ليبيا.. عشرات المفقودين من السوريين بعد الفيضانات الكارثية
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
فقد عشرات السوريين في ليبيا، ويخشى أن يكونوا لقوا حتفهم، بعد أن تسببت عاصفة دانيال في فيضانات كارثية اجتاحت مدينة درنة الساحلية، ليل الأحد الماضي، وأحدثت دمارا هائلا وجرفت أحياء بأكملها إلى البحر.
طبيب أسنان سوري، وحلواني يصنع الحلويات العربية الشهية، ونجار.. هؤلاء نماذج لسوريين غادروا بلادهم التي مزقتها الحرب إلى مدينة درنة الليبية على مدى السنوات الماضية، بحثا عن عمل وفرص أفضل.
وتجاوز عدد القتلى 11000 وهناك أكثر من 10000 في عداد المفقودين. وبعد مرور نحو أسبوع، لا يزال رجال البحث والإنقاذ يحفرون في الطين وحطام المباني في درنة، بحثا عن الجثث.
ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تأكد مقتل 42 سوريا في ليبيا في حين أن العدد الحقيقي قد يصل إلى 150.
من بين الضحايا سوريون كانوا يعيشون ويعملون في ليبيا لفترة طويلة، ومهاجرون سوريون كانوا يستخدمون ليبيا كنقطة عبور في جهودهم للوصول إلى أوروبا، في أغلب الأحيان عن طريق رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط، في قوارب غير آمنة ينظمها المهربون.
قبل عامين، غادر، عمار كنعان، نجل، نسمة جباوي، البالغ من العمر 19 عاما، منزله في محافظة درعا جنوبي سوريا.
توجه كنعان إلى ليبيا حيث خطط للعمل وتوفير المال لدفع رسم للنظام السوري يبلغ حوالي 8000 دولار يعفيه من الخدمة العسكرية الإجبارية.
قالت نسمة إن ابنها تحدث معها آخر مرة بعد ظهر الأحد الماضي.. أخبرها بأنه سيغلق محل الحلويات الذي يعمل فيه ويعود إلى منزله لأنه من المتوقع حدوث عاصفة قوية.
وحاولت مرارا الاتصال به، الاثنين الماضي، دون جدوى. يُظهر حساب واتساب الخاص به أن آخر مرة كان فيها هاتفه متصلا بالإنترنت في حوالي الساعة 1:30 صباحا يوم الاثنين.
وقالت والدموع تخنقها: "لا يزال لدينا أمل".
بينما ضربت العاصفة درنة في وقت متأخر الأحد، قال السكان إنهم سمعوا انفجارات مدوية عندما انهارت السدود خارج المدينة. وجرفت مياه الفيضانات وادي درنة، وهو نهر يجري من الجبال عبر المدينة إلى البحر.
يوم الثلاثاء، توجه عم كنعان بالسيارة إلى درنة من مدينة بنغازي بشرق ليبيا حيث يعمل، ليجد أن المبنى الذي يعيش فيه ابن أخيه قد جرفته المياه.
قالت نسمة "كل من كان بالداخل يعتبر ميتا".
من جانبه، قال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، إنه لم يتمكن من التأكد من وجود ناج واحد من بين 150 سوريا مفقودين في درنة منذ مساء الأحد. لكن من الصعب الحصول على أرقام محددة في أعقاب الفوضى التي أعقبت الدمار.
مثلما هو الحال في سوريا، حيث أودت الحرب الأهلية بحياة نصف مليون شخص وأجبرت أكثر من خمسة ملايين على التحول إلى لاجئين في جميع أنحاء العالم، مرت ليبيا بسنوات من الصراع.
انقسمت الدولة الغنية بالنفط في شمال أفريقيا بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب منذ عام 2014، بدعم من ميليشيات مختلفة ورعاة دوليين. تخضع درنة للإدارة الشرقية في ليبيا، حيث يتمتع القائد العسكري، خليفة حفتر، بسلطة كبيرة.
ومع ذلك، بالنسبة لبعض السوريين، قدمت ليبيا آفاقا لحياة أفضل. يمكن للسوريين الدخول بسهولة إلى ليبيا بتأشيرة سياحية والعثور على عمل، حيث أن الأجور أعلى مما يكسبه الكثيرون في وطنهم.
زيد مرابح (19 عاما)، جاء إلى ليبيا قبل عامين من مدينة حمص وسط البلاد وعمل نجارا.
