أحمد ياسر يكتب: مِصْرَ.. الوسيط المحايد بين تركيا وسوريا
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، نظيره التركي رجب طيب أردوغان، على هامش قمة مجموعة العشرين في الهند نهاية الأسبوع الماضي، وكانت هذه هي المرة الثانية خلال أقل من عام التي يلتقي فيها الزعيمان في حدث دولي، وكانت الأولى في قطر خلال كأس العالم لكرة القدم، وعقب عودته من نيودلهي، قال أردوغان، للصحافة التركية إن تحسن العلاقات التركية المصرية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على محاولة بلاده تطبيع العلاقات مع سوريا.
أعاد هذا التصريح إلى الأذهان أواخر التسعينيات، عندما لعبت مصر دورًا محوريًا في التوسط في النزاعات بين أنقرة ودمشق، ومنعت في النهاية الدول المجاورة من التصعيد إلى حافة الحرب، وفي عام 1998، قام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بزيارات مرتجلة إلى كل من تركيا وسوريا، لإحياء مساعي الوساطة ونقل مطالب كل جانب للتطبيع.
وبعد فترة وجيزة، استضاف مبارك الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد في القاهرة، ومن المرجح أن استضافة الأسد أتت بثمارها وأقنعت الرئيس السوري بإنهاء التوترات مع تركيا بطريقة دبلوماسية، نظرًا للميزة النسبية التي تتمتع بها الأخيرة من حيث القدرات العسكرية، ومهدت الوساطة المصرية الطريق لإبرام الاتفاق الثنائي اللاحق على المستويين الأمني والسياسي، المعروف باتفاق أضنة، والذي يأتي على جدول الأعمال كلما تم مناقشة العلاقات التركية السورية.
وقد تولى وزير الخارجية المصري اليوم دورًا مماثلًا لدبلوماسية مبارك التي كانت سائدة قبل عقدين ونصف من الزمن. وفي فبراي الماضي، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا وسوريا، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ توتر علاقات القاهرة مع كل من دمشق وأنقرة منذ أكثر من عقد من الزمن، وبينما كانت هذه الزيارات تهدف في المقام الأول إلى التعبير عن التضامن مع البلدين وشعبيهما في أعقاب الزلزال المدمر، إلا أنها مهدت الطريق أيضًا لبداية جديدة في علاقات القاهرة مع كل من تركيا وسوريا.
ومن وجهة نظر الجانب التركي، فإن علاقات مصر المتطورة مع البلدين تجعلها مرشحًا مثاليًا لجهود التطبيع، ولكن هل يمكن لمصر أن تلعب دورًا أكبر في التوصل إلى اتفاق نهائي؟...... ويبدو أن أنقرة تشجع القاهرة على الاستمرار في لعب هذا الدور، معتقدة أن علاقات مصر مع الطرفين تجعلها مناسبة تمامًا للتوسط في المحادثات المستقبلية.
من وجهة النظر السورية، هناك مقايضة.... أي أنها قد تكون على استعداد للتطبيع مع أنقرة، إذا انسحبت القوات التركية من شمال سوريا، لكن الجانب التركي ببساطة لن يوافق على ذلك لأن مصالحه الأمنية على المحك، وبالتالي، فإن هذا يمثل تحديًا فيما يتعلق بكيفية التفاوض على الصفقة.
وحث شكري تركيا، على سحب قواتها من سوريا، مما يسلط الضوء على بعض التوترات المستمرة على الرغم من الجهود الأخيرة لإصلاح العلاقات التركية المصرية، كما تنظر مصر إلى التدخل التركي في ليبيا باعتباره مسألة تتعلق بالأمن القومي، ردًا على الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، استبعدت القاهرة أنقرة من مبادرة منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط التي تغاضت عن المصالح الاستراتيجية التركية في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص.
