التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، نظيره التركي رجب طيب أردوغان،  على هامش قمة مجموعة العشرين في الهند نهاية الأسبوع الماضي، وكانت هذه هي المرة الثانية خلال أقل من عام التي يلتقي فيها الزعيمان في حدث دولي، وكانت الأولى في قطر خلال كأس العالم لكرة القدم، وعقب عودته من نيودلهي، قال أردوغان، للصحافة التركية إن تحسن العلاقات التركية المصرية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على محاولة بلاده تطبيع العلاقات مع سوريا.

أعاد هذا التصريح إلى الأذهان أواخر التسعينيات، عندما لعبت مصر دورًا محوريًا في التوسط في النزاعات بين أنقرة ودمشق، ومنعت في النهاية الدول المجاورة من التصعيد إلى حافة الحرب، وفي عام 1998، قام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بزيارات مرتجلة إلى كل من تركيا وسوريا، لإحياء مساعي الوساطة ونقل مطالب كل جانب للتطبيع.

وبعد فترة وجيزة، استضاف مبارك الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد في القاهرة، ومن المرجح أن استضافة الأسد أتت بثمارها وأقنعت الرئيس السوري بإنهاء التوترات مع تركيا بطريقة دبلوماسية، نظرًا للميزة النسبية التي تتمتع بها الأخيرة من حيث القدرات العسكرية، ومهدت الوساطة المصرية الطريق لإبرام الاتفاق الثنائي اللاحق على المستويين الأمني والسياسي، المعروف باتفاق أضنة، والذي يأتي على جدول الأعمال كلما تم مناقشة العلاقات التركية السورية.

وقد تولى وزير الخارجية المصري اليوم دورًا مماثلًا لدبلوماسية مبارك التي كانت سائدة قبل عقدين ونصف من الزمن. وفي فبراي الماضي، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا وسوريا، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ توتر علاقات القاهرة مع كل من دمشق وأنقرة منذ أكثر من عقد من الزمن، وبينما كانت هذه الزيارات تهدف في المقام الأول إلى التعبير عن التضامن مع البلدين وشعبيهما في أعقاب الزلزال المدمر، إلا أنها مهدت الطريق أيضًا لبداية جديدة في علاقات القاهرة مع كل من تركيا وسوريا.

ومن وجهة نظر الجانب التركي، فإن علاقات مصر المتطورة مع البلدين تجعلها مرشحًا مثاليًا لجهود التطبيع، ولكن هل يمكن لمصر أن تلعب دورًا أكبر في التوصل إلى اتفاق نهائي؟...... ويبدو أن أنقرة تشجع القاهرة على الاستمرار في لعب هذا الدور، معتقدة أن علاقات مصر مع الطرفين تجعلها مناسبة تمامًا للتوسط في المحادثات المستقبلية.

من وجهة النظر السورية، هناك مقايضة.... أي أنها قد تكون على استعداد للتطبيع مع أنقرة، إذا انسحبت القوات التركية من شمال سوريا، لكن الجانب التركي ببساطة لن يوافق على ذلك لأن مصالحه الأمنية على المحك، وبالتالي، فإن هذا يمثل تحديًا فيما يتعلق بكيفية التفاوض على الصفقة.

وحث شكري تركيا، على سحب قواتها من سوريا، مما يسلط الضوء على بعض التوترات المستمرة على الرغم من الجهود الأخيرة لإصلاح العلاقات التركية المصرية، كما تنظر مصر إلى التدخل التركي في ليبيا باعتباره مسألة تتعلق بالأمن القومي، ردًا على الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، استبعدت القاهرة أنقرة من مبادرة منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط التي تغاضت عن المصالح الاستراتيجية التركية في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص.

ومع ذلك، يبدو أن أنقرة والقاهرة قادرتان على إبقاء مثل هذه القضايا جانبًا واتخاذ خطوات مهمة نحو تحسين العلاقات بينهما، وترى الدولتان أن العلاقات المستقرة القائمة على الاتفاق المتبادل هي السبيل لإغلاق صفحة القضايا الخلافية السابقة.

على الجانب الآخر، كانت القاهرة القوة الدافعة لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، وكذلك إعادة تأهيل نظامها، واستضافت مصر اجتماعا للجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا في منتصف أغسطس الماضي، ضم وزراء خارجية السعودية والعراق ولبنان والأردن ومصر.


إذن، ما هو الدافع وراء الدور الاستباقي لمصر في الملف السوري؟ بإعتبار أن  دوافعها تنبع من مزيج من الاعتبارات المحلية والإقليمية

أولًا، تهدف مصر إلى استعادة مكانتها السابقة كلاعب إقليمي رئيسي... وكانت في الماضي لاعبًا رئيسيًا في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط... ومع ذلك، فإن الاضطرابات السياسية الداخلية التي أعقبت الانتفاضات العربية حولت انتباه القاهرة، بعيدًا عن السياسة الخارجية ونحو الصراعات على السلطة في الداخل واقتصادها المتعثر، مما تسبب في غيابها نسبيًا عن الدبلوماسية الإقليمية.

لقد دفع الانفراج الأخير في الشرق الأوسط والديناميكيات الإقليمية المتغيرة مصر إلى تبني سياسة خارجية أكثر نشاطا والاستثمار في أشكال جديدة من التحالف الإقليمي، مما عزز ثقتها وحزمها على الساحة الدولية، وتريد القاهرة إيصال الرسالة إلى نظرائها في المنطقة بأن «مصر عادت».

