بعد ستة أيام على الفيضانات.. مخاطر تلوث المياه والبيئة تهدد حياة الليبيين
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
بعد مرور ستة أيام على الفيضانات العنيفة التي اجتاحت شرق ليبيا، تتضاءل الآمال في العثور على أحياء خصوصا في مدينة درنة الأكثر تضررا جراء هذه العاصفة التي خلفت آلاف الضحايا لكن ما يزيد من الوضع تعقيدا، هو ارتفاع خطر انتشار الأوبئة بين الأهالي بعد رصد عشرات من حالات التسمم نتيجة المياه الملوثة.
وتواجه مدينة درنة أزمة في المياه الصالحة للشرب وسط أنباء عن انتشار روائح الجثث المتحللة في شوارعها، على إثر العاصفة دانيال التي ضربت الأحد الماضي شرق ليبيا، وتسببت أمطار غزيرة بكميات هائلة في انهيار سدين في درنة، ما أدى إلى تدفق المياه بقوة في مجرى نهر يكون عادة جافا.
وقد تدفقت المياه بارتفاع أمتار عدة، وحطمت الجسور التي تربط شرق المدينة بغربها، وخلفت المياه الجارفة وراءها مشهد دمار يبدو كما لو أن زلزالا قويا ضرب جزءا كبيرا من المدينة.
وقبل الكارثة، كان تعداد المدينة يصل إلى أكثر من 100 ألف نسمة لكن في ظل صعوبة الوصول والاتصالات وعمليات الإغاثة والفوضى السائدة، تتضارب الأرقام عن أعداد الضحايا والمفقودين لكن السلطات الليبية تقدرهم بالآلاف.
وتحدثت المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح أكثر من 38 ألف شخص في الشرق الليبي، بينهم 30 ألفا من درنة، فيما قالت الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين.
وتواجه السكان وفرق الإغاثة مشكلة أخرى في مدينة درنة الليبية، حيث يجدون صعوبة كبيرة في التعامل مع آلاف الجثث التي أعادتها الأمواج لليابسة أو تتحلل تحت الأنقاض بعد أن دمرت الفيضانات المباني وألقت بالكثيرين في البحر.
وقد دعت منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثة أخرى السلطات في ليبيا إلى التوقف عن دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية، قائلة إن هذا قد يتسبب في مشكلات نفسية طويلة الأمد للعائلات أو قد يحدث مخاطر صحية إذا كانت الجثث مدفونة بالقرب من المياه.
وطالبت المنظمة بشكل مشترك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بتحسين إدارة عمليات الدفن لتكون في مقابر فردية محددة وموثقة بشكل جيد، محذرة من أن وجود الجثث عند مصادر المياه العذبة أو بالقرب منها يسبب احتمال تسرب فضلات إليها.
ولاتزال تداعيات ومخاطر هذه الكارثة مستمرة خصوصا فيما يتعلق بالتحذيرات من مواجهة مشكلة تلوث المياه الصالحة للشرب، إذ أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، تسمم 55 طفلا بمياه ملوثة في مدينة درنة.
وقد وقعت حالات التلوث والإسهال بين العائلات النازحة من مناطق الفيضانات بسبب اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي.
كما حذر المجلس البلدي لمدينة درنة من استخدام مياه الآبار الواقعة في نطاق وسط المدينة وحتى شاطئ البحر، فيما نبهت لجنة الطوارئ الصحية بالمدينة من كارثة بيئية أشد وطأة في شرق ليبيا جراء تحلل الجثث غير المنتشلة والفيروسات المحتملة في المياه الراكدة بعد انحسار الفيضانات التي اجتاحت المنطقة.
وقد أبدت السلطات قلقها الكبير من تفاقم مشكلة تلوث المياه نتيجة الفيضانات والسيول وعدم توفر مياه صالحة للشرب في مدينة درنة، مؤكدة أن إجراءات احترازية سيبدأ تفعيلها من اليوم في إطار مواجهة الكارثة، إذ قد تلجأ لعزل المناطق المتضررة عن درنة خوفا من انتشار الأوبئة.
إن حجم خسائر وأضرار العاصفة التي تعرضت لها ليبيا يفوق ما يمكن تخيله، لكن الشعب الليبي ضرب أعظم الأمثلة في الوحدة والتعاطف والصمود في مواجهة هذه المأساة المدمرة، وينتظر تقديم الإغاثة للمتضررين، وتنفيذ الإجراءات الوقائية لتجنب تفشي الأمراض وانتقال العدوى.
