النفوذ الفرنسي في أفريقيا.. تراجع إستراتيجي أو انسحاب تكتيكي؟
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
تطرح الاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول الأفريقية في العامين الماضيين ضد الوجود والنفوذ الفرنسيين فيها بداية من مالي، مرورا ببوركينا فاسو، وصولا للنيجر مؤخرا، تساؤلات عدة عن مدى الاستجابة الفرنسية لهذه المطالب المرتبطة بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي من أساسه، بعد إخفاق باريس في تحقيق الأمن المنشود في منطقة الساحل الأفريقي في مواجهة الجماعات المسلحة؛ مثل: تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة، وبوكو حرام وغيرها، فضلا عن دعم الإليزيه لنظم تعمل ضد صالح شعوبها؛ مثل: رئيس الغابون المخلوع عمر بونغو، ورئيس تشاد الراحل إدريس ديبي، وآخرين.
والسؤال هنا: هل الانسحاب الفرنسي العسكري إستراتيجي بمعنى انتهاء العلاقة مع هذه الدول إلى الأبد، أو أنه تكتيكي، بمعنى أن الانسحاب لا يعني انتهاء النفوذ وتسليم أفريقيا على طبق من ذهب للمنافسين الدوليين التقليديين؛ كبريطانيا والولايات المتحدة، أو الجدد مثل: الصين وروسيا؟
الاستقلال مقابل التبعيةولكي نفهم ما يمكن أن يطلق عليه "موجة التحرر الأفريقي الثانية" ضد "الاستعمار الفرنسي الحديث"، وكيفية الاستجابة الفرنسية له، لا بد من العودة بالمشهد إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى نهاية خمسينيات القرن الماضي وأوائل الستينيات، حيث شهدت معظم الدول الأفريقية موجة التحرر الأولى ضد الاستعمار الفرنسي الأول لها، الذي ظل جاثما على أنفاسها عقودا من الزمن.
عملت فرنسا على التحكم في تشكيل الوعي الثقافي الأفريقي من خلال نشر اللغة الفرنسية والمراكز الثقافية، وإرسال النخبة الشابة لتلقي تعليمهم الجامعي في فرنسا، فضلًا عن التحكم في مناهج التعليم التي تضعها باريس
فرغم معارضة "الجنرال" ديغول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة فكرة استقلال المستعمرات السابقة، خاصة الجزائر، إلا أنه اضطر إلى تجرع السم والقبول على مضض بالأمر مع تفريغه من مضمونه، بمعنى أن "الاستقلال لا يعني انتهاء التبعية". لذلك، دشن ديغول سياسة أطلق عليها "أفريقيا الفرنسية" (Franç-afrique)، وكانت عنوانا لإستراتيجية تقوم على تحقيق الهيمنة والتبعية معا. وفي 1962 قرر وضع سياسة أكثر تفصيلا، فعهِد إلى مستشاره في حينها جاك فوكار، الذي أُطلق عليه لقب "مهندس الاستعمار الفرنسي الحديث في أفريقيا"، وضع الآليات اللازمة لتنفيذ هذه الإستراتيجية عبر وسائل عدة:
وسائل قانونية، تسمح بإيجاد نخب حاكمة تدين بالولاء التام لها، فغيّرت الدستور والقانون في معظم هذه المستعمرات لتكريس نظام الحكم الرئاسي، الذي يعطي للرئيس صلاحيات واسعة بخلاف النظام البرلماني "البريطاني"، الذي يجعل للبرلمان الممثل للشعب الغلبة. وسائل عسكرية، من خلال تكبيل هذه النظم باتفاقيات دفاع عسكرية، تسمح لباريس بإقامة قواعد عسكرية دائمة، أو التدخل العسكري بناء على طلب هذه النظم، أو بصورة منفردة لدعم هذه النظم في مواجهة الانقلابات التي قد تتعرض لها، أو لحماية المصالح الفرنسية ذاتها. وكان من نتيجة ذلك امتلاك فرنسا 6 قواعد عسكرية ثابتة في القارة، أبرزها: 3 في غرب أفريقيا في السنغال والغابون، وساحل العاج، فضلا عن أفريقيا الوسطى وتشاد، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية الكبرى الموجودة في جيبوتي، بينما توجد قواعد أخرى بأحجام