وروى للأسوشيتد برس عبر الهاتف من درنة كيف شاهد المياه تتدفق نحو مبناه ليل الأحد.
قال مرابح "سمعت دويا عاليا". وكانت هذه هي اللحظة التي انهارت فيها السدود.
عندما بدأ منسوب المياه في الارتفاع في حيه، ركض بشكل محموم نحو الأراضي المرتفعة - تل شيحا الشرقي القريب. ومن هناك رأى المياه تدمر كل شيء تقريبا في طريقها.
عاد مرابح صباح الاثنين بعد أن انحسرت المياه للاطمئنان على عمه وأقاربه. اختفى المبنى الذي كانوا يعيشون فيه. وقال إن عمه، عبد الإله مرابح، وخالته زينب وابنتهما شهد البالغة من العمر سنة واحدة لقوا حتفهم.
وقال إنه بحث في صفوف الجثث الملقاة في شارعهم لكنه لم يتمكن من العثور على عائلة عمه.
في العاصمة السورية، دمشق، تلقى أفراد عائلة قلعجي، الخميس، التعازي في وفاة أفراد عائلتهم الثمانية الذين قتلوا في درنة.
وقالت الأسرة في بيان إن، فراس قلعجي، وزوجته، رنا الخطيب، وأطفالهما الستة سيدفنون في ليبيا.
أفادت، غنى القاسم، بأن ابن أخيها، هاني تركماني، كان طبيب أسنان وصل إلى درنة منذ حوالي تسعة أشهر "لتحسين حياته". وقد وجد له أبناء عمومته، الذين كانوا هناك بالفعل، عملا.
بعد انحسار مياه الفيضانات، ذهب أبناء عمومته الذين نجوا من المأساة للبحث عنه. وقالوا إن شقته كانت مليئة بالمياه والطين، لكن وجود ثقب كبير في الجدار أثار آمالهم في أنه ربما هرب من المبنى أو أخرجه عمال الإنقاذ، على حد قول غنى. وأضافت: "إن شاء الله".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت تفتح ملف المعتقلين السوريين في سجن رومية اللبناني
يعدّ المعتقلون السوريون في سجن رومية -أكبر سجون لبنان ويقع شمال شرق بيروت– الذين تم توقيفهم على خلفية مواقفهم المؤيدة للثورة السورية جزءا لا يتجزأ من قضية "ملف الموقوفين الإسلاميين" في لبنان.
ويشمل هذا الملف مئات المعتقلين من جنسيات مختلفة، من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين الذين احتجزوا على مدار السنوات الماضية بتهم متنوعة، بعضها يرتبط بالصراعات الإقليمية والأحداث الأمنية في لبنان.
وفي بيان لهم، أعلن معتقلو الرأي السوريون بالسجون اللبنانية الثلاثاء 11 فبراير/شباط دخولهم في إضراب عام عن الطعام، ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن مصادر من داخل السجن ذكرت أن "الإضراب سيستمر ولن يتم فكه إلا حين تُولي حكومة أحمد الشرع الأهمية لملفهم المنسي".
ومع التحولات الكبرى التي حدثت في سوريا والتي رفعت آمال المعتقلين السوريين بترحيلهم إلى بلادهم، حيث يصفون ظروفهم في سجن رومية بأنها "صراع يومي للبقاء على الحياة"، تعرض الجزيرة نت في هذا التقرير شهادات لبعض الموقوفين السوريين في هذا السجن، الذين تمكنت من التواصل معهم خلال اعتقالهم.
داخل جدران الزنزانة
يتحدث السجين السوري محمد العمران -اسم مستعار- عن التعذيب الذي تعرض له ومعاناته المستمرة داخل السجن، حيث لا يزال يدفع ثمن مواقفه رغم تغير الظروف التي قادت إلى اعتقاله.
إعلانكان العمران مقاتلًا مع الجيش الحر في منطقة القلمون بريف دمشق، وعندما اجتاحت قوات النظام السابق المدينة لجأ العديد من المقاتلين إلى لبنان، وكان من بينهم.
وفي عام 2014، أوقفه الجيش اللبناني في مدينة عرسال (بلدة لبنانية في قضاء بعلبك) واقتاده إلى أحد الفروع الأمنية حيث خضع لتحقيق مكثف استمر 15 يوما، واستمر اعتقاله حتى اليوم.