ومع ذلك، يبدو أن أنقرة والقاهرة قادرتان على إبقاء مثل هذه القضايا جانبًا واتخاذ خطوات مهمة نحو تحسين العلاقات بينهما، وترى الدولتان أن العلاقات المستقرة القائمة على الاتفاق المتبادل هي السبيل لإغلاق صفحة القضايا الخلافية السابقة.
على الجانب الآخر، كانت القاهرة القوة الدافعة لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، وكذلك إعادة تأهيل نظامها، واستضافت مصر اجتماعا للجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا في منتصف أغسطس الماضي، ضم وزراء خارجية السعودية والعراق ولبنان والأردن ومصر.
إذن، ما هو الدافع وراء الدور الاستباقي لمصر في الملف السوري؟ بإعتبار أن دوافعها تنبع من مزيج من الاعتبارات المحلية والإقليمية
أولًا، تهدف مصر إلى استعادة مكانتها السابقة كلاعب إقليمي رئيسي... وكانت في الماضي لاعبًا رئيسيًا في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط... ومع ذلك، فإن الاضطرابات السياسية الداخلية التي أعقبت الانتفاضات العربية حولت انتباه القاهرة، بعيدًا عن السياسة الخارجية ونحو الصراعات على السلطة في الداخل واقتصادها المتعثر، مما تسبب في غيابها نسبيًا عن الدبلوماسية الإقليمية.
لقد دفع الانفراج الأخير في الشرق الأوسط والديناميكيات الإقليمية المتغيرة مصر إلى تبني سياسة خارجية أكثر نشاطا والاستثمار في أشكال جديدة من التحالف الإقليمي، مما عزز ثقتها وحزمها على الساحة الدولية، وتريد القاهرة إيصال الرسالة إلى نظرائها في المنطقة بأن «مصر عادت».
ثانيًا، احتلت مصر المرتبة الخامسة من حيث استضافة النازحين السوريين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2022، بعد تركيا ولبنان والأردن والعراق، لقد صيغت سياسات مصر تجاه أزمة اللاجئين السوريين على أساس اعتبارات الاستقرار الداخلي والقدرة الاقتصادية، وتنظر مصر إلى الآثار غير المباشرة الناجمة عن الصراعات الإقليمية الأخرى على أنها تهديد كبير، ومن الممكن أن يخفف تطبيع العلاقات التركية السورية من بعض هذه المخاوف.
وتحرص مصر على تجنب أي احتكاك مع القوى الإقليمية والدولية يمكن أن ينجم عن تطبيع العلاقات مع تركيا وسوريا قبل الأوان، لذلك، من المرجح أن تقوم القاهرة بتوسيع وساطتها بين تركيا وسوريا، وكما كان الحال في الماضي، يمكن للطرفين النظر إلى دور الوساطة المصري بشكل إيجابي؛ ومع ذلك، فإنها تواجه مهمة أكثر صعوبة اليوم، نظرا لمشاركة المزيد من الجهات الفاعلة، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، ووجود مواضيع مثيرة للجدل مثل الإرهاب وتدفقات اللاجئين.
إضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الجانب التركي ولا الجانب السوري مستعدان للتراجع خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بشروطهما، على الرغم من الرغبة في التطبيع.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر تركيا سوريا ايران مصر عبدالفتاح السيسي بشار الأسد اردوغان روسيا العلاقات الترکیة ترکیا وسوریا مصر إلى
إقرأ أيضاً:
أحمد عبد الوهاب يكتب: اللغة العربية بين العولمة والهوية "تحديات وحلول"
ذات يوم، دُعيتُ إلى الغداء في أحد المطاعم العربية الشهيرة. استوقفني على الطاولة المجاورة مشهدٌ لعائلة عربية تتحدث اللغة الإنجليزية، تتخللها بعض الكلمات العربية الواضحة.
قال أحد الأطفال لوالدته بالإنجليزية: "Mom، can I please have some sweets?"
ابتسمت الأم وردت كذلك بالإنجليزية: "Wait، habibi، after lunch."