ثانيًا، احتلت مصر المرتبة الخامسة من حيث استضافة النازحين السوريين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2022، بعد تركيا ولبنان والأردن والعراق، لقد صيغت سياسات مصر تجاه أزمة اللاجئين السوريين على أساس اعتبارات الاستقرار الداخلي والقدرة الاقتصادية، وتنظر مصر إلى الآثار غير المباشرة الناجمة عن الصراعات الإقليمية الأخرى على أنها تهديد كبير، ومن الممكن أن يخفف تطبيع العلاقات التركية السورية من بعض هذه المخاوف.

وتحرص مصر على تجنب أي احتكاك مع القوى الإقليمية والدولية يمكن أن ينجم عن تطبيع العلاقات مع تركيا وسوريا قبل الأوان، لذلك، من المرجح أن تقوم القاهرة بتوسيع وساطتها بين تركيا وسوريا، وكما كان الحال في الماضي، يمكن للطرفين النظر إلى دور الوساطة المصري بشكل إيجابي؛ ومع ذلك، فإنها تواجه مهمة أكثر صعوبة اليوم، نظرا لمشاركة المزيد من الجهات الفاعلة، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، ووجود مواضيع مثيرة للجدل مثل الإرهاب وتدفقات اللاجئين.

إضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الجانب التركي ولا الجانب السوري مستعدان للتراجع خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بشروطهما، على الرغم من الرغبة في التطبيع.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر تركيا سوريا ايران مصر عبدالفتاح السيسي بشار الأسد اردوغان روسيا العلاقات الترکیة ترکیا وسوریا مصر إلى

إقرأ أيضاً:

تركيا تستدعي السفير الألماني وبرلين ترد بالمثل

أنقرة (زمان التركية) – أثار إعلان الاتحاد الأوروبي لكرة القدم التحقيق مع لاعب المنتخب التركي، مريح أميرال، بسبب رفعه شارة “الذئاب الرمادية” خلال مباراة منتخب بلاده مع النمسا ضمن بولة أمم أوروبا غضبا تركيا واسعا.

وفي ظل ردود الفعل المستنكرة للواقعة، قامت الخارجية التركية باستدعاء السفير الألماني لدى أنقرة.

وكان دميرال قد ذكر في تصريحاته عقب المباراة: “أنا افتخر بكوني تركي وأعبر عن هذا كل مرة، لهذا فعلت هذا احتفالا بالهدف، الأمر طبيعي والجماهير التركية فخورة بنا، وإن شاء الله سنواصل هذا الأداء، الحركة لا تحمل أي معنى، أردت فقط أن أوضح مدى افتخاري وسعادتي”.

وهاجمت وزيرة الداخلية الألمانية دميرال مطالبة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بفرض عقوبات على اللاعب التركي.

وفي بيان منه بشأن الواقعة، أفاد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أنه فتح تحقيقا بموجب البند الرابع من المادة 31 للائحة التأديبية لاتحاد بسبب التصرفات غير اللائقة للاعب المنتخب التركي خلال مباراة فريقه مع النمسا ضمن مباريات دور السادس عشر من كأسس الأمم الأوروبية التي أقيمت بمدينة لايبزيغ الألمانية أول أمس، وأنه سيتم تقديم مزيد من المعلومات حول الأمر خلال الأيام القادمة.

ولم يتأخر رد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حيث صرح الناطق باسم الحزب، عمرو شاليك، أن تصريحات وزيرة الداخلية الألمانية بشأن لاعب المنتخب التركي، والتحقيق الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لا يمكن قبولهما، مفيدا أنه من الأفضل للباحثين عن الفاشية والعنصرية التركيز على نتائج الانتخابات التي تشهدها الدول الأوروبية المختلفة بالآونة الأخيرة.

وأعربت الخارجية التركية في بيانها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضها لفتح تحقيق تأديبي بحق لاعب المنتخب التركي، مفيدة أنه لا يمكن وصف كل من يرفع شارة الذئاب الرمادية “باليميني المتطرف” وأن الحركة غير محظورة في أوروبا بموجب التقرير الصادر عن هيئة حماية الدستور الألمانية في سبتمبر/ أيلول من عام 2023، وأن ردود الفعل الصادرة عن الأجهزة الألمانية تتضمن عداء للأجانب.

وشددت الخارجية التركية على إدانتها لردود الفعل السياسية بحق استخدام رمز تاريخي وثقافي بشكل لا يستهدف أحدا أثناء الاحتفال في مناسبة رياضية.

وفي رد منها على الخطوات التركية، أقدمت الخارجية الألمانية اليوم على استدعاء السفير التركي لدى برلين، وذكر المتحدث باسم الخارجية الألمانية أن الاستدعاء جاء على خلفية واقعة “الذئاب الرمادية”.

Tags: أمم أوروباالخارجية الألمانيةالخارجية التركيةالذئاب الرماديةالمنتخب التركي لكرة القدم

مقالات مشابهة

  • المخابرات التركية توقف عددا من المحرضين شمالي سوريا
  • أردوغان يلمح لاحتمال دعوة الأسد مع بوتين إلى تركيا
  • الرئيس التركي: زيارة بوتين المحتملة إلى أنقرة قد تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات التركية-السورية
  • تركيا: لا يوجد خطط لاجتماع بين أردوغان والأسد بروسيا سبتمبر المقبل
  • عبر لبنان.. زعيم المعارضة التركية يعتزم زيارة دمشق في يوليو
  • التطبيع بين أنقرة ودمشق.. مسار محفوف بالألغام والأثمان
  • تركيا تستدعي السفير الألماني وبرلين ترد بالمثل
  • داود أوغلو منتقدا أردوغان بشأن سوريا: ليست لقاء عائليا بل حربا قتلت مليون شخص
  • بعد موجة من العنف.. تداعيات سلبية على السوريين في تركيا والشمال السوري
  • تعاون إقليمي جديد: تركيا ومجلس التعاون الخليجي