بدوره، يصف فارس الأحمد، وهو سجين سوري آخر، الأوضاع في السجن بقوله إن السجناء "يفتقرون إلى أدنى مقومات العيش الكريم، فالاكتظاظ الشديد يجعل التنفس صعبًا فالمكان المخصص لشخصين ينام به 5، وسوء التهوية يزيد من قسوة المكان".
يقول الأحمد، خلال اتصاله المحاط بالحذر الشديد بالجزيرة نت، إن المرضى يُتركون من دون علاج، والطعام شحيح ورديء، والمياه بالكاد تكفي، كما لا يسمح لهم بالتواصل مع عائلاتهم. ويضيف "كأننا محكومون بالعزلة كما نحن محكومون بالسجن. في ظل هذه الظروف القاسية، باتت الحياة هنا مجرد صراع يومي من أجل البقاء".
العمران هو واحد من مئات السوريين الذين اعتقلوا في لبنان بتهم تتعلق بالإرهاب، حيث تعرضوا للتعذيب والضرب داخل السجون اللبنانية، نتيجة لمواقفهم المعارضة للنظام السوري البائد، وفقًا لتقارير من منظمات أممية.
تبلغ الطاقة الاستيعابية لسجن رومية 1200 سجين، لكنه يضم حاليا نحو 4 آلاف، وفقا لنقابة المحامين في بيروت.
ويؤكد مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمد صبلوح أن الاكتظاظ أدى إلى تدهور كبير في مستوى النظافة والخدمات داخل السجن، والدولة اللبنانية تعاني من عجز كبير في تأمين الغذاء للسجناء.
وتتفاقم معاناة السجناء بسبب غياب الخدمات الصحية بشكل شبه كامل، فالدولة غير قادرة على توفير العمليات الجراحية أو العلاج اللازم داخل السجن، وفي حين يتوفر للسجناء اللبنانيين بعض الدعم من عائلاتهم لتأمين المال يفتقر غيرهم إلى هذا الدعم.
إعلانوقد تم توثيق وفاة 29 سجينًا في عام واحد -وفقا للمحامي صبلوح- بسبب الإهمال الطبي، بينهم سوري لم يتمكن من تأمين 7500 دولار لإجراء عملية قلب مفتوح.
وكمثال على هذه المعاناة، فقد انتشر في وقت سابق مرض جلدي بين السجناء، ولم تتمكن إدارة السجن من توفير طبيب، مما دفع السجناء أنفسهم إلى جمع الأموال واستقدام طبيب على نفقتهم الخاصة.
ووفق تقرير لمنظمة العفو الدولية، فقد توفي عدد من المعتقلين داخل السجون اللبنانية بسبب الإهمال الطبي وغياب الرعاية الصحية اللازمة، من ضمنهم بحسب التقرير:
فارق صلاح حيدر (42 عامًا) فارق الحياة في سجن رومية بتاريخ 22 أغسطس/آب 2022، فقد أظهر تقرير طبي شرعي أن سبب الوفاة كان سكتة قلبية، مع معاناته من التهابات جلدية حادة، ورغم تدهور حالته وطلبه علاجًا طبيا عاجلًا لم يتلقَّ أي استجابة من الحراس طوال 4 أيام حتى وافته المنية قبل نقله إلى المستشفى. خليل طالب (34 عاما) في 21 أغسطس/آب 2022 توفي في سجن رومية أثناء توقيفه على ذمة التحقيق. وكان يعاني من داء السكري، وتدهورت حالته سريعًا بسبب عدم توفر العلاج إلا بدفع مسبق من عائلته. ورغم متابعة شقيقه الطبيب لحالته أثناء احتجازه في سجن بعبدا، مُنع من ذلك بعد نقله إلى رومية، مما أدى إلى تفاقم وضعه حتى وفاته.وكانت وزارة الداخلية قد أكدت في تصريحات سابقة أن السجون تعاني من 3 مشكلات رئيسية: الاكتظاظ، ونقص الغذاء، وتردي الخدمات الطبية. وأشارت إلى أن 79% من السجناء لم تصدر بحقهم أحكام بعد، في حين أن 43% منهم من غير اللبنانيين.
وقدمت اقتراحًا إلى البرلمان لتعديل مدة السنة السجنية، بحيث تُخفض من 9 إلى 6 أشهر، على أن يشمل هذا الإجراء جميع الجرائم لمرة واحدة فقط.
