قال مجلس السيادة الانقلابي في السودان، إن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بحث في زيارته لتركيا، مسار “العلاقات الثنائية، التعاون الاقتصادي، المساعدات الإنسانية”، فهل هذه فعلاً كل أجندات الزيارة؟.

الخرطوم: التغيير

اختتم قائد الانقلاب في السودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان، نهايات الأسبوع الماضي، زيارة قصيرة إلى تركيا، أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

وبعد أشهر من حصار قوات الدعم السريع، أفلح البرهان الشهر المنصرم، من الخروج من مقر القيادة العامة للجيش، ليبدأ جدول زيارات خارجية شملت (مصر وجنوب السودان وإريتريا ويوغندا) لحشد الدعم والتأييد لوجهة النظر الحكومية (وجهة نظر الجيش) في الحرب التي أكملت شهرها الخامس، وتفسر ما جرى في 15 أبريل بأنه تمرد عسكري يجب التعامل معه بحسم.

وناقشت قمة (البرهان – أردوغان)، طبقاً لوزير الخارجية المكلف، علي الصادق، ملفات (العلاقة التاريخية الوثيقة بين البلدين، وتعزيز التعاون الاقتصادي، وزيادة العون الإنساني).

وأبان الوزير أن البرهان حصل على تأكيدات من تركيا بالمشاركة الفاعلة في إعمار ما دمرته الحرب، والعمل على إنجاح الموسم الزراعي الحالي.

وأودت حرب العسكر في السودان بحياة الآلاف، وشردت ما يزيد عن 5 ملايين شخص من منازلهم، ودمرت البني التحتية في أهم حواضر البلاد (العاصمة الخرطوم)، وعطلت عجلة الاقتصاد في أهم الولايات المنتجة (دارفور وكردفان)، وصولاً إلى إمكانية انزلاق البلاد في حرب أهلية شاملة، لا تبقي ولا تذر.

 

الزيارة 

 

يقول المحلل الاقتصادي،  محمد سر الختم، إن زيارة البرهان إلى تركيا، ذات طابع اقتصادي بحت، ويمكن قراءة ذلك في ملخص الزيارة.

وقال إن السودان في حاجة ماسة إلى العون الاقتصادي، بعد تطاول آجال الحرب، وخسران الخزينة العامة لمعظم إيراداتها، مع عجزها عن الإيفاء بمطلوبات السودانيين المنكوبين، بما في ذلك الأجور والمرتبات.

ولفت إلى أن تحركات البرهان الخارجية، قد تفلح في فك الضوائق الماثلة –ولو جزئياً- من خلال زيادة المساعدات للأسر النازحة التي فقدت معظم مواردها، فيما تعد نقطة دعم الموسم الزراعي مفصلية –على حد قوله- باعتبارها تساعد قطاع كبير من المزارعين في مواصلة أنشطتهم، وتسهم كذلك في توفير ولو نسبة ضئيلة من محاصيل الأمن الغذائي، لا سيما في ظل عجز البنوك عن تمويل الأنشطة الزراعية والاقتصادية بعد النكبة التي تعرضت إليها من جراء الحرب.

وشهدت المناطق المنكوبة بالحرب، خاصة الخرطوم، عمليات نهب واسعة للبنوك والمصارف، ما يهدد كثير منها بالإفلاس، وفقدان العملاء لمدخراتهم، خاصة بعد تدمير معظم أنظمتها الإلكترونية.

 

أبعاد سياسية 

 

يطالب الباحث السياسي في الشؤون الدولية، عبد العال كمال الدين، بترك البيانات الرسمية الخاصة بزيارة البرهان إلى تركيا، والتحول إلى ما لم تقله الزيارة.

وقال إن الزيارة في أحد أهم أبعادها، تعكس اتجاه حكومي للتجهيز لمركز جديد للمفاوضات، خاصة في ظل الزيارات الوثيقة التي تربط أردوغان بطرفيِّ النزاع في السودان.

ونوه إلى أن تلك الفرضية يسندها بقوة، حالة التعثر التي تصاحب العملية التفاوضية في منبر جدة، وبروز عدة أطروحات إقليمية، وهو ما يمهد بدخول تركيا كطرف في هذه المعادلة.

جدير بالذكر إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يمتلك علاقات وثيقة بتنظيم الأخوان المسلمين، ولا تزال أنقرة تحتضن عدداً كبيراً من قادة نظام المخلوع البشير الملاحقين في قضايا واتهامات تتصل بممارسة الفساد والانتهاكات، فما هو أثر ذلك على خططها للعب دور سياسي في السودان.

يجيب كمال بأن التجربة أثبتت بأن البرهان وأردوغان –على حدٍ سواء- يمتازان بالبراغماتية، وبالتالي إن اقتضت المصالح، فقد يتم إبعاد الإسلاميين عن الأراضي التركية أسوة بما جري لقادة التنظيم المصريين، وإن لم تمض الأمور كما يريد الجنرال، فحينها سيعمل على الاستفادة من رجالات المخلوع في بلاد خلافة العثمانيين.