وبالفعل أرسلت العديد من الدول فرق إنقاذ ومعدات ومعونات، لمساندة ليبيا في هذا الوقت العصيب، إلا أنها مازلت في حاجة إلى حشد موارد إضافية وتوفير مساعدات ضرورية عاجلة، حيث يلعب عنصر الوقت دورا مهما في إعادة الوضع إلى طبيعته.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: درنة متضرري الفيضانات فی مدینة درنة
إقرأ أيضاً:
هل يدفع التونسيون ثمن تلوث الماء والهواء؟
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في "جورنال أوف جيوكيميكال إكسبلوريشن" أن الأنشطة البشرية، مثل تعدين الفوسفات والزراعة، تسهم بشكل كبير في تلوث المياه الجوفية في حوض قفصة بتونس، إلى جانب الانبعاثات الناجمة عن هذه الأنشطة، والتي تؤثر سلبًا على جودة الهواء.
يُعد حوض قفصة من أهم المناطق الجغرافية في وسط تونس، حيث يتميز بموارده الطبيعية الغنية، مما يجعله مركزًا رئيسيًّا لاستخراج الفوسفات.
ويمثل هذا القطاع أحد المحركات الأساسية للصناعة والتصدير في البلاد، إذ تحتل تونس مكانة بارزة عالميًّا في إنتاج الفوسفات، حيث جاءت في المرتبة الخامسة عام 2010، وتصدر مشتقاته إلى نحو 50 دولة.
ويتركز النشاط الرئيسي لاستخراج الفوسفات في جنوب تونس، حيث يحتوي حوض قفصة على تكوينات جيولوجية تعود إلى العصر الإيوسيني والطباشيري، مما يعزز أهميته كمصدر رئيسي لهذه المادة الحيوية.
ورغم أن استخراج الفوسفات لا يعد السبب الرئيسي لتلوث الهواء في تونس، فإن تدهور جودة الهواء أصبح مصدر قلق متزايد. ودفع هذا التلوث المنظمات الدولية إلى دق ناقوس الخطر، محذرةً من التداعيات البيئية الخطيرة التي قد تؤثر سلبًا على الصحة العامة والنظم البيئية في البلاد.
تحتوي صخور الفوسفات التونسية على نسب متفاوتة من اليورانيوم بمقدار (45-140 جزءا في المليون)، مما يؤدي إلى تلوث النشاط الإشعاعي لموارد المياه الجوفية، ويرجع ذلك أساسًا إلى عمليات تعدين الفوسفات وتخزينه ومعالجته إلى جانب تسرب المياه الجوفية الأحفورية والحرارية من نظام طبقات المياه الجوفية شمال الصحراء الغربية، وفق الدراسة.
إعلانإلى جانب ذلك، أشارت الدراسة إلى أن المياه الجوفية في حوض قفصة تعاني من ارتفاع تركيزات النترات، التي تتجاوز أحيانًا الحد المسموح به لمياه الشرب (50 مليغراما/لتر)، حيث يبلغ متوسطها 168 مليغراما/لتر.
ويُعزى هذا التلوث إلى الاستخدام المكثف للأسمدة النيتروجينية في الزراعة وأكسدة المواد الكيميائية المستخدمة في التعدين، مثل نترات الأمونيوم والمتفجرات.
هذه الأنشطة تسهم في زيادة مستويات الراديوم (وهو عنصر مشع)، أما التأثير الأكبر فيحدث في المياه الجوفية الضحلة، التي تكون أكثر تعرضًا للتلوث من الجريان السطحي الزراعي (أي الماء الذي يتدفق من الأراضي الزراعية) أو من أنشطة التعدين مثل استخراج الفوسفات.
واللافت أن الدراسة أظهرت أن الراديوم لا يبقى مرتبطًا بالمعادن الفوسفاتية بل يتسرب إلى النفايات، مما يزيد من التلوث الإشعاعي للفوسفوجيبسوم في مناطق التعدين، ويشكل مصدرًا محتملا لتلوث المياه الجوفية.