رغم عملي في مؤسسة تعليمية أجنبية، أثار هذا المشهد تساؤلاتٍ: لماذا تُفضَّل الإنجليزية داخل أسرة عربية، داخل مطعم عربي دون ضرورة واضحة؟ وإلى أي مدى يؤثر هذا النمط اللغوي على انتماء الأبناء وهويتهم الثقافية؟
اللغة بين التحدي والانتماء
تشير التجارب الميدانية إلى أن غالبية الأطفال العرب في المدارس الأجنبية في مصر ودول الخليج يفضلون الحديث بالإنجليزية في حياتهم اليومية. ومع هيمنة المحتوى الرقمي الأجنبي، أصبحت الإنجليزية جزءًا من نسيج يومهم، أحيانًا على حساب لغتهم الأم. لكن المشكلة أعمق من ذلك؛ فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل وعاء للفكر والثقافة والهوية، ومفتاح لفهم الذات والآخر.
اكتساب اللغة... لا مجرد تعلمها
لسنا بحاجة إلى تعليم أبنائنا اللغة العربية كمادة دراسية جامدة، بل إلى أن يكتسبوها كما يكتسب الطفل لغته الأولى: بالتعرّض الطبيعي، والمشاركة، والتفاعل. فالاكتساب لا يبدأ من السبورة، بل من الحياة. وكثير من أبنائنا العرب في المدارس الأجنبية – رغم خلفياتهم – يُعاملون كمتعلمين للغة لا كمكتسبين لها، وكأن اللغة غريبة عنهم، لا امتداد لهويتهم. ولكي تصبح العربية حيّة في وجدانهم، لا بد أن تعيش في تفاصيل يومهم: أن يتنفسوها لا يحفظوها، أن يتذوقوها في المسرحيات، يستخدموها في الألعاب، ويعبّروا بها عن أفكارهم ومشاعرهم. حينها، تتحوّل العربية من "مادة دراسية"... إلى "أسلوب حياة".
الأسرة: الحاضنة الأولى للغة
يظن بعض الآباء – خطأً – أن الحديث مع أبنائهم بلغة أجنبية دليل على الرقي الثقافي ووسيلة لدعم مستقبلهم الأكاديمي. ويواكب هذا الاعتقاد عزوف متزايد من الأطفال عن المحتوى العربي، الذي يفتقر في كثير من الأحيان إلى التشويق والخيال مقارنةً بما تعرضه اللغات الأخرى. غير أن الأسرة تبقى المؤسسة اللغوية الأولى، والحاضنة الأصيلة لهوية الطفل. عندما يُستبدل الحديث في البيت بلغة أجنبية، فكأننا نهمس للطفل: "لغتك الأم ليست أولوية"، وهنا تبدأ الفجوة في الاتساع، وتضعف الصلة باللغة تدريجيًا. لذا، علينا أن نعيد توعية الأهل بأهمية لغتهم، ونرشدهم إلى سبل عملية تعزز استخدامها في البيت: مثل القراءة المشتركة، واللعب، والأناشيد، والبرامج المشوقة بالعربية. فالعربية ليست مجرد لغة، بل نبض وهوية. ويبدأ اكتسابها حين تصبح جزءًا من حياة الطفل اليومية: من دفء البيت، وحكايات الجدات، وأغاني الطفولة.
المعلم: قدوة لغوية داخل الصف
كم من معلّمٍ كان سببًا في تعلّقنا بلغةٍ أو مادة؟ فالمعلم ليس ناقلًا للمعلومة فحسب، بل قدوة حيّة تعكس جمال اللغة وأصالتها. وحين يُتقن أداءه ويمنحه شيئًا من الشغف والإحساس، تتحوّل اللغة العربية في أعين طلابه من "واجب" إلى "رغبة"، ومن "مادة دراسية" إلى "شغف يومي".