مختلفة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا. ووفق بعض الدراسات، فإن عدد التدخلات العسكرية الفرنسية في القارة بلغ 37 تدخلا بين 1961 و2017. وربما هذه الاتفاقيات العسكرية "المكبلة" هي التي دفعت قادة الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلى المطالبة بإنهائها وسحب القواعد العسكرية من أراضيها. وسائل اقتصادية تتمثل في حصول الشركات الفرنسية على عقود استغلال الموارد الطبيعية بهذه الدول، مقابل حماية باريس لهذه الأنظمة. هذه العقود تقدر بملايين الدولارات لموارد؛ مثل: اليورانيوم والنفط والذهب وغيرها، وكان من نتيجة ذلك التغلغل الفرنسي الكثيف في اقتصاديات هذه الدول، من خلال الشركات التابعة لها، حيث تنشط في القارة الأفريقية 1100 شركة كبرى و2100 شركة صغرى، حسب التلفزيون الألماني دويتش فيلا. ويرتبط بهذه النقطة -أيضا- ربط باريس اقتصاديات هذه الدول بها من خلال "الفرنك الأفريقي" CFA الذي يُطبع في البنك المركزي في العاصمة الفرنسية، ويربط السياسة النقدية لهذه الدول بباريس ودول اليورو. ويعدّ "السيفا" العملة الرسمية في 13 دولة هي أغلب بلدان أفريقيا الوسطى وغرب أفريقيا، حيث تضع هذه الدول قرابة 70% من احتياطاتها النقدية من العملات الأجنبية في الخزينة الفرنسية. وسائل ثقافية عبر التحكم في تشكيل الوعي الثقافي من خلال نشر اللغة الفرنسية والمراكز الثقافية، وإرسال النخبة الشابة في هذه الدول لتلقي تعليمهم الجامعي في فرنسا، فضلا عن التحكم في مناهج التعليم التي تضعها باريس.وبهذه الوسائل تمكنت فرنسا من فرض هيمنتها وتبعية هذه الدول لها رغم استقلالها "الشكلي".
منذ نهاية التسعينيات، قلصت فرنسا بشكل كبير نطاق عملياتها العسكرية في أفريقيا، حيث ركزت على تدريب الجيوش المحلية أو على التدخلات السريعة فقط
التأثير دون التدخلمع انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، وبروز فكرة هيمنة الديمقراطية الغربية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام حقوق الإنسان وضرورة ضمان السلم والأمن الدوليين، ناهيك عن كلفة التدخل العسكري، وما حدث في تسعينيات القرن الماضي عندما تدخلت الولايات المتحدة في الصومال، وقيام قوات فارح عيديد في حينها بسحل جثث بعض الجنود الأميركيين، ما اضطرها في نهاية المطاف إلى الانسحاب بسبب ضغوط الرأي العام، الذي استرجع في حينها ذاكرة حرب فيتنام والخسائر الأميركية هناك، كل هذا جعل الرئيس الفرنسي في حينها جاك شيراك يتبنى إستراتيجية جديدة لا تختلف في أهدافها عن تلك التي وضعها ديغول.
تقوم إستراتيجية شيراك على فكرة التأثير في هذه الدول بما يحقق المصالح الفرنسية المختلفة دون التدخل العسكري (Influence Not Entrance)، ويعني ذلك تقليل عملية التدخل لتكلفتها المادية وخسائرها البشرية، فضلا عن استفزازها لمواطني هذه الدول، حيث باتت تذكرهم بماضي الاستعمار الأليم.
لذلك، ومنذ نهاية التسعينيات، قلّصت فرنسا بشكل كبير نطاق عملياتها العسكرية في أفريقيا، حيث ركزت على تدريب الجيوش المحلية، أو على التدخلات السريعة فقط، دون التدخلات التي تستغرق وقتا طويلا. وقد استمرت على هذا النهج طيلة الألفية الثالثة، فاستحدثت في 2014 عملية برخان لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل، التي تُبنى على فكرة الشراكة بين باريس والجيوش الوطنية لـ5 دول؛ هي: تشاد، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وموريتانيا بحيث إن باريس تقدم 5500 جندي فقط، مقابل الاعتماد بصورة أساسية على جيوش هذه الدول في عملية المواجهة.