وإلى جانب ذلك، كشفت الدراسة أن الإنتاج السنوي للفوسفوجيبسوم، وهو منتج ثانوي مشع لتعدين الفوسفات، يقدر بنحو 10 ملايين طن، مما يزيد من المخاطر البيئية في المنطقة.
تلوث الهواءوإلى جانب ذلك، فإن تونس تعتبر من البؤر النشطة لانبعاثات ثاني أكسيد الكبريت في شمال أفريقيا، حيث ترتبط هذه الانبعاثات بمصادر قطاع النفط والغاز، خصوصا في مدينة الصخيرة، وفق غرينبيس (منظمة السلام الأخضر).
وتؤكد غرينبيس أن البلاد تواجه تحديات بيئية محلية تتجلى في ارتفاع مستويات الجسيمات الدقيقة في الهواء، والتي تُعرف بـ"بي إم 2.5″، وهي جسيمات صغيرة قد تكون ضارة عند استنشاقها.
وكشفت المنظمة أن العدد الكبير من الوفيات المبكرة المسجلة سنويا في القارة الأفريقية بما فيها تونس، كان نتيجة للتعرض لتلوث الهواء، فيما أشارت دراسة معهد حوكمة الموارد الطبيعية إلى أن إنتاج الفوسفات يؤدي إلى زيادة نسبة الغبار والتلوث في الهواء، مما يؤثر سلبًا على صحة السكان، خاصة النساء.
إعلانواعتبر التقرير الصادر في 28 مارس/آذار 2024، أن قطاع الطاقة في شمال أفريقيا خصوصا صناعة النفط والغاز من أكبر المساهمين في انبعاثات تلوث الهواء، وذلك من خلال ما حددته عمليات الرصد عبر الأقمار الصناعية لثاني أكسيد الكبريت.
آثار التلوث على التنوع البيولوجييؤكد الخبير البيئي مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، أن تلوث الهواء الناتج عن السلوكيات البشرية لا يقتصر تأثيره على المياه الجوفية فحسب، بل يمتد ليشكل تهديدًا كبيرًا للتنوع البيولوجي.
وأوضح بنرامل أن هذا التلوث يؤثر على الكائنات الحية والنظم البيئية بطرق متعددة، مسببًا أضرارًا جسيمة للطبيعة.
وأضاف بنرامل أن من بين آثار تلوث الهواء، ظهور بقع أو نخر على أوراق النباتات، ما يؤدي إلى انخفاض نموها وضعفها، مما يجعلها أكثر عرضة للهجمات الطفيلية من الحشرات والفطريات.
فضلا عن تعرضها للمخاطر المناخية مثل الجفاف، كما يؤدي التلوث إلى إضعاف النباتات وتباطؤ نموها بشكل كبير، مما يؤثر سلبًا على إنتاجية المحاصيل الزراعية.
وأشار بنرامل أيضًا إلى أن التلوث يتسبب في التخثث البيئي للبحيرات والمسطحات المائية، نتيجة لتساقط النيتروجين من انبعاثات أكاسيد النيتروجين والأمونيا، ما يؤدي إلى إثراء البيئات وتعديل توازناتها الكيميائية.
كما يتسبب تلوث الهواء في انخفاض أعداد بعض الحيوانات الملقحة، خصوصًا الطيور والحشرات مثل النحل، ويؤثر على قدرتها على التكاثر ويعيق حصولها على الغذاء الطبيعي والمناسب. ويضيف إلى ذلك:
تأثير على النباتات: يتسبب تلوث الهواء في تلف أوراق النباتات ويقلل من قدرتها على القيام بعملية التمثيل الضوئي، مما يؤدي إلى ضعفها وموتها. وبعض الملوثات مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين يمكن أن تجعل التربة حمضية، مما يؤثر على امتصاص العناصر الغذائية من قبل النباتات. تأثير على الحيوانات: تتعرض الحيوانات لمخاطر مباشرة وغير مباشرة نتيجة تلوث الهواء. ويمكن أن يؤدي استنشاق الهواء الملوث إلى مشاكل في الجهاز التنفسي، ويمكن أن يؤدي تناول النباتات الملوثة إلى تراكم المواد السامة في أجسامها. وبعض الملوثات يمكن أن تؤثر على الجهاز العصبي للحيوانات وتسبب مشاكل في النمو والتكاثر. تأثير على الكائنات الدقيقة: يمكن أن يؤثر تلوث الهواء على الكائنات الدقيقة التي تعيش في التربة والماء، مما يؤثر على خصوبة التربة ودورة العناصر الغذائية. تغير التركيبة السكانية: يمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى تغيير التركيبة السكانية للنباتات والحيوانات، حيث تصبح بعض الأنواع أكثر قدرة على تحمل التلوث من غيرها. اضطراب العلاقات الغذائية: يمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى اضطراب العلاقات الغذائية بين الكائنات الحية، مما يؤثر على استقرار النظام البيئي. تجزئة الموائل: يمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى تجزئة الموائل الطبيعية، مما يعزل الكائنات الحية ويقلل من قدرتها على التكاثر والتنقل. إعلان عواقب وخيمةيتفق الناشط الإعلامي محمد التفراوتي البيئي، مع ذلك، ويقول إنه لا يمكن أن يختلف اثنان عن كون انبعاثات الغازات الدفيئة والملوثات لها العديد من العواقب السيئة على البيئة، إذ إن تأثير هذه الانبعاثات يتضح بشكل كبير في تغير المناخ، حيث تسهم الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان في ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال حبس الحرارة في الغلاف الجوي.