من هنا تأتي أهمية تمكين المعلمين وتدريبهم على أساليب تفاعلية حديثة تُحبّبهم في اللغة، وتربطهم بها وجدانًا وفكرًا.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات الواقعية: فكثرة المهام الإدارية والصفية الملقاة على كاهل معلمي اللغة العربية كثيرًا ما تعيقهم عن تقديم حصة متميزة بشكل مستمر.
لذا، فإن إعادة النظر في عدد الحصص، وتخصيص وقت كافٍ للتحضير والإبداع، لم يعد ترفًا، بل ضرورة لتعليمٍ حيّ، عميق، مبدع.
المجتمع: بيئة داعمة أو منفّرة
كي يتحقّق الاكتساب الحقيقي للغة، لا بد من بيئة عربية نابضة تُجسّد حضور اللغة في تفاصيل الحياة اليومية في اللافتات، ووسائل النقل، والمرافق العامة.
وتُعدّ المؤسسات الثقافية – مثل قصور الثقافة، أندية القراءة، ومنصات الخطابة – ركائز أساسية في بناء الوعي اللغوي والثقافي لدى الناشئة. غير أن تفعيل هذه المؤسسات بفعالية يتطلّب أنشطة موجهة للأطفال واليافعين، تراعي اهتماماتهم وأعمارهم، وتُقدَّم بلغة فصيحة جذابة تدمج بين المتعة والمعرفة. ويمكن لعروض الأفلام العربية الراقية، تليها أنشطة مثل النقاش، التمثيل، أو إعادة الكتابة، أن تُسهم في هذا المسار. ومن الضروري أن تتحوّل هذه المؤسسات إلى فضاءات حيّة لا تشجع فقط على القراءة ولكن كذلك على التفكير النقدي، والكتابة الإبداعية، والتعبير عن الذات. حينها، تصبح هذه المرافق منصات حياة تنبض باللغة والانتماء، لا مجرد فضاءات ثقافية مقيدة.
الإعلام... كلمة السر
الإعلام الرقمي العربي، لا سيما الموجّه للأطفال واليافعين، يتحمّل اليوم مسؤولية كبيرة في تشكيل الذائقة اللغوية. غير أن المحتوى المتوفّر غالبًا ما يكون محدودًا، أو ضعيف الجاذبية. نحتاج محتوى عربيًا يواكب عقل الجيل الرقمي، ويحترم ذكاءه، ويخاطبه بلغة متوازنة تجمع بين الفصاحة والحداثة، والعمق والجاذبية.
أدوات الذكاء الاصطناعي واللغة العربية
وفي هذا الإطار، يشكّل الذكاء الاصطناعي – مثل ChatGPT – فرصة ثمينة لدعم تعلّم اللغة العربية بأساليب تفاعلية حديثة تناسب طلاب اليوم. لكن ينبغي التعامل مع هذه الأدوات بوعي تربوي وثقافي، فهي رغم قدراتها، لم تُصمَّم في بيئة عربية، وبالتالي فهي بحاجة إلى توجيه دقيق ومراجعة نقدية.
إن مسؤوليتنا الجماعية اليوم هي أن نُسهم في برمجة مستقبل لغتنا وهويتنا الرقمية، لا أن نكتفي بالاستهلاك الخاضع لمعادلات الآخرين.
من رياض الأطفال إلى البحث العلمي: نحو سياسة لغوية عربية شاملة
لا ينبغي أن يبقى دعم اللغة العربية حبيس المبادرات الفردية أو الموسمية، بل لا بد من تبني سياسة لغوية شاملة ومستدامة، تُترجم إلى قرارات واضحة تعزّز مكانة العربية في التعليم، والتواصل، والإنتاج المعرفي.
