وتلعب دورا مهما في توجيه دفة السلطة نحو التقارب على هذه القاعدة.

وتظل المشكلة كامنة في أن قائد الجيش السوداني لا يملك الكثير من المفاتيح التي تجعله يمنح بعض الدول مزايا أو يمنعها، فضلا عما يثيره الاقتراب من تركيا عسكريا في هذا الوقت من هواجس في نفوس قوى إقليمية تتمتع علاقاتها مع أنقرة بقدر وافر من الهدوء، وأي تغير في هذه المعادلة يمكن أن يعصف بما تحقق خلال الفترة الماضية.

العربي الجديد

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قائد الجیش فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

البرهان يطالب الأمم المتحدة بموقف حاسم حيال الدول المساندة لـ الدعم السريع

طالب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، اليوم الاثنين الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة ضد الدول التي تقف خلف ميليشيات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني، منذ أبريل 2023.

والتقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة بحضور وزير الخارجية السوداني السفير علي يوسف، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا".

وأكد البرهان التزام السودان بالعمل المشترك مع الأمم المتحدة وبلورة رؤية مشتركة لمستقبل العمل في كافة المجالات. منوهاً إلى إلتزام حكومة السودان بحماية المدنيين من بطش مليشيا آل دقلو الإرهابية المتمردة داعياً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لممارسة الضغوط على المليشيا المتمردة وإدانة الانتهاكات التي تمارسها بصورة أكثر صرامة ووضوح.

وشدد رئيس مجلس السيادة السوداني خلال اللقاء، على ضرورة أن تتخذ المنظومة الدولية إجراءً حاسماً ورادعاً حيال الدول التي تقف خلف المتمردين وتقوم بدعمهم. 

كما دعا البرهان إلى ضرورة أن تتخذ المنظومة الأممية الإجراءات اللازمة حيال عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إدخال السلاح الي إقليم دارفور ووقف الهجوم على مدينة الفاشر .

وقال البرهان انه في حال عودة المواطنين السودانيين لمنازلهم وقراهم، سيتم بدء العملية السياسية وإجراء الانتخابات التي يقرر فيها الشعب السوداني مستقبله السياسي دون تدخلات خارجية.

من جانبه قال لعمامرة في تصريح صحفي انه نقل لرئيس المجلس السيادي السوداني تحيات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش .

وبين العمامرة أن اللقاء تناول الأوضاع في السودان مشيرا إلى انخراط الأمم المتحدة وتشجيعها للحل التفاوضي بشأن الأزمة في السودان مؤكداً ضرورة تضافر الجهود من أجل مساعدة الشعب السوداني على تجاوز هذه المحنة والإسراع في العودة للأوضاع الطبيعية والتفرغ لعمليات إعادة البناء والإعمار.

وأضاف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ان الحرب استكملت قرابة العامين وأسفرت عن الكثير من الضحايا مبيناً أن المنظمة الدولية تعمل جاهدة من أجل تقليص المدة الزمنية للحرب وتقليل عدد ضحاياها .

وأكد استعداد مؤسسات الأمم المتحدة لمزيد من التعاون مع السودان بغية التوصل لحل للأزمة السودانية ووقف معاناة الشعب السوداني .

مقالات مشابهة

  • خيانة نَصّ !!
  • هل تنشيء تركيا قاعدة عسكرية في دمشق؟
  • البرهان يدعو الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات لوقف إدخال السلاح إلى دارفور
  • البرهان يلتقي لعمامرة ويطالب بوقف إدخال السلاح لدارفور
  • البرهان يشترط عودة المواطنين إلى ديارهم لبدء أي عملية سياسية
  • البرهان يطالب الأمم المتحدة بموقف حاسم حيال الدول المساندة لـ الدعم السريع
  • تحذير بشأن استخدام بطاقات الهوية القديمة في تركيا
  • قائد الجيش الأوغندي يهدد بغزو الخرطوم
  • إسرائيل تدرس دعم الأكراد في سوريا بطريقة غير عسكرية
  • إسرائيل تدرس دعم الأكراد في سوريا بطريقة "غير عسكرية"