"الماكرونية" الأفريقية الجديدةعلى غرار أسلافه، أبدى الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون اهتماما كبيرا بمصالح بلاده في أفريقيا، فزار 18 دولة منذ توليه الحكم في 2017. وفي 28 فبراير/شباط 2023، وقبل يوم واحد من جولته الأفريقية التي شملت 4 دول؛ هي: الغابون، والكونغو الديمقراطية، والكونغو، وأنجولا، حدد ماكرون ملامح الإستراتيجية الجديدة لفرنسا في القارة، التي من أبرز ملامحها:
خفض الوجود العسكري في القارة إلى أدنى مستوى (3000 جندي بدل 5500)، ما يعني أن هناك توجها فرنسيا حتى قبل انقلاب النيجر في أغسطس/آب 2023، إلى تقليص الوجود العسكري. إنهاء القواعد العسكرية الفرنسية، وتحويلها إلى أكاديميات تشارك في إدارتها فرنسا والدول الأوروبية والأفريقية. ما يعني الإدارة المشتركة توفيرا للنفقات، وتقليلا للخسائر البشرية والمادية، وتهدئة للرأي العام الداخلي، خاصة في ظل موجة الغضب التي قوبل بها في زيارته الأخيرة لدول عدة؛ منها: الغابون وأفريقيا الوسطى. وحسب تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، يوجد في أفريقيا الآن حوالي 15 أكاديمية وطنية لتدريب الجيوش الأفريقية تنتشر في الغابون، وساحل العاج، والسنغال، والكاميرون، والنيجر، وتوغو، وبنين. تقدم هذه الأكاديميات جميع التدريبات اللازمة في مجالي الدفاع والأمن، ويعمل بها عدد من الخبراء، ولا يعرف عنها الرأي العام كثيرا. وفي إطار تنفيذ هذه الإستراتيجية الجديدة، قررت فرنسا وبعد 6 أشهر من انتهاء عملية برخان في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 تقليص عدد قواتها في عدد من قواعدها العسكرية الكبرى في ساحل العاج، حيث العدد الإجمالي 950 جنديا، ثم السنغال فالغابون، إذ يضم كل منهما 350 جنديا، في حين لن يتأثر وجودها في قاعدة جيبوتي التي تضم 1500 جندي. وفي المقابل كذلك، يلاحظ أن هناك 5 آلاف جندي هم عماد عملية برخان لا يزالون موجودين في المنطقة، منهم 1000 في تشاد و1500 في النيجر، وتعد هذه القوات هي اليد الطولى في محاربة الإرهاب هناك. وربما هذا سر سعي فرنسا الآن للتوصل لاتفاق بشأنها مع قادة الانقلاب. وتقوم المقاربة الأمنية الجديدة -أيضا- على تقديم الدعم للجيوش الأفريقية من خلال المعلومات الاستخباراتية، أو الخدمات اللوجستية، أو صادرات الأسلحة، أو الدعم الناري (Fire Support)، وهو دعم عسكري لعمليات محددة، وفي المقابل زيادة الاعتماد على أدوات القوة الناعمة غير العسكرية؛ مثل: الأدوات الدبلوماسية، من خلال توسيع نطاق الشركاء في أفريقيا بوصف ذلك تحديا حيويا لأوروبا بأكملها، حيث تحاول فرنسا إشراك دول الاتحاد الأوروبي معها في أفريقيا، بحيث إنها تكون هي قاطرة الاتحاد من ناحية، وفي المقابل تُقسّم تكاليف التدخل إن حدث، وكذلك تكاليف عمليات التنمية التي تحتاجها القارة. كما تقوم الإستراتيجية الجديدة على التوسع في العلاقات مع الدول الناطقة بالإنجليزية؛ مثل: كينيا وغانا ونيجيريا، خاصة أن بعض الدول الداخلة في نطاق الفرانكفونية سعت