اعترافات تحت التهديدمن جهة أخرى، كشف تقرير منظمة العفو الدولية أن السلطات اللبنانية أجبرت المعتقلين على الاعتراف تحت التهديد أو التعذيب، حيث يضطر العديد منهم إلى توقيع محاضر اعترافات زائفة نتيجة لهذه الضغوطات.
إعلانويُستخدم هذا النوع من الاعترافات في المحاكم رغم أنه تم الحصول عليها بطرق غير قانونية، مما يضعف نزاهة الإجراءات القانونية وينتهك حقوق الإنسان.
اتهم العمران بإطلاق النار على الجيش اللبناني، إذ أُجبر على التوقيع على محضر يعترف بمشاركته في القتال ضد الجيش اللبناني. يقول في حديثه للجزيرة نت "اتهمت ووقعت تحت الضغط رغم أنني لم أحمل السلاح يومًا داخل لبنان. تم تلفيق التهمة لي، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم ما زلت في غياهب السجون".
بعد 7 سنوات من الاعتقال، صدر الحكم بحق عمران بالمؤبد، ويرى أنه بعد الحكم "لم يتغير شيء، فالسنوات التي قضيتها في السجن جعلت الحكم مجرد إجراء شكلي لم يضف جديدًا إلى معاناتي. ابني اليوم عمره 11 عامًا ولم أره ولو مرة واحدة منذ اعتقالي".
التعذيبأظهرت تقارير طبية، اطلعت عليها الجزيرة نت، أن فحوصات الطب الشرعي كشفت عن تعرض عدد من السجناء للتعذيب، فقد وُثّقت آثار ندبات عميقة، وعلامات واضحة على التعليق والضرب العنيف، بالإضافة إلى حروق تشير إلى سوء المعاملة الجسدية التي تعرضوا لها خلال احتجازهم.
ويروي المحامي صلبوح عن أحد الموقوفين السوريين في لبنان كيف تعرض خلال التحقيق للتعذيب الشديد، ومن ذلك استخدام الكهرباء في أعضائه التناسلية، إذ أُجبر تحت وطأة الألم على الاعتراف بتهم لم يرتكبها.
ووفق المحامي المتخصص في الدفاع عن المعتقلين السوريين، فإن هذه الانتهاكات ليست حالات فردية، بل تم توثيقها في تقارير حقوقية متعددة أكدت تعرض الموقوفين السوريين لضغوط نفسية وجسدية شديدة.
وفي بعض الحالات، وصل التعذيب إلى حد الوفاة، كما حدث مع الشاب السوري بشار عبد السعود (30 عامًا) الذي توفي متأثرًا بجراحه بعد تعرضه للتعذيب على يد عناصر من "المديرية العامة لأمن الدولة" في لبنان.
وقضى حكم قضائي صادر عن محكمة التمييز الجزائية اللبنانية برقم 33/2023، حصلت الجزيرة نت على نسخة منه، بتبرئة بشار ورفاقه الاثنين الذين أجبروا على تقديم إفادات بانتمائهم لمجموعات إرهابية في سوريا تحت وطأة التعذيب والضغوط.
لا يختلف حال السعود عن حال الأحمد الذي يقبع في السجن منذ 9 أشهر من دون أن يُحسم مصيره، إذ تترتب على تهم الإرهاب عاقبتان حقوقيتان شديدتا القسوة، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية.
إعلان الأولى هي أن الحبس الاحتياطي للأشخاص المتهمين بالإرهاب لا يتقيد بمدة زمنية. الثانية هي أن المشتبه بهم المدنيين يُحاكمون أمام محكمة عسكرية، وهو إجراء ينتهك حقوق الإنسان ولا يضمن لهم محاكمة عادلة.وتُشير الأرقام، وفق صلبوح، إلى أن إجمالي عدد السوريين المعتقلين في لبنان يقدر بين 1750 إلى 1800 شخص، تتنوع التهم الموجهة إليهم بين السرقة والتزوير والاختلاس وقضايا أخرى، و يُتهم حوالي 179 إلى 200 منهم بقضايا تتعلق بالإرهاب، ونحو 170 محتجزون في سجن رومية، بينما يتوزع الباقون في سجون لبنانية أخرى.