 

أهداف عسكرية

 

هل يمكن أن تكون زيارة البرهان إلى تركيا انقضت دون مناقشة ملفات عسكرية؟ ويرد عبد العال كمال، إن الزيارة بلا شك قد ناقشت دعم الجيش السوداني.

وقال إن الدعم حتى وإن لم يكن مباشراً، فقد يكون من خلال مراقبة الحدود السودانية الليبية، وقطع خط الإمداد الخاص بقوات الدعم السريع عبر ليبيا، ويقوده أبرز خصوم أنقرة هناك، وحليف حميدتي: الجنرال خليفة حفتر.

يذكر أن تركيا سلمت الجيش السوداني، مسيرات من نوع بيرقدار، ويجري استخدامها في المعركة الحالية، إنفاذاً لاتفاق بين الطرفين سبق اندلاع العملية العسكرية.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: زیارة البرهان فی السودان إلى ترکیا

إقرأ أيضاً:

البرهان.. مخاطر الرقص على رؤوس الأفاعي

البرهان.. مخاطر الرقص على رؤوس الأفاعي

صلاح شعيب

منذ ظهوره في المشهد السياسي ظل البرهان يعتمد على المراوغة لخلق ديكاتوتورية أخرى، بدلاً من الامتثال لوظيفته السيادية المتمثلة في حماية انتقال ثورة ديسمبر ثم قيادة البلاد للانتخابات مع المكون المدني، وفقاً للوثيقة الدستورية.

هذه الحرب الدائرة التي أوقدها جيش البرهان بمعاونة المؤتمر الوطني – بجانب أنها حررته من وظيفته تلك – عدها أفضل وسيلة له لتحقيق حلم والده. ولكن من الجهة الأخرى فإنه يدري تماماً أن تحالفه مع الإسلاميين مرحلي، وأنه لو انتصر في الحرب فليس أمامه سوى التخلص منهم قبل تضحيتهم به. إذن فهو تحالف المراوغة، والمكر بينه وبين الإسلاميين، والذي يتطلب قدراً عالياً من التحسب لمؤامرات حاضر مجريات الحرب، وللمستقبل الذي يلي نهايتها بفوز الجيش بالمعركة، كما يتصور المتحالفون خلف راية “الكرامة”.

الطرفان يدركان بعضهما بعضاً جيداً. فالبرهان، ومؤيدوه، داخل الجيش لديهم من التجربة مع الإسلاميين ما تؤهلهم لمعرفة مكر الإسلاميين المغامرين المتعاونين معه لإنجاز مرحلة نصر تعقبها مرحلةَ كاملِ الاستيلاء على سلطة البلاد. وهؤلاء الإسلاميون الماكرون يدركون البرهان تماماً لكونهم رصدوا كل ما يتعلق بسلوكه، ونفسياته، واخترقوا مجالات تحركه، خصوصا أن عضويتهم في المخابرات العسكرية، وجهاز الأمن، تملك ملف البرهان بالكامل منذ أن كان ضابطاً صغيراً.

مصلحة البرهان – الإسلاميين من ناحية أخرى لا تعني بأي حال من الأحوال أنه يمتلك من عدداً كبيراً من الضباط غير الإسلاميين ليرجح كفته. فما يراه السذج بأن الجيش موسسة قومية لا يأخذون في الاعتبار أن القوات المسلحة إنما كانت مثل المزرعة التي تنجب فراخ الإسلاميين لمدى ثلاثة عقود تقريباً.

البرهان الذي كسب مرحلياً من مراوغة المدنيين، وكذلك الدعم السريع، يعتقد أن سياسة الرقص على رؤوس الأفاعي سيحقق له مراده. وهو بعد لم يتعظ من تجربة خلفه البشير الذي عمد منذ المفاصلة إلى التلاعب مع إخوانه الإسلاميين الذين خبر مضاء مكيدتهم جيداً. ففي الخارج حاول البشير المراوحة بين اللعب إقليميا مع الإمارات – السعودية من جهة ضد محور قطر – إيران من الجهة الأخرى. ومرات رأيناه يستجيب للولايات المتحدة فيما يتجه في آخر أيامه شرقاً ليطلب من الروس الحماية الكاملة لنظامه. ولكن الديكتاتور الإسلاموي خسر في النهاية الجميع، محلياً، وإقليمياً، ودولياً. خدعه قوش، وتآمر ضده بليل، ولم يكسب ولاء قطر أو الإمارات، ولم يحمه بوتين. فانتهت مراوغة البشير بسقوط نظامه حين ضغط الثوار على أبواب المدينة، واخترقوا الفضاء الواسع أمام بوابة الجيش بعد أن تخاذل أفراد جهاز الأمن، وفي الأثناء بقي حميدتي في المرخيات يراقب الوضع عن كثب رافضاً الاستجابة لفتوى شيخ عبد الحي بقتل ثلث الشعب.