ويُعدّ قرار إلزام المدارس الخاصة في دبي والشارقة بتعليم العربية في مرحلة رياض الأطفال نموذجًا رائدًا لهذا التوجه؛ إذ يبدأ من العام الدراسي المقبل في الإمارتين تطبيق تأسيس لغوي مكثف يشمل جميع الأطفال، بصرف النظر عن لغتهم الأم. وهذه خطوة كبيرة للغاية لتمكين العربية بين أجيالنا سيظهر أثرها في السنوات القادمة. وهنا لا بد من توجيه الشكر لهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، وهيئة الشارقة للتعليم الخاص، على جهودهما الرائدة في هذا المجال. حيث نلاحظ فلسفتهم الجديدة إلى تبنّي رؤية تطويرية شاملة لتعليم اللغة العربية، تشمل دعم المعلمين، ومتابعة الأنشطة الثقافية والتراثية المتنوعة داخل المدارس. هذا التوجه الجديد يعكس قناعة عميقة بأن النهوض باللغة لا يتحقق بالرقابة فقط، بل بالشراكة الفاعلة، والرؤية الاستراتيجية، والمتابعة المستمرة. ويبدو جليًا أن هذا النموذج في طريقه إلى أن يشكّل توجهًا وطنيًا شاملً داخل الإمارات بالكامل. وأرجو أن يمتد ليكون أساسًا لتجربة لغوية عربية رائدة في عموم الوطن العربي.
وكما أن غرس اللغة في وجدان الطفل هو أول الطريق، فإن ترسيخها في عقل الباحث يمثل نقطة الذروة.
لذا، يجب أن تشمل السياسة اللغوية منظومة البحث العلمي والتعليم العالي، عبر خطوات عملية، منها:
وبهذا النهج، تتحوّل العربية إلى لغة إنتاج معرفي لا حفظ تراث فقط، وتستعيد دورها الحضاري في العلم والفكر. ولنا في إرثنا ما يُلهم، وفي تجاربنا الراهنة ما يُبشّر بانطلاقة جديدة تبدأ من الحرف الأول، وتمتد إلى آفاق الابتكار.
نماذج مضيئة: مبادرات تُحتذى
رغم التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الرقمي، هناك مبادرات تُضيء الطريق، وتمنحنا أملًا حقيقيًا في استعادة حضورها. منها:
مبادرة "كلّمني عربي "لأبناء المصريين في الخارج.مشروع "القراءة في المرافق الحيوية "برعاية مركز أبوظبي للغة العربية.مبادرة "بالعربي" بدبي التي تحتفي باللغة على المنصات الاجتماعية.هذه النماذج تفتح آفاقًا جديدة لحضور العربية في الحياة اليومية، وتُثبت أن العمل الثقافي المؤسسي قادر على إحياء اللغة في الوجدان العام. لكنها لن تزدهر إلا بتكامل الجهود، وتفعيل الدعم المجتمعي والرسمي. وحسبنا أنها تمثل بدايات واعدة، فكما تُنبئ قطرات الغيث الأولى بالمطر، تُبشّر هذه المبادرات بمستقبل لغوي أكثر إشراقًا وتأثيرًا.
بين الهوية والانفتاح: التوازن الذكي
تعلّم اللغات والانفتاح على الثقافات ضرورة، لكن دون أن نتنازل عن جذورنا.
العربية هي الأصل الذي ننطلق منه نحو العالم، لا العكس. تأمّلوا تجربة ألمانيا أو فرنسا: تتقن شعوبها الإنجليزية، لكنها لا تضعها فوق لغتها الأم. ذلك هو التوازن الذكي الذي نطمح إليه: أن ننفتح... دون أ ننسى من نحن.
في زمن العولمة، تبقى العربية قلب هويتنا النابض، وجسرنا نحو الماضي والمستقبل.
اجعلوها حاضرة في منازلكم، نابضة في مدارسكم، مرئية في شوارعكم، وفعالة في فضاءاتكم الرقمية.
حين نحترم لغتنا، نمنح أبناءنا جذورًا قوية تعينهم على الطيران عاليًا دون أن يفقدوا الاتجاه. إلى كل ولي أمر، ومعلم، وإعلامي، وصانع محتوىٍ: لغتنا ليست فقط ما كنّا... بل ما يمكن أن نكون.
لغتنا... هويتنا... مسؤوليتنا جميعًا.