ويقول المحامي صبلوح إن التأخير الكبير في المحاكمات يجعل البراءة عديمة القيمة بعد مرور سنوات، فقد قضى العديد من السوريين سنوات طويلة خلف القضبان. ويضيف أنه تم توثيق حالات لموقوفين أفرج عنهم بعد سنوات طويلة بتهم ثبت أنها غير صحيحة، وذلك ما يُظهر بشكل صارخ انتهاك حقوقهم.
وقد أفاد الشبان المعتقلون في سجن رومية، والذين تمكنت الجزيرة نت من التواصل معهم، بأن التحقيقات بمجملها كانت ترتكز على توجهاتهم السياسية وعلاقتهم بالثورة السورية.
ويتفق ذلك مع نتائج تقرير لمنظمة العفو الدولية كشفت فيه أن مسؤولي مخابرات الجيش اللبناني والقضاة وجهوا تهما لسوريين بالمشاركة في معركة عرسال ضد الجيش اللبناني أو بالانتماء إلى جماعات تصنفها السلطات اللبنانية إرهابية، مثل تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو الجيش السوري الحر أو غيرها من فصائل المعارضة المسلحة التي قاتلت النظام السوري السابق وحلفاءه.
وحصلت الجزيرة نت على نسخة من حكم قضائي صادر عن محكمة التمييز الجزائية عام 2018 يؤكد أن الجيش السوري الحر لم يُصنَّف قانونيا منظمة إرهابية في لبنان، وقد جاء هذا الحكم بعد أن اعتبر قاضي التحقيق العسكري أن المشاركة في القتال ضمن صفوفه تُعدّ عملًا إرهابيا، ورغم ذلك استمر القضاء العسكري في اتهام السوريين بالانتماء إلى "عصابة مسلحة"، مما يعكس تناقضًا قانونيا في التعامل مع هذه القضايا.
ينقسم الموقوفون السوريون في سجن رومية إلى فئتين رئيسيتين:
إعلان الأولى تضم لاجئين سوريين عاديين وجنودًا مقاتلين مع الجيش الحر، من الذين لجؤوا إلى لبنان هربًا من الحرب من دون أن يكون لهم أي نشاط عسكري داخله. الثانية تشمل مسلحين متورطين في معارك عرسال عام 2014، وعناصر متهمة بالمشاركة في تنفيذ تفجيرات انتحارية دامية، أودت بحياة مئات الضحايا بين قتيل وجريح.وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن العديد من هؤلاء اللاجئين وجدوا أنفسهم معتقلين تعسفيا في لبنان، حيث واجهوا ظروفًا مشابهة لتلك التي هربوا منها خاصة بعد أحداث عرسال.
ومع تغير المشهد السوري، يطرح التساؤل عن مصير المعتقلين السوريين الذين سُجنوا بتهم الإرهاب بسبب ارتباطهم بالثورة السورية، إذ يطالب الموقوفون الإسلاميون في لبنان برفع الظلم عنهم وإغلاق ملفاتهم بشكل نهائي، داعين إلى إطلاق سراحهم بشكل عاجل.
يقول سعيد، وهو اسم مستعار لأحد المعتقلين في سجن رومية ممن تواصلت معهم الجزيرة نت، إن المعتقلين لا يسعون لإثارة مشاكل مع إدارة السجن أو مع الحكومة اللبنانية، بل هدفهم الوحيد هو العودة إلى وطنهم.
ويضيف "نحن نتابع الأخبار، ونشعر بأن ملفنا لا يحظى بالاهتمام الكافي. كانت لحظة فتح السجون في سوريا لحظة فرح عارم لنا، وأصبح لدينا شعور قوي بأن الإفراج عنا مسألة وقت، وأن الإدارة الجديدة ستعمل على إرجاعنا إلى بلادنا بعد سنوات طويلة من الاعتقال".
ويشير إلى أنه رغم أن الظروف في سجن رومية ليست بدموية ما كان يجري في سجن صيدنايا، فإنها تستحق أن يُلتفت إليها.
ويضيف "نعيش مظلومية كبيرة، ونحن نعلم أن هناك آلافا من العائلات التي تنتظر عودة أبنائها، لكن يبدو أن ملفنا يسير ببطء شديد كأنما يمشي كالسلاحف. نطلب من الجهات المعنية أن تولي قضيتنا اهتمامًا رسميا".