للخروج من هذه الرابطة، والذهاب للكومنولث البريطاني؛ مثل: الغابون، وربما كان هذا أحد أسباب التعامل الفرنسي الناعم مع الانقلاب الأخير في الغابون ضد حليفها الرئيس علي بونغو. وتعدّ الأداة الاقتصادية إحدى ركائز هذه الإستراتيجية الجديدة من خلال التركيز على مشروعات التنمية، على غرار الصين، التي تعد أكبر ممول للبنية التحتية في أفريقيا. المدخل الإنساني، من خلال توفير الاحتياجات الإنسانية، وكذلك المدخل الثقافي التقليدي المتمثل بتسهيل التأشيرات للطلاب، الذي يعدّ امتدادا لسياسة "فرنسة الأفارقة" من خلال مناهج التعليم، وذهاب قدر كبير من الميزانية المخصصة للتنمية لهذا البند. وربما هذا ما يميز فرنسا من باقي الدول الاستعمارية السابقة الأخرى، وهو الاهتمام بالجانب الثقافي كأحد أدوات استمرار الهيمنة، وربما ارتبط ذلك بنمط الإدارة المباشرة الذي انتهجته باريس منذ البداية في التعامل مع هذه "المستعمرات"، مقارنة بنمط الإدارة غير المباشرة الذي انتهجته بريطانيا، وترتب عليه زوال نفوذها التاريخي في القارة. المدخل الرياضي، عبر مسار "دعم الرياضة" الذي لاحظناه بقوة في بطولة كأس العالم الأخيرة، حيث كان معظم لاعبي المنتخب الفرنسي من أصول أفريقية.إدارة ماكرون مطالبة بضرورة وضع إجابات عملية لتحديات أخرى، منها على سبيل المثال الاعتذار والتعويض عن أخطاء الماضي الاستعماري والمذابح
إشكاليات وتحديات فرنسيةمن وجهة نظرنا، يلاحظ أن هذه الإستراتيجية الماكرونية تأتي استجابة لمجموعة من التحديات والإشكاليات التي تواجه فرنسا في القارة، لعل أبرزها: ضعف النتائج الحاصلة من عملية برخان رغم النجاحات المحدودة التي حققتها. ولكون هذه العملية تستند أساسا إلى الجانب العسكري، فقد أهملت الجانب التنموي، ما أدى لعدم انتهاء عمليات الحركات الجهادية في العديد من دول المنطقة، وربما يكون هذا أحد أسباب زيادة الاعتراض على الوجود العسكري في كل من مالي وبوركينا فاسو، حيث لم تنجح "برخان" في توفير الأمن لها، وهو ما اعترفت به في حينها وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، في معرض حديثها أمام مجلس الشيوخ الفرنسي؛ حيث أكدت أنه "لتفادي قدر الإمكان مخاطر رفض الوجود العسكري الأجنبي، بات من الضروري -أيضا- تنفيذ مشروعات تنموية".
لكن ومع وجاهة هذا الطرح الفرنسي، يبقى الأمر مرتبطا بمدى تحقيق هذه التنمية على الأرض، لا سيما في ظل استمرار سياسة النظرة الاستعلائية الفرنسية للقارة، كما أن إدارة ماكرون مطالبة بضرورة وضع إجابات عملية لتحديات أخرى، منها على سبيل المثال: الاعتذار والتعويض عن أخطاء الماضي الاستعماري، والمذابح التي ارتكبت في الجزائر ورواندا والكونغو وبوركينا فاسو وغيرها، فضلا عن وقف دعم النظم المستبدة، والحركات الانفصالية في أفريقيا؛ مثل: جماعات التوتسي المتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية، نظرا لسمعة فرنسا في الإطاحة بالزعماء المقربين عبر الانقلابات، أو الاغتيالات حال رغبتهم في الخروج من تبعية الفرنك الفرنسي.