كل تلك المشاهد التي أفرزتها سياسة المراوغة التي تعهدها البشير لم تقنع البرهان دون اعتماد سياسة مناوئة تضمن الاعتبار لسلامته. ومع ذلك ظل بعد انحيازه للمدنيين يستجيب لمطالبهم للحوار، ولكنه في الظلام يخطط ضد رغبتهم في الانتقال حتى فض اعتصامهم. وجدناه يتآمر مع ترك لإغلاق الميناء الرئيسي والطريق الرابط بينه وبقية اجزاء السودان، ومن وراء ظهر حمدوك يلتقي نتنياهو ليجد الحماية الدولية. وهناك في غرف القصر يخطط مع الحركات المسلحة لخلق قاعدة تساعده للانقلاب. ولما يفشل في تكوين حكومة يعود للحرية والتغيير ليخدرها بالاتفاق الإطاري بينما يخطط في ذات اللحظة للإعداد للحرب المتآمرة ضد الثورة بعد التوافق مع الإسلاميين في هذا الشأن. وأثناء المعارك ضد الدعم السريع يتآمر مع الإسلاميين لتكون هناك خطة لشيطنة قحت، والتضييق على قادتها، ووصفهم بالعملاء، والخونة. ولاحقا يتنازل عن كل هذا ليداهن فريق صمود بعد انقسام تقدم، ثم تجده يغضب الإسلاميين بقوله ألا يتصوروا عودتهم للحكم على “أشلاء” المواطنين. ولما يتعرض للنقد الحاد يرضي إخوان نسيبة بالقول إن كلاً من شارك في معركة “الكرامة” سيكون جزء من الحكومة التي يزمع تشكيلها بعد تعديلاته الدستورية التي كفلت له ليكون الديكتاتور الرابع في تاريخ القطر.

بخلاف هذه النماذج لسياسة المراوغة التي اتبعها البرهان للاحتفاظ بالسلطة في مربعه، هناك الكثير منها التي توضح أن الرجل لا يبالي بالكلفة الباهظة ليكون دائماً المنتصر مهما أفرزت هذه السياسة من كوارث إنسانية للسودانيين. فهو لا يضع تحسباً لخطورة سياسته التي تهدد بتجزئة البلاد، وإنما يفكر فقط في سلامته اللحظية حتى يخرج من هذه المآسي منتصراً، ومن ثم يجد على الأقل خمس، او عشر، سنوات من الانفراد بالسلطة.

فواضح من التعديلات التي أعملها في الوثيقة الدستورية فصل البرهان سلطة تحقق شهوته هو لا المتحالفين معه الذين يريد أن يستصحبهم معه لمقاسمة وضع ما بعد الحرب. ولكن هل يضمن حلفاؤه الإسلاميون تحديداً أنهم سوف ينالون كل مرادهم وهم في وضع الارتداف خلف السرج، وما هي الضمانات بأنه سوف لن يضحي بهم عندئذ خصوصاً أنهم يدركون ان الإقليم، والعالم، يعمل ضدهم منذ حين، ولن يسمح بإعادتهم للسلطة عبر أراجوز عسكري؟

إذا تصورنا للحظة بأن البرهان سينتصر لا محالة على الدعم السريع، ومن ثم يتحكم على السلطة في البلاد فإن تحدي الإسلاميين الكبير أمامه لن يمنحه القدرة على استمراء سياسة المراوغة، والمكر، والتي يبرعون فيها لكونها من لب نظريتهم التي تقوم على التقية. وحينئذ ستتكاثف الجهود الإقليمية، والدولية، للتخلص منهم كشرط لدعم البرهان في استئناف العلاقة الطيبة معه، إذا كان انتصار جيش البراء مضموناً، وهذا ما يستبعدهم مراقبون كثر.

اعتقد أن الإسلاميين سيظلون يقظين تجاه مراوغة البرهان في ظل حلمه الرئاسي، ومن ناحيته سيظل منتبهاً لثقل تأثيرهم ما يجعل الطرفين في حالة دائمة من عدم الثقة التي تحرض على الافتراق البين، إما عاجلاً أو آجلا.

الوسومإيران الإسلاميين الإمارات البرهان البشير الدعم السريع السعودية السودان المفاصلة الولايات المتحدة روسيا صلاح شعيب قطر

مقالات مشابهة

  • حمدوك يطلق نداء عاجل لوقف الحرب وعقد اجتماع بين مجلس الأمن و السلم الأفريقي
  • أردوغان: لا يمكن تصور ”الأمن الأوروبي” بدون تركيا!
  • رئيس مجلس السيادة يتوجه إلى القاهرة -للمشاركة في القمة العربية الطارئة
  • الثائر الجيد هو الثائر الميت: التصفيات الجسدية كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة في السودان
  • تركيا الأولى في التضخم بمنظمة التعاون الاقتصادي
  • ???? طائرات السيادة الجوية الجديدة تحلق في سماء السودان
  • أردوغان يجدد رغبة بلاده بالانضمام للاتحاد الأوروبي.. لا يُتصور أمن لأوروبا دون تركيا
  • أردوغان: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أولوية استراتيجية
  • تركيا.. الصورة الأولى لزعيم حزب النصر من السجن
  • البرهان.. مخاطر الرقص على رؤوس الأفاعي