وأكد المحامي نبيل الحلبي، رئيس مؤسسة لايف للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الخطوة الحاسمة الآن تقع على عاتق الإدارة السورية الجديدة، موضحًا أن هناك كتاب طلب استرداد يجب أن يُقدَّم رسميا من وزارة العدل السورية، وينقل عبر وزارة الخارجية والمغتربين السورية إلى السفارة اللبنانية في دمشق.
إعلانوأضاف الحلبي أنه عند وصول هذا الكتاب إلى الحكومة اللبنانية المستقيلة دون تنفيذ الإجراء المطلوب فذلك يعني أن الأمر متعمد، مما يفتح باب التساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء استمرار احتجاز المعتقلين السوريين في لبنان رغم التطورات السياسية الأخيرة.
وطالب المرصد اللبناني لحقوق السجناء بتشكيل لجنة حكومية مشتركة لتنفيذ الاتفاق الذي تم الإعلان عنه رسميا إبان زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال السابق نجيب ميقاتي الأخيرة إلى دمشق، حيث نصّ على "استرداد كل المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية".
كما طالب المرصد مجلس النواب اللبناني بإقرار قانون العفو الذي تم تقديمه أخيرًا من قبل مجموعة من النواب والخبراء القانونيين، إذ إن ملفات السجناء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين متشابكة ومن حقهم جميعا أن تتم مقاربة أوضاعهم من منطلق إنساني وليس من منطلق سياسي.
ويرى وزير العدل اللبناني الأسبق إبراهيم النجار أن الاتفاقية الموقعة بين سوريا ولبنان قابلة للتطبيق وتحقق الغاية المرجوة، ولكن في إطار القانون.
ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن نقل المساجين السوريين يجب أن يكون مشروطًا بتنفيذهم لعقوباتهم في سوريا حتى لا يفلتوا من العقاب.
ويعارض النجار الدعوات لتطبيق العفو العام، مشيرًا إلى أنه غالبًا ما يُمنح لدوافع سياسية أو دينية أو طائفية، وهو ليس من مؤيديه.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024 حثَّ تكتل "الاعتدال الوطني" البرلماني الحكومة اللبنانية والجهاز القضائي على التحرك الجاد والعاجل لإنهاء الظلم الواقع على الموقوفين في لبنان بتهم تتعلق بدعم الثورة السورية. وأكد التكتل التزامه بمتابعة هذا الملف باعتباره قضية وطنية ملحّة، مشددًا على ضرورة وضع حد لمعاناتهم.
وأعلن التكتل عزمه تقديم اقتراح قانون شامل للعفو العام إلى مجلس النواب، مع المطالبة بعقد جلسة تشريعية عاجلة لإدراجه على جدول الأعمال والتصويت عليه.
إعلان ضغط على السجونيذكر أنه في عام 2022 كان المدير العام للأمن العام اللبناني آنذاك اللواء عباس إبراهيم قال خلال مؤتمر صحفي إن 42% من إجمالي المسجونين في لبنان هم من الجنسية السورية، وهو ما يمثل ضغطًا إضافيا على أوضاع السجون في البلاد.
أما على صعيد المواقف السياسية، فقد شدد وزير العدل اللبناني السابق اللواء أشرف ريفي في ديسمبر/كانون الأول 2024 على ضرورة إيجاد حل جذري لأزمة السجون قبل تفاقمها.
وأشار الريفي إلى أن وضع السجناء السوريين يتطلب معالجة إنسانية وأخلاقية، لا سيما بعد انتهاء حقبة نظام بشار الأسد.
كذلك اقترح إمكانية تسليم المحكومين السوريين إلى بلادهم بعد ضمان عدم تعرضهم للتصفية، مؤكدًا وجوب الإفراج عن كل من اعتقل في لبنان بسبب مواقفه السياسية المناهضة للنظام السوري.
ويطرح المحاميان اللذان تحدثت إليهما الجزيرة نت حلولًا قانونية في الجانب اللبناني لتصحيح المسار، وتشمل سنّ قوانين لتسوية أوضاع الموقوفين، وتعديل اتفاقيات تسليم السجناء بين لبنان وسوريا بما يسمح بترحيل المعتقلين السوريين في لبنان إلى سوريا، والقيام بإصلاح جذري للنظام القضائي اللبناني، خاصة في ما يتعلق بتعامله مع قضايا التعذيب والإرهاب.