وأخيرا وليس آخرا، ينبغي لفرنسا استغلال نفوذها الأفريقي لوقف أعمال الفساد بعد تراجع مؤشرات التنمية الاقتصادية في هذه البلاد بصورة كبيرة، وتردي أوضاع المواطن رغم غنى معظمها بالموارد الطبيعية (اليورانيوم، والنفط، والذهب، والألماس وغير ذلك) التي تحتكرها الشركات الفرنسية؛ مثل: توتال وغيرها. وقبل هذا وذاك، ثمة ضرورة لتخلي ماكرون عن مقولته الشهيرة بأن "فرنسا ليس دورها إصلاح كل المشكلات في أفريقيا".
إن فرنسا وإن أعلنت إنهاء أو تقليص وجودها العسكري في بعض الدول الأفريقية لأسباب خاصة بهذه الدول، أو لحسابات فرنسية خالصة؛ فإنها ليست بصدد انتهاء نفوذها أو تخليها بسهولة عن القارة السمراء. صحيح أن هذا النفوذ قد يتراجع، وقد تختلف آليات التعامل مع تحديات القارة، لكن ستظل العلاقة أشبه بالزواج الكاثوليكي.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الإستراتیجیة الجدیدة هذه الإستراتیجیة الوجود العسکری وبورکینا فاسو عملیة برخان فی أفریقیا التحکم فی هذه الدول فی القارة فی حینها فضلا عن من خلال
إقرأ أيضاً:
الضويني: الأزهر يجدد الدعوة لقادة العالم للاتفاق على مبادئ عظمى تضمن التصدي للتحديات التي تفرضها الأزمات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شارك فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، اليوم الثلاثاء في أعمال «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ» ، التي انطلقت في مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان تحت عنوان: "الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر" برعاية كريمة من إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان، وبحضور السيد علي أسدوف، رئيس وزراء دولة أذربيجان وبمشاركة أكثر من 300 شخصية بارزة من القيادات الدينية العالمية، وممثلي الأديان، وكبار المسئولين، والأكاديميين والخبراء في مجال البيئة.
وألقى وكيل الأزهر، كلمة خلال أعمال الجلسة الافتتاحية للقمة توجه فيها بالشكر لمجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وإدارة مسلمي القوقاز بدولة أذربيجان على تنظيمها لهذا اللقاء المهم؛ الذي يجيء كخطوة عملية نحو التخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وأكد الضويني، خلال كلمته على أن التغيرات المناخية تمثل تحديًا مشتركًا يستوجب توحيد جهود البشرية بكل أطيافها، مشيرًا إلى أن الأديان تقدم رؤية متكاملة تحث على حماية الأرض التي ورثها الإنسان، ورعايتها لصالح الأجيال القادمة. وشبه فضيلته البشرية بمنظومة واحدة أو أسرة ممتدة، يتأثر كل فرد فيها بأفعال الآخر؛ فالمناخ ليس قضية تخص دولة أو شعبًا بعينه، بل هي مسألة تمس مصير العالم بأسره، ولا يمكن مواجهتها بفعالية إلا من خلال تعاون عالمي متكامل، يضع أسسًا مشتركة لتحقيق الأمان البيئي ويضمن استدامة الموارد.
وأوضح أن الواجب المتجدد يفرض على قادة الأديان أن يوجهوا أتباعهم إلى فهم أن البيئة نعمة تستوجب الشكر، وأن الشكر لا يكون بإفسادها، وأن من واجبات الخلافة والعمارة أن تكون البيئة صالحة للحياة، معززة لاستمرارها، وأن الإسلام وأحكامه جاء ليصون البيئة ويعمل على حمايتها من أي أذى: بدءًا بتغيير نظرة الإنسان إلى الكون باعتباره خلقًا حيًا مسبحًا لا باعتباره جمادات صماء، ومرورًا بأوامره باحترام مكونات الحياة والمحافظة عليها طاهرة من كل تلويث أو إفساد، سواء في الإنسان نفسه، أو في المكان والمحيط الذي يعيش فيه، أو في الماء الذي يشربه، أو الطعام الذي يأكله، أو في الهواء الذي يتنفسه، مع مراعاة أجيال المستقبل ونصيبهم من الموارد، ومرورًا بالواجب العلمي الذي يعانقه الدين ويدعو إليه ولا يعارضه أو يرفضه.