هذا التغير يؤدي إلى وقوع أحداث مناخية متطرفة مثل موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير، فضلاً عن تحمض المحيطات. وتمتص المحيطات ثاني أكسيد الكربون، مما يزيد من حموضتها ويؤثر سلبا على الكائنات البحرية مثل المرجان والأصداف من خلال تعطيل عملياتها البيولوجية، وفق حديث التفراوتي.
في النهاية فإن تلوث الهواء يعد أحد أبرز العوامل التي تؤثر على صحة الإنسان، خاصة في المدن الصناعية حيث ترتفع مستويات الجسيمات الدقيقة والملوثات مثل الأوزون، ويمكن لهذه الملوثات أن تخترق عمق الرئتين، مما يؤدي إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية المزمن.
كما يؤثر تلوث الهواء على صحة القلب والأوعية الدموية، حيث يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية. بالإضافة إلى ذلك، يتسبب في أعراض مزعجة مثل تهيج العينين والأنف والحنجرة، إلى جانب الشعور بالصداع والإرهاق العام، مما يؤثر على جودة الحياة بشكل ملحوظ، وفق حديثهما.
وفيما يتعلق بالتهديدات الصحية طويلة الأمد، يؤكد الخبيران أن مرض السرطان، وخاصة سرطان الرئة، أصبح أكثر شيوعًا بسبب التعرض المستمر لبعض ملوثات الهواء.
فقد أظهرت الدراسات أن التعرض طويل الأمد للأبخرة السامة والغازات الضارة يؤدي إلى حدوث طفرات جينية تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. ومن هنا، يصبح الحد من الانبعاثات الملوثة أولوية قصوى لحماية صحة الأفراد وضمان مستقبل أكثر أمانًا للمجتمعات.
إعلانوكان تقرير غرينبيس قد أشار إلى أن تونس تسجل ما يقارب المعدل المتوسط 2100 حالة وفاة جراء الهواء السام، وهو ما يعني أن هناك يوميا 6 حالات وفاة جراء تلوث الهواء.
الحليعد الحد من التعرض لتلوث الهواء والماء أمرًا ضروريًّا للحفاظ على الصحة العامة، يقول بنرامل إن الحل يبدأ بمراقبة جودتهما بانتظام، ويمكن التحقق من مؤشر الجودة في المنطقة واتخاذ الاحتياطات اللازمة في الأيام التي تكون فيها مستويات التلوث مرتفعة.
واقترحت الدراسة سالفة الذكر عدة إستراتيجيات للمعالجة، منها المعالجة النباتية (استخدام النباتات لتنظيف النترات) والتي قد تكون حلاً جزئيًّا، لكنها تواجه صعوبة في المناطق القاحلة، وبناء أنظمة المراقبة المتقدمة لتتبع حركة الملوثات في المياه الجوفية، والاهتمام بممارسات الزراعة المستدامة واستخدام بدائل للأسمدة يمكن أن يقلل من تلوث النترات.
كذلك تؤكد الدراسة أنه من الضروري أيضًا دراسة الآثار طويلة المدى للتلوث بالراديوم واليورانيوم على جودة المياه والصحة العامة، مما سيساعد في توجيه السياسات البيئية المستقبلية.