كما أكد وكيل الأزهر أن دور القادة الدينيين في تصحيح تصورات أتباعهم نحو الكون، وتوجيه سلوكهم في تعاملهم معه لا يُنكر، ولكن ما تزال البشرية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود نحو زيادة الوعي بمفهوم تغير المناخ وآثاره، فبعض الناس ما يزالون ينظرون إلى قضية المناخ على أنها من الرفاهية؛ ولذا فإن التثقيف والتوعية بالمخاطر الحقيقية الواقعية والمحتملة هي التي يمكن أن تقف بقوة في وجه هذه التغيرات، وهي التي تدفع البشرية إلى التعامل مع البيئة ومكوناتها بإحسان، وتبني نمط استهلاكي معتدل حتى يكون الناس أصدقاء حقيقيين للبيئة، وكذلك يجب أن تعزز القيادات الدينية تعاونها مع صناع القرار، وأن تتخذ من رمزيتها قوة مؤثرة موجهة لهم نحو ما فيه خير البشرية.
وشدد على أن قضية التغيرات المناخية ليست أقل خطورة من فيروس كورونا الذي انتفض له العالم بدوله وحكوماته ومنظماته وشعوبه، وليست أقل من الحروب التي نالت آثارها من الجميع رغم البعد الجغرافي عن محيطها؛ ولذا يجب تصعيد العمل حيال التهديد الصادر عن التغير المناخي بدءًا بالأفراد ومرورًا بالمؤسسات وانتهاء بالحكومات، وغني عن الذكر أن دولاً متعددة قامت بجهود كبيرة في هذا الشأن، والتي كان من آخرها مؤتمر (Cop27) الذي عقد بجمهورية مصر العربية، والذي سعى إلى تحويل تعهد الدول المتقدمة بتمويل أضرار التغيرات المناخية إلى حقيقة واقعية، وحث الدول المسببة للتغيرات على الوفاء بالتزاماتها المادية، ومؤتمر (Cop28) الذي عقد بالإمارات العربية المتحدة، والذي تمخض عن «بيان أبو ظبي المشترك من أجل المناخ ..نداء الضمير»، وإعلان جمهورية أذربيجان عام 2024 عام التضامن من أجل السلام الأخضر، إضافة إلى ما قبل هذا وما بعده من مؤتمرات وتوصيات وبيانات ووثائق وأبحاث ودراسات وحملات وغير ذلك.
وتساءل فضيلته: متى التزمت الدول الأكثر إضرارًا بالمناخ بتوصيات المؤتمرات؟ وهل هناك صفقة عادلة بين الدول المسببة للأضرار المناخية والدول المتضررة منها؟ وما هو العمل الحقيقي الذي يعقب المؤتمرات والاجتماعات؟، لذا، فإن حاجة العالم الآن إلى مد جسور التعاون والتلاقي بين الشعوب أكثر من أي وقت مضى، وإن الأزهر الشريف ليجدد الدعوة لقادة العالم وللحكماء إلى أن تتفق على مبادئ عظمى تضمن العمل المشترك للتصدي للتداعيات والتحديات التي تفرضها الأزمات.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأربع توصيات وهي:
أولا: ضرورة تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات التربوية والدينية والمنابر التوعوية والإعلامية، والمناهج والكتب الدراسية.
ثانيا: ضرورة التشارك الكوني وتبادل المعلومات والخبرات بين الشعوب والحكومات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، من خلال برامج علمية تتكاتف فيها الجهود بصورة سريعة ومؤثرة، بعيدًا عن الجوانب الإجرائية والشكلية؛ لاستخدامها في مواجهة أي خطر يهدد الكرة الأرضية.
ثالثا: ضرورة سن القوانين والتشريعات التي تردع محتكري المعلومات والتجارب التي يؤثر حجبها على فاعلية التعامل مع الكوارث والأزمات، وملاحقة ملوثي البيئة.
رابعا: الضغط على الدول الغنية وصناع القرار العالمي لتحمل المسؤولية، والقيام بتغييرات جدية لحماية البيئة، كالطاقة النظيفة، والاستخدام المستدام للأراضي، وغير ذلك، واعتماد التمويل اللازم لدعم الدول الفقيرة للتأقلم مع تغير المناخ.